ما الجديد في المسرح الكويتي؟ ربما يحتاج الجواب على هذا السؤال إلى إلقاء نظرة سريعة على تاريخ الحركة المسرحية الكويتية. هذه الحركة، هي أحد أبرز المظاهر الفنية التي تعكس الحراك الفكري والثقافي في الكويت. قيض للمسرح الكويتي مبدعون قادوا حركته ونشاطاته، منذ بواكير القرن العشرين، فارتقى، مسهماً في تأكيد دور ثقافة المسرح في حياة الكويتيين. على أن الحديث عن واقع المسرح الكويتي قد لا يكون في منأى عن الحديث عن واقع حال المسرح في الوطن العربي عموماً، وان اختلفا في بعض التفاصيل والجزئيات. ففي الكويت صناعة مسرحية، وهي صناعة من النوع الثقيل، ولكن ربما تمثلت المشكلة في أن معظم المُنتج المسرحي - أقول معظم وأؤكد عليها - الذي يصار الى تشكيله وتسويقه للناس كفن مسرحي، بضاعة معطوبة، غير صالحة للاستهلاك في المجتمع، إذا اعتبرنا هذا المنتج مغذياً أصلاً. والقول بوجود صناعة مسرحية يعني أن الكويت من الدول العربية المحدودة التي لديها حياة مسرحية، على رغم أن هذه الحياة هي مواسم مسرحية. ويجد أي زائر للكويت بين فترة وأخرى عروضاً مسرحية تقدم في بعض فضاءات المسرح. وتبلغ هذه العروض أقصى ذروتها في المواسم والمناسبات الخاصة. لكن هذا النشاط لا يعكس طموحات تعميق المنتج المسرحي من حيث النوعية والجودة والرصانة في الطرح والإبداع، على مستوى الشكل. وهذا هو الشيء الذي ميز أو روج للمسرح الكويتي عربياً، وفي محيطه الخليجي. ولكن أين وصلت الفرق المسرحية في الكويت؟ وماذا قدمت؟ الفرق المسرحية في الكويت كثيرة. لعل من أبرزها الفرق الأهلية الأربع المعنية أساساً بتقديم العروض النوعية وهي: فرقة"المسرح الشعبي"، فرقة"مسرح الخليج العربي"، فرقة"المسرح العربي"، فرقة"المسرح الكويتي". ولا تزال هذه الفرق منذ تكوينها في السنوات العشر بين أواخر الخمسينيات ومنتصف الستينيات، تُقدم دوراً مهماً وريادياً في العمل المسرحي الكويتي. فهي التي جذرت الحركة المسرحية الكويتية في وجدان المواطن وحملتها إلى فضاءات العالم العربي. كما حصدت جوائز مهمة انتزعتها، بما أبدعته من عروض مسرحية، من أكبر الحركات المسرحية العربية في أكثر من مهرجان مسرحي مهم. ولعب كل من هذه الفرق المسرحية الأهلية، من موقعه وبجهده، دوراً مهماً ومقدراً في تطوير الحركة المسرحية الكويتية وحققت للكويت موقعاً مميزاً على الساحة المسرحية العربية. وإلى جانب الفرق الأهلية، هناك فرق خاصة تسهم في العطاء المسرحي الكويتي. نذكر منها فرقة"المسرح الوطني"وپ"مسرح الفنون"وپ"مسرح السلام"وپ"مسرح البدر للأطفال"، وپ"مسرح روان للأطفال"، من دون ان ننسى تميز أو تطور فرقة"مسرح الشباب"التابعة للهيئة العامة للشباب والرياضة على مستوى الجهد والإبداع في السنوات العشر الماضية. أما على مستوى الأسماء والفرق التي قدمت الكثير للمسرح الكويتي، فهناك الكثير من الشخصيات المرموقة الذين تفاخر بهم الحركة المسرحية الكويتية. وهناك رموز تجاوز تأثير عطاءاتها حدود الكويت لتشمل محيطها الخليجي والعربي. فعلى صعيد التأليف المسرحي برزت مجموعة من الأسماء من أهمها عبد العزيز السريع وحسن يعقوب العلي وعبد الرحمن الضويحي وحسين الصالح الحداد وعبد الأمير التركي، الى جانب الفنانين القديرين عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج في الكتابة والتمثيل. ومن المميزين في الإخراج كان الراحلون المبدع صقر الرشود وحسين صالح الدوسري وعبد الرحمن الضويحي وحسين صالح الحداد، الى جانب الفنان منصور المنصور - وكاتب هذه السطور. وفي التمثيل فإن عدد الممثلين والممثلات أكبر من أن يحصى في هذه الزاوية. المرأة في المسرح ربما تكون تجربة المرأة الكويتية في المسرح جديرة بالاهتمام والإمعان. ففي بدايات الحركة المسرحية الكويتية كان بعض الرجال الذين يتميزون بقدرة فائقة على محاكاة حركات النساء، وتتوافق طبقات أصواتهم مع الطبقات الصوتية للمرأة، هم الذين يجسدون الأدوار النسائية في العروض التي كانت تقدم آنذاك. وكانت النقلة الأهم بالنسبة الى مشاركة المرأة واقتحامها عالم المسرح إبان تأسيس فرقة"المسرح العربي"من خلال عميد المسرح العربي الراحل زكي طليمات، حيث وضع حوافز مادية تُشجع المرأة الكويتية على الولوج في عالم المسرح السحري. وكان ذلك تحديداً عام 1961، حيث كانت الفنانتان القديرتان: الراحلة مريم الغضبان، ومريم الصالح، أطال الله عمرها، الفتاتين الكويتيتين الأوليين تدخلان عالم التمثيل في المسرح والوسائط الفنية المختلفة الأخرى. ومن ثم تدافعت العناصر النسائية الكويتية للعمل في مجال المسرح بخاصة، والفني في شكل عام، فكان هناك الفنانات: مريم عبدالرزاق، سعاد عبدالله، عائشة ابراهيم، حياة الفهد، طيبة الفرج، وسواهن، بحيث أصبح عدد الفنانات الكويتيات كبيراً قياساً الى ظروف المرحلة وقيود الأعراف والتقاليد. ولكن مع الأسف الشديد، منذ أواسط الثمانينات، بدأ الانحسار التدريجي والعزوف شبه الكامل عن ولوج المرأة الكويتية عالم المسرح، وذلك نتيجة للمتغيرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت في الكويت، وهي ما أسميها"الردة إلى الخلف"، من خلال تقوقع المجتمع الكويتي وتنامي دور الجماعات الإسلامية في الكويت، وقوة شوكتها ونفوذها السياسي. وأصبح المشهد في منطقة الخليج العربي مقلوباً رأساً على عقب. المسرح المعاصر لا يمكن الحديث عن المسرح المعاصر في الكويت، وتجاوز المشكلات التي يواجهها هذا المسرح في شكل عام. ولا مجال للإنكار ان المسرح النوعي اليوم في الكويت يشهد انكفاء واضحاً، وتحديداً منذ أواخر الثمانينات. وهناك جملة من الأسباب لذلك. أولاً، الجهات المعنية بالمسرح. فهي مؤسسات لا ترعى هذا الفن كما يجب، بل هي مقصّرة في شكل سافر، خصوصاً تجاه الفرق المسرحية الأهلية باعتبارها الجهات المعنية بتقديم العروض المسرحية النوعية، على المستويين المادي والمعنوي. إذ لا تزال الفرق المسرحية الأهلية تتلقى دعماً مالياً هزيلاً قياساً إلى التكاليف الباهظة للإنتاج المسرحي اليوم، والارتفاع الكبير في أجور الفنانين. إلى جانب كون البنية الأساسية للمسرح من دور عرض مسرحية من إرث أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن العشرين، وقد تجاوزها الزمن من حيث إمكاناتها الفنية. وبدلاً من التساؤل عن الذي يغيب عن المسرح في الكويت؟ قد يكون السؤال المناسب هو: ماذا لا يغيب عن المسرح؟ إن أول ما يغيب عن المسرح في الكويت الإرادة المؤمنة والوعي الحقيقي بدور المسرح لدى المعنيين بالشأن الثقافي. هناك مبدعون وأصحاب مواهب حقيقية في مجال المسرح من الرواد ومن الأجيال الشابة، لكن دورهم شبه غائب أو مغيب لهذه الأسباب وغيرها. ومن المحزن اليوم ان نشهد مثل هذا التراجع للمسرح في الكويت في حين ان الحركات المسرحية من حولنا في المنطقة تنمو في شكل لافت للنظر، وهو في اعتقادي بسبب النية المخلصة في خدمة المسرح، بل في خدمة الثقافة. وهو موقف يتحمل وزره بالدرجة الأولى الجهة أو الجهات المعنية بالإشراف على الثقافة والمسرح في الدولة. هل يمكن القول إن المسرح في الكويت، تنطبق عليه العبارة العسكرية"إلى الوراء سر"؟! * مخرج وناقد مسرحي كويتي