وسئل قطب عراقي معارض عن رأيه في ما يقال عن عقود قيد الابرام بين الشركات الاجنبية والسلطات في العراق، وهل يطمح الى ان يصبح يوماً رئيساً للحكومة العراقية، فأجاب ان الديون التي يجب ان يسددها العراق هي كالآتي: 100 بليون دولار للبنوك والحكومات الغربية، و240 بليون دولار تعويضات للكويت، و900 بليون دولار تعويضات لايران، و160 بليون تعويضات وافقت عليها الأممالمتحدة الشهر الماضي لمليون ونصف مليون متضرر نتيجة مباشرة لغزو الكويت. وتساءل الزعيم المعارض: "من يريد ان يكون رئيساً لحكومة دولة هذه ديونها؟". ان مجموع هذه الديون يبلغ 1400 بليون دولار، وهذا يعادل تقريباً بالاسعار الحالية ثمن الاحتياطي المقدر لنفط العراق ب 100 بليون برميل. اي ان العراق يمكن اعتباره نظرياً دولة مفلسة منذ الآن ما دام ان النفط يشكل العمود الفقري لاقتصاده. تفوّض "امّ القرارات" لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة الأشراف على كل عمليات التصدير النفطي العراقي وجباية ثلث العائدات من المشتري مباشرة وايداعها في الحساب الخاص لدفع التعويضات. ويفترض ان يستمر هذا الاجراء ما دامت استمرت عملية تسديد الديون. ولا ضمان لأن تسير العملية من دون مشاكل وعراقيل، ما يمكن ان يخلق مشاكل جديدة تحمل المجتمع الدولي، خصوصاً اذا تشددت الولاياتالمتحدة، على مراجعة مسألة العقوبات مجدداً. وهذا وارد في رأي رولف اكيوس رئيس لجنة الأممالمتحدة المكلفة ازالة اسلحة الدمار الشامل للعراق. فهو أشار، في حديث نشر الشهر الماضي، الى الفقرة 22 من القرار 687، التي تربط بين التزام العراق ازالة الأسلحة ورفع الحظر النفطي، وقال: "إنك اذا قرأتها ثم نظرت الى كلمة الرقابة ستجد انهاتقول رقابة مستمرة مستديمة وهذا يعني الى اجل غير مسمى ويحدد المجلس الأمن متى تتوقف. وهذا يعني انه يمكن القول ان العراق لن يستوفي تنفيذ واجباته أبداً". نقاش لم يحسم عموماً ان النقاش لم يحسم بعد في اطار المجتمع الدولي في شأن رفع الحظر. وشهدت أروقة مجلس الأمن ومعها عواصم الدول المعنية سلسلة تحركات تركزت على موضوع الحصار المفروض على العراق وشروط انهائه، وذلك قبل اجتماع مجلس الأمن في أيلول سبتمبر المقبل للبحث في هذا الموضوع. وتباينت الإشارات الصادرة عن الأطراف المعنية. ففيما تابعت تركيا تحركها من أجل تطبيع العلاقات مع العراق، عينت روسيا سفيراً في بغداد بعدما كان المنصب خالياً منذ انهيار الإتحاد السوفياتي، واستمرت في باريس وبكين اللهجة الداعية الى إعادة النظر في الاجراءات ضد العراق او إعادة تقويمها في ضوء سلوك قيادته. وفي المقابل اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي موقفاً صريحاً برفض أي مساومة، مشددة على اعتراف عراقي صريح وموثق بترسيم الحدود مع الكويت اضافة الى اطلاق الأسرى الكويتيين. ويعزز هذا الموقف اصرار الولاياتالمتحدة على ابقاء الحصار واستعدادها لإسقاط أي محاولة لرفعه في مجلس الأمن باستخدام الفيتو. وكان مجلس التعاون الخليجي رفض في اجتماعه الأخير التعامل مع الفقرة 22 من القرار 687 في صورة منفصلة عن التزام العراق القرارات الكاملة للأمم المتحدة، خصوصاً القرار 833 الذي لا يوجد حتى الآن دليل على ان العراق سيقبل من دون قيد أو شرط كماهو مطلوب منه ان يفعل، وليس كما يأمل في ان يربطه ب "صفقة" ليتزامن اعلانه قبوله هذا القرار مع قرار لمجلس الأمن برفع الحظر النفطي على أساس تطبيق الفقرة 22. فاذا افترض امكان تجاوز كل هذه الحواجز فان شركات متحمسة الى رفع الحظر تتسابق على مشاريع عقود وصفقات تنذر بالتحول ورقة ضغط على التزام الحكومات قيود الحظر، ستصاب بخيبة عندما تكتشف ان بغداد قدمت وعوداً ضخمة لعدد كبير من والشركات - وربما بعض الدول - يصعب عليها ان تنفذ ولو جزءاً منها. ويمكن ذكر مثال على نوع الخيبة التي يمكن ان تصاب بها روسيا مثلاً. فموسكو تأمل - وهي أعلنت ذلك غير مرة على لسان كبار مسؤوليها - في استعادة ديونها سبعة بلايين دولار واستئناف بيع السلاح الى العراق. ولا شك في انها قد تضطر الى الانتظار سنوات في طابور طويل قبل ان تحصل على ديونها. والأهم من ذلك ان القرار 687 يحظر، الى اجل غير مسمى، على دول العالم وشركاتها ان تبيع العراق أي نوع من الأسلحة، بما فيها التقليدية. وروسيا لا تملك في الحقيقة ما تبيعه الى بغداد غير سلاحها. تساق هذه التصورات فقط للاشارة الى انه قد يكون سابقاً للأوان الحديث عن عودة سريعة للشركات والمصالح الدولية الى العراق. خصوصاً اذا اخذ في الاعتبار ايضاً ان التطورات المرتبطة بعملية السلام في المنطقة تجعل من مصلحة الاطراف المعنية ابقاء العراق ومعه ايران بعيدين الى حين وصول العملية الى نهاية مقبولة. "الوسط" أعدت ملفاً واسعاً عن الحدود التي وصلت اليها الشركات الغربية في اتصالاتها مع السلطات العراقية، وأنواع التجارة بين عدد من الدول والعراق. باريس : نفط ودجاج وادوية تهب من وقت الى آخر "حملة" في وسائل الاعلام تتحدث عن توافد ممثلي شركات اجنبية عدة الى العراق أو عمان استعداداً لدخول سوق واعدة في المستقبل، في بلد يبلغ احتياطه من النفط مئة بليون برميل وقادر على انتاج مليون ونصف مليون برميل في اليوم، فور رفع الحصار الدولي المفروض عليه. وتشير مصادر مختلفة الى ان شركات فرنسية وأميركية ويابانية وصينية وغيرها تفاوض السلطات العراقية لإبرام عقود تجارية او نفطية يمكن ان توضع قيد التنفيذ في مرحلة ما بعد رفع الحظر الدولي. ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "الوسط" من مصادر أوروبية موثوق بها وأكدتها مصادر عربية قريبة من بغداد ان أياً من هذه الشركات لم يوقّع حتى الآن عقوداً مع العراق على رغم ان شركات عدة راغبة في التوقيع وإن تأخر التنفيذ الى حين رفع الحظر. وقد حققت شركتا النفط الفرنسيتان "توتال" و"الف اكيتان" مثلاً، تقدماً في مفاوضاتهما مع بغداد لابرام عقد أولي. وتجري "الف اكيتان" منذ فترة طويلة، كما قال نائب رئيس الشركة للتنقيب والانتاج جاك الفون، محادثات مع العراق لإبرام عقد ينص على تطوير حقل مجنون الذي تقدّر قدرته الانتاجية بحوالي 600 الف برميل يومياً... لكن التوقيع لم يتم بعد، وكذلك الأمر بالنسبة الى "توتال" التي تجري محادثات لتطوير حقل نهر عمر الذي تقدّر قدرته الانتاجية بنحو 300 - 400 الف برميل في اليوم، على حد قول وزير النفط العراقي صفا هادي الجواد. وأكدت مصادر الشركتين الفرنسيتين لپ"الوسط" ان التوقيع لم يحصل، فالسلطات العراقية تريد الضغط على فرنسا عبر الشركات لتضغط بدورها على حكومتها من أجل اتخاذ موقف يستعجل رفع الحظر، وتأييد ذلك في مجلس الأمن. لذلك تصعّد السلطات العراقية شروطها تحقيقاً لهذا الهدف. وهناك عدد من الشركات الفرنسية التي تربطها علاقات تجارية قديمة بالعراق قبل غزوه الكويت وتواصل حالياً بيع بعض المنتجات التي لا يشملها الحظر الدولي، مثل المواد الغذائية واللحوم والدجاج. ومن بين هذه الشركات شركة "دو" لتصدير الدجاج، وشركات صناعة الأدوية. وقال مصدر عربي كان زار العراق اخيراً ان هناك تجارة تهريب للأدوية من العراق الى الأردن، لأن الأدوية توزّع بأسعار متدنية جداً في الأراضي العراقية، مشيراً الى ان زجاجة الپ"بنسلين" تُباع بربع دينار اي أقل من سنتيم واحد فرنسي وتُهرّب الى الأردن لتُباع بدينارين اردنيين أو ثلاثة نحو 3 أو 5،3 دولار. وأصبحت الرشوة وتجارة التهريب للأدوية والأغنام والتحف والذهب والنحاس شائعة في أوساط العراقيين الذين يُعانون من كارثة اقتصادية. وكشفت مصادر أوروبية لپ"الوسط" ان شركة "ربسول" الاسبانية أوفدت هذا الاسبوع ممثلين عنها للتفاوض مع السلطات العراقية النفطية من اجل ابرام عقود لتطوير حقول بعد رفع الحظر. كما ان شركة "أجيب" الايطالية تجري محادثات لتطوير حقل يقع شمال نهر عمر، حيث تعمل شركة "توتال". مفاوضات "اميركية"؟ وأكدت المصادر ان الشركات الاميركية يحظر على ممثليها التوجه الى العراق لكنهم يتفاوضون مع السلطات العراقية في عمان أو باريس أو أنقرة. وأوضحت ان محادثات اجريت بين شركة "كونوكو" الاميركية والمسؤول عن تسويق النفط العراقي فاضل عثمان في باريس الشهر الماضي. كما ان رئيس شركة "كوستال" الاميركية اوسكار وايت الذي تربطه علاقة صداقة قديمة بالرئيس صدام حسين، على اتصال دائم مع السلطات النفطية العراقية اثناء مؤتمرات منظمة "أوبيك" في فيينا، وأحياناً في تركيا حيث يلتقي بعض المسؤولين العراقيين. وكذلك تجري شركة "أوكسيدنتال" الاميركية اتصالاتها لإبرام عقود نفطية مع العراق. واشنطن : قوانين صارمة لكن الأوساط الرسمية الاميركية تنفي هذه المعلومات للمصادر الأوروبية. وأكدت مصادر "سي. آي. إي" لپ"الوسط" ان "بعض الشركات الفرنسية يرسل في الواقع اناساً منذ مدة لجس النبض، وربما كان بعضهم يقوم بذلك نيابة عن شركات اميركية". وقالت ان الشركات الألمانية واليابانية والكندية والبريطانية تلتزم قواعد المقاطعة الدولية. وقالت مصادر الاستخبارات الاميركية ان لديها تقارير تشير الى ان شركتين نفطيتين هما "اوكسيدنتال" وشيفرون، وشركة "بوينغ" لصناعة الطائرات - المتعطشة الى الاسواق الاجنبية لمنع حدوث المزيد من البطالة بين عمالها - وشركة الاتصالات العملاقة "آي. تي. تي" بعثت بممثلين عنها من جنسيات مختلفة الى بغداد في الفترة الاخيرة. ويقول المسؤول الاميركي ان جميع تلك الشركات نفت ذلك. اذ قالت شركتا "اوكسيدنتال" و"شيفرون" مثلاً ان ليست لديهما رغبة في مساعدة نظام الرئيس صدام حسين على البقاء لأنه استخدم بعض موظفيهما جزءاً من "الدروع البشرية" أثناء ازمة الخليج. وتقارن الأوساط الاميركية المعنية بين العراق اليوم وفيتنام قبل بضع سنوات: بلد مفلس ينتظر قدوم الازدهار والرخاء. فهو غني بالنفط وفيه 18 مليون مستهلك وهو أيضاً مجتمع يتمتع بخبرات وفنيين. والفرص أمام العراق أعظم من تلك التي كانت أمام فيتنام لأنها مزدحمة بالسكان، لكن مشكلاتها نجمت في معظمها عن الموقف الحقود الذي اتخذته الولاياتالمتحدة الاميركية منها لأنها الدولة الوحيدة التي ألحقت الهزيمة العسكرية بواشنطن. اما وضع العراق فهو أسوأ من ذلك كثيراً لأنه يخضع لعقوبات فرضتها عليه الأممالمتحدة اضافة الى الحصار الذي تفرضه عليه الولاياتالمتحدة والدول الاخرى التي اشتركت في "عاصفة الصحراء". فالولاياتالمتحدة تمنع رعاياها حتى من السفر الى العراق، كما انها تمنع معظم الاتصالات معه. بل تمنع العراقيين من ارسال اي نقود الى ذويهم في أراضيها. وتفيد الأنباء ان الوضع الحالي في بغداد يشبه الى درجة كبيرة الوضع الذي ساد مدينة سايغون قبل بضع سنوات. وما أن وصلت المجموعات الأولى من رجال الأعمال الاميركيين الى سايغون آنذاك حتى وجدوا ان رجال المال والأعمال المنافسين من الدول الأخرى كاليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي كانوا يهيمنون على معظم الأسواق. كما وجدوا ان تايوان كانت تتفوق على الآخرين جميعاً في مجال الاستثمارات. الا أن العراق ليس محظوظاً مثل فيتنام. فقوانين العقوبات الأميركية تشمل اضافة الى المواطنين العراقيين "أي منظمة" يعتقد الاميركيون بأنها أنشئت للتحايل على العقوبات و"أي صفقات" تتم خارج الأراضي الاميركية عن طريق بلد ثالث، بل "تقديم أي خدمات استشارية" الى الشركات الموجودة خارج الأراضي الاميركية. لكن للشركات المختلفة مصالحها التي تسعى الى حمايتها، كما أن الشركات الأميركية تدرك جيداً أن الادارة والكونغرس لم يأخذا في حسابهما مصالح تلك الشركات في فيتنام. الشركات الأميركية تبدي اهتماماً يقول مسؤول في وزارة الخارجية في واشنطن طلب عدم كشف اسمه: "ان الامبراطوريات السابقة كالرومانية والعثمانية لم تدم الى الأبد. وهكذا فالولاياتالمتحدة لن تدوم الى الأبد، ولا يمكن استمرار العقوبات المفروضة على العراق. ومصالح الأعمال الاميركية تعرف هذا جيداً. ولهذا فهي ليست على استعداد للانتظار الى ما لا نهاية خصوصاً انها تعرف ان أوروبا واليابان وروسيا ودولاً اخرى كثيرة بدأت تبدي اهتمامها". ويقول محمد الكعيت وهو أحد الديبلوماسيين العراقيين الثلاثة في واشنطن، حيث ترفع السفارة العراقية علم الجزائر بصفتها الدولة التي ترعى المصالح العراقية هنا، انه يعتقد بأن الشركات الاميركية تستطيع العمل مثلما فعلت في فيتنام قبل بضع سنوات، اي بتوقيع عقود وصفقات للتجارة والاستثمار في المستقبل على اساس عدم سريان مفعول هذه الترتيبات "حتى يتم رفع العقوبات عن العراق". والمعروف ان الشركات الأميركية لا تتلقى تعليماتها في هذا الشأن من وزارة الخارجية أو وزارة التجارة وإنما من الخزانة الاميركية، أي وزارة المال. مبالغة عراقية إذن ماذا عن مشكلات تأشيرات السفر للأميركيين؟ يقول الديبلوماسي العراقي ان عدداً كبيراً من رجال الأعمال الاميركيين الذين يذهبون الى بغداد هم من أصل عراقي أو ممن يحملون جنسية مزدوجة أو الاجانب المقيمين في العراق في صورة قانونية ولا يحتاجون الى تأشيرات دخول. ويضيف: "الذين يحتاجون الى تأشيرات غالباً ما يحصلون عليها من السفارة العراقية في عمّان. اما الذين يحصلون عليها هنا في واشنطن فهم عادة الصحافيون او اشخاص مسموح لهم بأن يذهبوا الى أي مكان في العالم". ومع انه لم يذكر اي اسماء فانه اعترف بأن السلطات العراقية تدقق في طلبات الحصول على التأشيرة بعناية "لكشف اي جواسيس قد يسافرون تحت ستار معين". وعلّق احد كبار مسؤولي الادارة الاميركية شريطة عدم ذكر اسمه بقوله "ان العراق يبالغ في عدد رجال الأعمال الذين يزورون بغداد من اجل تشجيع المنافسة". وقال: "باستثناء الصحافيين وبعض الحالات القليلة الخاصة فإن القانون الاميركي يحظر على الأميركيين عموماً السفر الى العراق بجواز سفر اميركي الا اذا كان يحمل اذناً خاصاً". وأكد ان الادارة تعارض جميع زيارات ممثلي مصالح الأعمال الاميركية وانه لم يسبق اطلاقاً ان حصل رجل أعمال على اذن بالسفر الى العراق. لكنه اعترف بأن العراق، مثل اسرائيل، يمكن ان يمنح التأشيرات على أوراق منفصلة للتمويه على وجهات السفر. كذلك تحاول الولاياتالمتحدة ان تطبق مقاطعة ثانوية ضد العراق تستند الى قانون مكتب المقاطعة العربية لاسرائيل. وتقضي هذه المقاطعة بمنع الشركات الاجنبية الفرعية اوالتابعة للشركات الأميركية من البحث عن أسواق للشركات الأميركية الأم. لكن مصادر الاستخبارات تعتقد بأن هذا الاسلوب شائع. فالأشخاص الذين يحملون جنسيات اجنبية ويقيمون في الولاياتالمتحدة ليسوا ممنوعين من السفر. لكن الشركات الاميركية لا تستطيع من ناحية قانونية نظرية ان تدفع لهم اي اجرة في مقابل المعلومات التي يقدمونها اليها. بل لا تستطيع تعويضهم حتى عن نفقات السفر. مخالفة للقانون وأضاف المسؤول الاميركي: "ان قوانيننا في واقع الأمر أشد صرامة من قرارات الأممالمتحدة وقوانين الدول الأخرى. ولهذا لا يستطيع الأميركي مثلاً أن يعد حتى بعقد في المستقبل لأن مثل هذا الوعد يمثل فائدة ملموسة للعراق. ومعنى هذا أن من المخالف للقانون التوصل الى أي صفقات ترتبط برفع العقوبات عن العراق في المستقبل". ومع ان المسؤول يقرّ بأن العقوبات المفروضة على تصدير النفط العراقي هي أولى العقوبات التي سترفع فإنه يقول: "ان ثلاثين في المئة من العائدات يجب ان تذهب الى لجنة الأممالمتحدة المسؤولة عن التعويضات عن الأضرار التي نجمت عن الحرب. كما ان على العراق أن يسدد حوالي ثمانين ألف مليون دولار من الديون التي ترتبت عليه بسبب تلك الحرب. صحيح ان رفع الحظر النفطي سيمكنه من شراء المواد الغذائية والطبية والادوية وغير ذلك من الحاجات الأساسية لكنه سيؤدي ايضاً الى انخفاض أسعار النفط العالمية". نفط العراق الى اسرائيل؟ ومن القضايا التي تبعث على الاهتمام ان الاتفاق بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ينص على أن "تصدر فلسطين في المستقبل النفط الى اسرائيل". وسألت "الوسط" المسؤول الاميركي هل سيأتي هذا النفط من الأردن الذي يحصل بدوره على نفطه من العراق؟ اجاب بقوله: "هذا ممكن. ونحن على أي حال نتحدث عن كميات صغيرة". وحين طرحت "الوسط" السؤال على بعثة منظمة التحرير في واشنطن قال ناطق باسمها - نظراً الى غياب رئيسها حسن عبدالرحمن - ان مرافق تخزين النفط وتكريره التي ستقام في غزة في المستقبل ستشحن النفط "من مصادر عدة، ويمكن ان يأتي بعض نفطنا من العراق وأن تشتري اسرائيل بعض هذا النفط". ويذكر ان قرار مجلس الأمن الرقم 687 الذي صدر عام 1991 ينص على "تخويل لجنة خاصة من المجلس الموافقة على السلع والمنتجات العراقية التي يمكن استثناؤها من الحظر المفروض" على تصديرها عندما يلتزم العراق المواد والبنود الواردة في القرار. ومعنى هذا في صورة أساسية النفط. لندن : تشدد ... وحسرة في لندن يعترف رجل أعمال بريطاني بأنه يراقب بحسرة نظراءه رجال الاعمال الاوروبيين وغيرهم وهم يحزمون حقائبهم قاصدين عمان او بغداد او حتى قبرص للتفاهم على عقود والاتفاق على صفقات تجارية مع مؤسسات حكومية عراقية وشركات خاصة وأفراد، يبدأ العمل بها بعد رفع الحظر عن العراق. وقال رجل الأعمال الذي فضّل عدم ذكر اسمه ان حكومة بلاده متشددة جداً في مجال التعامل الاقتصادي مع العراق بدليل الهبوط المفاجئ لحجم التبادل التجاري الى أدنى مستوى له منذ سنوات. وأضاف ان حجم صادرات بريطانيا الى العراق في العام 1984 وصل الى 343 مليون جنيه استرليني في مقابل 12 مليوناً في العام 1993. هذا الفارق في الارقام يثبت أن قوانين الطوارئ التي بدأت الحكومة البريطانية بتطبيقها منذ غزو العراقالكويت في العام 1990، أثرت في العلاقات التجارية بين البلدين. وأبلغ مسؤول كبير في وزارة التجارة والصناعة البريطانية "الوسط" ان بلاده تطبق المادة 41 من قوانين الأممالمتحدة التي وضعت موضع التنفيذ في التاسع من آب اغسطس عام 1990، وان على اي رجل اعمال بريطاني او مصدِّر أن يلجأ، بموجب هذا القانون الى وزارة التجارة والصناعة للحصول على شهادة تسمح له بالتفاوض مباشرة اوغير مباشرة من اجل تصدير البضائع الى العراق. كما ان تصدير بضائع من بلد ثالث بواسطة تجار بريطانيين يحتاج الى ترخيص من وحدة المقاطعة في وزارة التجارة والصناعة. ومع ان هذه الوزارة ترفض اعطاء معلومات او تفاصيل عن شركات خرقت القوانين البريطانية، فإن اوساطاً مطلعة في لندن، اكدت ل "الوسط" وجود تحقيقات تجريها سلطات الجمارك مع احدى الشركات التي تتخذ من مقاطعة ويلز مقراً لها بعد اتهامها بخرق قوانين حظر التعامل التجاري مع العراق. وتقول اوساط اخرى ان لقاءات اولية عقدت قبل حوالي عام بين شركة اتصالات سلكية ولاسلكية بريطانية وممثلين لمؤسسات حكومية عراقية في العاصمة القبرصية، ولكن لا يوجد ما يؤكد هذه الانباء. مشكلة السيولة وأوضح ديبلوماسي غربي في لندن ان وزارة التجارة البريطانية كانت تمنح أذونات لشركات تطلب الموافقة على تصدير مواد طبية وأغذية، لكن عملية التصدير كانت تصطدم بعدم وجود سيولة عراقية، وبرفض السلطات البريطانية اسقاط الحجز عن أكثر من مليار دولار اميركي مجمدة في المصارف البريطانية منذ السادس من آب عام 1990. وأضاف الديبلوماسي ان ما سمحت به البنوك البريطانية بإذن الحكومة هو رفع العجز عن 70 مليون جنيه استرليني لشراء مواد طبية وغذائية، لكن مثل هذا المبلغ والكميات التي صُدّرت في مقابل ذلك لا تجاوز مفعوله حبة اسبيرين لكل عراقي من اصل عدد السكان البالغ حالياً حوالي 19 مليون نسمة. وترفض الحكومة البريطانية رفضاً قاطعاً تصدير عدد من اصناف الادوية مخافة ان تلجأ السلطات العراقية الى استعمالها لغير اغراضها العلاجية، كما ان الكثير من المعدات الطبية يمنع تصديره كلياً. ويتخوف رجال الأعمال البريطانيون من ان تفقد بلادهم حصتها من التجارة مع العراق في وقت يتراكض الفرنسيون والايطاليون والروس وحتى الاميركيون والكنديون لاستطلاع فرص العمل بعد رفع الحظر الاقتصادي عن العراق. وينفي مسؤولون في شركة نفطية لها مكاتب في لندن نفياً قاطعاً ما تردد من انباء انهم حاولوا الحصول على اذن لعقد لقاءات مع مؤسسات حكومية عراقية لاستطلاع آفاق التعاون في مرحلة ما بعد رفع الحظر. وأكدوا انهم لم يتقدموا بطلب من هذا النوع على الاطلاق الى وزارة التجارة والصناعة في لندن. ولفت مسؤول في الوزارة الى ان اي طلب شهادة او ترخيص للتفاوض مع مؤسسات اوأفراد او شركات عراقية غير قابل للنظر لأن القوانين لا تسمح به قبل ان ترى الحكومة البريطانية تطبيقاً كاملاً لكل قرارات الأممالمتحدة. موسكو: نزق وخيارات للمستقبل في أي حال قد تكون الاخبار التي تنشرها الصحف البريطانية عن اتصالات الشركات غير البريطانية، خصوصاً الروسية، مع العراق، ضاعفت حسرة رجال الأعمال البريطانيين. وكتبت "الغارديان" قبل مدة خبراً خلاصته: ان روسيا، كما يقال، توصلت الى اتفاق مع العراق لاعادة بناء اهدافه البترولية الاستخراجية مما يمكن ان يكون اشارة اخرى الى النزق الذي تستقبل به موسكو عقوبات الأممالمتحدة المستمرة ضد العراق. فروسيا تريد اعادة العراق الى المجتمع التجاري العالمي. ومع ان العراق ليس الا واحداً من كثيرين من حلفاء السوفيات السابقين فهو لا يزال واحداً من قليلين قادرين على تسديد دينهم لروسيا التي هي الوارثة الشرعية للاتحاد السوفياتي. والطريف ان وسائل الاعلام الروسية نشرت بعد ذلك نبأ لوكالتي "ايتار - تاس" و"انترفاكس" يقول ان روسياوالعراق ابرما عقداً للاستثمار المشترك لحقول البترول العراقية بمبلغ 3،2 مليار دولار اميركي. وتبين ان هذه المعلومات بنيت على اساس ما نشرته "الغارديان" البريطانية وترجمته "ايتار تاس" ووزعته. لكن الوكالة تقول انها لم تذع أنباء توقيع العقد وقيمته، وان المصدر الحقيقي لهذه الانباء هو الجرائد الروسية. وسألت "الوسط" هاتفياً أوليغ غريغورييف الموظف في قسم العلاقات الاقتصادية الخارجية في جهاز حكومة روسيا عن الاتفاق، فأجاب: "اننا كغيرنا من البلدان مستعدون لاستئناف التعاون مع الجمهورية العراقية، لكننا لم نوقع بعد مع هذه الدولة اية اتفاقات للاستثمار المشترك لحقول النفط". ولم يؤكد الملحق الصحافي في سفارة العراق في موسكو نبأ عقد الاتفاق، وأحال "الوسط" على المصادر الروسية وقال: "اذا كانت الصحف الروسية كتبت عن هذا فراجعها للاستيضاح. وقد جاء الى موسكو فعلاً منذ بضعة أيام خلت وفد حكومي عراقي، وعرض على روسيا الاشتراك في المشاريع الاستثمارية المتصلة بالتنقيب عن البترول في العراق واستخراجه وبناء مصنع للمعادن وتنظيم انتاج الميتانول والصودا الكاوية وكثير غير ذلك. وقد احيلت المشاريع على وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسية وحظيت هناك باهتمام، ولكن لا يزال من السابق لأوانه كثيراً الحديث عن توقيع اتفاقات ملموسة". روسيا: لا اتفاقات وأبلغ "الوسط" رئيس قسم الشرق الأوسط وبلدان الخليج في وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسية يوري كيريانوف انه - حسب علمه - لم يجر توقيع اية اتفاقات في الفترة الاخيرة بين روسياوالعراق. وقال في اتصال هاتفي معه: "لنا مصلحة في هذا، لكننا لن نتصرف الا بعد إلغاء العقوبات الدولية عن العراق. اما الشائعات عن توقيع الاتفاقات فلها ما يفسرها، ولكن ليس لها اي اساس واقعي. وكانت روسيا قبل أزمة 1990 تكسب من التجارة والتعاون مع العراق مليارات عدة من الدولارات سنوياً، وطبيعي ان تكون معنية بهذه الدولة كشريك قيّم في معاملاتها الاقتصادية الخارجية. وأقول الحق اننا لم نبدأ الا منذ قليل بالعمل على قضية التعاون الواعد مع العراق، ونحن الآن لا نزال نخسر كثيراً امام مزاحمينا من البلدان الاخرى". وكانت وزارة الوقود في روسيا حتى سنة 1990 من شركاء العراق الاساسيين في المعاملات الاقتصادية الخارجية. ويكفي ان 60 في المئة من الصادرات الروسية الى هذه الدولة كان يتألف من منتجات غير عسكرية وأكثرها من الماكينات والمعدات اللازمة للتنقيب عن البترول واستخراجه. ومعروف ان الدين المترتب لروسيا - 7 مليارات دولار - لم تدفعه بغداد إثر صدور العقوبات الدولية، اذ كانت تسدده سابقاً بشحنات من النفط. ويروي عمال النفط الروس، الذين كانوا يعملون في العراق، ان الروس كانوا في اثناء الترحيل العاجل قبل بدء عملية "عاصفة الصحراء" يتركون اجهزة الحفر الجاهزة التركيب. وقد استقبل سيرغي سليساريف السكرتير الصحافي لوزارة الوقود نبأ الاتفاق بدهشة. واستجوب الموظفين في وزارته ثلاثة ايام حتى يقدم الى "الوسط" ولو نبأ ما في هذا الشأن، لكنه لم يستطع التوصل الى شيء. وقال سليساريف لپ"الوسط": "اما انهم يجيبون بدهشة واما انهم لا يريدون الخوض في هذا الموضوع. وهذا ما يحدث عادة عندما يخاف خبراؤنا اهتزاز الاتفاقية الموضوعة من كل النواحي، او عندما يزعجهم شيء لا يقدرون عليه كعقوبات المجتمع الدولي، مثلاً. واضح فقط انه لم توقع اية اتفاقات على المستوى الرسمي مع العراق، لكن الكثيرين من زملائي يتذكرون بالحنان تلك الأيام التي أمضوها في حقول النفط شمال العراق". خيارات واستناداً الى أقوال أوليغ غريغورييف، فإن روسيا منشغلة الآن بما يشغل بال الكثير من البلدان فهي تضع خيارات للتعاون مع بغداد للمستقبل. وقال غريغورييف في اتصال هاتفي مع "الوسط": "ان العالم كله مشغول بهذا الآن، والجميع على أهبة الاستعداد، لأن من الواضح للجميع ان طاقة استثمارية طائلة تكدست في العراق، اثناء سريان العقوبات. وهناك اموال طائلة تنتظر التجار المحظوظين. وعلى المستوى الرسمي ترتبط رغباتنا بمشكلة الحصول على الدين المستحق لنا من العراق، ولهذا بالذات طار الى بغداد وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسية اوليغ دافيدوف. لكن الاتصالات تجري على مستوى المؤسسات التي كانت تعمل بنشاط في مجال التعاون الروسي - العراقي قبل صدور العقوبات، كوزارة الوقود وشركة "روس فؤروجينيه" تتعاطى تجارة الاسلحة التابعة للدولة وغيرهما. وستعقد في ايلول سبتمبر في موسكو أول جلسة للجنة الحكومية المختلطة الروسية - العراقية للتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي الفني". وأوضح الموظف في جهاز الحكومة الروسية ان دولاً كثيرة تعقد مع العراق ما يسمى "العقود المفتوحة الاجل" التي تشترط فيها واجبات الطرفين وأجل الدخول حيز التنفيذ في اليوم التالي لالغاء العقوبات. وأضاف: "اننا لن نشتغل بمثل هذه الامور، لكننا مستعدون لتطوير التعاون مع العراق بعد أن تلغي الأممالمتحدة القيود عن هذه الدولة". ويعتقد كثيرون من الخبراء الروس ان اتفاقية التعاون المعقودة بين العراقوروسيا لا وجود لها على أرض الواقع فعلاً. لكن ظهور مثل هذه الانباء ليس في نظرهم من قبيل المصادفات. فالروس تربوا في السنوات الاخيرة على النفور من نظام الرئيس صدام حسين، لذلك على موسكو اعداد الرأي العام، اذا كانت ترغب في المتاجرة معه. وقد تكون الانباء عن الاتفاقية، التي تبلغ قيمتها اكثر من ملياري دولار، مجرد "بالون اختبار" اطلقه الموظفون الروس. وقد يكونون هم الذين يريدون ان يعرفوا ماذا سيكون رد فعل مواطنيهم والمجتمع الدولي على نبأ استئناف التعاون مع بغداد. اما الصحافة الروسية فتقبلت الخبر بكثير من الحماسة والابتهاج.