* خطوات وحدوية واتهامات بالتدخل وبوادر حرب وتنسيق وخلافات على مدى ربع قرن شهدت العلاقات السورية - الأردنية سلسلة من التقلبات راوحت بين الخطوات الوحدوية في منتصف السبعينات والوصول الى حافة الحرب في مطلع الثمانينات، وبين التفاهم والتنسيق وافتراق الخيارات في المرحلة التالية. اتهمت سورية الأردن بإيواء "الاخوان المسلمين" وتدريبهم في أواخر السبعينات. ولم يتردد الملك حسين في الاشارة الى ذلك علناً في موقف أدى الى فتح صفحة جديدة بين البلدين سبقتها اتهامات وجهها الأردن الى سورية بدعم اعمال عنف على أراضيه. ولعل الخلافات الأهم بين البلدين تمثلت في افتراق حساباتهما الاقليمية. ففي حين وقف الأردن مع العراق في حربه ضد ايران، اتخذت سورية موقفاً معاكساً وحمّلت بغداد مسؤولية اندلاع النزاع، لتفترق الحسابات الأردنية - السورية مجدداً في حرب الخليج الثانية. وإذا كان مؤتمر مدريد انطلق في ظل حديث عن التنسيق بين الأطراف العربية فان توقيع اتفاق اوسلو كشف سباق المسارات وحرب الادوار. بدا الانزعاج السوري واضحاً من المعاهدة الأردنية - الاسرائيلية لكنه اتخذ طابعاً اكثر علانية بعد لجوء العقيد حسين كامل، صهر الرئيس العراقي الى عمان، وتطلع الاردن الى لعب دور في تغيير الوضع القائم في العراق. كان الرئيس حافظ الأسد وزيراً للدفاع عندما دخلت فرقة سورية مدرعة الاراضي الاردنية للقتال الى جانب المنظمات الفدائية ضد الجيش الأردني في ايلول سبتمبر 1970 وتوغلت الفرقة السورية حتى اشتبكت مع القوات المسلحة الاردنية واستمر القتال ستة ايام وحسمه سلاح الجو الاردني اذ لم يشارك سلاح الجو السوري في القتال خارج اراضيه. وانسحبت القوات السورية في اليوم السادس وساهم في قرار انسحابها الخلاف داخل القيادة السورية حول الدور الذي يمكن ان تلعبه دمشق في النزاع الدائر في الاردن. وبعد تسلم الاسد الحكم تطورت العلاقات الاردنية - السورية بشكل متسارع ولم تكد تمر خمس سنوات حتى بدأ البلدان خطوات وحدوية. غير ان الوحدة السورية الأردنية اثبتت فيما بعد انها شكلت السبب الرئيسي للشكوك المتبادلة التي ميزت العلاقات بين البلدين والتي اوصلتهما الى شفير الصدام احياناً. وعلى أثر الاحداث الدامية في الشمال السوري بين الحكومة و "الاخوان المسلمين" في أواخر السبعينات شنت سورية حملة ديبلوماسية واعلامية ضد الأردن واتبعتها بحشد قواتها المسلحة على الحدود المشتركة عام 1980 في وقت كان الأردن يستعد لاستضافة القمة العربية وهي ثاني قمة عربية، بعد قمة بغداد، تعقد في غياب مصر التي وقعت اتفاقات كامب ديفيد. وبذل الزعماء العرب جهوداً مضنية لنزع فتيل الحرب التي كانت على وشك الاندلاع بسبب اتهامات سورية للأردن بتدريب "الاخوان المسلمين" في معسكرات خاصة وبهدف تقيوض نظام الحكم السوري وذلك على رغم اعلان المسؤولين الاردنيين ان الاتهامات السورية "لا اساس لها من الصحة" و "ان الأردن لم يكن ولن يكون ساحة تدريب ضد أي بلد شقيق". معارك اعلامية واتسمت العلاقات الاردنية - السورية منذ ذلك التاريخ بالحذر واندلعت معارك اعلامية كثيرة بين الجانبين لم يكن الأردن البادئ في اي منها حسب مسؤول اردني كبير قال ل "الوسط" ان الاردن كان يكف عن المجاهرة ببعض تحفظاته خشية ازعاج الجارة الشمالية وحفاظاً على الروابط الاخوية والتعامل اليومي بين البلدين. فعلى سبيل المثال ايد الأردن منذ البداية تشكيل قوات الردع العربية لوقف الحرب الأهلية في لبنان وتحولت هذه القوات سريعاً الى قوات ردع مستمراً حتى اليوم ولكن الأردن لم يثر هذه المسألة لأسباب عدة عربية واقليمية ودولية. وبسبب التناقض المعروف بين نظامي الحكم البعثيين في كل من سورية والعراق فقد شكل وقوف الاردن الى جانب العراق في حربه ضد ايران سبباً وجيهاً لفتور العلاقات مع سورية كما تناقض موقفا البلدين من حرب الخليج الثانية "حين شاركت سورية في قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة بينما وقف الأردن ضد الحرب في الخليج". وفي أول زيارة للملك حسين الى دمشق عقب حرب الخليج الثانية نقل عن السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري انه سأل رئيس الديوان الملكي عدنان ابو عودة عن الموقف الاميركي ازاء مستقبل المنطقة، وكان الحديث جارياً عن مؤتمر مدريد للسلام، بوصفه "خبيراً في الشؤون الاميركية" في اشارة الى علاقات الاردنبالولاياتالمتحدة. ورد ابو عودة باقتضاب: "بعد كارثة الخليج اتضح لنا اننا مجرد تلاميذ في هذا المجال". وذلك في اشارة الى علاقات خفية بين دمشق وواشنطن. وحتى منتصف الثمانينات اتهم الأردن سورية بمحاولات عدة لتعكير امنه الداخلي سواء بواسطة مواطنين سوريين او عن طريق المنظمات الفلسطينية المقيمة في سورية. وكان من تلك المحاولات محاولة اغتيال رئيس الوزراء الاردني مضر بدران. لكن المسؤول الاردني اكد ان سورية قد تخلت عن مثل هذا الاسلوب منذ منتصف الثمانينات ولم تعد تشكل خطراً على الامن الداخلي الاردني على رغم الخلافات بين البلدين. ومنذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 عاد الدفء الى العلاقات الاردنية - السورية بعد ظهور حاجة الى التنسيق بين الاطراف العربية المعنية بعملية السلام وانضمت مصر الى هذا التنسيق. متاعب التنسيق كان الوفد الفلسطيني رسمياً تحت المظلة الاردنية وكان المسار اللبناني ما زال تحت المظلة السورية. وهكذا برزت الحاجة الى التنسيق السوري الأردني عن طريق التنسيق الخماسي الذي بدأ عقده دورياً في العواصم السورية واللبنانيةوالأردنية. كان الوفد الفلسطيني أول من شكا من اسلوب التنسيق الذي تريده سورية "وهو اسلوب الاملاء" وتبعته شكوى اردنية. وزادت الحاجة الى التنسيق الأردني - السوري بعد اتفاق اوسلو الا ان سورية "فضلت مصر على الأردن كوسيط له علاقات مباشرة مع كل من اسرائيل والولاياتالمتحدة". ومع توقيع الاردن معاهدة سلام مع اسرائيل بدأت سورية حملة اعلامية ضده وواصلت حملتها على "الحكم الذاتي المحدود" للفلسطينيين. ولم يرد الأردن على الحملة السورية حتى الشهر الماضي حين رد الملك حسين بعنف على القيادة السورية من دون ان يسميها. غير ان الرد الأردني الصريح جاء على لسان السيد عبدالكريم الكباريتي وزير الخارجية 21/11/1995 رداً على تصريحات للسيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري. ووصف الكباريتي الموقف السوري: "بالنفاق السياسي" والازدواجية مشيراً الى ان سورية هاجمت قمة عمان الاقتصادية وأبدت حماسة لمؤتمر برشلونة. والتزمت مهاجمة العراق ومحاربته منذ حربه مع ايران وحتى لجوء الفريق حسين كامل الى الأردن ثم "نسمع اليوم اتهاماً للأردن بأنه يسعى لتقسيم العراق بينما نحن نسعى في الأساس لمنع تكريس التقسيم الحاصل حالياً في العراق ورفع المعاناة عن شعبه". وقال الكباريتي: "سمعنا كلاماً قبل ثلاثة اسابيع من سورية في منتهى السلبية نحو عملية السلام والقاء اللوم على الطرف الاسرائيلي في تعطيلها واليوم نسمع كلاماً في منتهى المرونة يوحي باستعدادها للتعامل مع اسرائيل لاستئناف صعود قطار السلام الى الجولان". غير ان الكباريتي التقى السيد فاروق الشرع وزير الخارجية السوري في برشلونة وأعلن عقب اللقاء: "قررنا ان نبني على نقاط الاتفاق وأن نسعى لمنع نقاط الاختلاف، وهي بسيطة جداً، من توسيع شقة الخلاف بيننا". ويعلق مسؤول أردني كبير "ان الحملة السورية ضد الاردن قد هدأت ليس بسبب الرد الاردني بل بسبب الانفراج على المسار السوري - الاسرائيلي على ما يبدو". غير ان المسؤول الاردني اعترف بوجود "منغصات على الحدود بدأ الطرف الآخر يفتعلها" منذ ما قبل انعقاد قمة عمان الاقتصادية أواخر شهر تشرين الاول اكتوبر الماضي.