هل انتهت الحرب في اليمن فعلاً؟ ثم ماذا بعد الحرب؟ هذا السؤال، بشطريه، يطرح نفسه مع أسئلة اخرى متفرعة: ما هو منهج الحكومة للفترة المقبلة؟ ووضع الحزب الاشتراكي في الائتلاف الحاكم؟ ومسألة المفاوضات مع قادته؟ والنتائج العسكرية والاقتصادية للحرب! بعد حوالي عشرة أيام على انتهاء الحرب يمكن القول ان اكثرية اليمنيين كانت تتطلع الى اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحرب، وتتضح هذه البدهية في أربعة عناصر: 1 - ان الغالبية الكبرى من اليمنيين كانت مع الوحدة، على رغم انها كانت ضد الحرب، في الاسبوعين الأولين لبدايتها، لكن اعلان الانفصال حوّل الرأي العام الى الالتفاف حول الوحدة. ولعل في "التبرعات الشعبية لدعم المجهود الحربي"، أبرز الوسائل لقياس اتجاه الرأي العام، اذ شارك فيها بصفة تلقائية كل الفئات والمحافظات والمدن، بصورة غير مسبوقة في اليمن. 2 - ان تطلع الجميع ليوم انتهاء الحرب جاء من قاسم مشترك، هو خسائرها المباشرة، الى جانب السلبيات التي انعكست على حياة عامة الناس في مختلف الجوانب، وفي أهمها وأخطرها، مثل ارتفاع اسعار السلع الغذائية، والمستوردة خاصة، وندرة وانعدام بعض السلع، وانخفاض العملة المحلية في مقابل الدولار. الى جانب ان الحرب بدأت تهدد أهم المرافق الخدمية والاقتصادية. وبالذات منشآت انتاج وتصفية البترول، ومحطات توليد الكهرباء، وخزانات مياه الشرب. وتم بالفعل قصف وتعطيل بعضها، في عدن ومأرب والمخا وشبوة وأبين وذمار وغيرها. وكان المواطنون في عدن اكثر معاناة وتضرراً من حالة الحرب في مختلف الجوانب. 3 - ان القوى السياسية المعارضة للاقتتال والانفصال أدركت ان ثني اي منهما عن اتجاهه لم يعد ممكناً، حسب ما قاله قيادي منها لپ"الوسط"، مضيفاً ان هذه القوى، "ظلت تنتظر على مضض نهايتهما أو أحدهما، لتحدد في ضوء النهاية خطوات تحركها على الصعيد السياسي". 4 - ان الجميع تقريباً، من السياسيين اليمنيين، كان يتوقع النهاية نفسها التي آلت اليها الحرب، اعتماداً على ان المؤشرات السياسية والعسكرية ظلت ترجح وتؤكد هذا التوقع، خصوصاً خلال الأسابيع الثلاثة الاخيرة من الحرب، اثر زيارة الوسيط الدولي الاخضر الإبراهيمي لليمن. منهج المرحلة وماذا بعد الحرب؟ هذا السؤال أجاب عنه مجلس الرئاسة اليمني، في بيان أصدره عشية انتهاء الحرب تضمن أبرز القضايا التي تدور عليها التساؤلات. وبالذات ما يتعلق منها بالاتجاه العام لسياسة الدولة مستقبلاً. وتركز البيان في تطبيق قرار العفو العام، وتعويض الذين فقدوا ممتلكاتهم، والالتزام بالديموقراطية والتعددية السياسية والحزبية، وضمان حرية الصحافة واحترام حقوق الانسان، واعتماد مبدأ الحوار لحل الخلافات السياسية، وتطبيع الحياة العامة في المناطق المتضررة، مع اعطاء مدينة عدن عناية خاصة لتصبح منطقة تجارية حرة، والانتقال نحو اقتصاد السوق، وتوسيع المشاركة الشعبية في السلطة، ومواصلة الاتصالات بدول المنطقة لتحقيق الأمن والاستقرار وحسن الجوار. وعلى رغم كون ما قدمه بيان مجلس الرئاسة من ردود على معظم وأهم التساؤلات المطروحة، الا ان ما تضمنه جاء مركّزاً وعاماً فلم يتناول كثيراً من التفاصيل، لأنه ليس برنامج عمل جاهزاً للتنفيذ بل لافتة أمام المجتمع الدولي يوضح اتجاه الدولة في مرحلة ما بعد الحرب. ويؤكد هذا ان مضمون البيان احتوته رسالة الرئيس علي عبدالله صالح الى الأمين العام للأمم المتحدة، الدكتور بطرس غالي التي سلمها في نيويورك مبعوث الرئيس اليمني الدكتور عبدالكريم الارياني ورسالته الجوابية، الى الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد التي تسلمها في صنعاء وفد الجامعة العربية برئاسة اللواء محمد سعيد بيرقدار. العفو العام أولاً ومن خلال ما توفر لدى "الوسط" من معلومات، وما اجرته وحصلت عليه من اتصالات وتصريحات يمكن تسليط الضوء على أبرز القضايا الواردة في بيان مجلس الرئاسة اليمني، في الآتي: - العفو العام. وكان صدر في صنعاء قرار بإعلان العفو العام من كل التبعات الدستورية والقانونية عن كل من عمل ويعمل تحت سلطة القوى المناوئة في عدن، وضمن القرار لكل من شملهم العفو العودة الى مناصبهم وأماكن عملهم، باستثناء الستة عشر من القياديين الذين حددهم قرار النائب العام بأنهم مطلوبون للعدالة. ولوحظ ان بيان مجلس الرئاسة اكتفى بتأكيد تطبيق قرار العفو العام ولم يشر الى الاستثناء الذي لا يبدو ان وروده ضمناً كافٍ لتأكيده، خصوصاً ان الغاء الاستثناء اصبح وارداً الآن. كما جاء في تصريحات الارياني في نيويورك اذ أكد ان العفو العام يشمل الجميع، بمن فيهم القادة الستة عشر. وقال سياسيون حزبيون في صنعاء لپ"الوسط": "ان الغاء الاستثناء، وإن جاء مخالفاً لقرار النائب العام في نصه، لكن بما ان القضية برمتها هي سياسية، بما فيها قرار الاستثناء وقرار العفو العام، فإن الغاء الاستثناء الذي لم يصدر به قرار يأتي متطابقاً مع قرار النائب العام، روحاً لا نصاً. من حيث كونه متطابقاً مع الاتجاه العام للقيادة السياسية". وأضاف هؤلاء السياسيون: "من هنا فإن إدخال القادة الپ16 ضمن العفو العام يستهدف، أولاً، التعبير عن حسن النية من جانب القيادة السياسية. وثانياً الغاءهم الپ16 كطرف في قضية انتهت بانتهاء الحرب. وثالثاً يقدم المبرر الكافي لعجزهم عن تشكيل معارضة في المنفى، لم يعد هناك أمل في نجاحها...". ويلاحظ، ان المسؤولين في صنعاء يتحاشون الخوض في هذه المسألة، في تصريحاتهم. - "واعتماد مبدأ الحوار لحل الخلافات السياسية...". هذا المبدأ الذي طرحه بيان مجلس الرئاسة اليمني هل يعني، كما فهم البعض، الحوار مع قادة الحزب الاشتراكي؟ طرحت "الوسط" هذا السؤال على السيد عبدالقادر باجمّال، نائب رئيس الوزراء، فقال: "لا حوار ولا مفاوضات معهم فالحزب الاشتراكي في الداخل أيد بغالبيته الوحدة والشرعية الدستورية، وبالنسبة الى القلة من قادة الانفصال فلم تعد هناك بعد انتصار الوحدة قضية يمثلونها يمكن التفاوض معهم عليها". واستطرد: "اما مبدأ الحوار الوارد في بيان مجلس الرئاسة فهو مبدأ قائم وثابت يمثل أساس النظام السياسي ومنهجه لحل الخلافات السياسية، وهو شرط ضروري للتعددية السياسية". ويبرز هنا موضوع الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي يشارك فيه الاشتراكي، الى جانب المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للاصلاح، منذ انتخابات 27 نيسان ابريل 1993. وكذلك وضع حكومته الحالية، وبصفة عامة يمكن القول بأن الائتلاف سيظل في السلطة حتى نهاية الفترة الانتخابية مدتها أربع سنوات، وهذا من حيث المبدأ بوصفه يمثل جانباً من الشرعية الانتخابية. لكن مصادر مطلعة اكدت لپ"الوسط" ان تغييرات عامة سيتم ادخالها في جوانب عدة من أبرزها: أولاً: انه كان من سلبيات الازمة السياسية انسحاب قادة الاشتراكي من مواقعهم القيادية في سلطات الدولة في صنعاء الى عدن، بصفة تدريجية استمرت حتى ما قبل انفجار الحرب. وظلت هذه المواقع شاغرة في معظمها حتى الآن، بدءاً بعضوين في مجلس الرئاسة يتشكل من خمسة أعضاء، من بينهم رئيس مجلس الرئاسة، وهو أعلى سلطة في الدولة ومروراً بتسعة أعضاء في الحكومة. هم رئيس الوزراء وأحد نوابه وسبعة وزراء. تم فيما بعد تعيين نائب لرئيس الوزراء وثلاثة وزراء لوزارات الدفاع والنفط والنقل. وظلت بقية المواقع شاغرة. الى جانب مجموعة من كتلة الاشتراكي في مجلس النواب، خلت مقاعدهم. وكذا مواقع قيادية اخرى في بعض الاجهزة والمؤسسات الاخرى. ثانياً: وحيال هذا الوضع تحتم الضرورة اعادة ملء هذه المواقع، بالطريقة الدستورية التي تم بها تشكيل سلطات الدولة، اي بانتخاب البديل في مجلس النواب من قبل الدوائر الانتخابية وانتخاب عضوين في مجلس الرئاسة من قبل مجلس النواب. وبالنسبة الى الحكومة فبما ان منصب رئيس الوزراء من المناصب الشاغرة، فانه لا يكفي لتحقيق الغرض اجراء تعديل وزاري، بل لا بد من تشكيل حكومة جديدة، حسب الدستور، وكانت معلومات أكدت نقلاً عن مصادر مسؤولة، ان هناك اتجاهاً لتشكيل حكومة وطنية موسعة، يشارك فيها قادة حزبيون وشخصيات مستقلة. وفي تصريحه لپ"الوسط" نفى عبدالقادر باجمّال ان يكون هناك حالياً أي ترتيبات لتشكيل حكومة جديدة. وأضاف: "نحن الآن نركز الاهتمام على الأولويات التي تضمنها بيان مجلس الرئاسة، ممثلة في ازالة آثار الفتنة وتعيين الفرق اللازمة لاعادة البناء وتطبيع الاوضاع". وعن المواقع الشاغرة في الحكومة، قال: "هذه المواقع لا شك انه لا يمكن تركها شاغرة. ولا بد من ملئها بالكوادر والقيادات اللازمة. لكن هذا ليس مطروحاً حالياً، كما ان اجهزة الوزارات قادرة على أداء اعمالها بوضعها الحالي". تغييرات واسعة ثالثاً: وبطبيعة الوضع الراهن حالياً الذي يتطلب التركيز على الأولويات التي أشار اليها باجمال، فإن تشكيل حكومة جديدة، حسب ما علمته "الوسط" من مصادر نيابية، سيكون ضمن عملية تغيير واسعة نسبياً، الى جانب ان هناك اتجاهاً لتغيير شكل رئاسة الدولة الى رئيس ونائب للرئيس كما كان مطروحاً في الماضي، بدلاً من مجلس الرئاسة، نظراً الى أنه يمثل، حسب هذه المصادر، شكلاً يتم اللجوء اليه مجلس الرئاسة. في حالات استثنائية وموقتة. ولتوفير الحياد في رئاسة الدولة في ما يتعلق بتوزيع المناصب والاختصاصات، بحيث يتاح المجال للخبرات الفنية، بدلاً من العناصر السياسية، وهناك أيضاً توجه نحو نظام اقتصاد السوق، والمضي في مشروع تحويل مدينة عدن الى منطقة حرة وعاصمة اقتصادية وتجارية.