قبل الحرب اليمنية بأسبوع واحد كان محسن بن فريد في المعارضة اليمنية، كأمين عام لرابطة أبناء اليمن، يحمّل الائتلاف الحاكم المؤتمر الشعبي والاصلاح والحزب الاشتراكي مسؤولية تردي الأوضاع، ويدعو الى تشكيل حكومة وحدة وطنية. وعقب اندلاع الحرب في 8 ايار مايو الماضي هاجم زعيم "الرابطة" السيد عبدالرحمن الجفري الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض وحملّهما مسؤولية الحرب والكارثة في خطاب مفتوح الى ملوك ورؤساء الدول العربية وزعه على وسائل الاعلام. ومع استمرار الحرب وتصعيدها فاجأ الجفري وبن فريد المراقبين بأن تحولا من المعارضة الى الحكم ليصبحا شركاء مع قادة الحزب الاشتراكي في أخطر قرار اتخذته اليمن الجنوبي وهو الانفصال. ما الذي جرى في تلك الأيام الحاسمة؟ وكيف تجاوزت "الرابطة" و"الاشتراكي" عداوات عقود طويلة واختلافات ايديولوجية واسعة؟ يختصر السيد محسن بن فريد الاجابة قائلاً: "الزمن تغير والحزب الاشتراكي تغير ونحن تغيرنا" لكنه قال أكثر من ذلك في حوار مع "الوسط". في البداية تحدث عن المأساة التي تعيشها عدن بسبب حصار القوات الشمالية لها وقصفها المستمر لاحيائها السكنية. مطالباً بوقف فوري لاطلاق النار ثم الرجوع الى طاولة المفاوضات للبحث في مستقبل العلاقة بين الجانبين، ورأى ان الأسرة الدولية مطالبة بموقف حازم تجاه اجبار حكومة صنعاء على تنفيذ القرار الدولي 924. وأوضح السيد محسن محمد أبو بكر بن فريد العولقي نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتنمية في "جمهورية اليمن الديموقراطية" التي أعلن قيامها في 31 ايار مايو الماضي برئاسة علي سالم البيض ان "نظام صنعاء يتعمد اذلال الشعب في الجنوب بضربه المستمر للأهداف المدنية وهو الأمر الذي يؤكد استمرار احتقار الشمال لشعبنا في الجنوب على رغم الوحدة". وأكد ان وثيقة "العهد والاتفاق" "كانت بداية صادقة لعهد جديد في اليمن الا أن أطراف الحكم في صنعاء لم تكن جادة في تنفيذ بنودها ولم تكن النيات صادقة في ذلك"، وأشار في هذا الصدد الى أن الخيار العسكري كان متواجداً لدى الرئيس علي عبدالله صالح قبيل توقيع الوثيقة. ونفى بن فريد في حديث الى "الوسط" في جدة ان يكون هناك اضطهاد أو وصاية على الدعوة الاسلامية في الجنوب، وقال ان التوجه الاسلامي لا زال هو نهج الشعب في الجنوب، وما أشيع عن اضطهاد مورس لا أساس له من الصحة، مع اعتبار أنه ليس من حق أي فصيل أو جهة ادعاء تمثيل الصحوة الاسلامية وان الآخرين لا يمثلونها مع التزام عدم اللجوء الى حمل السلاح بغية تخريب الجبهة الداخلية باسم الاسلام، وأكد ان هناك اسلاميين من "المؤتمر الشعبي" ومن "حزب الاصلاح" "يعيشون بين اخوانهم في الجنوب ويمارسون عملهم بطريقة سلمية". وقال ان "الرئيس علي عبدالله صالح حاول اغراق القوى الجنوبية بالمراكز والامتيازات ووزع عليهم ملايين الريالات والفلل والسيارات حتى يتحولوا الى تابعين له، وعندما لم يحدث ذلك فكر في التخلص منهم وضربهم، وفي المقابل حاول الحزب الاشتراكي مماطلة الرئيس صالح عن طريق اطالة أمد الجدل ولم يكونوا يعلمون أنه يرتب نفسه عسكرياً لتصفيتهم الى أن فاجأ الجميع في حادث عمران". تقسيم ادوار واتهم بن فريد الرئيس صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر "الذي نعتبره عزيزاً علينا" بتقسيم الأدوار بينهما، وقال "ان الكارثة التي نحن فيها الآن هي نتيجة الاصرار على حكم اليمن طبقاً لعقلية معينة، فإما أن يكون المواطن الجنوبي درجة ثانية وأن يكون تابعاً للمواطن الشمالي والا الخيار العسكري"، ولفت الى "ان المهام الرسمية التي اسندت الى معظم الشخصيات الجنوبية في السابق كانت شكلية في الحقيقة ومن دون صلاحيات لصناعة القرار، مثل أحمد مساعد حسين وعبدالقادر باجمال وعلي منصور رشيد، اضافة الى شخصيات أخرى من المكتب السياسي أو اللجنة الدائمة مثل فيصل بن شملان وعبدالله بن منصور وهؤلاء جميعاً ليست لهم أية صلاحيات في صناعة القرار التي تعود في الدرجة الأولى الى الرئيس صالح شخصياً"، وقال "وبطبيعة الحال فإننا نرفض هذا الأسلوب ونرفض أن نصل الى هذا الأمر". ونوه بن فريد بالدور الذي قامت به "الرابطة" في فترة القطيعة بين المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي، وقال: "حرصنا على أن نلعب الدور الوفاقي ضمن التكتل الوطني للمعارضة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين وحتى لا تتفاقم الأمور وتصل الى حد الحرب، وبذلنا جهدنا لاقناع جميع الأطراف بالحوار وحتى لا يعتكف علي سالم البيض في عدن وعلي عبدالله صالح وعبدالله بن حسين الأحمر في صنعاء". الرؤوس الكبيرة وأبدى أسفه "لأن أطراف الحكم في اليمن لم تكن جادة في تنفيذ وثيقة "العهد والاتفاق"، ونقل عن الرئيس صالح قوله "لو ان الجماعات التي ارتكبت جرائم القتل والسلب والسرقة جاءت الى باب قصره فإنه لن يعتقلها"، لأنه "يدرك أن هناك رؤوساً كبيرة وراء تلك العمليات، ولم تكن النيات صادقة لتنفيذ الوثيقة حيث لم تعد هناك ثقة بين الجانبين، وكان الاحساس ان الخيار العسكري أصبح محتماً مما أدى الى انفجار الأحداث في "عمران". وأضاف: "ان لجنة الحوار اجتمعت بعد ذلك مع الرئيس صالح وأبلغته ان الكارثة ستحل بالبلد كلها، فقال "ان الحزب الاشتراكي لم يلتزم الحضور الى صنعاء بعد توقيع الوثيقة، وهم سبب الكارثة في عمران وهم يحاولون تطويق قوات "العمالقة" في ابين ولواء الكبسي في ردفان"، وكشف انه استنفر كل قواته للرد عليهم. وتابع بن فريد: "ووافق الرئيس صالح على ان ننزل الى عدن للاجتماع مع الاخ علي سالم البيض لنحاول نزع فتيل الحرب، وتحدثنا معه على ضرورة ايقاف مظاهر الحرب والبحث في مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية لأنه يبدو أن التعايش بين الائتلاف أصبح صعباً بل مستحيلاً، وكان اعتقادنا ان من أبرز سلبيات وثيقة العهد والاتفاق اناطة آلية التطبيق بالحكومة نفسها التي افتقدت الثقة بين أفرادها الى درجة غير منطقية على رغم تأكيدات أطراف الخلاف باصلاح الخلافات". وعرض الاحداث التي سبقت احتدام الأزمة اليمنية، وقال "قبل التوجه الى عمران عقدنا يوم 7 مايو أيار مؤتمراً صحفياً في فندق شيراتون صنعاء، وأعلنا ان الائتلاف أثبت فشله وأنه لا يمكن أن يكون هناك مخرج الا بتشكيل حكومة وحدة وطنية وأبدى الرئيس صالح موافقة مبدئية بأنه ليس هناك ما يمنع ذلك، لكن الأولوية يجب أن تعطى لنزع فتيل الحرب والتوجه العسكري، وطلبنا ان نذهب الى الاخوان في عدن لنزع فتيل الحرب مع اعتبار أن فكرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هي فكرة معقولة". واستطرد قائلاً: "قابل الوفد الرئيس علي سالم البيض في عدن وطالبه بفك حصاره للواء "العمالقة" في أبين ولواء "الكبسي" في ردفان في مقابل أن يفك الرئيس صالح حصاره للواء "باصهيب"، وأخبرنا البيض ان هذا الكلام غير صحيح وان العمل العسكري كله من الجانب الثاني - والحديث ما زال للرئيس البيض - وأنا أفوضكم أن تذهبوا الى أي موقع عسكري وان تنزعوا أي مصدر من مصادر التوتر، مضيفاً انه "في ما يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية فأنا ليس عندي مانع"، وأضاف بن فريد: "بعد أن شرعنا في تقسيم أفراد اللجنة الى مجموعات عمل للذهاب الى ردفان وأبين وغيرهما لنزع فتيل التوتر فوجئنا باعطاء الجانب الشمالي في لجنة الحوار الذين أبلغونا ان الرئيس علي عبدالله صالح اتصل بهم هاتفياً وكان "منرفزاً" ويطلب عودتنا جميعاً الى صنعاء فوراً، وقلنا لهم أننا لسنا موظفين عند الرئيس ونحن الذين نحدد مواعيدنا، فتركونا وغادروا الى صنعاء من مطار عدن، وبقينا أنا والأخ عبدالرحمن الجفري وعمر الجاوي لعدم وجود أماكن لنا في الطائرة التي أقلتهم الى صنعاء. وفي اليوم التالي اتصلنا بمقر "الرابطة" في ذمار للاطمئنان الى سير الأمور فأخبرونا ان الدنيا اشتعلت في "باصهيب" والمدينة تحولت الى محرقة، وبعد ذلك بنصف ساعة أو أقل بدأ قصف المدافع في عدن تجاه معسكر الأمن المركزي حيث تبين ان القوات الشمالية كانت تحاول النفاذ ومن ثم السيطرة على مطار عدن بما يوحي بأن العملية العسكرية كانت مرتبة من قبل الاخوة في الشمال بدليل ان الاخوان في الجنوب لم يكن لديهم أية استعدادات عسكرية حقيقية". وقال بن فريد "ثاني أيام اشتعال القتال اجتمعنا في فندق عدن نحن الباقين من لجنة الحوار الذين مثلوا "الرابطة" و"التجمع الوحدوي" و"اتحاد القوى الشعبية" و"الناصريين، وأصدرنا بياناً ضمناه مبادرتنا التي تستند في الأساس الى الوقف الفوري لاطلاق النار وتشكيل حكومة انقاذ وطنية، ومع تسارع الأحداث العسكرية اضطررنا لاتخاذ قرار صعب مثل واحد من أخطر خياراتنا وهو تأييد الحزب الاشتراكي الذي كنا لفترة طويلة على خصومة شديدة معه وذقنا الأمرين على يديه". وأكد ان "ذلك القرار كان التحالف مع شعبنا في الدرجة الأولى وكنا نشعر ان هناك ظلماً وغبناً وهجمة شرسة من الشمال على شعبنا في الجنوب في اطار عقلية التعالي والتسلط والهيمنة الشمالية على أبناء الجنوب، وقررنا الوقوف مع الحزب الاشتراكي للدفاع عن كياننا الواحد الجنوبي الذي له الحق في التعبير عن وجوده، وكنا نعتقد أن الوحدة لا يمكن فرضها بقوة السلاح أو بالآلة العسكرية".