سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" في المهرجان القومي الثالث للأفلام الروائية في القاهرة . السينما المصرية تكرم روادها - فيلم معاد لاسرائيل ينال جائزة وحرب غير معلنة بين نجوم الأمس والجيل الجديد
بين 25 نيسان ابريل و3 ايار مايو اقيم في القاهرة بمبادرة من "صندوق التنمية الثقافية" المهرجان القومي الثالث للأفلام الروائية، الذي وزع جوائزه على عدد من الافلام البارزة بشكل كشف عن ولادة تيار جديد في السينما المصرية، وعن تكريس الفنانة ليلى علوي كفنانة تشغل مكاناً بارزاً في الصف الأول بين نجمات السينما القاهرية، وعن تقليد جديد يعطي جائزة افضل ممثل لفنان قدير يقف خارج النجومية المعتادة. مهرجان وجوائز رغم الخوف والارهاب. حفلة "اوسكار" صغيرة كشفت ان السينما المصرية في خير. القاهرة - بعد ظهر الخميس - الطقس جيد. في مثل هذه الحال كان بامكانك ان تتخيل صعوبة العبور على قدميك، او بالسيارة، في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية. ففي مثل هذا الوقت يكون الميدان مزدحماً بالسيارات وبالسابلة وبالغبار وبالاصوات المهلكة المضجرة وخاصة بصفارات رجال شرطة المرور. مثل هذا العبور يكون عادة تمرين للاعصاب فاما ان تعبر التمرين بسلام، واما ان تحس برغبة في الصراخ، في الصراخ وفي الصراخ. ولكن، بعد ظهر ذلك الخميس عند اواخر شهر نيسان ابريل المنصرم كانت هناك ظاهرة غريبة في ميدان التحرير: كان الميدان خالياً من زحامه المعتاد، بل كانت صفارات رجال الشرطة غائبة، والغبار غائب والسابلة غائبين والسيارات، حتى السيارت شبه غائبة، ومن فرّ منها كان يمر بسرعة وكأنه لا يريد لاحد ان يراه. ولم يكن السبب ان ام كلثوم تنشد عند ذلك المساء اغنيتها الجديدة. فكوكب الشرق ماتت منذ زمن بعيد، ولا كان عبدالناصر في طريقه للحديث عن شؤون الساعة، فعبد الناصر صمت الى الابد. كل ما في الامر ان الناس خائفون. وهم يخشون ميدان التحرير بالتحديد، فمنذ زمن اصبح الميدان هدفاً مختاراً للمتطرفين او لمن يزرع القنابل والارهاب باسمهم. وهؤلاء كانوا قبل ايام قليلة حاولوا اغتيال صفوت الشريف وزير الاعلام، وحين فشلوا هددوا باغتيال فاروق حسني وزير الثقافة. ولهذا لم يقتصر الامر على خلو ميدان التحرير من زحامه المعتاد، بل ان دار الاوبرا التي كان افتتح فيها المهرجان القومي الثالث للأفلام الروائية، كانت تحولت الى ما يشبه القلعة الحصينة، ليلة الافتتاح. وراهن كثيرون على ان الوزير لن يحضر. لكنه حضر فيما غاب عدد كبير من الفنانين والمدعوين، لخوفهم بالطبع من ان ينفذ "الارهابيون" تهديداتهم في تلك الليلة بالذات. علماً بأن فن السينما هو الفن الذي يتعرض اكثر من غيره للتهديد. شجاعة الوزير آتت ثمارها، على اي حال، فما ان انتشر خبر حضوره حتى تراكض الكثيرون يريدون الحضور بعد تردد، وانفرجت اسارير سمير غريب مدير صندوق التنيمة الثقافية، منظم المهرجان، وابتسم بعدما كان قلقاً. وظلت الابتسامة ترافقه من الافتتاح حتى الاختتام، بل ولم تفتر تلك الابتسامة حتى حين انتقد الكثيرون، امامه، بعض المشاهد الراقصة التي كان مطلوباً منها ان تزين حفلة افتتاح ذلك المهرجان الذي اضحى، في عامه الثالث، موعداً اساسياً تضربه السينما الروائية المصرية مع نفسها، فيكرمها اصحابها، وتوزع فيها "اوسكارات" صغيرة نحتها الفنان آدم حنين، ويتجمع الفنانون من حول وزاراتهم ومؤسساتهم، ويقومون بجردة حساب للعام الذي مضى. كل هذا تحقق مرة اخرى هذا العام، ومن جديد لم يتمكن الارهاب من ضرب الاحتفال. لذا لم يكن غريباً ان تذهب الجوائز الرئيسية لفيلم يتحدث، تحديداً، عن الارهاب، هو فيلم شريف عرفه "الارهاب والكباب" الذي كان سبق له ان حقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. من بين الاربعة والستين فيلماً التي تم انتاجها في مصر خلال العام المنصرم، كان تم اختيار ستة عشر فيلماً لتدخل المسابقة السنوية. وهذه الافلام هي التي عرضت خلال المهرجان وطلب من لجنة تحكيم ترأسها الكاتب المعروف لطفي الخولي وضمت بين اعضائها نادية لطفي ورفيق الصبان ويوسف فرنسيس وغيرهم، ان تختار من بينها الافلام التي ستمنح الجوائز. عرضت الافلام على مدى ثمانية ايام في قاعة سينما كايرو، وكان من الواضح ن اختيارها يراعي نوعاً من التوازن بين ما ناصره النقاد، وما اقبل عليه الجمهور، وكذلك كان من الواضح ان ثمة توازناً مقصوداً بين شتى التيارات العاملة حالياً في السينما المصرية: من تيار "الواقعية الجديدة" او ما تبقى منه ويمثله محمد خان في فيلمه الجديد "الغرقانة" وعاطف الطيب في فيلمين: "ضد الحكومة" و"دماء على الاسفلت" وخيري بشارة في "آيس كريم في جليم" الى الجيل الاجد الذي بدأ يسجل نقاطاً لصالحه ويحل بالتدريج محل الجيل السابق، ومن ابرز ممثليه: شريف عرفة الذي شارك بفيلم "الارهاب والكباب" ورضوان الكاشف صاحب "ليه يا بنفسج؟" وسعيد حامد في فيلمه الأول "الحب في الثلاجة"، وخاصة محمد القليوبي في فيلمه الروائي الطويل الأول "3 على الطريق"، بعدما كان فيلمه التسجيلي عن الرائد محمد بيومي نال نجاحاً كبيراً قبل عام او اكثر. وبين هذين التيارين، كان هناك التيار الاكثر تقليدية وأبرز من مثله حسين كمال في "ديك البرابر" وهو احد افضل ما حققه هذا المخرج المخضرم في الآونة الاخيرة ونادر جلال الذي يبدو انه آل على نفسه ان يكون الوريث الشرعي للسينما التقليدية التي كانت عرفت اوج ازدهارها في سنوات السبعين، ولكن هنا عبر فيلم عن الجاسوسية عنوانه "مهمة في تل ابيب" يحاول ان يستطرد ما كان حققه كمال الشيخ في "الصعود الى الهاوية" وما كان مسلسل "رأفت الهجان" قاله عن تفوق المخابرات المصرية على المخابرات الاسرائيلية، وذلك عبر لغة سينمائية تقليدية تستدعي التصفيق لا التفكير المنطقي في معظم انعطافات الفيلم. والى جانب نادر جلال كان هناك ايضاً محمد راضي في "الحجر الداير" وابراهيم الموجي "عيون الصقر" ومدحت السباعي "فرسان آخر زمن" وعلاء محجوب "الرقص مع الشيطان" وعلاء كريم "85 جنايات" وعبداللطيف زكي في "دنيا عبدالجبار". حتى لو افترضنا بأن ما قدمه محمد خان وخيري بشارة والى حد ما عاطف الطيب في هذا المهرجان لا يمثل خير ما كنا نتوقعه منهم، فان بامكاننا ان نقول بأن هذه الاختيارات تمثل في مجموعها، وبشكل صادق، كل ما يحدث في السينما المصرية حالياً. فالحال ان المخرجين الذين تحمل هذه الافلام توقيعاتهم يمثلون شتى الاجيال العاملة حالياً في الانتاج السينمائي المصري، بعدما بدأ جيل الستينات يتوارى بالتدريج، وفي وقت صار فيه جيل السبعينات هو جيل شيوخ السينما، بعدما كان - الى سنوات قليلة - يمثل شباب هذه السينما. من هنا تطرح نفسها علينا ملاحظة اولى تقول ان السينما المصرية تحاول ان تجمع انفاسها اليوم، وانها ليست - بشكل اجمالي - على مثل ذلك السوء الذي كانت تبدو عليه في السبعينات. عواد أو شاهين فاليوم، بات واضحاً من خلال عينات الافلام التي شاهدناها، انه لئن كان افضل ما يقدمه ابناء جيل الثمانينات، لا يوازي ما كان هذا الجيل نفسه قدمه في السابق، فان ما ينبغي التوقف عنده هو ان الابتكارات الشكلية التي كان هذا الجيل حققها عبر اخراج السينما المصرية من روتينيتها، وضرب ميلودراميتها الصارخة ولعبة الخير والشر المطلقة، وسذاجة بناء الشخصيات والاصرار على البطولة المطلقة، كل هذه الابتكارات صارت اليوم عملة رائجة يتعامل بها حتى اكثر المخرجين تقليدية. من هنا، امام هذا التعميم لخط جودة لا ريب فيها، بدا واضحاً ان الفروق تضاءلت، في المستوى وفي الرؤية، بين سينما خيري بشارة وسينما حسين كمال، او بين افلام عاطف الطيب وأفلام مدحت السباعي ومحمد راضي. اما اذا اردنا ان نبحث عن الجديد الجديد فلا بد لنا ان ننظر الى ناحية اخرى وفي اتجاهين في آن: 1 - في اتجاه السينما التي يحققها شريف عرفة، مع ماهر عواد او من دونه، واستمراريتها مع سعيد حامد الذي حقق "الحب في الثلاجة" عن سيناريو لماهر عواد نفسه الذي كانت افضل افلام شريف عرفة الفانتازية الناقدة حملت توقيعه. 2 - في اتجاه السينما الاخرى، التي خرجت من رحم يوسف شاهين ولم يمثلها اي فيلم في المهرجان وان كان "ليه يا بنفسج؟" لرضوان الكاشف يحاول ان يقترب منها بمقدار وهي السينما التي تحمل توقيع اسماء البكري ويسري نصرالله، وأخيراً خالد الحجر في فيلمه "احلام صغيرة". اما خارج هذين الاتجاهين فيمكننا التوقف، بالطبع، عند سينما داود عبدالسيد وخاصة في "البحث عن سيد مرزوق" وفي "الكيت كات" وهي السينما التي يكاد ينتمي الى بعض مناخاتها الشاعرية فيلم "ليه يا بنفسج؟" لرضوان الكاشف. وكذلك يمكننا التوقف عند محمد القليوبي الذي يحاول على اي حال ان يجدد في عالم السينما ذات الرسالة الاجتماعية مما يربطه من ناحية بصلاح ابو سيف ومن ناحية ثانية بسينما النقد الاجتماعي كما كانت تجلت في بدايات خيري بشارة وعاطف الطيب... وخاصة علي بدرخان في "اهل القمة" و"الكرنك" وان من وجهة نظر مختلفة. اذاً، هذه الخارطة التي نوجزها هنا وان كنا سنعود اليها في مقال آخر، هي الخارطة السائدة في السينما المصرية الحالية، والتي نجح المهرجان القومي الثالث في ان يعكسها. منذ الحفل الافتتاحي جاء عرض فيلم تحريكي يدعو الى الوحدة الوطنية في مصر مفاجأة سيئة ونقول على الهامش ان هذا الفيلم، عبر سذاجة رسالته وسطحية شكله الفني، ارعب الحاضرين بدلاً من ان يطمئنهم. لكن وازاه فيلم آخر عرض في الافتتاح، وكان مفاجأة طيبة: فيلم صامت حققه محمد بيومي في العام 1933 بعنوان "الخطيب نمرة 13"، وأعادت اكاديمية الفنون ضبطه وجعلته صالحاً للعرض فاستقبله حضور الافتتاح بتصفيق حاد حيث رأوا فيه استعادة ملموسة لصفحة ناصعة من صفحات تاريخ بدايات السينما المصرية. لكن حفل الافتتاح لم يكن هذين الفيلمين فقط، بل كان كذلك تكريماً لثلاثة رواد من رواد السينما المصرية: كاتب السيناريو والقصاص يوسف جوهر، والفنانة تحية كاريوكا والفنان يحيى شاهين. ولقد اصدر صندوق التنمية الثقافية كتباً عن هؤلاء الرواد الذين اعتلوا المسرح الى جانب فاروق حسني وزير الثقافة وسط تصفيق الجمهور تحية واعجاباً، فيما راحت الشاشة تعرض نتفاً من ابرز الافلام التي ساهموا فيها. وكان من اطرف ما حدث في هذا السياق، ان فرقة الباليه التابعة لاوبرا القاهرة قدمت مشاهد باليه مقتبسة من بعض ابرز مشاهد الافلام التي قدمت: مشهد من "شباب امرأة" وآخر من "دعاء الكروان" وثالث من "بين القصرين". كانت تجربة طريفة لكنها لم تكن ناجحة رغم موسيقى راجح داود التي رافقتها. فالحال ان جمهور الذواقة لم يكن بامكانه ان يستسيغ كثيراً رقصة باليه يؤديها من يقوم بدور خال آمنة وهنادي القاتل في "دعاء الكروان" وهو يرتدي جلابية مزعجة، او اداء تقوم به راقصة بالحجاب تلعب دور زوجة السيد احمد عبدالجواد!! ورغم هذا يمكن القول بأن الافتتاح كان جيداً جمع اهل السينما او من لم يخشَ الحضور من بينهم! وكرم تحية كاريوكا التي ظهرت محجبة للمرة الاولى، وكان التناقض كبيراً بين مشاهد الافلام التي ترقص فيها... ومشهدها محجبة بعيونها الدامعة! كما كرم يحيى شاهين، الذي بدأ عجوزاً عملاقاً، ويوسف جوهر الذي وقّع بعض اهم الافلام في تاريخ السينما المصرية ككاتب سيناريو، والذي احتاج لمن يعينه حتى يعتلي المسرح ويجلس الى جانب الوزير! كان هذا الافتتاح - بالطبع - نقطة الانطلاق للمهرجان الذي كان اقبال الجمهور على حضور عروضه جيداً، وكذلك كان ملفتاً الاقبال على الندوات التي كانت تلي عرض كل فيلم، حيث يتولى صانعو الافلام مناقشة اعمالهم مع الجمهور. وكذلك كان حال الاقبال على الندوات الخاصة التي اقيمت في قاعة مسرح الهناغر لتكريم "نجوم" المهرجان الثلاثة: تحية كاريوكا ويحيى شاهين ويوسف جوهر. مقابل "نجوم" الامس هؤلاء، كان المهرجان في الوقت نفسه مهرجان نجوم اليوم، فالحال انه اذا كانت الافلام حملت تواقيع ابرز المخرجين العاملين في السينما المصرية، فانها في الوقت نفسه ارتبطت بأسماء ابرز الممثلين، من شاغلي الصف الأول. فمن بين الممثلين الذكور كان التنافس كبيراً بين نور الشريف وحسين فهمي ومحمود حميدة وفاروق الفيشاوي وأحمد زكي وعادل امام ويحيى الفخراني ومحمود عبدالعزيز، ناهيك عن الحضور المميز لكمال الشناوي، في فيلمين كانا من بين الافلام الفائزة على اي حال. ومن بين الممثلات كان التنافس حامياً بين نبيلة عبيد لها في المسابقة فيلمان وليلى علوي فيلم واحد هو "الحجر الداير" ويسرا ولوسي والهام شاهين ورغدة من نجمات الصف الأول، اضافة الى حضور بعض ابرز نجمات الصف الذي يليه: من عايدة رياض الى صفية العمري ولبلبة وإيمان الطوخي وسيمون وحنان شوقي. وفي هذين المجالين اتت النتائج بمفاجأتين حقيقيتين: لقد فازت ليلى علوي بجائزة افضل ممثلة عن استحقاق بالطبع ولكن عن فيلم ثانوي الاهمية لم يلفت نظر احد هو "الحجر الداير" لمحمد راضي، الذي لم يكن لا من افضل افلام راضي ولا من افضل افلام ليلى علوي. وفاز حسن حسني بجائزة افضل ممثل عن دوريه في فيلمي رضوان الكاشف "ليه يا بنفسج؟" وعاطف الطيب "دماء على الاسفلت". مما لا شك فيه ان حسن حسني ممثل قدير وكان لفت الانظار في اكثر من فيلم، وخاصة في "فارس المدينة" لمحمد خان، لكنه كان على الدوام - ولا يزال - يقوم بأدوار ثانية. ومن الواضح هنا ان الاسلوب الجديد الذي بدأت تعرفه السينما المصرية في مجال غياب البطولة المطلقة وابراز شخصيات ثانوية في الافلام وظهور المخرج كنجم اساسي في الفيلم، كل هذا مسؤول عن هذا التكريم الملفت الذي ناله فنان قدير كحسن حسني. جائزة ضد اسرائيل مثل هذه الذهنية هيمنت بالطبع على توزيع الجوائز، وان كان البعض رأى في منح الجائزة الثانية لپ"مهمة في تل ابيب" من اخراج نادر جلال، ترجمة لضغط حقيقي مارسه حسام الدين مصطفى داخل لجنة التحكيم، هو الذي يعتبر نادر جلال امتداداً لمدرسته "الفنية" و"الفكرية" بشكل او بآخر. مقابل هذا فسر البعض الآخر هذه اللفتة باتجاه فيلم نادر جلال على انها اشارة الى ترسخ ذلك العداء المتأصل ضد اسرائيل داخل المجتمع المصري وداخل الفن مهما كان مستواه. فالفيلم، بشكل او بآخر، يترجم عداء للدولة الصهيونية لا شك فيه، وهو بهذا المعنى جدير بأن يحمل تنويهاً. لقد احتاج "مهمة في تل ابيب" للعديد من التبريرات لكي يمرّ، لكن الفيلمين الفائزين بالجائزتين الاولى والثالثة لأحسن فيلم لم يحتاجا لأي تبرير. ففيلم شريف عرفة "الارهاب والكباب" الفائز بالجائزة الاولى يأتي كتتويج لمرحلة من عمل هذا المخرج الشاب، الذي كان جعل لنفسه مكانة هامة طوال السنوات الماضية عبر افلام كان كل واحد منها ملفتاً في مجاله من "الاقزام قادمون" الى "يا مهلبية يا" مروراً بپ"الدرجة الثالثة" و"سمع هس" و"اللعب مع الكبار". هنا في "الارهاب والكباب" الذي كتبه وحيد حامد يعود شريف عرفة مرة اخرى لاستخدام عادل امام في دور متميز: دور الموظف المسحوق الذي يجد نفسه فجأة في خضم لعبة ارهابية تكشف ردود فعل شتى الشرائح البشرية والاجتماعية ازاء وباء الارهاب الزاحف على مصر والذي يتوخى تدميرها. هنا بين مناخ النقد الاجتماعي والاسر السياسية والفانتازيا الفنية صاغ شريف عرفة فيلماً متميزاً عبثياً وقاسياً، لم يخطئ الجمهور كثيراً حين اعطاه كل النجاح الذي اعطاه، تماماً كما لم تخطئ لجنة التحكيم حين اختارته لجائزتها الكبرى، ولجائزتين اخريين كذلك هما: جائزة الاخراج لشريف عرفة، وجائزة المونتاج لعادل منير، الذي وضع توقيعه على افضل ما انتجته السينما المصرية خلال السنوات العشر الاخيرة، ويواكب باصرار مسيرة التجديد التي تعرفها السينما المصرية حالياً. ثلاث جوائز اخرى كانت من نصيب فيلم سعيد حامد الأول "الحب في الثلاجة" وهو فيلم كتب السيناريو له ماهر عواد، وينتمي الى سينما الفانتازيا والنقد الاجتماعي التي باتت تشكل مدرسة حقيقية وجديدة في الانتاج السينمائي المصري، منذ بروز افلام شريف عرفة الاولى، وان كان يمكن تحري جذورها في النصف الأول من "عودة الابن الضال" ليوسف شاهين، كما في "البداية" لصلاح ابو سيف. ولكن مع شريف عرفة ثم مع سعيد حامد، وقريباً مع "مرسيدس" ليسرى نصرالله، صارت هذه "الفانتازيا الاجتماعية" اسلوباً متمكناً يتلاءم على اي حال مع حس السخرية والثورية الذي يطبع الشخصية المصرية. في "الحب في الثلاجة" يقدم لنا سعيد حامد حكاية مهدي يحيى الفخراني الذي امام يأسه من استجابة الحياة والمجتمع لمطالبه على تواضعها زواج، وشقة يقرر ان يضع نفسه في ثلاجة حتى العام 2000 ريثما تتحقق وعود حل مشاكل المجتمع المصري. معظم احداث الفيلم، اذاً، تدور داخل الثلاجة في مناخ يجمع بين السخرية الخالصة والخيال العلمي. هذا الفيلم سبق له ان عرض في اطار مهرجان القاهرة الدولي في العام الفائت ولفت الانظار. وهو هذه المرة فاز، الى جائزة افضل فيلم الثانية، بجائزتي العمل الاول والسيناريو. يشارك "ليه يا بنفسج؟" لرضوان الكاشف فيلم سعيد حمد، بسمات ثلاث على الاقل: اولاً، كونه العمل الاول لمخرجه، وثانياً كونه عرض في مهرجان القاهرة الدولي فلفت الانظار وكان من بين الافلام الفائزة، وثالثاً في كونه ينتمي الى سينما مصرية شابة وجديدة تحاول ان تنفض عن نفسها غبار الماضي لتلج عالماً جديداً، بكل ما فيه من خير وشر. ينتمي "ليه يا بنفسج؟" الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة الى سينما الحارة. لكن الحارة هنا غير الحارة التي اعتدنا رؤيتها في السابق: هي الحارة التي يحلم ابناؤها الشبان بمبارحتها رغم حنينهم الدائم الى ماضٍ يعرفون انه لن يعود. حارة يعيشون فيها ايامهم يوماً بيوم وهم يترقبون اليوم الذي سيخرجون فيه ولكن الى اين؟ هذا هو السؤال المظلم الذي يقفل عليه هذا الفيلم الشاعري الرائع الذي كان يستحق اكثر من جائزة على اي حال رغم ان جائزة افضل ممثل ذهبت الى احد "ابطاله" حسن حسني. لقد توزعت بقية جوائز المهرجان على ماهر راضي تصوير عن فيلم "الرقص مع الشيطان" وحسن ابو السعود موسيقى عن فيلم "ديك البرابر" ومحمود محسن ديكور عن "الرقص مع الشيطان ايضاً" فكان بهذا توازن مدهش بين نوعين من السينما: السينما التقليدية وسينما الشباب الجديدة. وبين هذين النوعين طحن وغاب النوع الثالث: اذ لم تفز افلام محمد خان "الغرقانة" وخيري بشارة "آيس كريم في جليم" بأي جائزة، ولئن فاز فيلم "دماء على الاسفلت" لعاطف الطيب بجائزة فانه فاز فقط بجائزة افضل ممثل "مناصفة" لحسن حسني، وكان من المتوقع ان يُعطى لنور الشريف عن دوره الجيد في هذا الفيلم. فما معنى هذا؟ هل معناه ان سينمائيي الثمانينات الذين كانوا ابرز من عمل - كتيار - في تاريخ السينما المصرية المعاصرة، بات على مفترق طرق يفرض عليه ان يراجع حساباته؟ قد يقول قائل، انه في التسوية التي جرت داخل لجنة التحكيم، بين من دافعوا عن السينما التقليدية، ومن دافعوا عن السينما الجديدة، طلعت اصوات تقول انه يمكن غض النظر الآن عن الجيل الاوسط جيل خان وأصحابه... لأن هذا الجيل قد كرم بما فيه الكفاية خلال العقد المنصرم. وقد يقول قائل، ان هذا الجيل بدأ يضيع بين رغبات تجديدية لا تكتمل وبين متطلبات سوق بدأت تجد فيهم البدائل الطبيعية لسينما الآباء السائدة. كل هذا قد يكون صحيحاً، وحسبنا ان نلاحظ غضب محمد خان على النقاد الذين غمزوا من قناة فيلميه الأخيرين "الغرقانة" و"مستر كاراتيه"، وان نلاحظ تجاهل خيري بشارة لكل ما كتب، سلباً، عن "آيس كريم في جليم" و"كابوريا"، لكي ندرك ان هذا الجيل يعيش انعطافة اساسية تطالبه بأن يختار، فاما ان يكون سينما سائدة تلعب اللعبة ولا تترك لأمثال حسام الدين مصطفى مجالا للدفاع بحرارة عن اي سائد ساذج آخر واما ان تحدث في داخل هذا التيار ثورة شكلية تضعه من جديد في الصف الأول، هذا الصف الذي بدأ يشغله انتاج يحمل تواقيع اسماء البكري وشريف عرفة وسعيد حامد ورضوان الكاشف ويسري نصرالله وخالد الحجر... ويتقدمه داود عبدالسيد الذي لا يزال وحده، وحتى الآن، يسير سيراً متوازناً من المهم الا يقوده الى... اللامكان.