سورية والاعلام اللبناني هل تعهد الرئيس سركيس بشيء للسوريين؟ - يمكن هذا الذي لم يستطيعوا ان يعملوه. لأنه لم يحصل لقاء سياسي بالمعنى الكامل لا مع الرئيس سركيس سورياً ولا مع السوريين لبنانياً. وكان هذا في رأيي سبب العثرات التي اعترت علاقة الرئيس سركيس بالسوريين. ولو كانوا الجماعة موضحين كل شيء لما وصلنا الى ما وصلنا اليه. انا متأكد اليوم انه لم يجر بحث سياسي مع الرئيس سركيس قبل انتخابه بدليل انه حتى أول مرسوم طلبه السوريون بعد انتخابه وكان متعلقاً بالاعلام، حتى هذا لم يكن متفقاً عليه اضطروا لكي يسوقوه ان يأتوا اكثر من مرة للبحث فيه حتى صدر. وانت تعرف كي يؤذي الاعلام في لبنان سورية. على أيام عبدالناصر والقوتلي والأسد، وسورية تخشى هذه النافذة الباردة التي يأتي منها هواء بارد من لبنان بسبب نظامه. نظام الحرية وخاصة اعلامه. كل اخصام سورية يستفيدون من هذا الجو، ينعمون بالحرية والحماية ويعملون ضدها ونحن باسم الديموقراطية وحرية الكلمة نؤمن لهم الحماية فنصل الى الاصطدام مع سورية. لأن السوريين يسألون ماذا يفيدونكم اذا شتمونا؟ كل النقاش كان على هذا النحو. تهريب الديناميت وتفجير المؤسسات، هل استفدتم انتم في لبنان من هذا الأمر؟ لذلك منطقهم سليم. نحن مع حرصنا على الحرية يجب ان نحرص على عدم ايذاء الجار. ما يؤذي جارنا يجب ان نكون حريصين عليه. عندما تنتقد غيرك وتجرحه وتتهمه وتحرض عليه تكبر القصة وتجرنا الى الاصطدام. فهذا المشروع الذي كان تطبيقه ضرورة اساسية، لم يكن متفقاً عليه. قناعتي انه لو كان هناك اتفاق مع الرئيس سركيس على عهده لكان الكثير تغير. لأن الرئيس سركيس وخاصة بعد 1980 اصبح في وضع لا يحسد عليه مع السوريين. لماذا ترك العقيد في حينه احمد الحاج قيادة قوات الردع العربية؟ - تركها لأسباب تتعلق بمزاجه الشخصي. بطاقاته على العمل. انه ضابط من عيون الضباط، ثقافة وانضباطاً وشخصية متماسكة، وطني نظيف الكف. انما هو عسكري مئة في المئة، وذلك مفروض. ولكن كان ينقصه بعض المرونة السياسية، لذلك فضل بعد تشكيل مؤسسات الدولة، وأحس ان قيادة القوات العربية، قيادة موقتة وليس لها في الدستور والقوانين اللبنانية، ما يحدد موقعها وصلاحياتها وواجباتها وارتباطاتها وأين يقف قائدها في البروتوكول وكيف علاقته مع وزير الدفاع ومع وزير الداخلية ومع مؤسسات الدولة فضل قيادة قوى الأمن الداخلي. وبمقارنة بسيطة بينها وبين قيادة قوى الأمن الداخلي، فضل قوى الأمن الداخلي. لذلك، بما ان عنده أقدمية علي، وأقدمية في "عشرة" الرئيس سركيس، يعني كان رفيقه في الغرفة العسكرية والغرفة المدنية أيام الرئيس شهاب وتعاطيا معاً في قضايا عدة بأمرة الرئيس شهاب مباشرة نشأت بينهما علاقة قريبة وودودة. بسبب كل ذلك اختاره الرئيس سركيس لقيادة قوات الردع. أنا دخلت على "الفريق" عام 1960، بينما احمد الحاج دخل عام 1958 قبلي بسنتين. استمر مع الرئيس سركيس وأنا استمريت مع أنطون سعد. طلب من الرئيس سركيس ان يعينه في قيادة قوى الأمن الداخلي وتجاوب معه، علماً انه عندما كنا في معركة الرئاسة احمد الحاج لم يكن معنا. كان انضم الى الفريق بعد انتخاب الرئيس سركيس، لم يكن يحضر اللقاءات ويمارس النشاطات قبل انتخاب الرئيس سركيس. كنا نعمل في الليل... ثم تكلمنا مع الرئيس سركيس ان أتولى أنا قيادة قوى الأمن الداخلي. لكن الرئيس سركيس ضعف أمام اللواء حاج ووافق على طلبه التخلي عن الردع لأن "سامي يعرف الاخوان السوريين أكثر مني ولذلك فهو أكثر أهلية لقيادة الردع". وضمن هذا المنطق عينت قائداً لقوات الردع العربية. كان ذلك ليلة 11 نيسان 1977 اذ استدعاني الرئيس سركيس وطلب مني ان استلم قيادة هذه القوات. طبعاً استلمت القيادة وكنت أعرف معظم الضباط في القوات السورية منذ 1973 - 1974. ثم جددت هذه المعرفة وكان لي موقع مرموق عندهم. ونشأ ذلك عن الود والاحترام القائمين بيني وبين القيادة السورية العسكرية الممثلة بالعماد حكمت الشهابي والعماد علي دوبا وعلي أصلان. دوبا والشهابي كانا من أعز الاصحاب واستمرت الصداقة معهما وانعكست بالتعاطي على بقية الجيش السوري. عندما عينت قائداً للردع بدلاً من الحاج رد ذلك الى أسباب عدة اهمها عدم انسجامه مع السوريين؟ - ما حصل مع اللواء الحاج كان الآتي: كانت مشكلتنا الدائمة مع سورية، هي حرية الاعلام في لبنان. الحرية ليست في معناها التقني الصافي بل الحرية المتمادية، التي تتجاوز حدودها التي تتاخم الفوضى. حرية شتم السوريين وحرية التحريض عليهم. كانوا يشتكون منها على مر العهود، لذلك صدر المرسوم الاشتراعي رقم 1 المتعلق بالاعلام: ثم جرت مداهمات للصحف التي تجاهلت هذا المرسوم - 1 - أذكر منها: المحرر، لهشام أبو ظهر التي كانت تكتب بايعاز من العراق، وهذه الصحف كانت تمارس حرية غير محسوبة وغير مسؤولة. اللواء الحاج، اعتبر المداهمة اساءة له وتجاهلاً: في ذلك الوقت لم تكن القيادة قد تنظمت ولم يكن ضباط الارتباط توزعوا ولم تكن هناك اتصالات سلكية ولاسلكية بين القيادة والوحدات، حتى يصير اتصالات. دوهمت الصحف من دون معرفة الحاج. فاعتكف 24 ساعة في منزله ثم عاد الى ممارسة دوره. نظم القيادة بسرعة منقطعة النظير وكانت في ملكارت ثم نقلها الى وزارة الصحة، وبدأ تحضير الاركان وكانوا كلهم من ضباط الجيش اللبناني. ولكن عند تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي قفز على المناسبة واستلمت أنا مكانه. لا أظن ان شيئاً ما غير هذا حصل، لأن الحاج ترك القيادة وهو على علاقة طيبة مع بقية الضباط السوريين وما زالوا يكنون له الود والاحترام. نحن استلمنا قيادة قوات الردع العربية وكان أهم همومنا تنفيذ اتفاق القاهرة. لأن مؤتمري الرياضوالقاهرة نصا على تنفيذ الاتفاق كمدخل للحل وكبداية لوقف الحرب واعادة الاعمار وجمع السلاح وتنظيف البلد من آثار الحرب. اللجنة الرباعية التي شكلها مؤتمرا الرياضوالقاهرة، من سفراء السعودية والكويت ومصر ومندوب عن سورية والتي سميت لجنة المتابعة، وضعت تفسيراً لاتفاق القاهرة، وكان على هذا اللجنة ان توقع هذا التفسير وتحيله الى قيادة قوات الردع العربية للتنفيذ. يوم التوقيع لم يلتحق 3 أعضاء. تغيبوا عن الجلسة أو الاجتماع وهم سفراء الكويت ومصر والسعودية ولم يبق في الساحة الا اللواء محمد الخولي المكلف بالتوقيع من قبل سورية. افشل ذلك عملية تنفيذ اتفاق القاهرة. وكان هذا الفشل أول مؤشر عند الرئيس سركيس على الصعوبات التي تنتظر عهده. وأدرك سركيس تماماً أننا مقبلون على مراحل صعبة. كانت القيادة السورية في ذلك الوقت على وفاق تام مع الجبهة اللبنانية. وكان الرئيس سركيس عاتباً بسبب ذلك. وذهبت بنفسي الى دمشق اكثر من مرة حتى الفت نظر القيادة السورية الى ان يمر مندوبهم على الرئيس سركيس عندما يأتي الى لبنان لمقابلة شمعون، الجميل، وأمين الجميل وأعضاء الجبهة اللبنانية. كان هذا التصرف مبرراً عند السوريين اذ كان الرئيس سركيس كلما طلب السوريون منه شيئاً يتريث رغبة في التشاور مع الجبهة اللبنانية تفادياً للمشاكل. فقرر السوريون الاتصال مباشرة بالجبهة ثم بالرئيس سركيس. وكانوا يظنون انهم يخدمونه بذلك حتى يهون عليه اتخاذ القرار. بدأ ذلك يخلق شيئاً من المسافة، بدأ الرئيس سركيس يتكون في ذهنه عتب أدى الى حذر، والحذر الى عدم طمأنينة والى خلاف، هكذا تتطورت الأمور وزادت مسافة العتب الذي تحول الى حذر. - أول شيء: الصحافة. - ثاني شيء: فشل اللجنة الرباعية. - ثالث شيء: التعاطي المباشر للقيادة السورية مع الجبهة اللبنانية. وفي هذا السياق، ايضاً حاولنا تنفيذ اتفاق القاهرة عن طريق السوريين وحدهم والذي حصل يومها بعد فشل العرب في تنفيذ الاتفاق ان السوريين جاؤوا وقالوا للرئيس سركيس: "لا تطلب منا ان ندخل المخيمات وحدنا. تكون تسبب لنا الأذية بذلك، نحن نضربهم هنا واسرائيل في الجنوب، في سورية لا نستطيع ان نتحمل ذلك". ألا ان الرئيس سركيس قال لي "أعمل أمر عمليات عسكرية، وأرسله الى قيادة قوات الردع العربية، للتنفيذ". كان يعمل شيئاً للتاريخ. "عملت أللي عليّ". نفذت ذلك. وفهمت من الاخوان السوريين بطريقة لبقة، انه الا يكفي ان دخول الجيش السوري المنطقة الغربية من بيروت لا يزال متعذراً ولا يكفي انه بعد خطاب الرئيس الأسد في 20 تموز 76 الذي وضع فيه النقاط على الحروف واستشهدت به الجبهة اللبنانية طيلة سنوات، ألا يكفي ذلك وتريدون أيضاً تحميلنا الدم الفلسطيني. ألا تكفينا اتهامات أبو عمار لأبو علي المدني بأنه ساهم في تل الزعتر. وجدنا ان مطلبنا كبير. وقلنا للرئيس سركيس ان هذا هو الوضع. وتساءلنا عن الحل؟ وكان الحل، أخذ السوريون على عاتقهم تنفيذ اتفاق القاهرة بالتفاوض. وعقدنا اجتماعات في شتورة واشركنا فيها قيادة الجيش اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية. برئاسة عرفات. وكنت في قيادة الردع العربية التي كانت منسقة لهذا اللقاء. والعماد حكمت كان رئيساً للوفد السوري. وكان السوريون الواسطة بين الفلسطينيين واللبنانيين. فشلت العملية في ثالث مرحلة التي هي مرحلة الجنوب وذلك عندما وصلنا الى مرحلة وقف التمركز الفدائي الذي هو تمركز عسكري مكشوف في الجنوب والذي كان سبب الاجتياح في 1978 الذي نشأت عنه دولة سعد حداد. كنا نحاول ان نستدرك ما حصل في 1978. كنا نحاول ان تبعد القواعد الفدائية 10 كلم عن الحدود ونمنع استعمال الهواوين والصواريخ ونسهل عليها عمليات التسلل الى داخل الأرض المحتلة لممارسة العمل الفدائي الحقيقي، وليس العمل الفدائي الاعلامي. طبعاً فشلت العملية، لأن أبو عمار اتصل بي في آخر مرحلة وسألني "من هو أبو أياد". اجبت: "ولو... هو مندوبك" رد: "أبداً لا يمثلني وليس له رأي". وسألت عن أبو جهاد وتلقيت الجواب نفسه. طبعاً كان يستطيع ان يقول ما يريد فهو لا يربطه شيء. فشلت العملية. وزاد الاحباط في نفس الرئيس سركيس. زاد أكثر يوم زار الرئيس السادات القدس. وكانت الزيارة الشعرة التي قصمت ظهر البعير. لأنها وضعت السوريين أمام الحائط. لم يعد امامهم سوى فتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين ولملمة الصف العربي، للوقوف في وجه السادات. السوريون كانوا بحاجة الى هذه العملية حتى يستعيدوا "لونهم" الذي كاد أن يتلطخ في مواقف 1976 التي استغلها اناس لاتهام الرئيس الأسد في اسلامه وعروبته... الخ. ومن هنا توجد مرارة عند الاخوان السوريين لأن اصدقاءنا في لبنان لم يعطونا فرصة استعادة "لوننا". "لم يرحمونا في موضوع قومي بهذا الحكم، ولم يسهلوا لنا بل بالعكس عقدوا لنا الأمور، وعملوا في 1978 قصة الفياضية، فتحوا علينا النار، بالاتفاق مع الاسرائيليين. السوريون يرجحون، لم يقولوها أمامي وليس عندي وثائق لأبرهن، لكنهم اتهموا حزب الكتائب وبشير الجميل بأنهم وراء العملية. كانت لديهما اتصالات في الجيش. ولم يبرئوا الضابط سمير الأشقر من اتصالات مع العدو الاسرائيلي. لأن الحادث الذي استدعى هذا الحجم من اطلاق الرصاص، لم يكن يستاهل، اذا اختلفوا مع دورية مارة امام ثكنة الفياضية، هل يستاهل ذلك فتح النار على عناصر قوات الردع الذين لم يكونوا متأهبين، وفي المخيم 13 واحد قتلوا و36 جرحوا في ظرف ربع ساعة. لو لم تكن الأمور مشحونة والأنفس مشحونة والعمل مخطط لما سقط هذا العدد. قد يكون كل ذلك صدفة. أنا لم أحقق. لكن الطريقة التي حصلت بها القصة وحجم الخسائر يجعلانك تعتقد ان ذلك لم يكن وليد الصدفة. هذا مخطط. وعندما تعرف كيف تطورت الأوضاع السياسية بعد ذلك، تدرك تماماً ان مسألة الفياضية كانت مفترقاً مهماً. الفياضية كانت الانقلاب المسيحي على السوريين. وبعد ذلك بدأ السوريون يتقربون من المسلمين. تدهور مع دمشق في أي وضع كان الرئيس سركيس في ذلك الوقت؟ - الرئيس سركيس في هذا الوقت كان قلبه على الجيش اللبناني. ولم تكن عنده الجرأة الكافية لأن يطلب من جوني عبدو مدير المخابرات ومن القيادة اللبنانية أن يتخذا تدابير قاسية في حق المجموعات التي قامت بتلك العملية، وأن يحضراها ويوقفاها لكي يشعر السوريون أننا حياديون في عملية التحقيق. من هنا بدأ العتب السوري عليه وبدأ الشك في جوني عبدو. بدأت تكثر دوائر الشك والحذر، تدخلنا فوراً وأوقفنا اطلاق النار. قتل 3 جنود لبنانيين وضابط برتبة ملازم في الفياضية بينما كانت خسائر السوريين اكثر بكثير، سرية كاملة. ألفنا محكمة مختلطة. رئيس المحكمة لبناني والنائب العام سوري. أو العكس. وكانت المحكمة مؤلفة من خيرة الضباط. ولكن المحكمة لم تمارس. أهملت القضية وانتهت القصة. السوريون كانوا يعتبرون أنفسهم جيش الشرعية، جيش رئيس الجمهورية شخصياً ويتلقون توجيهاته عبر قائدها اللبناني سامي الخطيب في ذلك الوقت. ولذلك تساءلوا "لماذا لا تعاملوننا كأننا جيش شرعي، نحن بأمرتكم". من هنا بدأت العملية. وعندما أحس السوريون ان ليس هناك حفاظ على دمائهم ولم يجدوا جدية في التحقيقات حول أسباب الاعتداء عليهم بدأوا يأخذون الحيطة. وهم معذورون. كنت أواكب هذه العملية ولم أكن بعيداً عنها، وكنت أعرف وأوافق. أوافق على تدابير الحماية الذاتية. اذا كانت هناك بناية تؤمن الحماية لموقع سوري، كنت أوافق على حجزها. فإما يحمون أنفسهم، أو ليذهبوا. نحن نستعين بهم، قررتهم قمة عربية، هل يبقون تحت رحمة القناصة أو بعض المرتبطين بالاستخبارات الاجنبية وخاصة اذا كانت اسرائيلية؟ هذا لا يجوز، من هنا، بدأ العتب، الحذر، الشكوك وتحولت في نهاية المطاف الى خلاف. ثم قصة طوني فرنجية واغتياله، عملية عسكرية طويلة عريضة. تطلع من بيروت الى إهدن، تقتل فرنجية وزوجته الخ ولم نعمل شيئاً. لم يتخذ في حينه قرار على الصعيد اللبناني، حتى ان القضية لم تحل الى المجلس العدلي في ذلك الوقت. سليمان فرنجية الأب رئيس جمهورية، ابنه نائب وحلفاء لدمشق وسورية وللرئيس سركيس شخصياً وساهموا في مجيئه ومع ذلك لم يتخذ أي اجراء بعد مقتل ابنه ولم تبد أي رغبة حقيقية لمعرفة من هدر دم هذا الرجل وما هي الاجراءات، تطورت القصة الى قصف سوري معركة 1978 قصف الأشرفية وقدم من بعده الرئيس سركيس استقالته أو بالأحرى أعلن عن نيته تقديم استقالته. وتحول العتب شكوكاً في الرئيس سركيس وفي المحيطين به واتهامات بالعجز اكثر مما كانت اتهامات بالتواطؤ، والاتهام بالتواطؤ وجه الى المحيطين به اكثر منه. كانوا يترفقون به والاتهام كان مركزاً على فؤاد بطرس وجوني عبدو. الردع والاوامر صحيح ان الردع كان بإمرة الرئيس سركيس لكن قيل ان الإمرة الفعلية كانت لسورية... - الإمرة في قيادة قوات الردع العربية وهي قيادة فريدة من نوعها، ليست عادية، تستعير استاذ فيزياء من بنغلادش ولكن لا تستطيع ان تستعير جنرالاً من استراليا ليقود الجيش المصري. لذلك أسس الحلفاء في الحرب العالمية الثانية اركاناً مشتركة كان رئيسها ايزنهاور، لم يكن ازينهاور يأمر الجيش، كان البريطاني مونتغومري الذي في الاركان يأمر الجيش البريطاني وان ديغول يأمر الجيش الفرنسي ايزنهاور كان يصدر الأوامر. انا كنت ايزنهاور قوات الردع العربية أبلغ وأنفذ أمر الرئيس سركيس. وأطلب من القيادة العملياتية مثل القيادة السياسية في انكلترا تطلب من القيادة العملياتية الممثلة بايزنهاور ان تقوم بعمل ما. القيادة السياسية تحدد ما تريد، وعلى العسكريين ان يبلوروا الأمر وينفذوه. هكذا عندنا. 30 الف عسكري، 27 ألف من السوريين والبقية من الدول العربية كان ذلك يستوجب قيادة عملياتية فيها ضابط من كل كتيبة وضباط سوريين. عندما تطورت الأمور اصبحت قوات الردع العربية خصماً لفريق من اللبنانيين، هنا بدون شك اصبح عليك ان تراعي هذه القوات ولا تطلب منها أوامر تتنافى مع طبيعة وجودها، لم يعد في امكانك ان تختار. عندما كانت الكتائب العربية، كان بامكانك ان تختار، مثلاً استعنت بالفصيلة السودانية لعمل ما في الشياح. على جسر بيروت اكتفيت بالكتيبة السعودية، في الشويفات الكتيبة اليمنية. كنت اختار للموقع العسكري المناسب. كانت قيادة طريفة من نوعها وقيادة فريدة. إدارية، تنسيقية وشرعية. أنا القائد الشرعي أعطي الأمر ويؤخذ به أعمل البلاغ وأنفذ أوامر القائد الأعلى الذي هو رئيس الجمهورية. هل حصل أن أوامر رئيس الجمهورية لم تنفذ وأن قوات الردع نفذت مهمات لم يأمر بها الرئيس سركيس؟ - الرئيس سركيس لم يعط اي أمر من دون تنسيق. لم نعط أي أمر قبل ان نكون أكيدين ان هذا الأمر سينفذ حتى لا نصل الى هذا الوضع. لم نعط أي أمر لم ينفذ. فالأمر الذي كنا نعرف ان بامكانه ان يعمل اشكالاً لم نكن نصدره، عندما تصدر أمراً الى السوريين أن يضربوا المخيمات الفلسطينية وهم يُقصفون من مدافع في الأشرفية فانهم لن ينفذوه. كنا نصوغ الأمر في شكل آخر ونحصر الهدف بما لا يؤذي الوضع السياسي لهذه القوات. فهي ليست مستأجرة بصورة مطلقة. هذه القوات ما زالت قوات سورية وما زال طريقها مفتوحاً الى دمشق. هي ليست من جنوب افريقيا. هذه القوات مرتبطة بخلفيتها وهي لا تعتبر نفسها في بلد اجنبي خصوصاً ان معها الشرعية العربية واللبنانية. فكان من المفروض ان تراعي الوضع السياسي لهذه القوات وان لا تحرجها. لأنها لن تنفذ وهي محرجة. وعندها الامكانية ان ترفض. تقول يتعذر علينا التنفيذ بسبب نقص في القوى أو في الذخيرة. كنا نعرف أية أوامر هي محرجة وتتنافى مع الحيثية السياسية لهذه القوات وكنا نتحاشى اصدارها. لم يقم الجيش السوري خلال وجوده كردع 6 سنوات بعمل عسكري كبير من دون موافقة قيادة قوات الردع أي من دون موافقتنا. خذ عمليات القصف. لا يمكنك ان تقول لقوات الردع عندما يتعرضون للقصف المدفعي ان لا ترد. تكون أنت خصمهم. والرد على مصادر النيران مع دعوة الى تجنيب المدنيين أمر دائم في كل الجيوش. في 1978 اشتد القصف، بعث الرئيس سركيس وراء القيادة وحضر معنا الاجتماع فؤاد بطرس وجوني عبدو، بيار الجميل وبشير الجميل وداني شمعون. طلب الرئيس سركسي وقف النار "قلنا نحن حاضرون ولكن يا فخامة الرئيس إنك تطلب وقف النار من جيش شرعي، جيش رسمي. والذين يطلقون النار من الميلشيات على الأقل ليلتزموا بوقف النار لأنهم البادئين. عند ذلك نطلب من الجيش ان يوقف النار". اجاب: "نحدد ساعة معينة، الساعة 2.30 لوقف اطلاق النار" اتصلت بالضابط السوري علي أصلان وابلغته بأوامر وقف اطلاق النار الساعة 12.30 فقال: "حاضر". الاخوان الموجودون في الاجتماع بقوا قاعدين لم يقوموا ليبلغوا جماعتهم بوقف النار عندما سألت عن ذلك قال لي الشيخ بيار: "نحن لا نطلق النار". قلت له: "شيخ بيار يوجد 26 شهيداً عند القوات السورية، حتى الآن وأكثر من 80 جريحاً، من يطلق النار عليهم". قال لي: "انهم يقوصون على حالهم". إلتفت نحو الرئيس سركيس وحصلت يومها مشادة بيني وبين بشير الجميل ووجهنا الى بعضنا كلاماً قاسياً. تدخل الرئيس سركيس وحسم الموضوع". هل حصلت اصطدامات عسكرية بين الجيش اللبناني والجيش السوري اثناء قيادتك لقوات الردع؟ - أبداً هذا غير صحيح. الذي حصل كان مع جيش التحرير الفلسطيني وضعه السوريون على خطوط التماس في العاصمة حتى يسحبوا من التداول وحداتهم السورية البحتة. ثم سرحوه في ما بعد وأصبح تابعاً لعرفات. وضعوه على خطوط التماس في غاليري سمعان، هذا الجيش عمل مع الجيش اللبناني لمدة 6 - 7 أشهر حفلات تبادل اطلاق نار. كنت أتدخل. وقتها بدأ الوضع بين سركيس والسوريين يصبح يائساً. على الصعيد السياسي كانت هناك حكومة الرئيس الوزان، طريقة تأليفها ومشروع حكومة لتقي الدين الصلح. خلال حكومة الوزان أين كان الخلاف مع السوريين وكيف استطاع الرئيس سركيس تشكيل الحكومة على رغم عدم رضا السوريين؟ - الرئيس سركيس كان همه مداراة الثقل المسيحي، كان همه ان يدخل الى الحكومة عناصر تفي بالغرض أي العناصر المسيحية المسلحة أي ممثلين لبشير الجميل. السوريون لم يكونوا في هذا الوارد من منطلق ان لا يجوز ان يكون هؤلاء في ذلك الوقت في الحكم. "نحن جيشك، يقتلوننا وأنت تعينهم". ذهبت مرة في ذلك الوقت الى عبدالحليم خدام فقال لي: "إننا منسحبون بلغ الرئيس سركيس ذلك. خلال 48 ساعة نحن منسحبون". كلمة منسحبون تهزك. لن يبقى شيء في البلد، ويقع التقسيم. طبعاً أبلغت الرئيس سركيس وتريث الرئيس سركيس أمام خطوات معينة كان سيتخذها لأن ذلك كان استحقاقاً مهماً. لا يوجد جيش ولا مؤسسات وبلد مقسم "خلقه". لكن الوجود السوري كان سيحافظ على هيكلية الدولة وعلى شرعيتها وهذا الكيان السياسي ما زال موجوداً. حكومة شفيق الوزان لم تحظ بالرضى لأنه في البداية عرضت تركيبات حكومية سابقة مماثلة وهم يعرفون ان هناك حكومات نفسها معاد من تركيبة أعضائها. فاعتبروا ان نفس حكومة الرئيس الوزان لم يكن قريباً بدليل انه مثلاً عبدالرحمن اللبان رحمه الله وسليم الجاهل، ناظم القادري لم يكونوا محسوبين عليهم وكذلك محمود عمار. لماذا قبلوا بها؟ - قبلوا بها لأنهم وضعوا أمام أمر واقع لكنها رجعت جلست وضعها بالوقوف مع سورية في قمة الأردن أي في الامتناع عن حضور القمة في الأردن تضامناً مع سورية التي غابت عنها أيضاً. واعتبروا ذلك وقفة معهم ولم يكونوا يريدون ان يعقدوا الأمر على الرئيس سركيس، اذ على رغم كل شيء كانوا يكنون له وداً حقيقياً على رغم العتب والبعد والحذر. وكانوا يعتبرون انه من الرؤساء الذين يجب ان يدعموا لأنه من طينتهم من الطبقة الحاكمة التي هي من الشعب والناس. لم يرث اقطاعاً سياسياً ولا مالاً ولا وجاهة. عصامي ويعتبرون أنفسهم عصاميين. غضوا النظر عن الحكومة وتعاونوا مع الرئيس الوزان. الحلقة الثالثة الأسبوع المقبل