هل يقتصر المسرح الراهن في الكويت على الهزل والسياسة والأهداف التجارية؟ وأين موقع الجمهور من حركة مشهديّة كانت بين الأنجح خليجياً، وتمتّعت بقدر من الحرية والانفتاح قلّما عرفتهما عاصمة خليجية أخرى؟ أين المسرح السياسي اليوم، ولماذا يتعرّض لانتقادات شرسة من قبل الفنّانين والمشاهدين؟ هذه الأسئلة وغيرها تحاول أن تجيب عنها "الوسط" من خلال جولة سريعة على كواليس البلد الذي عرف عدداً من ال "هزات العنيفة". يعيش المشهد المسرحي في الكويت حالة من اللاثبات، ويعرف فورة مفتوحة على كلّ الاحتمالات. فمنذ الثمانينات راجت موجة جديدة في التعامل مع الحدث أو القضية، تختلف عما عرفته الخشبة في السابق... منذ ظهور المسرح الكويتي وحتى الطفرة الجديدة التي يؤكد الكثير من المتابعين أنها ليست في صالح الحركة الفنية. ومن السمات التي تميّز المرحلة الراهنة دخول المسرح الخاص طرفاً في المعادلة، إلى جانب المسرح العام الذي واجه ردود فعل متفاوتة، خصوصاً بعد أن غلب على عروضه عليها الطابع التجاري، أو حتّى التهريجي غالباً... وسرعان ما يلاحظ المراقب أن الأعمال المسرحية التي تقدم في الكويت، لا يمكن فصلها عن الحياة السياسية. فالسياسة هي الحديث الذي لا ينقطع بين أهل الكويت، وخاصة في "الديوانيات" التي تعتبر تجمعهم اليومي، والبرلمانات الصغيرة التي يعبرون من خلالها عن آرائهم، ويوليها المسؤولون من الوزراء والنواب أهمية كبيرة. ولا مفرّ من أن ينعكس ذلك على فنون الفرجة، ما دامت ثقافة الشارع سياسية بحتة، وما دام المواطن لا يجذبه شيء في الحياة الاعلامية أكثر من الحديث السياسي. ولكن ذلك، دفع عدداً من المنتجين والمسرحيين إلى القيام بأعمال لا ترقى إلى مستوى الأحداث. ويذهب بعض النقاد إلى حدّ التأكيد على أن المسرح الكويتي لم ينتج حتى الآن عملاً يرقى إلى مستوى الحدث الذي مرت به الكويت في العام 1990، وما تبعه من إرهاصات وتداعيات على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية... وينتقد هؤلاء مسرحية "سيف العرب" التي تعرض خلالها الفنان عبدالحسين عبدالرضا لمحاولة اغتيال، مشيرين إلى انها لم تكن عند المستوى الذي قدمه من قبل في مسرحية "باي باي لندن" أو "باي باي عرب". سألنا الفنان غانم الصالح الذي شارك في أعمال بارزة، إذا كان المسرح السياسي في الكويت موجوداً وحقيقياً: هل يطرح المواضيع بجدىة، أم أنه أشبه بالمنشورات السياسية؟ فأجاب: "منذ نشأة المسرح الكويتي وهو يعالج القضايا السياسية بحرية مطلقة. ففي الستينات تطرقنا إلى الحياة في الكويت عام 2000، من خلال مسرحية "الكويت سنة 2000". وتخيلنا الحياة في الكويت بعد نضوب النفط وهو، كما يعرف الجميع، المورد الوحيد الذي تعتمد عليه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية". النقد وليس التجريح وأضاف الصالح: "واصل المسرح السياسي وجوده حتى يومنا هذا، وسأضرب لذلك بعض الأمثلة. فمسرحية "حامي الديار" التي كتبها وأخرجها عبدالأمير التركي تطرقت إلى الاعتداء الذي تعرض له حضرة صاحب السمو أمير البلاد في موكبه الرسمي عام 1985. كما أبرزت مسرحية "مضارب بني نفط" مشاكل التعليم في الكويت، والتعليم لا يخرج عن نطاق السياسة، وتطرقت المسرحية كذلك إلى الركود التجاري وتراجع الاقتصاد الكويتي. أما مسرحية "فرسان المناخ" فعالجت أزمة المناخ بكافة جوانبها، حتى انها انتقدت وزير التجارة نفسه. فكل المسرحيات الكويتية كان لها بعد سياسي من أجل توعية المواطن. ولكن المسرح الكويتي حافظ على روح النقد، فلم يسء ولم يجرّح، بل وضع الأمور على حقيقتها أمام المواطن، وترك له الحكم". وكي يؤكد لنا وجود المسرح السياسي الجيّد في الكويت. دعانا غانم الصالح إلى قراءة "قبل لا يكبر طيره" المسرحية الجديدة التي قدّمها الفنان سعد الفرج، وهي من تأليف عبدالأمير التركي "لكي يستوعب المسرح هزة تاريخية - يكتب سعدالله ونوس - لا بد ان يتم ذلك قبل وقوعها، أي يجب ان يكون قادراً على التنبؤ بها، وكشف التربة التي تعشش فيها". من هنا أن المسرح مطالب باستقراء المستقبل، ومعرفة ما يحمله في رحمه من أحداث، على أن يتم ذلك من خلال رصد الواقع المعاش، وتوفر القدرة على كشف سلبياته وأمراضه كافة. والمخرج فؤاد الشطي رئيس "الاتحاد الكويتي للمسارح الأهلية"، يعتبر أن "المسرح العربي" الذي يديره، قام بمثل هذه التجارب الاستقرائية في مسرحيّة "الدار" التي أدّى بطولتها كل من داود حسين" وسعاد حسين. وتدور قصة المسرحية حول عائلة تملك بيتاً "عزيزاً عليها"… ثم يأتي "غريب" إلى البيت يهدد وجود العائلة ويفكك ترابطها محاولاً سلب البيت من أهله. أي دور تلعبه الدولة؟ في محاولة لايجاد نوع من الارتباط الجدلي الفاعل ما بين الحدث المسرحي والبيئة، قدم الفنان والمخرج عبدالعزيز الحداد مسرحية "خندق الاحتلال" وهي مونودراما شعرية تبرز الآلام الاجتماعية التي يعانيها الانسان الكويتي نتيجة للأحداث السياسية المتلاحقة التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة. واكتفت الفنانة سعاد بهذه المسرحية اليتيمة، ولم تشارك بعد التحرير بأي عمل مسرحي آخر، فاعتبر انسحابها احتجاجاً على المستوى الذي وصل إليه المسرح الكويتي! الفنان خالد النفيسي يشاطر هذا الموقف الاحتجاجي، فهو لم يكتفي بالابتعاد عن دائرة الأضواء، بل ابتعد عن البلاد بأسرها. وأثار ضجّة بعد عودته أخيراً، إذ هاجم مجلس الأمة في لقاء تلفزيوني حاد، وعاد المجلس المذكور إلى الهجوم الذي ناقشه في إحدى جلساته. ويشارك النفيسي في مسرحية "قبل لا يكبر طيره" التي أثارت احتجاجاً كبيراً لأسباب عدة. أول تلك الأسباب العنوان الذي يتضمّن اشارة مباشرة إلى محاولة لاجهاض الديموقراطية قبل سنوات، كما يشير الكاتب عبداللطيف الدعيج. كما ان النص المسرحي يهاجم الديموقراطية، ويفرّق بين الكويتيين بالتأسيس والكويتيين بالتجنيس، حيث يصف القسم الثاني بأنهم لا ينتمون إلى الكويت، ولم توافق لجنة الرقابة المسرحية على اجازة هذا النص بشكله الحالي، وطالبت المؤلف ببعض التعديلات. وبلغ التسييس مبلغاً من الخشبة الكويتية، لم تنجُ منه حتّى مسرحيات الأطفال التي قدمت خلال الفترة الأخيرة. فغالباً ما تركز تلك العروض على قصة الخير والشر، حيث تصوّر "الطاغية صدام" بأشكال عديدة، تضع الغدر والخيانة في مواجهة الطيبة الكويتية. ويردّ الفنان خالد العبيد أزمة المسرح في الكويت، إلى عدم وجود دور عرض متخصّصة، مشيراً إلى ان حل هذه المسألة يقع على عاتق وزير التربية، والمحافظين الخمسة. أما حياة الفهد فتتساءل: "أين هي النصوص الجيدة؟"، مؤكدة أن المسارح الأهلية "أصبحت في حالة يرثى لها، وقد تتحول إلى مجرد ديوانيات، اذا بقي الدعم المادي الذي تقدمه الدولة على حاله". أما خالد عبداللطيف رمضان، رئيس لجنة المسرح وأمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالوكالة، فيذكّر أن الكويت مرت بظروف اقتصادية وسياسية خطيرة. ويضيف أن المسرح الكويتي "تأثّر بعوامل عدة مثل تراجع المسرح العربي بشكل عام، والركود الذي أصاب الحركة الثقافية في الكويت. كما تأثر بعوامل محلية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فظروف الحياة والمجتمع حالياً تختلف عما كانت عليه في الستينات". تعزيز الحريّة وعن مفهومه لدور الرقابة يقول رمضان: "قبل ان أكون مسؤولاً، أنا فنان مسرحي أؤمن بضرورة الحرية، مع الالتزام بالخطوط العامة للمعايير الرقابية التي تحظر بعض الأمور، حمايةً للمجتمع، وحماية لي كمواطن ولأسرتي. والالتزام بمعايير الرقابة لا يعني بأي حال من الأحوال الحجر على المبدع. والمسرح الكويتي يتمتع، منذ أمد بعيد، بمساحة كبيرة من الحرية. وهذه المكتسبات سنعززها ولن نتراجع عنها. كما يهمنا المحافظة على مجتمعنا، عبر شنّ حملة شرسة على كل ما هو سطحي وتافه بشكل عام". وتجدر الاشارة إلى أن وزير التربية الكويتي أحمد عبدالله الربعي اتخذ قراراً بتطوير المسرح المدرسي، وإعطائه اهتماماً أكبر، فاستقبلت مبادرته بالترحيب من قبل أهل المسرح. كما أكد الوزير الربعي على أهمية المشاركة في المهرجانات المسرحية العربية والعالمية. وفي انتظار أن تظهر أولى بوادر الخروج من الأزمة، وأن يتراجع الخطر على الذوق العام، عن طريق تعاضد أهل الفن والقيّمين على السياسة التربوية والثقافية... سيبقى البعض يقول عن المسرح هنا إنه "مصرخ" حسب العبارة الشائعة، أي مجرّد مكان للصراخ والتفريغ.