منذ توقيع "وثيقة العهد والاتفاق" دخلت الأزمة السياسية مرحلة جديدة، بدت تاريخية أكثر منها سياسية، نظراً الى كونها بدأت مشدودة الى المرحلة الماضية، أكثر من انفراجها على مستقبل مرحلة جديدة. وظهر الخلاف والاختلاف لتعطيل الحوار وتأجيل البتّ في المسائل المطروحة، خصوصاً أن غالبية الأطراف قدمت مبررات للانصراف عن الحوار الى ما بعد عيد الفطر، فيما قال قيادي في المعارضة ل "الوسط" "ان أكثر التعقيدات، صادر عن توتر عصبي وظروف نفسية. لذلك فان التخلص من هذه الظروف الذاتية يساعد على تطبيع الظروف الموضوعية بكل ما فيها من خلافات وتعقيدات". وفي الوقت نفسه لاحت بوادر تحركات شعبية بدءاً بالاعتصام، مطالبة بسرعة تنفيذ الوثيقة وابعاد شبح خطر الانفصال والاقتتال. عوائق الخطوة الأولى وانسحب الخلاف أو الاختلاف، كما يفضل بعض المتحاورين ان يسميه، على أبرز الخطوات الاولى لعملية تنفيذ الوثيقة. وعلى رغم اختلاط وتداخل مواضيع الاختلاف، سواء بين طرفي الخلاف الرئيسيين، أو بين احزاب الائتلاف ولجنة الحوار أو بين اعضاء لجنة الحوار انفسهم، فان الاختلاف في معظمه يتركز في جانبين عامين هما: الرسمي ممثلاً في هيئات الدولة، والسياسي ممثلاً في أطراف لجنة الحوار. وتتفق كل الأطراف السياسية، بما فيها أحزاب الائتلاف، على ان هيئات الدولة المشكلّة من الأحزاب المؤتلفة، هي المسؤولة عن عملية التنفيذ، بوصف هذا الأمر من أبرز اسس الوثيقة. الا ان هذا الاتفاق لم يعصم أحزاب الائتلاف الثلاثة من الاختلاف على خطوات التنفيذ، بدءاً من التئام هيئات الدولة، وبالذات مجلس الوزراء الذي تنطلق منه أولى الخطوات ويتحمل معظم أعبائها. ويتركز الاختلاف، في أين ومتى يجتمع مجلس الوزراء؟ فالاشتراكي، امتداداً لموقفه السابق، يصرّ على أن يتم اجتماع مجلس الوزراء في عدن، متمسكاً بالمبرر الأمني نفسه من ناحية، ومن ناحية أخرى بطرحه الذي يؤيده فيه معظم اعضاء لجنة الحوار، من غير الائتلاف، وهو تحويل مدينة عدن الى عاصمة شتوية. وكان قياديون من لجنة الحوار أبلغوا "الوسط" موافقة المؤتمر الشعبي العام على الاجتماع في عدن، الا انه عاد فطرح رأياً آخر يبدو منه انه رد على اصرار الاشتراكي اكثر منه رفضاً للاجتماع في عدن. وخلاصة ما طرحه المؤتمر ان الحالة الامنية ليست مبرراً لانها طبيعية في صنعاء كما هي في عدن. وأكد رأيه بأن معظم وزراء الاشتراكي في الحكومة موجودون في صنعاء حيث يمارسون أعمالهم بشكل طبيعي حتى الآن، الى جانب أن الهيئات القيادية للدولة هي في صنعاء. المكان ليس مشكلة لكن هل يؤدي تعارض الرأيين الى افشال اجتماع مجلس الوزراء قريباً؟ ثم ما مدى تمسك كل طرف برأيه؟ يقول الدكتور حسن مكي النائب الأول رئيس الوزراء المؤتمر: "ليست القضية" ان احداً يدعو أحداً الى الاجتماع، لكن يجب ان يدعونا جميعاً واجب العمل في الحكومة. اما المكان فصنعاءوعدن، وأي مدينة يمنية اخرى كلها بلادنا ويمكن ان نجتمع في أي منها. وليس المكان مشكلة على الاطلاق". وأضاف في حديثه الى "الوسط": "هناك وثيقة وثيقة العهد والاتفاق يفترض أن نسترشد بها، وكلنا نتفق على ما جاء فيها عن هذا الموضوع لأنه نص صريح". وقال ان على الجميع ان يجنبوا الحكومة أية مسائل خلافية، "لأننا فيها هيئة تنفيذية قبل أي صفة اخرى. كما علينا ان لا نتدخل في المسائل السياسية الخلافية، وندعها للقادة لأن الحكومة هنا حكومة ائتلاف وليست حكومة حزب واحد". وبالنسبة الى لجنة الحوار بدأ الخلاف يهدد وحدة القرار في داخلها، وقال اعضاء في اللجنة ل "الوسط" ان ما حدث ينحصر أهمه، في الآتي: - ان اجتماعاتها الأخيرة في عدن انفضت من دون احراز تقدم في ما يتعلق ببرنامج عملها للفترة المقبلة. - اعلان كل من العميد مجاهد أبو شوارب والشيخ سنان أبو لحوم عضوا اللجنة، ان الوضع يسير الى الانفصال، مسبوقاً باقتتال محتمل، شكّل موقفاً مستقلاً عن اللجنة وبمثابة اعلان عن انسحابهما منها. تطورات متوقعة ومع ان لجنة الحوار حاولت عقد اجتماع لها في صنعاء وستواصل اجتماعاتها بعد اجازة عيد الفطر، وان اللجنة العسكرية المشتركة من اليمنيين والأردنيين والعمانيين والملحقين العسكريين الاميركي والفرنسي تمارس مهمتها وان كان ببطء وحذر، الا ان الاجواء توحي بتطورات على صعيد تنفيذ الوثيقة. وتتوقع اوساط سياسية ادخال تعديلات على أعضاء لجنة الحوار. وتتوقع مصادر من اللجنة، ان باضافة عدد من الشخصيات والقوى السياسية والاكاديميين في اللجان الفرعية لمواكبة مهمات اللجنة في المتابعة والاشراف على عملية التنفيذ، كذلك اضافة عسكريين الى اللجنة العسكرية المشتركة، لتتمكن من تغطية المهمات الميدانية عن طريق اللجان الفرعية، وتوسيع المشاركة العربية المباشرة في تهدئة الخلاف. وظهرت بوضوح بوادر الدفع بالتحركات الشعبية للاحتجاج على مخاطر الوضع العسكري والتصعيد الاعلامي، والمطالبة بالغائها والعمل السريع لتنفيذ الوثيقة. وتمثلت هذه المبادرات في اعلان الاعتصام الموقت والمفتوح والمستمر، بدأها طلاب في كلية العلوم في جامعة صنعاء وتبعهم زملاؤهم في كلية الطب في جامعة عدن. ثم نقابة الاطباء في تعز. وينتظر ان تتكثف مبادرات الاعتصام في فترات الاعتصام وعدد المعتصمين. وتضمنت اعلانات الاعتصامات المطالبة بسحب القوات عن خطوط المواجهة الى مواقعها السابقة، وانهاء التصعيد الاعلامي والاسراع بتنفيذ وثيقة الوفاق، ودعوة القادة العسكريين الى عدم الانجرار في الصراع السياسي. وفي الوقت الذي لم يعلن المؤتمر الشعبي العام معارضته لمبادرات الاعتصام، الا انه كما يبدو لا يريدها "لما يقترن بها من محاذير تخرجها عن اطار الممارسة المشروعة وعن اهدافها..."، كما قال ل "الوسط" قيادي في المؤتمر، بينما يظهر الحزب الاشتراكي مؤيداً، بل ومحرضاً عليها معتبراً انها "الأسلوب الذي يعبر به الشعب عن رأيه في الدفاع عن الوحدة والديموقراطية وابعاد شبح العنف، والدفع بالوثيقة نحو التنفيذ..."، حسب مصادره. كما يرى الاشتراكي ان هذه الأهداف، لن تتحقق من دون تحرك شعبي يستطيع الضغط على احزاب الائتلاف. وكان الأمين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض دعا المواطنين الى ممارسة كل وسائل الضغط على احزاب الائتلاف لتنفيذ الوثيقة والحيلولة دون انفجار عسكري، بما في ذلك الاضرابات والتظاهرات والاعتصام، وحتى العصيان المدني، اذا لم تستجب احزاب السلطة لمطالبهم. واخيراً فان التوقعات باخفاق حكومة الائتلاف في تنفيذ الخطوات الأولى من الوثيقة في ظل هذه الظروف أصبحت راجحة لمصلحة البدء في الاختلاف على تشكيل حكومة جديدة. كما ان مجلس النواب أصبح مرشحاً لانفجار الخلاف في داخله، اعتباراً من دورته المقبلة في حوالي 20 من الشهر الجاري، لانه مطالب بتحديد موقفه من وثيقة الوفاق.