اذا كانت آفاق الاسواق النفطية بالنسبة الى الاقتصاديات الخليجية تبدو قائمة بعض الشيء في المدى القصير انعكاساً للركود الذي يشهده الاقتصاد العالمي، فإن هذه الآفاق ستكون اكثر اشراقاً على المدى المتوسط وحتى اواخر التسعينات ومطلع القرن المقبل، حسب توقعات المؤسسة العربية المصرفية. وفي رأي نائب رئيس المؤسسة بول بابا دوبولس انه مع تحسن الاسواق النفطية في المدى المتوسط، سيتوجب على الدول الخليجية المصدرة زيادة الانتاج للوفاء بالطلب، ولكن يجب الا يكون الهدف بلوغ سعر معين، بل تحقيق عائدات يمكن التكهن بها على ضوء معدلات انتاجية محسوبة بعناية. ويرى بابا دوبولس ان مثل هذه السياسة ستساهم في اشاعة جو من الاستقرار الاقتصادي في دول الخليج، الامر الذي سيتيح للقطاعين العام والخاص الاقدام على استثمارات كافية ليس فقط في مشاريع النفط والغاز الاساسية والامامية بل وفي المشاريع غير النفطية ايضاً في اطار الهدف الحالي المتمثل في اقامة قاعدة اقتصادية متنوعة على المدى البعيد. ويوفر النفط حوالي 80 في المئة من دخل دول التعاون الخليجي، وأدت الاسعار الضعيفة خلال العقد الماضي الى حدوث عجز مستمر في موازنات الدول الاعضاء، ما دفع بعضهم الى خفض انفاقه او اللجوء الى الاقتراض للمرة الأولى. ولوحظ ان اسعار النفط ارتفعت بحوالي 30 في المئة من معدل 13 دولاراً للبرميل منذ آذار مارس الماضي نتيجة اسباب عدة، من بينها التزام غير معهود من قبل الدول الاعضاء في اوبك بحصصها الانتاجية، وزيادة غير متوقعة في الطلب، والحرب في اليمن، والازمة مع كوريا الشمالية، وغيرها من عوامل. ويقدر الاقتصاديون ان دول مجلس التعاون الخليجي تبني موازناتها على أساس سعر أدنى يتراوح بين 12 - 15 دولاراً للبرميل، وعليه فإذا استمرت الاسعار بمعدلها الحالي فمعنى ذلك ان متوسط السعر سيزيد على 15 دولاراً للبرميل وبالتالي سينخفض العجز في الموازنات، بل وربما تحول الى فائض في حالات بعض الدول. وكانت معظم دول المنطقة أعلنت عن موازناتها خلال الربع الأول من العام الحالي عندما كانت الاسعار منخفضة في حدود 13 دولاراً للبرميل. ويبدو ان التوقعات بعدم حدوث تحسن رئيسي في الاسعار خلال هذه الفترة دفعت بالدول الى خفض مصروفاتها. والكويت من ناحيتها، كانت الدولة الوحيدة التي خططت لزيادة في انفاقها بسبب اعادة التعمير عقب الغزو العراقي، وأعلنت عن عزمها انفاق 7،14 مليار دولار في مقابل 5،8 مليار في عام 1993، الامر الذي سيزيد من حجم العجز لديها من 16،4 مليار دولار الى 29،6 مليار دولار. اما بقية بلدان مجلس التعاون فأدى خفضها لموازناتها الى تراجع العجز الى حوالي 8،9 مليار دولار، هو الأقل منذ عام 1990. تنويع المصادر وفي هذا المجال دعت الامانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي الحكومات الخليجية الى اعادة النظر في اسلوب تمويل موازناتها والبحث بشكل جدي في تنويع مصادر الدخل بتنمية المصادر الداخلية، خصوصاً بعد تراجع الاستثمارات الخارجية في السنوات الاخيرة. وبدأت فعلاً دول المجلس تنفيذ برامجها لتصحيح اوضاعها المالية، فكان ان اتجهت الى خفض حجم استثماراتها الجديدة في عدد من القطاعات الصناعية، والى تمويل المؤسسات العامة الصناعية بالدرجة الأولى من مصادر مستقلة، واستمرت في الانفاق على مشاريع البنية التحتية وتشجيع مساهمة القطاع الخاص لأنهما من اهم عوامل تعجيل النمو الاقتصادي في المنطقة. وبما ان الاستثمار هو المدخل الرئيسي لتشجيع النشاط الاقتصادي، فإن دول التعاون الخليجي لا تزال تمتاز عن كثير من دول العالم التي تواجه التحدي نفسه بأنها تمتلك رؤوس اموال كبيرة جاهزة للاستثمار، ووفقاً لاحصاءات صندوق النقد العربي، فإن اجمالي استثمارات دول مجلس التعاون في الخارج بلغت 350 مليار دولار، منها 160 مليار دولار للقطاع الخاص وحده. اما احصاءات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية فأشارت الى ان حجم الاموال العربية المستثمرة في الخارج يقترب من 800 مليار دولار، يحتفظ بها بشكل أصول سائلة او شبه سائلة، كالودائع المصرفية والاوراق التجارية الحكومية والارصدة لدى صندوق النقد الدولي والاستثمارات في امتلاك الاسهم والعقارات. ودعا مصرف الامارات الصناعي الى اعادة رسم خريطة الاستثمارات الخليجية مع كل ما يترتب على ذلك من اتخاذ قرارات من مختلف الانشطة الاقتصادية، بما في ذلك مصادر تمويل الموازنات السنوية لدول المجلس. استثمارات صناعية وعلى رغم اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على الاستثمارات النفطية، فهي تركز خططها الانمائية على تنويع الموارد عن طريق تشجيع الاستثمارات في القطاعات الانتاجية بما فيها الصناعات البتروكيماوية. وتبين ان الاستثمارات الصناعية في دول المجلس تضاعفت خلال الفترة من 1975 - 1993 بمعدل عشر مرات، وارتفعت من 1،4 مليار دولار عام 1975 الى 9،40 مليار دولار عام 1993، بنسبة 5،897 في المئة. وزاد عدد المصانع من 1600 مصنع الى 5705 مصانع، ما ادى الى تحقيق انجازات صناعية ملموسة اثرت على مضاعفة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج الاجمالي من 6،4 في المئة عام 1975 الى 4،9 في المئة عام 1992. وأوضحت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في دراسة اعدتها عن الامكانات التصديرية في دول المجلس ودورها في تنمية التجارة العربية البينية، ان دول الخليج استثمرت 3،4 مليار دولار عام 1993 في مصانع المواد الغذائية والمشروبات، و577 مليون دولار في الغزل والنسيج والملابس والجلود، و478 مليون دولار في صناعة الخشب والأثاث الخشبي، و11،1 مليار دولار في صناعة الورق والطباعة والنشر، و7،19 مليار دولار في المواد الكيماوية ومنتجاتها، و24،7 مليار دولار في الصناعات والمواد غير المعدنية عدا النفط والفحم، و44،3 مليار دولار في المنتجات المعدنية الأساسية، و95،3 مليار دولار في المنتجات المعدنية المصنعة والماكينات والمعدات، و120 مليون دولار في منتجات اخرى. وأشارت المنظمة الى انه مع تنامي السلع الصناعية الخليجية الموجهة للتصدير خلال عقد الثمانينات، بدأ العديد من القيود والعقبات يواجه عمليات التصدير في الاسواق الخارجية، خصوصاً في الاسواق الأوروبية التي بدأت اعطاء معاملة تفضيلية لدولها وفرض المزيد من الرسوم الجمركية والقيود النقدية.