"لا غالب ولا مغلوب"… لوحظ ان هذه العبارة كانت أهمّ ما ردّده الجانبان السعودي واليمني غداة توقيعهما في العاصمة المقدسة - مكةالمكرمة - على مذكرة تفاهم بين حكومتي المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية لحلّ الخلافات الحدودية بين البلدين. وقد ردّد تلك العبارة ليلة توقيع المذكرة الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران. ووردت في اليوم التالي في تصريحات أدلى بها في صنعاء الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وهكذا فإن الذين تابعوا المفاوضات السعودية - اليمنية التي استمرت شهراً كاملاً في العاصمة الرياض، قبل ان تنتقل الى مكةالمكرمة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، خلصوا الى ان توقيع المذكرة يمثل تتويجاً حقيقياً لجهود مفاوضي البلدين. ولاحظوا ان حرص حكومتيهما على ان يضم فريق المفاوضين وجوهاً سياسية معروفة يُعدّ دليلاً على اهتمام الرياضوصنعاء بضرورة حل القضايا العالقة، خصوصاً مشكلة الحدود. وحرص الأمير سلطان بن عبدالعزيز على اضافة مناخ من الود والأخاء على اجواء القاعة التي شهدت التوقيع على مذكرة التفاهم بين السعودية واليمن ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان. ونجح في توفير عناصر النجاح الكامل لمراسم التوقيع التي تمت في قصره في مكةالمكرمة، وأشار في كل الكلمات والأحاديث التي ارتجلها وادلى بها في تلك المناسبة الى تزامن الحدث الكبير مع مناسبة دينية اسلامية مهمة: فقد أمّ أكثر من مليون مسلم المسجد الحرام لختم القرآن الكريم في ليلة القدر. وكان ملفتاً ان الأمير سلطان بدأ جلسة التوقيع بالاشادة بالعلاقات القوية والمتينة بين السعودية واليمن، في اشارة واضحة الى النجاح الذي تحقق، ورأى ان اطالة الفترة التي استغرقتها اجتماعات الجانبين دليل على عمق الاخوة واحساس الجانبين بما يصبوان اليه لتنظيم العلاقات وتلافي أي مشكلات. وأشار الأمير سلطان الى ان الحكمة والمحبة والأخاء من السمات التي يجب ان يتحلى بها الخبراء الذين سيستكملون العمل في وضع الاتفاقية قيد التنفيذ. وحذر من "ان التفاؤل ليس بطولة، وانما البطولة هي التعقل في التصرف، والاجادة في العمل". وأكد ان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، شكرا أعضاء فريقي الجانبين على ما تحملوه من مشقة الخروج بالاتفاق الى بر الامان، بما يعزز العلاقات السعودية - اليمنية. سحابة صيف عابرة ولاحظ المراقبون ان تصريحات الأمير سلطان التي أدلى بها إثر توقيع المذكرة اتسمت بالصراحة، وكانت مباشرة، اذ أوضح أن ما حدث كان "سحابة صيف انقشعت، وعادت الأمور الى سابق عهدها من الود والصفاء". ولفت الأمير سلطان الى وضعية المواطنين اليمنيين المستفيدين من توقيع المذكرة، وقال ان نصف مليون يمني يعيشون في المملكة العربية السعودية ويعملون بمحبة واخاء مع اخوانهم السعوديين، وذكر ان التعاون بين الجانبين سيكون لصالح الأمة العربية. ورأى المراقبون انه ربما كانت هناك نقاط سترفع الى قيادة البلدين خلال الاجتماع الذي يجري الاعداد له، بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس اليمني علي عبدالله صالح، خصوصاً ان القضية حسبما رأى الأمير سلطان "ليست قضية يوم أو يومين، انما قضية حدود طويلة وعريضة لأكثر من ألف كيلومتر، وهذه لها لجان محددة في مذكرة التفاهم، وستنشأ لجان من الجانبين لتحدد كل شيء على الطبيعة وعندما تنتهي في شهر أو سنة توقع من خادم الحرمين الشريفين والرئيس اليمني". وأكد الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي ان قوة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية "هي الشيء الطبيعي". وكان قد أدلى بتصريحات صحافية إثر توقيع مذكرة التفاهم قال فيها "ان الشيء الطبيعي ان تكون علاقتنا باليمن الشقيق علاقات قوية ومتينة لأنها لخير البلدين، ولا يمكن للمملكة العربية السعودية، كما يتحدث عنه الواقع، الا ان تعمل لما فيه خير الشعب اليمني، كما هو واجب عليها ان تعمل من أجل الشعب السعودي". ووصف وزير الداخلية السعودي شعوره بهذه المناسبة "بأنه شعور المواطن الذي يحب الخير لوطنه". وفي اجابة للأمير نايف على سؤال عن اللجان المشتركة، خصوصاً ان وزارة الداخلية هي الجهة المخولة بالحدود، أشار الى "ان ما يتعلق بترسيم الحدود هو من مهمة اللجان التي ستعمل على هذا". وقال: "ان مسؤوليتنا نحن كوزيري داخلية في البلدين اننا نحقق الاستقرار الأمني على الحدود، ونجعل الأمور طبيعية ونستمر حتى تواكب الروح التي تتحدث عنها مذكرة التفاهم". وقال رداً على سؤال عن عدم الاشارة الى تحريك القوات أو الحشود، خصوصاً ان بعض وكالات الأنباء لا زالت تشير الى استمرار تلك الحشود، "ان روح المذكرة وما تم التفاهم عليه تترجم او تقول ان هذا الوضع يجب ان ينتهي اذا كان موجوداً". استتباب المناطق الحدودية وأجاب على سؤال أشير فيه الى ان الوضع بالنسبة للحدود الآن آمن ومستتب، وهل تمت تسوية ما تم الحديث عنه في بداية منطقة الخرخير بشكل نهائي، بقوله "انه خلال هذه الأيام لم يكن هناك شيء، ونرجو ان يعود الوضع الى ما كان عليه قبل اشهر، لأن الحالة الأمنية على الحدود كانت جيدة وممتازة". وأضاف وزير الداخلية: "حتى في الوقت الذي نأسف بأنه كان هناك عدم وجود قنوات او اتصال بين البلدين، كانت الأمور الأمنية بيننا وبين اليمن طبيعية، ونرجو ان تكون الآن أفضل مما كانت عليه في السابق". التزام الود والاخاء وقال رداً على سؤال عن صدور بيان من بعض العلماء في اليمن حمّلوا فيه المملكة العربية السعودية مسؤولية هذا التوتر وطالبوا الحكومة اليمنية باجراءات مشددة في مسار المفاوضات، "أنا والله لم أسمع هذا، ولكنه في الواقع أمر لا يتفق مع الحقيقة، ونحن لم نسع، ولم نعمل، لأي توتر مع اخواننا في اليمن. وهذا معلوم بشكل كامل لدى وزارة الداخلية اليمنية، ولدى الاخوة المسؤولين على الحدود في البلدين". وأكد في رده على سؤال عن وجود اسرى سعوديين لدى اليمن وأمور معلقة حول هذا الجانب وهل تم بحثها بشكل نهائي عدم وجود أسرى. وقال "في الواقع ما أعرف ان هناك اسرى، ولكن هناك طبعاً قبائل مشتركة على الحدود، خصوصاً في المنطقة من جبل ثار الى البحر، وكذلك من جبل ثار الى الشمال، او الى الجنوب الشرقي ممكن ان تسير مثلما كانت في السابق وبالتالي تنهي المشاكل، ومن المسؤولين على الحدود ودون ان ترجع الى الجهات المسؤولة. ونرجو ان يتحقق هذا إن شاء الله". وأوضح الأمير نايف في اجابته عن سؤال عما تم في مسألة الفصل بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي "نحن نعتبر ان هناك جمهورية يمنية نتعامل معها من هذا المفهوم". وقال رداً على سؤال عن ان الاحداث والمناوشات التي كانت على الحدود كانت فردية ولم تكن من جهات رسمية، "من ناحيتنا لم يكن هناك شيء". وأوضح وزير الداخلية السعودي، في معرض رده على سؤال عن تمتع المواطنين اليمنيين بالتسهيلات التي كانوا يتمتعون بها، "ان الأخوة اليمنيين يتمتعون بكل التسهيلات، كما اشار الى ذلك الأمير سلطان بن عبدالعزيز في مقدمة أي جنسية عربية موجودة في المملكة". وأشار الى انتقال القبائل بين البلدين بقوله "ان هذا موجود في معاهدة الطائف وسينظم في الاتفاقية النهائية بين البلدين". وأضاف "اما مسألة القبائل فهي في الواقع في كل الاتفاقيات بيننا وبين الدول العربية المجاورة، وهناك تحرك بالنسبة للمراعي وهي شيء قد يكون طبيعياً ولم تكن هناك مشكلة في هذا الأمر". وعما اذا كان هناك ضمانات للسيطرة على تحركات هذه القبائل مما قد يحدث مستقبلاً، أشار الى ان ذلك يرجع للمسؤولين في البلدين، وافهام القبائل انه يجب التزام الاخاء والود. وقال: "نحن من ناحيتنا نستطيع ان نضمن قبائلنا". وأشار الى الحدود مع سلطنة عمان بقوله "ان هذا الأمر متروك للجنة القادمة التي أشير اليها في المادة الثالثة كما اعتقد ولا بد ان يكون فيه نقطة ثلاثية بين الدول الثلاث وهذا سابق لأوانه". ورأى في اجابته عن سؤال عن فكرة الوساطة العربية بأنه لا يجد هناك مبرراً لأي وساطة، وقال "ان شاء الله لا تصل الى التحكيم". مذكرة التفاهم السعودية - اليمنية تنشر "الوسط" نص مذكرة التفاهم التي وقعها عن حكومة المملكة العربية السعودية ابراهيم عبدالله العنقري المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، وعن الجانب اليمني نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتنمية عبدالقادر عبدالرحمن باجمّال: بسم الله الرحمن الرحيم مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة الجمهورية اليمنية. رغبة في ترسيخ وتمتين اواصر العلاقات الاخوية بين المملكة فقد اتفق الطرفان على ما يلي: المادة الأولى: يؤكد الطرفان تمسكهما بشرعية والزامية معاهدة الطائف الموقعة في السادس من شهر صفر سنة 1353 ه الموافق 20 مايو لسنة 1934 وملاحقها وهي المعروفة باسم "معاهدة الطائف" التي يشار اليها لاحقاً باسم المعاهدة. المادة الثانية: تشكل لجنة مشتركة من عدد متساوٍ من الطرفين خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً تكون مهمتها تجديد العلامات المقامة طبقاً لتقارير الحدود الملحقة بالمعاهدة الموجودة منها والمندثرة وذلك ابتداء من نقطة الحدود رصيف البحر تماماً رأس المعوج شامي لمنفذ رديف فراد بين ميدي والموسم وحتى آخر نقطة سبق ترسيمها في جبل الثار، واستخدام الوسائل العلمية الحديثة لاقامة العلامات الساريات عليها، وذلك بالاتفاق مع شركة متخصصة لتنفيذ ذلك، يتم اختيارها من قبل الطرفين، وتقوم الشركة بعملها تحت اشراف اللجنة. المادة الثالثة: تستمر اللجنة الحالية المشكلة من البلدين في عملها لتحديد الاجراءات اللازمة والخطوات التي تؤدي الى ترسيم ما تبقى من الحدود بدءاً من جبل الثار وحتى منتهى حدود البلدين بما في ذلك الاتفاق على كيفية التحكيم في حال الاختلاف بين البلدين. المادة الرابعة: تشكل لجان مشتركة تتولى التفاوض بشأن تعيين الحدود البحرية وفقاً للقانون الدولي ابتداء من نقطة الحدود على ساحل البحر الأحمر المشار اليها في المادة الثانية اعلاه. المادة الخامسة: تشكل لجنة عسكرية مشتركة رفيعة المستوى من الطرفين لضمان منع أي استحداثات او تحركات عسكرية او غيرها وذلك على الحدود بين البلدين. المادة السادسة: تشكل لجنة وزارية مشتركة لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين البلدين وتعزيز اوجه التعاون بينهما وتبدأ هذه اللجنة عملها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التوقيع على هذه المذكرة. المادة السابعة: تعيين لجنة عليا مشتركة للعمل على تحقيق ما سبق وتسهيل مهمات اللجان المذكورة وازالة ما قد يعترض سير أعمالها من معوقات او صعوبات. المادة الثامنة: يؤكد البلدان التزام كل منهما عدم السماح باستعمال بلاده قاعدة ومركزاً للاعتداء على البلد الآخر او للقيام بأي نشاط سياسي او عسكري او اعلامي ضد الطرف الآخر. المادة التاسعة: من أجل الاستمرار في المحافظة على تهيئة الاجواء الودية المناسبة لانجاح المحادثات يلتزم كل طرف بعدم القيام بأي نشاط دعائي ضد الطرف الآخر. المادة العاشرة: ليس في هذه المذكرة ما يتضمن تعديلاً لمعاهدة الطائف وملاحقها بما في ذلك تقارير الحدود. المادة الحادية عشرة: يتم ضبط وتدوين كل ما يتم بحثه في اللجان المذكورة في محاضر يوقع عليها من قبل المسؤولين في الجانبين. تم توقيع هذه المذكرة في مكةالمكرمة في يوم الأحد السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1415ه الموافق السادس والعشرين من شهر فبراير لعام 1995 وتصبح نافذة من تاريخ تبادل وثائق التصديق عليها. عن حكومة الجمهورية اليمنية نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط والتنمية عبدالقادر عبدالرحمن باجمال عن حكومة المملكة العربية السعودية المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ابراهيم بن عبدالله العنقري عبدالقادر عبدالرحمن باجمال