في مكان ما من بريطانيا، يختبئ مواطن بريطاني هاجسه اليومي الخوف من انتقام النظام العراقي. هذا الخوف له ما يبرره: فالرجل اقام علاقات وثيقة مع نظام صدام حسين وتمكن، نتيجة تمتعه بثقة المسؤولين عن الصناعات العسكرية العراقية، من سرقة اسرار عسكرية عراقية مهمة وتزويد المخابرات البريطانية بها. هذا الرجل لم يفضح أمره العراقيون بل البريطانيون انفسهم. وهذا هو الجانب الآخر من مشكلته. فقد احالته السلطات البريطانية على المحاكمة وفقد نتيجة ذلك عمله وتم الحجز على الشركة التي يديرها وكاد ان يدخل السجن وأصبحت حياته مهددة بالخطر. وتحولت قضية هذا الرجل الى "فضيحة سياسية كبرى" تواجه الآن الحكومة البريطانية ورئيسها جون ميجور. وأطلقت الصحافة على هذه القضية اسم "عراق - غيت" نسبة الى "ايران -غيت" اي فضيحة تزويد الايرانيين بالاسلحة والمعدات العسكرية الاميركية سراً عامي 1985 و1986 في مقابل تأمين الافراج عن الرهائن الاميركيين المحتجزين في لبنان. من هو هذا الرجل الذي سرق أسرار صدام حسين العسكرية؟ وكيف تحولت قضيته الى فضيحة سياسية تواجه حكومة ميجور؟ وما الذي يهمنا، نحن كعرب، من قضية "عراق - غيت" هذه؟ القضية، باختصار، تتعلق بدور الحكومة البريطانية في عهد رئيستها السابقة مارغريت ثاتشر، ودور بعض الوزراء في حكومة ميجور الحالية، بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه، في "التغطية والتستر" على عمليات تصدير معدات مختلفة الى العراق ساعدت على تطوير صناعته العسكرية، وذلك قبل غزو الكويت، وخلافاً للقوانين البريطانية التي تفرض حظراً على تصدير أية معدات عسكرية الى هذا البلد. ولندخل في تفاصيل هذه القضية المثيرة. القضية بدأت، في الواقع، في تشرين الأول اكتوبر 1990، أي خلال الاحتلال العراقي للكويت، حين اعتقلت السلطات البريطانية، في السادس عشر من ذلك الشهر، رجلاً يدعى بول هندرسون كان يبلغ من العمر، آنذاك، 52 عاماً ويشغل منصب المدير الاداري لشركة "ماتريكس تشرشل" البريطانية، وهي شركة تصدّر معدات مختلفة صالحة للأغراض العسكرية الى العراق. واعتقل مع هندرسون اثنان من زملائه في الشركة. واتهمت سلطات الجمارك البريطانية هندرسون وزميليه بخرق الحظر البريطاني المفروض على بيع الاسلحة والمعدات العسكرية الى العراق وتزويد هذا البلد بمعدات مختلفة ساعدت على تطوير صناعته الحربية. وخلال العامين الماضيين جرى إعداد ملف هذه القضية، وتم الحجز على شركة "ماتريكس تشرشل"، وبدأت محاكمة بول هندرسون وزميليه في نهاية أيلول سبتمبر الماضي وانتهت مطلع هذا الشهر بالافراج عن الثلاثة، لتبدأ "الفضيحة السياسية" التي تواجه حكومة ميجور وتتحول القضية كلها الى خبر رئيسي في وسائل الاعلام البريطانية. فما الذي حدث؟ خلال أسابيع المحاكمة هذه، انكشفت حقيقة قصة بول هندرسون. هذا الرجل كان يعيش، منذ مطلع السبعينات، حياة مزدوجة: فهو، من جهة، صناعي محترم متزوج وله ولدان، ومن جهة ثانية كان يعمل، ومنذ العام 1973 لمصلحة المخابرات البريطانية، ومن دون أن يعلم أحد من افراد عائلته أو اصدقائه بذلك. وفي السبعينات تجسس هندرسون، لمصلحة المخابرات البريطانية، على الاتحاد السوفياتي ودول شيوعية أخرى كالصين وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا والمجر، وقام بمهمات سرية عدة في هذه الدول، وفي الثمانينات تجسس على العراق لمصلحة هذه المخابرات. لذلك فوجئ هندرسون باعتقاله وإحالته على المحاكمة، وهو الذي عمل سنوات لمصلحة أجهزة المخابرات البريطانية الرسمية. والواقع أنه في العام 1986 تم التوصل الى "تفاهم سري" بين الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا ودول اخرى حليفة أو صديقة، يقضي بتزويد العراق، بصورة غير معلنة، بأسلحة ومعدات عسكرية وتكنولوجية صالحة للاستخدام الحربي، وذلك للحيلولة دون انتصار ايران في الحرب، مع ما يحمله مثل هذا الانتصار من انعكاسات خطرة على ميزان القوى في الخليج ومنطقة الشرق الاوسط بأسرها. وضمن اطار هذا التفاهم السري، شجعت جهات رسمية بريطانية شركات عدة على التعاون عسكرياً مع العراق، على رغم الحظر المفروض على تصدير الاسلحة والمعدات العسكرية الى هذا البلد. وهكذا بدأت علاقة بول هندرسون وشركة "ماتريكس تشرشل" التي يديرها، بالعراق. وحدث أكثر من ذلك. ففي نهاية 1987 شجعت المخابرات البريطانية، وبعلم من جهات رسمية بريطانية، بول هندرسون على التجاوب مع طلب عراقي وبيع شركته الى شركة أخرى تدعى "تي.أم.جي. للهندسة" تملكها "شركة التجارة العربية"، وهي شركة عراقية تشرف عليها - وفقاً لمصادر بريطانية مطلعة - أجهزة المخابرات العراقية نفسها. وتمت الصفقة بالفعل. ومنذ ذلك الحين وحتى غزو الكويت - وربما حتى خريف 1990 - زودت هذه الشركة العراق بمعدات ساعدته على تطوير صناعاته العسكرية التقليدية وغير التقليدية. ونتيجة هذه الصفقة تمكن بول هندرسون من اقامة علاقات وثيقة مع عدد من كبار المسؤولين العراقيين المعنيين مباشرة بالانتاج الحربي والصناعات العسكرية. وكان العراقيون يثقون به. والمعدات التي حصل عليها العراقيون من شركته، أو عن طريقه، مكنتهم من تطوير صناعة انتاج الصواريخ وأنواع عدة من الاسلحة التقليدية، كما ساعدتهم في برنامجهم النووي. ولعب هندرسون، أيضاً، دور "الوسيط" أو "صلة الوصل" بين العراقيين وشركات أجنبية أخرى. أسرار عراقية مهمة لكن ما لم يكن يعلم به العراقيون هو ان هندرسون كان، في الوقت نفسه، يتجسس عليهم لمصلحة المخابرات البريطانية. وقد تبين من محاكمة هندرسون ومن الوثائق البريطانية السرية التي نشرت أو تسربت عن هذه القضية ومن معلومات خاصة حصلت عليها "الوسط" ان هندرسون زود المخابرات البريطانية بالمعلومات المهمة الآتية التي "سرقها" من العراقيين: 1 - معلومات دقيقة ومفصلة عن قدرات العراق النووية والكيماوية وعن اسماء الاشخاص البارزين المشرفين على البرنامج النووي العراقي. 2 - معلومات محددة عن مواقع مصانع انتاج الصواريخ والاسلحة التقليدية وغير التقليدية في العراق. 3 - قائمة مفصلة بأسماء الشخصيات المعنية مباشرة بعمليات الانتاج الحربي والتصنيع العسكري في العراق. 4 - مسودة المشروع العراقي لانتاج "المدفع العملاق" القادر على اطلاق قذائف ثقيلة، تقليدية وحتى كيماوية، الى مسافة تتجاوز الألف كيلومتر. 5 - معلومات دقيقة عن انتاج صواريخ أرض - أرض وكيف طور العراقيون صواريخ سكود السوفياتية الصنع وحولوها الى صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى. 6 - معلومات دقيقة عن انتاج قذائف مدفعية ومواد صالحة لصنع القنبلة النووية. وطوال هذه الفترة وحتى يوم اعتقاله، تمكنت المخابرات البريطانية من حماية هندرسون وتأمين "غطاء شرعي" له ولنشاطاته لأنه كان مصدراً ثميناً للغاية للمعلومات في العراق، بل "أهم مصدر" لهذه المخابرات في العراق على صعيد المعلومات العسكرية. وكانت هذه الحماية تتم بعلم من جهات بريطانية رسمية. وقد حدث، مثلاً، أن طلب عضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي عام 1989 "إيضاحات" من الحكومة البريطانية حول حقيقة دور شركة "ماتريكس تشرشل" في العراق، على أساس انه تلقى معلومات تفيد أن هذه الشركة تزود العراق بمعدات صالحة للاستخدام العسكري، فجاءه الجواب عن طريق السفارة البريطانية في واشنطن التي أكدت له رسمياً ان هذه الشركة لا تخرق الحظر المفروض على تصدير الاسلحة الى العراق. ولم يكن هندرسون الوحيد الذي كان يعمل لمصلحة المخابرات البريطانية في مجال التجسس على العراق. فقبل أيام اعترف رجل آخر يدعى مارك غوتيريدج كان يعمل مديراً للتصدير في شركة "ماتريكس تشرشل"، بأنه زود المخابرات البريطانية، منذ العام 1987، بمعلومات عن نشاطات العراق العسكرية، وأنه أبلغ في نيسان أبريل 1988 هذه المخابرات تفاصيل خطة صدام حسين لبناء "المدفع العملاق". ولم تكن شركة "ماتريكس تشرشل"، أيضاً، هي الشركة البريطانية الوحيدة التي تعاملت مع العراق في المجالات العسكرية خلال الفترة بين 1986 و1990، بل هناك 10 شركات بريطانية بارزة على الأقل ساعدت العراق على تطوير صناعاته العسكرية. وقد تم قبل أيام تسريب مجموعة كبيرة من الوثائق السرية الرسمية البريطانية - وبعضها تقارير لأجهزة المخابرات - الى عدد من وسائل الاعلام أظهرت ان التعاون العسكري بين بريطانياوالعراق في الفترة بين 1986 و1990 كان "واسع النطاق" وانه شمل تزويد العراق بمعدات مختلفة تمكنه من تطوير برنامجه النووي، وعمليات انتاج وتطوير صواريخ أرض - أرض، وانتاج قذائف مدفعية، شمل التعاون تزويد العراق بمعدات وقطع لانتاج "المدفع العملاق". كما كشفت صحيفة "الفايننشال تايمز" في عددها الصادر يوم 14 تشرين الثاني نوفمبر الجاري أن العراق استخدم الاردن "كواجهة" له لتلقي معدات عسكرية بريطانية بعد انتهاء الحرب مع ايران، وان الاردن اشترى من بريطانيا، ولمصلحة العراق، وقبل غزو الكويت، كميات من القذائف والألغام وقطع الغيار والذخيرة ومعدات عسكرية أخرى. وترددت معلومات تفيد أن العراق تلقى، قبل غزو الكويت بأيام، معدات بريطانية تساعده على تطوير برنامجه لانتاج الصواريخ أرض - أرض. "شبكة تجسس أوروبية" في العراق لكن لا بد من وضع هذه المسألة في اطارها الصحيح. فالواقع ان عملية تعاون شركات بريطانية مع العراق في المجال العسكري مرت بمرحلتين: 1 - المرحلة الأولى امتدت من عام 1986 وحتى انتهاء الحرب العراقية - الايرانية في آب اغسطس 1988، وكان الهدف من ذلك - كما اشرنا - منع انتصار ايران في هذه الحرب. 2 - المرحلة الثانية امتدت من صيف 1988 وحتى غزو الكويت في 2 آب اغسطس 1990. وخلال هذه المرحلة، أيضاً، كان التعاون العسكري البريطاني - العراقي يتم بعلم وموافقة جهات حكومية رسمية، وليس مستبعداً اطلاقاً أن تكون مارغريت ثاتشر رئيسة الحكومة آنذاك على علم بهذا التعاون. وقد لعبت عوامل عدة دورها في قيام هذا التعاون بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية أبرزها العوامل الآتية: وجود تنافس أوروبي شديد، وخصوصاً بريطاني - فرنسي - الماني - ايطالي - على السوق العراقية، من جهة للمساهمة في اعادة اعمار العراق بعد سنوات الحرب مع ايران، ومن جهة ثانية لأن العراق يملك احتياطاً نفطياً هائلاً. النظام العراقي كان، في ذلك الحين، يطمئن الولاياتالمتحدة والدول الاوروبية بأن لا نيات توسعية لديه في منطقة الخليج وانه حريص على أمن هذه المنطقة واستقرارها وعلاقات حسن الجوار مع دولها. كان المسؤولون العراقيون يشترطون لمنح هذه الدولة الاجنبية أو تلك - اذا كانت تملك صناعة عسكرية - عقوداً تجارية أو صناعية أو للسماح لها بالمشاركة في اعادة اعمار البلاد، كان العراقيون يشترطون على هذه الدول تزويدهم بالاسلحة أو بمعدات عسكرية أو بمعدات تكنولوجية صالحة للاستخدام العسكري. وكان العراق آنذاك سوقاً مهمة ومغرية بالنسبة الى البريطانيين، وكذلك بالنسبة الى دول أجنبية عدة. ويتبين الآن، مثلاً، ان العراق كان يتعاون مع نحو 100 شركة أميركية كانت تزوده بمعدات صالحة للأغراض العسكرية. ووفقاً لما قاله لپ"الوسط" مصدر فرنسي مسؤول وثيق الاطلاع على "الملف العراقي" فان نحو 40 دولة على الأقل في العالم تعاونت مع العراق، قبل غزو الكويت، وساعدته على تطوير صناعاته العسكرية. وعلمت "الوسط" من مصادر أميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع ان بول هندرسون هو "واحد من مجموعة صناعيين ورجال اعمال بريطانيين وفرنسيين وألمان وإيطاليين" تعاونوا مع العراق في مجال تطوير صناعاته العسكرية وكانوا، في الوقت نفسه، يتجسسون عليه ويزودون سلطات بلادهم أو أجهزة مخابراتها بمعلومات عن هذه الصناعات. ويشكل هؤلاء، في الواقع، أهم "شبكة تجسس" تمكنت الدول الاوروبية من تكوينها في العراق، وحاز افرادها على ثقة مسؤولين عراقيين كثيرين. ووفقاً للمصادر نفسها، فقد ساعدت معلومات هؤلاء الجواسيس دول التحالف لدى اعداد خطط قصف المنشآت العراقية العسكرية، كما ان معلومات هؤلاء أفادت كثيراً فرق التفتيش الدولي المكلفة من قبل الأممالمتحدة بازالة اسلحة الدمار الشامل في العراق. حملة اسرائيل ظلت هذه العملية سرية الى ان اعتقلت السلطات البريطانية بول هندرسون وزميليه في تشرين الأول اكتوبر 1990 وأحالتهم على المحاكمة. وقد فوجئ هندرسون بعملية اعتقاله، اذ كان يعتقد انه يتمتع بحماية جهات رسمية بريطانية. لكن ما حدث هو ان عملية الاعتقال تمت بناء على طلب دائرة الجمارك البريطانية التي تتمتع بنوع من الاستقلالية. ولم تطلع دائرة الجمارك المخابرات البريطانية، مسبقاً، على مسألة اعتقال هندرسون وزميليه. وجرت محاكمة هؤلاء الثلاثة، لكن تم الافراج عنهم مطلع هذا الشهر. فما الذي حدث؟ حدث أمران مهمان خلال المحاكمة: الأول ان مسؤولين في أجهزة المخابرات البريطانية أدلوا بافادات خلال المحاكمة أكدوا فيها ان نشاطات هندرسون وشركته في العراق كانت تتم بعلم جهات رسمية بريطانية. وقد حرص هؤلاء المسؤولون على الاشادة بشجاعة هندرسون، اذ انه كان يجازف بحياته من أجل جمع معلومات سرية عسكرية عراقية وتزويد المخابرات البريطانية بها. في الوقت نفسه اعترف آلان كلارك وزير التجارة والصناعة السابق أمام المحكمة بأنه كان على علم بما يقوم به هندرسون وما تقوم به شركته في العراق، مما يعني ان هندرسون لم يرتكب أعمالاً مخالفة للقوانين البريطانية. كما أكد كلارك امام المحكمة أن جهات بريطانية رسمية شجعت على تصدير معدات صالحة للاستخدام العسكري الى العراق. الثاني، وهو أمر لم يكشف علناً حتى الآن، هو ان بول هندرسون هدد، حين شعر بأنه سيكون "كبش محرقة" وأنه قد يحكم عليه بالسجن بين 5 و7 سنوات، بكشف أسماء اشخاص ومسؤولين معنيين في بريطانيا كانوا على علم بما يقوم به في العراق وشجعوه على ذلك. وهكذا تم الافراج عن هندرسون وزميليه وأغلقت المحكمة ملف هذه القضية وكذلك ملف قضية أخرى مماثلة. وتوارى هندرسون عن الانظار خوفاً من انتقام العراقيين، بعدما تسربت معلومات عن دوره التجسسي في العراق. ما ان انتهت المحاكمة، حتى بدأت حملة المعارضة البريطانية - ممثلة بحزب العمال والحزب الليبرالي الديموقراطي - ضد الحكومة البريطانية ورئيسها جون ميجور. وتركزت الحملة، بشكل خاص، على ان عدداً من وزراء الحكومة الحالية وحكومة ثاتشر السابقة - وخصوصاً الوزراء المعنيين بالدفاع والخارجية والتجارة والصناعة - كانوا على علم بعمليات تصدير معدات عسكرية أو معدات صالحة للاستخدام العسكري الى العراق، وانهم تولوا "تغطية" هذه العمليات و"التستر" عليها. بل ذهبت الحملة الى حد اتهام جون ميجور شخصياً وكذلك مارغريت ثاتشر، بأنهما كانا يعلمان بأمر عمليات التصدير هذه غير المشروعة للعراق، خصوصاً حين كان ميجور وزيراً للخارجية في حكومة ثاتشر. ولم تنفع تصريحات وتأكيدات ميجور بأنه لم يكن يعرف بأن الحظر على تصدير الاسلحة الى العراق انتهك، في وقف حملة المعارضة هذه. كما لم ينفع قرار ميجور بتأليف لجنة خاصة برئاسة قاضٍ بارز من المحكمة العليا لاجراء تحقيق كامل ومستقل في قضية تصدير معدات بريطانية الى العراق صالحة للاستخدام العسكري لتحديد المسؤوليات... لم ينفع هذا القرار في وقف حملة المعارضة على الحكومة وعلى حزب المحافظين. وتحولت هذه القضية الى مشكلة سياسية كبرى تواجه ميجور وحكومته. وذكرت صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية في عددها الصادر يوم الأحد 15 تشرين الثاني نوفمبر الحالي ان مارغريت ثاتشر وجون ميجور وكذلك وزير الخارجية الحالي دوغلاس هيرد ووزير التجارة والدفاع السابق آلان كلارك والوزير السابق اللورد تريفر غان، ووزير الدولة للشؤون الخارجية وليم وولدغريف... هؤلاء جميعاً كانوا على اطلاع على عمليات تصدير معدات مختلفة صالحة للاستخدام العسكري الى العراق قبل غزو الكويت. هذه القضية تعنينا، كعرب، من جوانب عدة، لكن ما يعنينا بشكل خاص هو الخوف من أن تؤثر هذه القضية، وأمثالها في دول أجنبية أخرى، على عمليات تصدير الاسلحة والمعدات العسكرية الى عدد من الدول العربية. وقد بدأ أنصار اسرائيل، من نواب في مجلس العموم البريطاني، بالتحرك، إذ طالبوا الحكومة البريطانية، "تعويضاً" عن عمليات التعاون العسكري مع العراق، برفع الحظر على بيع الاسلحة والمعدات العسكرية البريطانية الى اسرائيل. وهذه القضية، بجوانبها المختلفة، لا تزال في بدايتها، وقد تشهد مثيلة لها في دول اخرى.