اقترحت دوائر مصرفية في الامارات على الدول الخليجية المنتجة للنفط طريقتين لتقليص مخاطر تأرجح اسعار النفط على انفاقها الحكومي، تتمثل الاولى في بيع نفطها في الاسواق الآجلة عن طريق الاسواق العالمية من خلال الصفقات المستقبلية والثانية في شراء تأمين ضد مخاطر الانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط. دبي - "الحياة" - قال "بنك دبي الوطني" ان من شأن اعتماد الطريقتين او احداهما تقليص الآثار غير المرغوبة الناشئة عن تذبذب أسعار النفط، مشيراً الى ان الهزات التي تصيب أسعار النفط تسبب تكاليف باهظة لدول مجلس التعاون، اذ أنها تؤثر بشكل كبير في الموازنة العامة وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الانفاق الحكومي واستقرار الاقتصاد الكلي. ولفت البنك في نشرته ربع السنوية الى ان دول المجلس تمكنت حتى الآن من تخفيف حدة أثر الانتكاسات في اسعار النفط من خلال الاقتراض المحلي والخارجي وخفض الانفاق الاستثماري. ورأى ان الدول التي تعتمد على النفط كمورد مهم في اقتصادها يمكنها ان تنقل المخاطر المستقبلية للانخفاضات غير المقبولة في أسعار النفط الى الأسواق الخارجية من خلال أسواق مخاطر سعر النفط، وهذا النوع من الوقاية ضد المخاطر يمكن ان يجعل تدفق العوائد النفطية أكثر استقراراً ويمكن التكهن به. واشار الى ان الدول المنتجة للنفط يمكن ان تقوم بذلك من خلال طريقتين، الأولى بيع مستقبلي للنفط يحدد سعر النفط الذي ستحصل عليه الحكومة في المستقبل وفق السعر المتاح في الوقت الراهن، فاذا كانت الحكومة افترضت في موازنتها بأنها ستبيع 200 مليون برميل من النفط سنة 2003 وبسعر متوقع مقداره 25 دولاراً للبرميل، الأمر الذي سيعود عليها بنحو خمسة بلايين دولار من العوائد النفطية، فان هذه الحكومة وباستخدام استراتيجية سوق السلع للوقاية من المخاطر ستبرم عقوداً مستقبلية في سوق السلع لبيع 200 مليون برميل بالسعر المحدد في هذه السوق وبالتالي تستلم العوائد بناء عليه في سنة 2004. أما الطريقة الثانية فهي شراء تأمين ضد الانخفاضات الشديدة في سعر النفط، وهذه الاستراتيجية حسب التقرير تساعد الحكومة على وضع سعر أدنى تكون متأكدة من بيع نفطها بموجبه في المستقبل. فاذا كانت الحكومة، على سبيل المثال، لا تقبل بيع نفطها بأقل من 20 دولاراً في سنة 2003 فإن بإمكانها شراء بدائل لبيع النفط في سنة 2003 بأقل من 20 دولاراً للبرميل، وفي حال انخفاض السعر الأدنى الى أقل من 20 دولاراً للبرميل في السنة نفسها فان المكاسب المالية على البدائل ستجعل سعر البرميل عملياً يعادل 20 دولاراً ناقصاً الكلفة المترتبة. ولاحظ التقرير ان دول المنطقة تواجه صعوبة في السيطرة على الانفاق الحكومي بسبب تذبذب اسعار النفط، مشيراً الى وجود قنوات عدة يمكن للانفاق الحكومي ان يؤثر من خلالها في النشاط الاقتصادي، إلا أن تباين تكوينات هياكل الاقتصادات المختلفة والظروف المحيطة تؤدي في بعض الاحيان إلى نتائج غير واضحة. وعلى صعيد دولة الامارات، اعتبر التقرير ان صناع السياسة الاقتصادية في الامارات يواجهون صعوبة في اتخاذ القرار الحاسم للسيطرة على الانفاق الحكومي خلال فترات انتكاس اسعار النفط من دون التضحية بامكانات واحتمالات النمو في الاقتصاد المحلي، كما هي الحال ايضاً في معظم الاقتصادات التي تعتمد على النفط. وقال ان الانفاق الحكومي الرأس مالي والعجز الحكومي اصبحا خطي الدفاع الاول عند حدوث انخفاض في اسعار النفط، ذلك ان هذين المتغيرين الاقتصاديين سمح لهما بالتذبذب بشدة في ضوء ما يحدث من تغيرات وتطورات في اسواق النفط العالمية. ولفت "بنك دبي الوطني" الى أنه ينظر الى الانفاق الحكومي الجاري على انه يمثل الحد الادنى للمحافظة على دور الحكومة في دفع الاقتصاد المحلي ودعمه. ومثلت النفقات الجارية نحو 85 في المئة من الانفاق العام في نهاية الثمانينات في دولة الامارات وارتفعت إلى 92 في المئة عام 1991، لكنها انخفضت بشدة إلى 54 في المئة في عام 1999، وهذا دلالة على تغير نظرة صناع القرار الاقتصادي وسياستهم في حماية الانفاق الجاري، اذ انخفض هذا الانفاق من 59 بليون درهم 16.06 بليون دولار عام 1996 إلى 41 بليون درهم عام 1999. وشدد تقرير البنك على ان المحافظة على مستوى الانفاق الجاري من شأنها ان تعزل الاقتصاد المحلي عن آثار الهزات النفطية في المدى القصير، ولكن من المحتمل ان تؤدي في المدى الطويل إلى خفض امكانات النمو، متسائلاً سواء كان الانفاق الحكومي يتسبب بالفعل في نمو الانشطة الاقتصادية غير النفطية، أم ان النمو في الناتج غير النفطي يتسبب في نمو الانفاق الحكومي، ومشيراً الى صعوبة الاجابة على مثل هذا السؤال لان ظروف عدم التأكد المحيطة به هي قضايا حيوية يجب تحديدها ليتمكن صناع القرار الاقتصادي من تنفيذ الاستجابة الاقتصادية المناسبة لمواجهة الهزات التي تصيب الاقتصاد المحلي. وزاد ان هذه الملابسات اصبحت الدافع الرئيسي وراء تحليل السببية الذي يستخدمه الاقتصاديون لتقويم آثار مستوى الانفاق الحكومي ومكوناته على النشاط الاقتصادي المحلي. وحض التقرير صناع السياسة الاقتصادية في دول مجلس التعاون على القيام بتقويم حذر لمكونات الانفاق الحكومي التي سيتم تغييرها عند حدوث الهزات النفطية، اذ ان كل عنصر من عناصر الانفاق الحكومي له آثار ودلالات اقتصادية مختلفة في المدى القصير والمدى الطويل عند التأثير في امكانات النمو في الناتج المحلي غير النفطي. وقال التقرير ان النتائج التي تم الحصول عليها لمعظم دول المجلس تظهر بأن الانفاق الجاري يشجع النمو غير النفطي بينما يؤثر الانفاق الاستثماري بشكل سلبي في هذا النمو، وهذا يمكن تفسيره بحقيقة ان التوسع في الانشطة غير النفطية مدعوماً بتوجه الحكومات نحو تنويع مصادر الدخل كان مصحوباً على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية بانخفاض في الانفاق الحكومي الرأس مالي. كما لاحظ التقرير المصرفي ان الانفاق الاستثماري له آثار اكبر في النمو غير النفطي في المدى القصير من تلك التي يحدثها الانفاق الجاري، وفي المدى الطويل يجب ألا يحل الانفاق الحكومي الرأس مالي محل الانفاق الاستثماري الخاص، وإلا فان ذلك سيؤدي إلى آثار عكسية على النمو تؤدي إلى احلال رأس مال غير كفء محل رأس مال اكثر انتاجية، وهو ما يوجب على الحكومات في دول مجلس التعاون أن تتبنى اجراءات وسياسات تستهدف خفض اعتماد الاقتصاد غير النفطي على الانفاق الحكومي. واعتبر ان هذا الانفاق يؤثر في القطاعات الاقتصادية من خلال تأثير "المضاعف" الذي يحدث نشاطاً اقتصادياً يفوق بكثير حجم الانفاق الاولي الذي قامت به الحكومة، ولكن هذه النفقات العامة يمكن ان تكون لها آثار اقتصادية محددة في الاقتصاد المحلي اذا تم توجيهها نحو المحافظة على المخزون الرأس مالي في البنية التحتية وما شابهها بحيث تؤثر في التغير التقني وتحسن من سيادة النظام وسلطة تطبيق القانون. أما بخصوص الانفاق الحكومي الاستثماري، فقال التقرير ان له مساهمة ايجابية مباشرة في النمو من خلال رفع المخزون الرأس مالي للبنية التحتية، ولكن هذا الاثر يحدث فقط اذا لم يحل هذا الانفاق محل الاستثمار الخاص ولم ينافسه في الموارد المالية، ولم يكن اقل كفاءة منه. وعلى رغم جهود تنويع مصادر الدخل على مدى العشرين عاماً الماضية، الا ان اقتصادات دول مجلس التعاون ما زالت تعتمد على العوائد النفطية التي تعتبر المصدر المسيطر في تمويل الانفاق العام، وهو ما زال أداة قوية للتأثير في النمو الاقتصادي ودعمه في القطاعات غير النفطية وتكون هذه الدول خلال مرحلة انتكاس اسعار النفط مترددة في خفض نفقاتها الجارية، اذ ان ذلك قد يؤدي إلى احداث ركود في النشاط الاقتصادي غير النفطي. ولتخفيف الضغوط على عجز الموازنة العامة، لجأت حكومات دول المجلس إلى استهداف خفض حجم الانفاق الحكومي الاستثماري خلال فترات تذبذب العوائد النفطية وتراجعها باعتبار ان خفض الانفاق الاستثماري يمكن تطبيقه بسهولة من الناحية السياسية والاجتماعية. وأكد "بنك دبي الوطني" في تقريره ان المطالبة العامة بسياسة توسعية في الانفاق الحكومي اصبحت نداء اعتيادياً ومتكرراً لدعم وانعاش الاقتصاد المحلي أو بعض قطاعاته خلال الانتكاسات الاقتصادية. وفي ضوء عدم القدرة على التأثير في اسعار النفط في الاسواق العالمية فان محنة صناع القرار الاقتصادي في دول مجلس التعاون تمثلت في السيطرة على العجز الحكومي والمحافظة على مستوى معين من الانفاق الحكومي يمكن ان يضمن أو يحقق نمواً اقتصادياً مقبولاً في الانشطة غير النفطية. وأشار الى ان نتائج التغيرات في الانفاق الحكومي جارية أو استثمارية تؤدي إلى خفض النمو في الناتج المحلي غير النفطي أو زيادته، والعكس ايضاً صحيح. كما تشير هذه النتائج إلى ان مطالبة قطاع الاعمال بزيادة الانفاق الحكومي لتشجيع النمو في القطاع غير النفطي ودعمه لا يوجد لها دليل اقتصادي قوي يساندها، وهذا يعني ان الحكومات في دول مجلس التعاون يمكنها ان تخفض من انفاقها من دون احداث آثار سلبية على معدلات النمو في الانشطة الاقتصادية غير النفطية. وزاد المصرف ان هذه النتائج تبدو مغايرة للاعتقاد العام السائد في دول مجلس التعاون بان الحكومات يمكنها ان تدعم النمو في الانشطة غير النفطية وتشجعها من خلال سياسات توسعية في الانفاق الحكومي، مشيراً في الاطار نفسه الى انه على رغم ان الانفاق الحكومي يعتبر جزءاً مهماً من الطلب الكلي في الاقتصاد، الا ان زيادة هذا الانفاق لا تؤثر في معدلات النمو في الجزء غير النفطي من الاقتصاد. وهناك تفسير آخر يقول ان اقتصادات دول المجلس مرت بتغيرات هيكلية جوهرية على مدى العقدين الماضيين تم خلالها تقليل اعتماد القطاعات غير النفطية منها على الانفاق الحكومي، وتشير النتائج التحليلية التي تم الحصول عليها إلى ذلك ايضاً.