تروي الوثائق البريطانية التي رُفعت عنها السرية بموجب مرور 30 سنة عليها تفاصيل عن مدى خطورة الأوضاع التي بلغها لبنان عام 1978 مع احتدام «حرب المائة يوم» بين القوات السورية وميليشيات الأحزاب المسيحية وعلى رأسها حزب الكتائب والأحرار. وتنقل عن رئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان تساؤله أمام العاهل الأردني الملك حسين عما إذا كان هناك بلد بعد يُسمّى لبنان، فرد عليه الملك حسين بالقول إنه يُشكك في ذلك. وجاء كلامه هذا في ظل تصعيد غير مسبوق في القتال الذي أدّى إلى تدمير أجزاء واسعة من المناطق التي تسكنها غالبية مسيحية في شرق بيروت. وتكشف الوثائق أن إسرائيل كانت على وشك التدخل مباشرة في الحرب ضد السوريين لكن «القادة الموارنة» لم يكونوا يعرفون بذلك، والا لما وافقوا على وقف النار. وتتحدث الوثائق عن مساعي تشكيل حكومة جديدة في لبنان واستقالة الرئيس إلياس سركيس والتي عاد عنها لاحقاً. كما تكشف الوثائق معلومات عن هجمات استهدفت مسيحيين في منطقة القاع في البقاع وفي منطقة البترون الشمالية قامت بها قوات سورية تتبع إمرة رفعت الأسد. وحصلت تلك الهجمات في أعقاب تورط ميليشيات مسيحية (الكتائب) بقتل نجل الرئيس اللبناني سليمان فرنجية النائب طوني فرنجية وعائلته في بلدة إهدن والتي قام بها عناصر من حزب الكتائب رداً على اعتداءات طالت أنصار هذا الحزب على يد مناصرين لفرنجية (تيار المردة). وفي ما يأتي ملخّص لبعض هذه الوثائق: يكتب السفير البريطاني في بيروت بيتر ويكفيلد في تقرير «خاص» إلى حكومته في لندن بتاريخ 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1978 ملخّصاً لأبرز ما يحصل في لبنان، فيقول: 1- كل النشاط السياسي تقريباً في شأن مشكلة لبنان يحصل في دمشق. الرئيس (سركيس) وبعض وزرائه المسيحيين وقائد الجيش تم اللحاق بهم الآن (إلى دمشق) من قبل كل زعماء الأحزاب الإسلامية اللبنانية تقريباً باستثناء إبراهيم قليلات. تمت مشاهدة (زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر) عرفات مع (الرئيس حافظ) الأسد أيضاً. 2- بينما اللقاء في دمشق يتعلق بمستقبل قوات الردع العربية وتشكيل حكومة سياسية لبنانية جديدة تنال موافقة السوريين، فإن القادة الموارنة يزيلون الركام ويقيّمون نتائج جولة القتال الأخيرة («حرب المائة يوم» في الأشرفية ومناطق أخرى في شرق بيروت). عامل مهم لا بد أنه بدأ يتم فهمه، وكما قيل لنا شكّل بمثابة صدمة لبشير الجميل (القائد العسكري لميليشيات حزب الكتائب ورئيس للجمهورية اغتيل بعد قليل من انتخابه عام 1982)، هو غياب التدخل الإسرائيلي بعد قصف سوري تجاوز في شدته ومدته ما حصل في بداية تموز(يوليو) (تاريخ بدء «حرب المائة يوم». قال داني شمعون (قائد ميليشيا «نمور» حزب الأحرار) لمستشاري أمس انه لم يراهن على حصول تدخل إسرائيلي. لكننا نعرف على رغم ذلك (من خلال المراسلة من تل ابيب - الرقم 441 و442) كم كان الإسرائيليون على وشك أن يتدخلوا مباشرة. إنه لأمر جيّد أن القادة الموارنة لم يكونوا يعرفون ذلك لأن موافقتهم على وقف النار ما كانت لتحصل بهذه السرعة. ليس واضحاً لنا هل كان يعرف السوريون بهذا الخطر (التدخل الإسرائيلي)، ولكن ذلك ربما - كما هو واضح - كان عاملاً في موقفهم من المفاوضات الحالية الجارية في دمشق. ربما كان ذلك سيفيد الرئيس سركيس لو أنه علم بذلك وكان مستعداً كي يستخدمه (في مفاوضاته مع السوريين). 3- نُقل عن الرئيس الأسد في صحف بيروت انه سُئل تعليقه على قرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف النار، فأجاب بأنه سُئل عن ذلك مسبقاً وكان أول من شجع على وقف النار. ولكن السوريين لم يلتزموا به إلى ما بعد مرور 24 ساعة من صدوره. الموارنة، في المقابل، يزعمون انهم أوقفوا اطلاق النار باستثناء الدفاع عن النفس، مباشرة بعد سماعهم بقرار الدعوة إلى وقف النار. عندما أُعلن وقف النار سبقه قصف سوري ختامي بدا فيه وكأن كل قطعة مدفعية من أي عيار يمكن استخدامها قد صوّبت فوهاتها إلى بيروتالشرقية. كان أمراً بلا إحساس. 4- وسيط الأممالمتحدة، سراج الدين خان، من المقرر أن يصل إلى بيروت اليوم. إن وقف النار واهٍ ويحتاج إلى جهود منه (وسيط الأممالمتحدة) ومن غيره لتثبيته. أحدى ضحايا أحداث نهاية الأسبوع، للأسف، هي المبادرة الفرنسية التي تم دفنها فعلياً الآن. ويكفيلد». حكومة لبنانية جديدة في وثيقة أخرى مرسلة من بيروت إلى الحكومة البريطانية بتاريخ 4 تشرين الأول (اكتوبر) 1978، يكتب السفير ويكفيلد في تقرير «خاص» أن رئيس الوزراء اللبناني سليم الحص يرفض الاستقالة على رغم أن الرئيس إلياس سركيس كان قد أعلن أنه يعمل على تشكيل حكومة جديدة على خلفية تداعيات التدمير العنيف الذي تعرّضت له المناطق المسيحية شرق بيروت على يد القوات السورية. ومعلوم أن حكومة الحص وهي الأولى في عهد الرئيس سركيس كانت تضم إضافة إليه كلاً من فريد روفايل، ميشال ضومط، أمين البزري، صلاح سلمان، أسعد رزق، إبرهيم شعيتو وفؤاد بطرس (الأخير كان السياسي الوحيد في حكومة التكنوقراط). وجاء في الوثيقة: «أزمة الحكومة اللبنانية 1- على رغم إعلان الرئيس سركيس في 2 تشرين الأول أنّه يعمل على تشكيل حكومة سياسية لبنانية جديدة، إلا أن حكومة سليم الحص لم تستقل. إضافة إلى ذلك، اعلن الحص أمس أن ليس في نيّته الاستقالة حتى يتم توضيح من سيحل محل حكومته. لديه تأييد من غالبية المسلمين، وموقفه له معنى بلا شك. 2- قال بعضهم إن الفترة الزمنية التي حددها سركيس بعشرة أيام لتطبيق خطته الأمنية مرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة أيضاً. الوزير المسيحي ميشال ضومط اكد لي انه استقال قبل أسبوع، لكن الإعلام لم يُشر سوى إلى أن في نيته الاستقالة. تقول التقارير إن الوزراء المسحييين الثلاثة الآخرين سيستقيلون في 12 تشرين الأول إذا لم يستقل رئيس الحكومة بحلول ذلك التاريخ. 3- من المقرر أن ينعقد مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم ليناقش الخطة الأمنية وعرض فرنسا وساطتها. ويكلفيلد» إجلاء الرعايا البريطانيين وكان تقرير سري من السفارة في بيروت إلى الحكومة البريطانية بتاريخ 4 تشرين الأول، أي في ظل احتدام «حرب المائة يوم»، عرض تفاصيل عملية إخلاء الرعايا البريطانيين من لبنان. وأشار التقرير الذي يحمل عنوان «خطة طوارئ للبنان» إلى «تدهور كبير في الوضع الأمني خلال الأيام الماضية»، وخلص إلى أن «من الضروري نصح البريطانيين الذين لا ضرورة لبقائهم في لبنان بأن يغادروا مع عائلاتهم وأولادهم». وعرض التقرير لتفاصيل خطة طارئة لتنفيذ عملية الإجلاء من خلال المطار الذي لفت إلى أنه غير آمن إذ يمكن أن يتعرض للقصف، او برّاً عبر طريق الشام إلى سورية. كالاهان والملك حسين ويعرض تقرير سري لرئاسة الحكومة البريطانية ملخصاً لمحادثات أجريت بين رئيس الوزراء جيمس كالاهان والملك حسين في 10 داونينغ ستريت بتاريخ 13 أيلول (سبتمبر) 1978 الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر. ولا يتناول الملخّص سوى الجزء المتعلق بلبنان في المحادثات (بقية المحادثات سترد بلا شك في تقارير أخرى خاصة بالدول أو المواضيع التي تم عرضها أيضاً):br / «لبنان سأل رئيس الوزراء (كالاهان) هل يمكن أن يُقال أن هناك بلداً ما زال يُسمّى لبنان. قال الملك حسين إنه يشكك في ذلك. كان واضحاً أن الإسرائيليين متورطون في شكل فعلي في دعم المسيحيين في جنوب لبنان. الوضع لم يكن له تداعيات مباشرة على الأردن ولكن كان واضحاً انه يؤثر في الموضوع الفلسطيني وفي موقف سورية. وافق الدكتور أوين (وزير الخارجية ديفيد أوين) على انه اذا كانت مفاوضات كامب ديفيد (بين مصر وإسرائيل) يمكن أن تفشل فإن سورية يمكن أن تواجه إغراء بالرد في لبنان (بهدف إفشال المفاوضات). قال الشريف عبدالحميد (شرف) إن السوريين اعتبروا المحاثات التي أجريت في فيينا بين كرايسكي (المستشار النمسوي برونو كرايسكي – من 1970 إلى 1983) وبرانت (المستشار الألماني السابق فيللي برانت – من 1969 إلى 1974) والرئيس الأسد بأنها تراجع إلى الوراء (retrogression). قال الدكتور أوين إن الرئيس السادات قدّم مساهمة كبيرة نحو إيجاد موقف مؤيد للموقف العربي في الدول الغربية - وإن هذا في حد ذاته انجاز مهم. انتهت المحادثات الساعة 1755». الدور الإسرائيلي ولعل من بين أهم الوثائق التي رُفعت عنها السرية في خصوص الأزمة اللبنانية تلك المتعلقة بالدور الذي كان يلعبه الإسرائيليون آنذاك. إذ يكتب السفير البريطاني في تل أبيب تقريراً سرياً يكشف فيه جانباً عما تبلّغه من الإسرائيليين عن علاقتهم بالميليشيات المسيحية وموقف الحكومة العبرية من الحرب التي كانت تشنها آنذاك القوات السورية ضد المناطق الشرقية في «حرب المائة يوم». كاتب التقرير هو «نيونغتون» أي مايكل نيونغتون القائم بالأعمال في سفارة بريطانيا في تل أبيب (السفير آنذاك كان توماس أنتوني كيث إيليوت)، وهو عبارة عن ملخص اجتماعه مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي موردخاي تسيبوري (من تكتل ليكود والذي شغل منصب وزير الاتصالات بعد انتخابات العام 1981). ويكشف التقرير ملامح حصول مواجهة سورية - إسرائيلية على الأرض اللبنانية، لكنه يكشف أيضاً أن الإسرائيليين كانوا سيتقبلون سيطرة القوات السورية على مناطق المسيحيين في شمال لبنان لأن الخلاصة التي توصلوا إليها هي أنه لن يمكنهم تغيير هذه النتيجة إذا قررت دمشق اجتياح المناطق الشرقية والوصول إلى مرفأ جونيه في كسروان الذي كانت تصل منه إمدادات السلاح إلى الميليشيات المسيحية من الدولة العبرية. جاء في التقرير الذي يحمل تاريخ 4 أيلول 1978: 1- تكلمت، كما طُلب مني، مع تسيبوري، نائب وزير الدفاع، في 3 أيلول 2- قال تسيبوري إنه سعيد بسماعه أننا نحض السوريين على ضبط النفس. إن عملياتهم في شمال لبنان خلال الأسبوعين الأخيرين قدّمت دليلاً كافياً - إذا كان هناك من حاجة إلى دليل - على أن السوريين يحاولون الهيمنة كلياً على لبنان، وإنهم مستعدون أن يسحقوا أيّاً كان يحاول الوقوف في طريقهم. لم ينف أنه كانت هناك حالات استفزاز للسوريين من قبل عناصر مارونية، لكنه قال إنه غير صحيح بتاتاً أن إسرائيل شجّعت على مثل هذه التصرفات. كرر أكثر من مرة أنه في خلال محادثاتهم مع القادة الموارنة كان الإسرائيليون يحضونهم على إبداء الاعتدال و(يؤكدون) الحاجة إلى تفادي اشتباكات غير ضرورية مع السوريين. ولكن لم يكن الموارنة دائماً هم من يفتعل المشاكل. كانت هناك حالات عديدة لأعمال مشينة قام بها الجنود السوريون إلى الحد الذي باتت فيه الحكومة السورية نفسها قلقلة من تصرفاتهم هذه. 3- قال تسيبوري إن «الموقف الرسمي» للحكومة الإسرائيلية ينص على الآتي: «ليس لدى اسرائيل الرغبة في التدخل. ولكن على السوريين أن يعرفوا أنّهم إذا تحركوا لتدمير المقاومة المارونية فإن على إسرائيل أن تدرس خطوات يمكنها أن تلجأ اليها. في الوقت ذاته، ليس هناك أي شك في أن اسرائيل ستوقف شحنات السلاح. طلب الموارنة من إسرائيل أسلحة للدفاع عن أنفسهم. ردت إسرائيل على هذا الطلب في شكل معتدل وهي ستواصل فعل ذلك. ولكن على السوريين أن يعرفوا أنهم إذا قاموا بخطوة حقيقية نحو تهدئة الأوضاع (في لبنان) فإن اسرائيل ستقدم على خطوة مماثلة. 4- بعد أن قرأ «الموقف الرسمي»، لمّح تسيبوري إلى أنه و(وزير الدفاع آنذاك عازر) وايزمان كانا ميّالين إلى أخذ موقف حذر أكثر من زملائهما (في حكومة مناحيم بيغن). كرر مرات عدة أن موقف إسرائيل إزاء الأوضاع في الشمال (أي لبنان) مدفوع أساساً من ناحية إنسانية (فليس هناك من يهودي يتذكر المحرقة ويمكنه أن يدير أذناً صماء إلى مناشدات المسيحيين لمساعدتهم). ولكن بالطبع الأحداث في الشمال لها أهمية استراتيجية بعيدة المدى لإسرائيل التي عليها ان تأخذ ذلك في الحسبان، ولكن في جنوب لبنان فإن مصلحة اسرائيل واضحة حيث هي متورطة في شكل جلي (في إشارة إلى دعم إسرائيل «جيش لبنان الحر» بقيادة الرائد سعد حداد بعد عملية الليطاني في 1978). دان تسيبوري المواقف الصاخبة التي صدرت عن أرينز (موشيه أرينز رئيس لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست) وآلون (ربما يقصد ييغال آلون الذي كان وزيراً سابقاً للخارجية بين 1974 و1977) من ضمن آخرين، ولهذا السبب أصدر هو بياناً حذراً. إسرائيل لا تسعى إلى قتال مع سورية، وستواصل العمل بضبط النفس. هو يأمل بأن يفعل السوريون ذلك أيضاً. لقد احتلوا (أي السوريين) حتى الآن 20 قرية، وهناك مؤشرات إلى أنهم يخططون للذهاب إلى جونيه، ربما لقطع الميليشيات المارونية عن مصادر إمدادها. 5- شكك تسيبوري في احتمال أن يقيم السوريون أي حوار سياسي مع الزعماء المعتدلين المسيحيين. الموارنة، بالطبع، منقسمون على أنفسهم في شكل ميؤوس منه، وانطباعه أن سياسة السوريين هي استغلال انقساماتهم لمصلحة سورية. 6- يجب أن تعرفوا انه بحسب السفارة الأميركية فقد أرسل السوريون في 1 أيلول 22 طائرة ميغ، رداً على ما يبدو انه طيران استطلاعي اسرائيلي (فوق لبنان). عندما سألت تسيبوري عن خطر حصول مواجة جوية، هز بكتفيه قائلاً إن الأمر يعود إلى السوريين. 7- تعليق: اعتقد أن تسيبوري كان يحاول الإيحاء (الفقرة الرابعة أعلاه) بأن اسرائيل في آخر المطاف يمكن أن تذعن لسيطرة سورية كاملة على الشمال - ربما لأن جيش الدفاع الإسرائيلي توصل إلى الخلاصة المنطقية بأن إرسال جنود على الأرض (لمنع السيطرة السورية) لن يكون مقبولاً لا عملانياً ولا سياسياً. لكنني أبقى من اصحاب الرأي القائل بأن السوريين إذا دفعوا بشدة، فإن إسرائيل ستشعر بأنها مرغمة على استخدام سلاحها الجوي، على رغم أن ذلك ربما لن يكون كافياً لتغيير النتيجة». موقف بريطاني ضد تقسيم لبنان وفي تقرير بعث به السفير البريطاني في دمشق البرت جيمس ماكوين كريغ بتاريخ 2 أيلول 1978، تحدث السفير عن لقاء جمعه بوزير الخارجية السوري عبدالحليم خدّام الذي كان عائداً من موسكو، وكيف أن المسؤول السوري شكك في أن بريطانيا تؤيد فعلاً وحدة لبنان وكيف أنه تحدث مطولاً ضد موضوع تقسيم لبنان. نصح السفير كريغ حكومة بلاده بإصدار موقف توضح فيه أنها «ضد التقسيم». لقاء مع بيغن وفي تقرير بعث به السفير في بيروت بيتر ويكفيلد بتاريخ 1 أيلول 1978 ملخّص لما سمعه مع وزير الخارجية اللبناني آنذاك فؤاد بطرس عن تطورات الوضع في لبنان. وجاء في التقرير: 1 – (هذا) ملخص للقاء مع فؤاد بطرس نفى فيه الوزير أن هناك أدلة على أن السوريين على وشك شن هجوم واسع على الميليشيات المارونية. قال إن عملية البترون كانت رداً على هجوم شنته القوات السورية. فقد كان قتلُ الشبان في بشري في منطقة الأرز حادثا مأسوياً قامت به قوات رفعت الأسد تحت قيادة الرائد ... لقد حضر بطرس للتو اجتماعاً للرئيس (سركيس) مع الجنرال أصلان قائد القوات السورية في لبنان. أمر أصلان الرائد ... وقواته بالعودة إلى البقاع، ولم يعط أي مؤشر إلى نية السوريين شن عملية واسعة النطاق على الميليشيات (المسيحية). وافق بطرس معي على أن السوريين سيكونون في حاجة إلى استقدام مزيد من القوات إذا أرادوا دخول مناطق العمق الماروني. لكنه لم يستبعد أن يشن الرئيس السابق (سليمان) فرنجية هجوماً بالتعاون مع رفعت الأسد. لكنه أعرب عن أمله بأن الأخير سيُظهر حذراً بعد الضجة التي حدثت نتيجة سوء ممارسات سلطاته في منطقة الأرز. 2- قال بطرس إنه بات مقتنعاً الآن أن الرئيس السابق كميل شمعون هو الشخصية اللبنانية التي قابلت فعلاً (مناحيم) بيغن ووزرائه قبل أسبوع. قلت له إننا توصلنا إلى هذه القناعة أيضاً قبل أيام. اتفقت معه على أن الإسرائيليين يبدو أنهم اعطوا شمعون «تعليمات» بتفادي القيام باستفزازت قبل (توقيع اتفاقات) كامب ديفيد. على رغم أن لديّ تقارير تقول إن الإسرائيليين سيتعاونون مع المسيحييين ضد السوريين بعد كامب ديفيد، إلا أنني توافقت معه (بطرس) على أن الإسرائيليين سيطلبون من شمعون أن يتشاور معهم مجدداً في ضوء نتائج محادثات كامب ديفيد. 3- قال بطرس إنه حاول في لقائه الأخير مع الأسد وخدام أن يُقنع السوريين بالتوصل إلى حل سياسي وليس عسكرياً مع الموارنة. قال إنه كان صعباً اقناعهما وإنهما يعتبران أن جميع الأعضاء في الحزبين المارونيين (يقصد الكتائب والأحرار) تم تشويههم بالفرشاة الإسرائيلية. كان صعباً عليهما اعتبار أن هناك معتدلين بينهم، واعتبرا أن الدعوة إليهم لكي يوقفوا العمل العسكري ويحلّوا الأمر سياسياً «خدعة». في المناسبة، قال بطرس إن الأسد لم يُظهر أي مؤشر إلى أنه مريض مرضاً خطيراً، فقد كان هادئاً ومتماسكاً، لكنه قال إنه (الأسد) يحاول أن يُصبح سليماً صحياً في شكل أفضل من خلال ممارسة التمارين وتخفيض وزنه». معلومات أميركية وفي 1 ايلول بعث مايكل نيونغون القائم بالأعمال البريطاني في تل أبيب بتقرير «خاص» إلى حكومته تضمن معلومات عن سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الأزمة اللبنانية. وجاء في رسالة المسؤول البريطاني: 1- في 31 آب (أغسطس) قال لنا المستشار السياسي الأميركي (الرجاء حماية هويته) الرواية الآتية لخلفية الموقف الأميركي الأخير. 2- التحرك الأميركي يعتمد على دليل واضح وقوي بحصول تغيير في النيات السورية على الأرض في شمال لبنان: أ - للمرة الأولى يستولي السوريون على القرى المارونية في الشمال الذي لم يكن مشاركاً في جولات القتال السابقة (...) خلال يومين تمت السيطرة على أكثر من عشر قرى (في الشمال) ب - القرى المعنية لم تكن مرتبطة ارتباطاً قوياً بالكتائب. لم تكن تضم عناصر مسلحة فاعلة. لم يكن لذلك علاقة بالقتال الجاري في بيروت. ج - هذه المرة الأولى التي يتم اعتراض طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بطائرت «ميغ» السورية. حصل هذا كل يوم من الأيام الخمسة الماضية بما في ذلك يوم 30 آب . علّق (موشيه) دايان للقائم بالأعمال الأميركي في 31 آب بالقول إن سلاح الجو الإسرائيلي لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ذلك لفترة طويلة و «سنلقّنهم درساً». 3- التدخل الأميركي لدى السوريين تم على شكل رسالة من السيد فانس (وزير الخارجية) إلى الرئيس الأسد طُلب من السفير الأميركي نقلها في 31 آب. تطلب الرسالة من السوريين أن يوقفوا النار في شكل أحادي وأن يوقفوا المواجهات في بيروت والشمال. أعرب (مناحيم) بيغن عن سعادته بالتحرك الأميركي ووعد بأن لا يتم تسريب ذلك من خلال المصادر الإسرائيلية. (ملاحظة: لم يتم بعد تسريب ذلك. قال بيغن إنه تحت ضغط كبير كي يرسل مساعدات للمسيحيين اللبنانيين، لكن لا رغبة لديه في التصعيد بهذا الشكل. قال: «من السهل إرسال العسكريين، لكن من الصعب جداً إعادتهم»). 4- ملاحظة: رد الفعل الإسرائيلي الأوّلي إزاء مد سورية عملياتها إلى القرى الشمالية كان على شكل إنذار خشية أن يكون ذلك مقدمة لمحاولة جدّية لسحق الميليشيات (المسيحية) ... الإسرائيليون أكثر ارتياحاً الآن. مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية قال لي إن السوريين يقطعون الآن جزءاً آخر من قطعة النقانق (سلامي): يبدو أنهم تلقّوا وفهموا أن اسرائيل لن تسمح لهم بأن يقضموا قطعة السلامي كلها. ... 5- إن الخوف من الاعتراض السوري لن يؤدي بالتأكيد إلى وقف الطلعات الاستطلاعية الإسرائيلية. ردهم سيكون على الأرجح إرسال مرافقة معززة في شكل أكبر لطائرات الاستطلاع وإلقاء العاتق على السوريين للمبادرة بإطلاق الطلقة الأولى. لذلك فإن هناك من الواضح خطر حصول اشتباك جوي». سحق الميليشيات المارونية وفي تقرير سري بعث به السفير في بيروت ويكفيلد بتاريخ 25 آب 1978 تحدث فيه عن تطورات الهجوم السوري على المناطق الشرقية. وجاء في التقرير: «لبنان: 1- لقد تناولت كوب شاي كئيباً مع الرئيس سركيس أمس. لقد طرح عليّ جملة اسئلة صعبة مثل: أ – هل أعتقد أن السوريين يمكنهم سحق الميليشيات المارونية؟ ب – ما هي البدائل لمثل هذه المحاولة من السوريين؟ 2- قلت له إن ذلك يتطلب إجراء تقويم عسكري - سياسي بالغ الصعوبة. لكن تكهني هو أن السوريين لن يمكنهم سحق المقاومة كلياً قبل أن تتدخل إسرائيل ويتدخل الرأي العام العالمي. أعربت عن اعتقادي انه يجب بذل كل الجهود من أجل التوصل إلى حل سياسي مع المسيحيين المعتدلين. هذا الأمر ليس سهلا لأن المتشددين من قادة الميليشيات المسيحية كانوا يهددون بقطع الدعم عن مثل هؤلاء القادة المعتدلين مثل أمين الجميل وداني شمعون». وبعث ويكفيلد بتقرير خاص آخر في الشهر ذاته إلى حكومته عن أحداث أمنية متفرقة شهدها لبنان في آب وبينها: - هناك تقرير عن غارة إسرائيلية على منطقة بين الزهراني والنبطية. - حصل قتال فلسطيني - فلسطيني عنيف جداً في مخيم البداوي، هو الأسوأ منذ القتال بين فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في صور وصيدا والنبطية الشهر الماضي. حصل إطلاق نار (أيضاً) في مخيم صبرا. نتوقع استمرار المواجهات بين المعتدلين وجبهة الرفض المؤيدة للعراق في بيروت. - قال لي الملحق الأميركي الذي حل محل الكولونيل بادولاتا أمس إن الإسرائيليين تعهدوا لنا بأنهم لن يزوّدوا الميليشيات المارونية في بيروت بالدبابات وإن المساعدات إلى شمال لبنان لم تتضمن مدفعية. قال لي إن وزارة الدفاع اللبنانية أبلغته أمس بأنها أرسلت إلى سعد حداد رسالة تبلغه فيها بإعفائه من المسؤولية عن الجنود اللبنانيين الذين يخدمون في ميليشياته». كذلك بعث ويكفيلد بتقرير آخر في ذلك الشهر عن عزم الرئيس سركيس الاستقالة. وجاء في التقرير: 1- كما قلت في الاتصال مع تومكيس (المسؤول عن قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية «ميناد») فقد بات معروفاً اليوم أن الرئيس (سركيس) يعتزم الاستقالة. لقد حضّته الحكومة وقادة آحرون على البقاء في منصبه. السفير الأميركي باركر - الذي كان لديه موعد مع الرئيس خلال النهار - حضّه ايضاً على اعادة النظر في قراره. الموقف حتى هذه اللحظة هو أن الرئيس ينوي الاستقالة، لكنه لن يفعل ذلك فوراً، ما دامت هناك فرصة لإيجاد حل للمشاكل الراهنة. 2- تكلمت، كما طُلب مني، مع الرئيس (اللبناني) وعبّرت له عن تعاطفي معه ازاء الوضع الذي هو فيه وحضّضته على أن لا يتصرف بتسرع. قال الرئيس إن ليس بطبعه أن يأخذ قرارات متسرّعة». غداً حلقة رابعة