على مدى أربعة أشهر، يعرض معهد العالم العربي في باريس عشرات الأفلام التي ترسم تاريخ السينما المصرية، في تظاهرة استثنائية تكشف الكيفية التي تطور بها هذا الفن الاستثنائي، واشتغل طوال عشرات الاعوام على الذهنيات العربية. وفي داخل تاريخ هذه السينما المصرية، تكشف لنا تلك الأفلام المتعددة والمتنوعة، تواريخ اخرى منها تاريخ المخرج، ذاك المبدع الذي كان وراء الفيلم وصناعة النجوم في الماضي، فإذا به يتحوّل هو الآخر الى نجم وفنان مبدع يصنع الفيلم شراكة مع النجم/ الممثل. وهذا التاريخ هو ما نحاول رسمه في هذه الحلقة. ليس صحيحاً ما يقال عادة ان الفيلم المصري لم يعرف طوال تاريخه الا بنجومه، وان النجم كان هو السند الأول والأخير للفيلم، حتى وإن كان صحيحاً ان الغالبية العظمى من الجمهور انما تختار حضور فيلم من الأفلام لأن فيه هذا النجم او ذاك، بصرف النظر عن اسم المخرج. فالحال انه منذ كلام محمد كريم القديم عن ضرورة عدم تصوير الفلاحين على الشاشة والاكتفاء بتصوير البيوت الفخمة كاستجابة لأحلام الجمهور، وصولاً الى افلام يوسف شاهين ويسري نصرالله ومحمد خان وخيري بشارة مروراً بأفلام الواقعية الأولى وأفلام المغامرات والكوميديات الموسيقية، عرف المخرج كيف يكون نجماً على حدة في السينما المصرية، وكيف يربط باسمه فيلماً أو تياراً أو مرحلة. ومن هنا لم يكن من قبيل المصادفة او الضحك على الذقون ان يصر حسن الامام على ان تحمل ملصقات افلامه عبارة صارت خالدة في ما بعد هي: "من اخراج مخرج الروائع حسن الامام". ترى هل بإمكان احد ان ينكر اليوم ان الجمهور الذي قصد افلاماً مثل "اعترافات زوجة" و"الخرساء" و"بمبة كشر" و"خللي بالك من زوزو"، قصدها لأن حسن الامام هو مخرجها، بقدر ما قصدها مطارداً احلامه حول نجومها؟ وأفلام صلاح أبو سيف وواقعيتها الشعبية؟ وفكاهيات حلمي رفلة؟ ثم، بالنسبة الى فيلم مثل "امرأة على الطريق" هل يمكن لأحد ان ينسى انه يحمل توقيع عز الدين ذو الفقار، حتى وإن كان من الصعب، احياناً، ان يقال ما اذا كان الفيلم من تمثيل هدى سلطان او هند رستم، او برلنتي عبدالحميد؟ يقودنا هذا، بالطبع، الى الاستنتاج البديهي القائل بأن تاريخ السينما المصرية هو، في الوقت نفسه، تاريخ المخرجين. فمنذ استدعت عزيزة امير وداد عرفي لاخراج "ليلى" الفيلم المصري الأول، ثم اختلفت معه حول رؤيتهما للفيلم نفسه، وصولاً حتى المساندة التي تقدمها ليلى علوي لرأفت الميهي، مروراً بانتاج نجلاء فتحي لپ"سوبر ماركت" محمد خان، عرفت السينما المصرية مكانة المخرج وأهميته، بقدر ما عرفتهما هوليوود وربما، احياناً، اكثر وأبكر من هذه الأخيرة بكثير. أهمية المخرج مهما يكن، يمكننا ان نقول بأن طلعت حرب كان من أوائل الذين ادركوا اهمية دور المخرج في الفيلم، بشكل منهجي، ومن هنا نراه ما ان اتخذ قراره بتأسيس ستوديو مصر، يرسل شباناً ليدرسوا الاخراج في ألمانيا وفي غيرها، ويعوّل عليهم للنهوض بتلك الصناعة التي ستكون من اهم ما انتجته مصر، اقتصادياً واجتماعياً وجمالياً، طوال القرن الجاري. ومنذ اهتم طلعت حرب بذلك البعد، حتى يومنا هذا، حيث بات من المنطقي لكل الانتاجات المشتركة - على الأقل - ان تنبني على اسم المخرج اكثر بكثير مما تنبني على اسم الفيلم، تصاعد تاريخ المخرج بشكل واضح وحيوي، بل صار للعديد من المخرجين شعبية لا مراء فيها. ذكرنا أعلاه حسن الامام ويمكننا ان نذكر نيازي مصطفى وبركات وعاطف سالم وآخرين من أقطاب السينما الشعبية ومن الذين استبقوا موجة الجدية والسينما المفكرة التي جاءت بالأقطاب الذين عرفناهم في ما بعد. من هنا لم يكن جلال الشرقاوي بعيداً عن الصواب، حين جعل رسالته الأساسية - الموضوعة اصلاً بالفرنسية - عن تاريخ السينما المصرية، أشبه بجردة حساب لعمل المخرجين، أكثر منها جردة لعمل الممثلين، على أهميتهم. وكذلك لم يخطئ المهرجان المقام حالياً، في "معهد العالم العربي" لمئة فيلم من حياة السينما المصرية، حين شاء ان يصنف الأفلام تبعاً لمخرجيها ولتياراتها الاخراجية. ومع هذا، بعيداً عن بريق الأسماء وشعبويتها، يمكننا ان نفترض بأن التحدث عن تاريخ المخرج لا يعني التسليم بحضوره منذ الأساس والبداية كصاحب لغة وأسلوب متميزين. فارتباط المخرج بلغته وأسلوبه لم يبدأ الا لاحقاً، قبل ذلك كان حضور المخرج يكشف عن حضور نوع معين من السينما، كان يرتبط اسم الاخوين لاما بأفلام المغامرات، واسم حلمي رفلة بالأفلام الضاحكة، وحسن الامام بأفلام الميلودراما، وأحمد ضياء الدين بأفلام الرومانسية العاطفية… الخ. بحيث ان التمييز بين مخرج وآخر لم يكن مرتبطاً بأسلوب لغوي أو أسلوب معين في التعامل مع التقنيات أو في ادارة الممثلين بقدر ما كان مرتبطاً بانتماء كل مخرج الى نوع والى ممثلين يستخدمهم دائماً. وعلى هذا النحو لم يكن نادراً ان نلاحظ كيف ان فاتن حمامة تلعب وتيرة الاداء نفسها سواء مثلت مع حسن الامام أو مع بركات، مع عاطف سالم أو مع محمد كريم. كان المخرج من هؤلاء يأخذ على عاتقه تأييد الصورة المعهودة للنجم، لأنه كان يعتبر نفسه، في نهاية الأمر، حرفياً عليه - بقليل أو كثير من الجودة والنزاهة - ان يعيد انتاج ما سبق انتاجه من قبل. ولقد احتاجت فاتن حمامة لأن تكون راسخة الشعبية بشكل استثنائي قبل ان تمثل مع بركات دورين يخرجان في ظاهرهما عن أسلوبها المعتاد: دورها في "الحرام" ودورها في "دعاء الكروان". نقول في ظاهرهما لأن عمق الدورين يقول لنا انها لم تخرج فيهما، بعد كل شيء عن الخط العاطفي الميلودرامي الذي كانت اشتهرت به. ترسانة أفكار وأساليب فقط مخرج من طينة صلاح أبو سيف كان بإمكانه ان يخرج فاتن حمامة من دروبها الممهدة الى حافة التجريب، في "لك يوم يا ظالم" مثلاً، ثم خاصة في "لا أنام" حيث تعرف أحد في دور الأبنة الشريرة على نجمة الأحزان والدموع والنزاهة المطلقة. ذلك ان صلاح أبو سيف أتى في زمن، صحيح، ان النجوم كانوا لا يزالون فيه نجوماً، لكن المخرج كان أتى فيه، ايضاً، بترسانته من الأفكار والمواضيع والأساليب ليفرض حضوره، وليحقق تلك الانطلاقة الانعطافية في تاريخ الاخراج. وهكذا لئن كان مخرجون من طراز محمد كريم وتوغو مزراحي وأحمد جلال وأحمد بدرخان وهنري بركات وحسن الامام وفطين عبدالوهاب، فرضوا حضور المخرج كتقني وحرفي لا حياة للسينما من دونه، فإن آخرين من طراز كمال سليم وكامل التلمساني وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ، وحتى عزالدين ذوالفقار، حولوا المخرج من حرفي الى فنان، من مبدع يحاول ان يعيد انتاج ما هو راسخ ومطمئن، الى فنان يحاول ان يرسخ ما هو جديد بصرف النظر عما اذا كان هذا الجديد مطمئناً أم لا… وذلك الصراع بين دورين للمخرج، دار طوال النصف الثاني من الأربعينات والخمسينات، فهل كثير ان نقول انه انتهى بانتصار دور المخرج كفنان مجدد ومبتكر، من دون ان يعني هذا ان المخرج الآخر: الحرفي المترسخ المطمئن قد ظل موجوداً؟ وهل كثير ان تقول ان ثمة من المخرجين من جمعوا في شخصيتهم النوعين معاً بركات، عاطف سالم وحتى حسن الامام وان هناك من لعبوا مرة هذا الدور ومرة ذاك، فكانوا أحياناً مبدعين في قمة الابداع وأحياناً حرفيين مطمئنين؟ بل يصح هنا ان نقول ان الغالبية العظمى من مخرجي الخمسينات الكبار عرفوا تلك الازدواجية، اذ اننا لو تفحصنا جيداً فيلموغرافيا مبدعين من طراز يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ، سنجد لديهم أفلاماً من النوع السائد الذي يرخى فيه للنجم العنان، تتواتر مع أفلام من النوع الجديد المبتكر يسيطر فيها المخرج على عمله تماماً، محولاً النجم - حين يكون لديه نجم - الى واحد من أعمدة الفيلم باستخدام قدراته الفنية لا باستخدام شعبيته وحدها. وهكذا، لدى مخرج كيوسف شاهين يمكننا ان نجد أفلاماً مثل "ودعت حبك" و"سيدة القطار" ننسى غالباً انها ليوسف شاهين لنتذكر فقط نجومها من أمثال فريد الأطرش وليلى مراد كما يمكننا ان نجد أفلاماً مثل "باب الحديد" و"فجر يوم جديد" تحمل بصمات المخرج والعابه وتغض النظر عن الصورة المضادة لنجوم من طراز فريد شوقي وفاتن حمامة وحتى هند رستم. من صالح الى عبدالسلام لقد كان هذا الجديد الذي اتى به أولئك المخرجون الرواد، بدءاً من التلمساني وكمال سليم وصولاً إلى أبو سيف والشيخ وشاهين، علاقة مرحلة انعطافية كانت هي التي قادت إلى تلك المرحلة الجديدة التي بات فيها تاريخ السينما - على الأقل: السينما التي تستحق هذا الاسم - هو هو تاريخ المخرج، ونعني بها مرحلة الثمانينات التي شهدت ولادة وترسخ تيارين جديدين كانت بذورهما موجودة على أي حال في رحم المراحل السابقة: تيار الواقعية النقدية الذي نهل من صلاح أبو سيف ومن اللغة الديناميكية للسينما الأميركية الجديدة، وتيار السينما الذاتية التي يبدع فيها المخرج انطلاقاً من ذاته أعمالاً شاعرية حميمة ولافتة. ولكن تلك النقلة، كان بامكانها أن تكون ممكنة لولا الحضور الطاغي والاستثنائي عند النقطة المفصلية لمخرجين تمايزت أساليبهما ورؤيتيهما، وإن تشابهت علاقتهما بالسينما: توفيق صالح وشادي عبدالسلام. فتوفيق صالح في أفلام مثل "درب المهابيل" و"زقاق السيد البلطي" و"المتمردون" وخصوصاً "يوميات نائب في الأرياف" خطّ تلك الطريق التي شاءت أن تجعل من المخرج سيداً للفيلم ما بعده سيد، الطريق التي جعلت الممثل ممثلاً وحسب، لا نجماً يجتذب الجمهور، وجعلت الموضوع - الواقعي، الثوري، الغاضب - لحمة الفيلم وأساسه: أما شادي عبدالسلام في فيلمه الطويل الوحيد "المومياء" فقد جاء ليؤكد ان بامكان المخرج أن يكون مبدعاً تشكيلياً وأن ينهل من جماليات اصالته القومية وأن يصنع فيلمه وكأنه لوحة فنان تعبق برائحة الجمال والتاريخ. كان وجود توفيق صالح وشادي عبدالسلام ضرورياً وانعطافياً ليس فقط بالنسبة إلى السينما المصرية وحدها، بل بالنسبة إلى السينما العربية ككل، خصوصاً وان كلاً منهما على طريقته آثر ان يجعل المكانة الأولى في العمل وقفاً على كرامة المبدع الفنية. من الواقع إلى الذات وهكذا من رحم هذا الفهم الجديد والسليم لدور المخرج ولدت واقعية محمد خان وعاطف الطيب وعلي بدرخان، وذاتية يسري نصر الله وخالد الحجر، وانتروبولوجية خيري بشارة، في الوقت الذي ظل مخرجون حرفيون مثل نادر جلال يحملون عبء ادامة السينما السائدة وتأبيد قضيتها. وفي الوقت الذي واصل مخرجون من طراز صلاح أبو سيف ويوسف شاهين مغامرتهم، فإذا بالواقعي صلاح أبو سيف يخوض تجربة البحث الوجودي الفلسفي في "السقامات" وتجربة الفانتازيا في "البداية"، وإذا بيوسف شاهين، ما أن حلت هزيمة حزيران وثالت شتى أنواع الأسئلة والقلق، يقفز قفزته الكبرى نحو سينما شاملة ومتكاملة في أفلام خاضت شتى أنواع التجريب من واقعية "الأرض" إلى استعراضية "وداعاً بونابرت" ومن سياسية "العصفور" والطابع الكوميدي - الموسيقي الذي طغى على "عودة الابن الضال" إلى الذاتية التي طغت على ثلاثية "الاسكندرية" و"حدوتة مصرية" وصولاً إلى الواقعية السحرية التي ميزت فيلماً رائعاً، ظلم كثيراً حين عرضه، هو "اليوم السادس". انطلاقاً من هنا يصح أن نتساءل، ونحن نشاهد عشرات الأفلام المعروضة ضمن مهرجان "معهد العالم العربي" فنستعرض، ميدانياً، ذلك التاريخ الصاخب للسينما المصرية: ترى ما الذي يفرق بين مخرج كمحمد خان وآخر مثل نيازي مصطفى؟ وما هو القاسم المشترك بين الراحل عاطف الطيب واسماء البكري وخالد الحجر؟ وما معنى ذاتية يوسف شاهين؟ ولماذا نعتبر "مرسيدس" يسري نصرالله فيلماً كبيراً فيما نعرف ان "الارهابي" لنادر جلال لن يبقى منه في نهاية الأمر سوى اسمه والأرباح المالية الهائلة التي حققها، اضافة إلى الدور السياسي التعبوي الذي يمكن ان يكون لعبه؟ وما معنى ان تكون أفلام رأفت الميهي الأساسية "سمك لبن تمر هندي" و"قليل من الحب كثير من العنف" مثلها مثل أفلام شريف عرفة "يا مهلبية يا" و"سمع هس" و"المنسي" و"اللعب مع الكبار" أفلاماً تجريبية؟ إن هذه التساؤلات جميعها، تنضوي ضمن هم واحد، هو هم البحث عن كنه ذلك التبدل الأساسي الذي طرأ على دور المخرج في الفيلم. ولربما يمكن القول بأن رصد ذلك التبدل الأساسي يمكن أن ينطلق من علامات جزئية مثل قدرة محمد خان على استخدام فن عادل إمام المتميز في "الحريف" بشكل يخرج عن الإطار المعتاد لعمل هذا الفنان، وحسبنا ان نقارن بين عادل إمام في "الحريف" أو في "اللعب مع الكبار" ودوره في "الارهابي" حتى ندرك الفارق بين ابداعية مخرج وحرفية زميل له. في "أهل القمة" و"الكرنك" لعلي بدرخان، كما في "قلب الليل" و"الحب فوق هضبة الهرم" و"سواق الاوتوبيس" و"ليلة ساخنة" للراحل عاطف الطيب، وفي "يوم حار جداً" و"سوبرماركت" و"فارس المدينة" و"غرقانة" لمحمد خان، وفي أفلام رأفت الميهي وخيري بشارة وخصوصاً في معظم أفلام داود عبدالسيد، هناك تلك اللمسات التي يمكننا، وبكل بساطة، أن تعزوها إلى حضور المخرج واسلوبه الفني ناهيك عن اختياره لمواضيعه، ثم هناك خصوصاً وحدة عمل المخرج، فمثلاً اذا نظرنا إلى فيلمي يسري نصرالله الأخيرين "مرسيدس" و"صبيان وبنات" سوف لن تفوتنا ملاحظة انتمائهما معاً، الى تيار فكري واحد أو الى رغبة مشتركة في قول الهم الاجتماعي الراهن في مصر، بل كذلك الى وحدة في الأسلوب الفني: دينامية التقطيع السنيمائي، لعتمة الحوار وتركيبيته، النظرة الحنون والمتجردة التي يلقيها المخرج على شخصياته، الكاميرا الشاعرية التي تجعل الصورة تبدو خارجة من رحم انساني لتقدم اناساً من لحم وعظم، وايمان بمسيرة الحياة. ومع هذا سوف لن يستغرقنا طويلاً أن نكتشف ان الفيلم الأول روائي والثاني تسجيلي، ولكن المخرج عرف كيف يتعامل مع موضوعيه وفيلميه تعامل الفنان ذي النظرة الواحدة والهم الدائم. من انتصر على من؟ احتاجت السينما المصرية الى عشرات السنين حتى تنتقل من عالم محمد كريم الى عالم يسري نصرالله، ومن حرفية أحمد بدرخان ونيازي مصطفى الى ذاتية وابداعية عاطف الطيب ويوسف شاهين وخالد الحجر. من ريف "زينب" الى ريف "الطوق والأسورة" كانت الرحلة طويلة، ولكن كذلك كانت الرحلة طويلة من "عنتر وعبلة" لصلاح ابو سيف و"السقامات" للمخرج نفسه. وخلال هذه الرحلة لم يعد المخرج مراقباً محايداً لما يحدث، ولا شخصاً يكتفي بأن يدرس زوايا الكاميرا ويطمئن محمود المليجي بأن يسند اليه دوراً "سبق له أن لعبه مئات المرات، ويهمه في المقام الأول أن يحجز ساعات محددة في الاستوديو. صار المخرج شاهداً ملتزماً على ما يحدث في بلده وفي العالم، وصارت الألعاب التقنية بالنسبة اليه أدوات أسلوبية، وعرف كيف يخرج محمود المليجي وفاتن حمامة وعادل إمام ونبيلة عبيد وليلى علوي ونور الشريف ونجلاء فتحي وأحمد زكي من العبارات المقولبة والأشكال الجاهزة، بل ووصل كما فعلت تجربة "جماعة السينما الجديدة" التي اجهضت باكراً، الى صنع أفلام لا نجوم فيها ولا يحزنون، أفلام كان يسري نصرالله في هذا المجال، أحد أبرز ورثتها، كما كان محمد خان والطيب وبشارة نقيضها الايجابي، حين أصروا في أفضل أفلامهم أن يستعينوا بالنجوم... ولكن بشكل مختلف. فهل نخلص من هذا الى القول بأن العقدين الأخيرين شهدا الانتصار النهائي للمخرج النجم على الممثل النجم؟ أبداً... بالأحرى يمكن القول بأن الانتصار كان للسينما التي عرفت كيف تخلق توازياً وتوازناً بين كون الممثل نجما وكونه ممثلاً، أي ان هذه السينما، التي تكاد اليوم تطغى وتصبح - نهائياً؟ - هي السينما السائدة في مصر، عرفت، في الوقت نفسه الذي ردت للمخرج كرامته ومكانته كفنان، عرفت كيف ترد للنجم كرامته كفنان ممثل، لا كنجم تصنعه الاسطورة اكثر مما يصنعه الأداء. والمؤسف ان فنانين كثيرين لم يفهموا هذا الواقع، فيما فهمه فنانون متميزون، كانوا هم الذين قدموا الاسهام الأساسي في انبعاث سينما جديدة حقيقية صادقة ولها جمهورها الوفي... وهذا هو الأساس. نقول هذا وفي ذهننا اسماء تمتد من محمود المليجي الى عادل إمام ومن نبيلة عبيد الى ليلى علوي ولوسي، ومن نور الشريف وأحمد زكي ونجلاء فتحي وبوسي وغيرهم، وذلك هو بالتحديد موضوع الحلقة المقبلة من هذه السلسلة.