مند ان فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات علي العراق قبل حوالي اربع سنوات تحاول شركات تجارية اما الالتفاف علي هذه العقوبات واما التخطيط لاستئناف اعمالها مع العراق. وفي هذا السياق تأتي الزيارة الأخيرة لوفد مجموعة المصالح البريطانية - العراقيةلبغداد، على رغم الموقف المتشدد الذي تقفه الحكومة البريطانية حيال العراق ومطالبتها له بتنفيذ جميع القرارات الدولية. لكن موقف مجموعة المصالح لا ينسجم مع سياسة حكومة جون ميجور. وقال المتحدث باسم المجموعة ل"الوسط" سواء بقي الرئيس صدام حسين في السلطة ام لا سنواصل تعاملنا التجاري مع العراق". وأضاف ان غالبية الشركات البريطانية تعاملت في السابق مع العراق، ومن بينها شركة "لايلاند" التي كان يرأس مجلس ادارتها وزير التجارة والصناعة الحالي مايكل هازلتاين. وكانت المجموعة نفسها نظّمت زيارة للعراق في شهر آب اغسطس الماضي، وضم الوفد النائب البريطاني هنري بلنغهام وستيفان غراوتش، مدير عام المجموعة وهو من كبار التجار البريطانيين، وعقد لقاءات مع كبار موظفي وزارة الخارجية العراقية. واللافت في الموضوع ان بلنغهام يعمل مساعداً برلمانياً لوزير الدفاع البريطاني مالكوم ريفكند المعروف بسياسته المتشددة حيال العراق. وسألت "الوسط" سايكس عن رحلة الصيف الماضي فأكد ان ممثلي مجموعة الشركات زاروا بغداد برفقة ستيفان غراوتش، والنائب هنري بلنغهام. وتوجهوا اولاً الى عمان حيث حصلوا على تأشيرات دخول الى بغداد". لكن لماذا الحصول على تأشيرات في عمان وليس في لندن حيث يحتفظ العراق بمكتب لرعاية مصالحه منذ العام 1991؟ اجاب سايكس: "في الاردن توضع التأشيرة على ورقة منفصلة. يتم التخلص منها بسهولة لاحقاً تلافياً للحرج في حال اضطر صاحب الجواز للسفر الى عاصمة خليجية تطبّق سياسة الحظر مع العراق. اما في لندن فتوضع التأشيرات على الجوازات نفسها ونحن لا نريد ان نخسر اي سوق خليجية كما لا نستطيع قبول فكرة ضياع السوق العراقية منّا". وتتألف مجموعة المصالح العراقية - البريطانية حالياً من 50 شركة بريطانية تشكّل العصب الحيوي للتجارة البريطانية. ويقول سايكس: "دعيت للعمل مع المجموعة في ايلول سبتمبر الماضي، وهي تحظى بشعبية واسعة في اوساط رجال الاعمال البريطانيين، ولا يكاد يمرّ يوم من دون ان نتلقى طلبين او ثلاثة من شركات تود الانضمام الينا. اتصالات غير مباشرة واختصر سايكس اهداف المجموعة في نقطتين: الاولى، العمل من خلال لجنة العقوبات التي تسمح بتصدير مواد غذائية وادوية ومعدات تنقية المياه والمرافق الصحية، كما تنص العقوبات التي فرضها مجلس الامن. والثانية تأمين حصة الشركات البريطانية في السوق العراقية من عقود اعادة البناء والتشييد بعد رفع العقوبات عن العراق". ولا ينكر الخلفية التي تعمل المجموعة من خلالها: "نحن نؤمن بأن الإبقاء على علاقة عادية مع العراق يتيح لنا الحصول على عقود من الحكومة العراقية". لكن منطق سايكس يتضمن فجوات عدة ابرزها قوله بغياب الجانب الرسمي عن الاتصالات التي يجريها التجار البريطانيون في بغداد. فبسبب ضآلة القطاع الخاص وهيمنة الدولة العراقية على كل مرافق الانتاج يضطر كل صاحب عرض تجاري او باحث عن فرص في السوق العراقية الى لقاء مسؤولين رسميين في الوزارات والادارات العراقية المختصة. وبكلام أدق ثمة اتصالات رسمية عراقية - بريطانية تتم بطريقة غير مباشرة خلال الزيارات، كما حدث خلال مشاركة شركات بريطانية في معرض تجاري أُقيم في بغداد في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. فالحضور الواسع للشركات البريطانية في ذلك المعرض غابت عن التغطية الاعلامية، حتى ان صحيفة "فايننشال تايمز" وصفته بأنه "لتغطية مساعدات انسانية، بمباركة لجنة العقوبات التابعة للامم المتحدة". ولا بد لكل شركة ترغب بإيفاد ممثل عنها الى العراق ان تنتسب الى مجموعة المصالح، وثمة نوع من التعاقد غير الرسمي يلتزم العضو الجديد بموجبه التحرك عبر اقنية المجموعة وبمشورتها، سواء في بريطانيا ام في العراق. وتدفع كل شركة رسوماً سنوية مقدارها 500 جنيه استرليني تغطي الاتصالات والرسوم الاخرى. وقال سايكس: "قطعنا مرحلة متقدمة لتشكيل مجموعة برلمانية في كل الاحزاب البريطانية تتولى مساندتنا لدى مجلس العموم والحكومة. وعند سؤاله عن نائب معين يتعاطف مع توجهات المجموعة ردّ ضاحكاً: "كل النواب يؤيدون ما نقوم به. لا يوجد نائب واحد يستطيع المجاهرة انه يخالفنا الرأي". وكان تردد أسماء النائبين هنري بلنغهام المحافظ البرلماني ومايكل كولفين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في حزب المحافظين اثناء معرض بغداد. والحقيقة ان كل الشركات البريطانية الراغبة في البحث عن عقود جديدة في العراق او متابعة مشروع قديم توقف بسبب الغزو العراقي للكويت، ينبغي عليها الحصول على موافقة من وزارة التجارة والصناعة وقالت سالي سادلر، المتحدثة الاعلامية باسم وزارة التجارة والصناعة ان "الحصول على هذه التأشيرات ضروري بسبب العقوبات الدولية ولا استطيع كشف عدد الشركات البريطانية التي ذهبت الى العراق منذ فرض الحظر عليه. ولا يمكن كشف كم من هذه الشركات حصل على اذونات مسبقة. فهذا يدخل في حميميات الشركة المعنية". لكن سايكس يؤكد ان "كل الشركات البريطانية التي رتبنا زيارات ممثلين عنها لبغداد حصلت على اذن من وزارة التجارة والصناعة". وحاولت "الوسط" لقاء وزير التجارة والصناعة البريطاني مايكل هازلتاين لسؤاله عن مستقبل العلاقات البريطانية - العراقية، وبعد ان حظيت بموافقة مبدئية من مكتبه الذي استفسر عن الاسئلة، عدل الوزير عن موافقته وقرر تأجيل اللقاء. وقالت اوساطه ل "الوسط" لا يستطيع وزير مهم في حكومة ميجور ان يبحث في مستقبل العلاقات بين بلاده والعراق فيما يواصل وزير الدفاع مالكولم ريفكند جولته الخليجية. فكل دول مجلس التعاون مثل لندن، تطالب العراق بتنفيذ كل قرارات مجلس الامن قبل رفع العقوبات والتعامل معه. هجمة فرنسية هل تعرقل سياسة الحكومة البريطانية مساعي شركات مجموعة المصالح البريطانية - العراقية؟ يردّ سايكس شاكياً: "نعم، سياسة حكومة ميجور تمنعنا من توقيع عقود جديدة مع العراق قبل رفع الحظر عنه. نذهب الى بغداد معتمدين على عراقة تاريخ مبادلاتنا التجارية مع هذا البلد. نحن ندور ضمن دائرة ضيقة، عندما نكون في بغداد، حدودها سؤال العراقيين عن احتياجاتهم في السوق العالمية عموماً والبريطانية خصوصاً، لكننا لا نستطيع الحديث عما اذا كانت الشركات البريطانية قادرة على تأمين هذه الاحتياجات خارج المواد التي تسمح بالتعاطي بها لجنة العقوبات". ويتحسر سايكس بشكل واضح "لأن من الحقائق المؤلمة ان الشركات الفرنسية استأثرت بالسوق العراقية"، منتقداً حكومة ميجور "التي تعتمد تفسيراً غريباً لقرارات العقوبات المفروضة على العراق تسمح لنا بالسفر لتقصي مصير مشاريع قديمة توقفت بسبب الغزو العراقي للكويت. وتحظر علينا ابرام عقود جديدة، ما يؤدي بالسلطات العراقية الى منح الشركات الفرنسية افضلية في السوق العراقية وخسارتنا سوقاً تاريخية كانت لنا، لمصلحة الفرنسيين والروس والالمان والايطاليين". ويكشف سايكس ان مجموعة شركات ايطالية ضخمة توجهت حديثاً الى بغداد للاطلاع على احتياجات السوق العراقية. وفي هذا الاطار علمت "الوسط" من مصدر في غرفة التجارة العربية - البريطانية ان شركات ايطالية طلبت حديثاً من غرفة التجارة الايطالية - العربية في روما معلومات واحصاءات تساعدها على تنظيم معرض لمنتجاتها التي ستضعها في تصرف السوق العراقية تمهيداً لمرحلة ما بعد رفع الحظر. اعمار الكويت منذ العام 1991 تدفقت شركات فرنسية كبرى على العراق تبحث عن عقود وصفقات ضخمة مستغلة غياب الشركات الغربية الاخرى، لا سيما البريطانية والاميركية. وبمرور الوقت شكّلت الشركات الفرنسية مراكز ضغط فاعلة اسهمت في فرض سياسات معينة حيال التعاطي مع بغداد، توجت بفتح باريس مكتباً لرعاية المصالح الفرنسية في العراق، مطلع العام الحالي. وفي هذا الاطار لا يكتم سايكس هدف المجموعة في اقناع حكومة جون ميجور بالافراج عن الودائع العراقية المجمّدة في المصارف البريطانية حتى تتمكن الشركات البريطانية من تصدير مواد لا تحظرها لجنة العقوبات" نافياً ان يكون هدف المجموعة ممارسة اي دور سياسي لحمل الحكومة على تغيير سياستها. والمعروف ان الارصدة العراقية المجمّدة في مصارف بريطانية بطلب من بنك انكلترا المركزي بلغت، في الفترة التي سبقت قرار تجميدها بعد غزو الكويت، 5 مليارات جنيه استرليني أفرج عن نصفها حتى الآن لتسديد ديون قديمة لشركات بريطانية او لتمويل صادرات بريطانية الى العراق تلتزم بشروط لجنة العقوبات. وأكد المتحدث الصحافي باسم بنك انكلترا المركزي ايفريت هذه الارقام والوقائع. ولما سألته "الوسط" عن حيثيات قرار تجميد الودائع العراقية لعدم وجود قرار صادر عن مجلس الامن في هذا الشأن قال: "اسألوا وزارة الخارجية". في سجلات وزارة التجارة والصناعة البريطانية ولدى مجموعة المصالح العراقية - البريطانية ارقام واحصاءات تسند منطق مؤيدي تطبيع العلاقات التجارية والسياسية مع العراق. وعندما انتهت احصاءات ارقام العقود والصفقات التي تتطلبها اعادة اعمار الكويت بعد التدمير الذي احدثه الغزو العراقي شاع رقم محدد كشف ان حصة الشركات البريطانية في عملية اعادة اعمار الكويت بلغت 26 في المئة. في حين تكشف الصورة الحقيقية ان حصة بريطانيا تدنت بصورة ملحوظة وبلغت 4 في المئة فقط، فيما حصل الاميركيون مع غيرهم على الحصة الكبرى من السوق الكويتية. ويسود اوساط الشركات البريطانية وشارع المال والصيرفة التجاري في لندن استياء عميق يترجمه سايكس بقوله: "الاميركيون يفاوضون العراقيين منذ فترة طويلة. واشنطن تسيس ورقة رفع الحظر لمصلحتها في حين ينتظر شركاؤها واهمين انهم يؤيدون قرارات الشرعية الدولية. نحن ندين كل خروقات حقوق الانسان التي يرتكبها النظام العراقي، لكن من السذاجة بمكان تصور ان سياسة التجويع ستحدث انتفاضة شعبية تسقط النظام. صدام حسين يستثمر مشاعر الغضب والحرمان لدى مواطنيه ليدعم بها شعبيته". اما في وزارة الخارجية البريطانية فتبدو الصورة مختلفة تماماً عن منطق سايكس حيث قال المتحدث باسمها "ان الوزارة لا تمنع اي شركة بريطانية من التوجه الى بغداد. وزارة التجارة والصناعة تمنح اجازات معينة للراغبين في التجارة مع العراق. نحن نلتزم ما نصت عليه قرارات مجلس الامن، ولا نماشي، كما يزعم البعض، سياسات الادارة الاميركية. ما قام به العراق حتى الآن من اعتراف بالكويت وسيادتها ضمن الحدود الدولية، وتدمير اسلحة الدمار الشامل، جهود طيبة لكن ثمة خطوات اخرى لا بد من تنفيذها". وعما اذا كانت الشركات البريطانية ستضغط على الحكومة كما ضغطت الشركات الفرنسية، قال المتحدث: "ليس الآن هو الوقت المناسب للحديث عن تخفيف العقوبات. السياسة الفرنسية خاصة بفرنسا. واؤكد ان النموذج الفرنسي لن يتكرر في لندن: شركات بريطانية تزور العراق وتبرم العقود وتصعد ضغوطاتها على الحكومة. لا نستطيع منع اي شركة تود التخطيط لزيارة العراق. الاتصالات البريطانية - العراقية تتم عبر مجلس الامن من خلال الممثلين الدائمين فقط". ولا يحرج وجود نائبين محافظين مهمين هما بلنغهام وكولفن، على مقربة من مجموعة المصالح العراقية - البريطانية وزارة الخارجية على الاطلاق. فبلنغهام اعلن ان زيارته لعمانوبغداد "تمت بمبادرة شخصية. وفي الاردن التقيت مسؤولين ورجال اعمال. كما التقيت في بغداد مسؤولين في وزارة الخارجية". المنطق البارد، نسبياً، الذي تنتهجه الخارجية البريطانية لا يروق لمجموعة المصالح، وثمة من يحاول تهدئة غضب هذه المجموعة من خلال الايحاء لها بأن "كل عائدات النفط العراقي، حتى رفع الحظر سيخسرها العراق لسنوات طويلة، للتعويض على المتضررين من غزو الكويت وليس هناك ما يستحق التهافت بهذا الشكل على السوق العراقية". لكن ما رأي غرفة التجارة العربية - البريطانية في تسابق الشركات البريطانية باتجاه السوق العراقية؟ يقول عبدالكريم المدرّس الامين العام والرئيس التنفيذي للغرفة: "بعيداً عن الادوار ترحب الغرفة بكل تحرك بريطاني نحو العراق. نعرف جميعاً انه لن يتم اي شيء الا بعد رفع الحظر الا ان تعاون الشركات البريطانية مع العراق سيكون مهماً للطرفين. وربما كان اكثر اهمية لبريطانيا من اي جهة اخرى، لأن بريطانيا يجب ان يكون لها حصة في اعادة اعمار العراق. نحن نرحب كغرفة تجارة عربية - بريطانية بهذا التعاون عندما يرفع الحظر". اين مجد بريطانيا؟ ويعلّق سايكس قائلاً: نشعر بالحسرة لأن الشركات الاوروبية الاخرى غزت السوق العراقية واخذت منا ما كان لنا. بريطانيا بنت مجدها منذ التاريخ القديم من خلال التجارة عبر البحار وليس بقوة الحكومات. عظمة بريطانيا بدأت عندما أبحر جون كابث نحو فنلندا في القرن السادس عشر، وبعد ان دعمه تجار ليفربول وساندوه. شبه القارة الهندية خضعت للتاج البريطاني عبر شركة الهندالشرقية التي بدأت كمجموعة غير حكومية تتألف من تجار وشركات ضخمة وساندها القطاع التجاري في البلاد. تجار بريطانيا لا يستطيعون الاعتماد على مساندة الحكومة لاستعادة السوق العراقية التي نفقدها تباعاً لمصلحة شركات اوروبية. سنواصل توجهنا نحو العراق من دون اي مساندة حكومية. حكوماتنا في القارة الاوروبية فعلاً انما سياساتها اميركية وانا لا اوافق على منطقهم لإسكاتنا. لا يهمني اذا سقط نظام صدام ام استمر. انا على ثقة بأن العراقيين يفضلون التعامل مع شركات بريطانية، انما نحن ندفع ثمن سياسات حكوماتنا. بليون جنيه استرليني على الاقل بلغت مبادلات العراق معنا قبل الحرب. الولاياتالمتحدة سيطرت مع غيرها على اسواق عالمية هي تاريخياً لنا. ليس هناك اي مركز ضغط برلماني يعمل لمصلحة سياسة مجموعة المصالح. فنحن بصدد تشكيل مجموعة نيابية تتولى ابلاغ الحكومة وجهات نظرنا، وحتى يتم ذلك، لا بد من بغداد، حتى لو طال موعد رفع الحظر".