تحولت قضية "الغالبية" في مناقشات مجلس النواب والحكومة الى اكثر نقاط الخلاف أهمية، اذ يرى المؤتمر الشعبي العام ومعه التجمع اليمني للاصلاح ان الغالبية تمثل مبدءاً ديموقراطياً وأساساً دستورياً لا يمكن الغاؤه، بينما يقر بها الاشتراكي من حيث المبدأ، الا انه يعتبر ان هناك ظروفاً وأولويات لا بد من أخذها في الاعتبار لتحقيق الوفاق، بحيث يؤخذ بالغالبية في الترجيح بين رأي وآخر، لا ان تُستخدم لفرض الرأي والغاء الرأي الآخر. وهناك عناصر قيادية في المؤتمر الشعبي بدأت تصرّح برأيها بصفة غير رسمية بأن "على المؤتمر ان يتجاوز قناعاته بمبدأ الغالبية الى حل وسط، طالما ان هذا المبدأ يتعارض مع مبدأ تحقيق الوفاق الوطني وحل الأزمة". وتبرر هذه القيادات رأيها بأن "التنازل عن مبدأ الغالبية لمصلحة الوفاق الوطني، ربما اصبح ضرورة وطنية"، حسب ما قالته هذه المصادر لپ"الوسط". ويبدو من فحوى الحوار الدائر في اوساط المؤتمر ان هذه الفكرة بدأت تتبلور الى رأي، وربما الى خيار مطروح للحوار داخل الهيئات القيادية للمؤتمر. لكن كيف يكون الحل الوسط لمسألة الغالبية؟ يقول مسؤول مختص قانوني مقرب من مصدر القرار في قيادة المؤتمر: "من الصعب تحقيق الحل الوسط" بنص قانوني، لكن ذلك ممكن عن طريق التشاور المستمر بين احزاب الائتلاف، بين قيادتها من جهة، وبين كتلها في البرلمان، من جهة أخرى، بحيث يتم الاتفاق سلفاً على الخيارات الممكنة لأية قضية قبل طرحها للتصويت واتخاذ القرار في شأنها، سواء في مجلس النواب او في هيئات الدولة الأخرى". ويبدو ان الحزب الاشتراكي، سيوافق على حل في هذا الاطار، لكنه ربما اشترط وجود ضمانة تتمثل في صيغة يوقع عليها قادة الائتلاف، لتصبح اتفاقاً ملزماً للجميع. تعدد المبادرات واللافت في حركة الحوارات الدائرة كثرة المبادرات واتساع دائرة المناقشات وتعدد اطرافها وتقارب وجهات النظر حول خطوطها العامة، اضافة الى بروز اهتمام دولي بالأزمة وطرق معالجتها. ويمكن استعراض هذه التطورات في ثلاثة ملامح: اولها: تعدد المبادرات الخاصة باقتراحات لأسلوب الحوار وأطرافه، ومنها آخر ما طرحه المؤتمر الشعبي وتمثل في ثلاثة خيارات لهيئات الحوار بين اطراف الائتلاف، هي: 1 - اجتماع مشترك لمجلسي الرئاسة والوزراء، يناقش النقاط الثلاث المقدمة من الاشتراكي، 18 نقطة، ومن المؤتمر، 19 نقطة، ومن التكتل الوطني للمعارضة، 16 نقطة، ويحدد آلية وبرنامجاً زمنياً لتنفيذها. 2 - اجتماع مشترك للهيئتين القياديتين ، للاشتراكي المكتب السياسي والمؤتمر اللجنة العامة، برئاسة امينيهما العامين، وحضور الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، رئيس حزب الاصلاح، يقر صيغة لتنفيذ القوائم الثلاث يوقع عليها زعماء الائتلاف الثلاثة. 3 - تقديم النقاط بقوائمها الثلاث الى مجلس النواب ليقر ما يراه في شأنها. ودعت قيادات من التكتل الوطني للمعارضة الى مناقشة هذه النقاط في اجتماع يضم كل الاحزاب والقوى والشخصيات السياسية والوطنية. كما ظهر تجمع تشكل أخيراً، من اكثر من 60 عضواً، من شخصيات حزبية ومستقلة أطلق عليه "اتحاد القوى الوطنية"، برئاسة الشيخ سنان ابو لحوم، دعا الى مناقشة الأزمة على المستوى الشعبي، بعيداً عن المؤثرات والضغوط الحزبية والسياسية. ودعا تجمع تشكل أخيراً ايضاً، باسم "التجمع الاكاديمي الديموقراطي" الى وضع برنامج تنفيذي لكل النقاط المطروحة، يساهم في وضعه ممثلون عن كل القوى السياسية والنقابية والشعبية. وشكل هذا التجمع عدد من الباحثين والاساتذة. ثانيها: يلاحظ في هذه المبادرات انها لم تعد نقاطاً للحوار والوفاق بين طرفي الخلاف، بل تطورت الى اقتراحات تهتم بأسلوب الحوار وأطرافه وخطواته، وأنها تتفق في معظمها، على قوائم النقاط الثلاث. وأضاف بعضها الاندية الرياضية، كما تبدو المبادرات في مجموعها وأبعادها كدليل الى التردد والحيرة تجاه الأزمة اكثر من أي شيء آخر، ويؤكد هذا تعددها ودورانها حول مضمون واحد تقريباً، وأن أيّاً منها لم يدخل بعد الى منطقة الحوار الفعلي. اهتمام دولي وثالثها: الاهتمام الدولي بحل الأزمة الذي ظهر في الفترة الأخيرة، بدءاً بتصريح الناطق الرسمي باسم الخارجية الاميركية في 11 الشهر الجاري، ثم ما تلاه من تصريحات مماثلة عن وزارات الخارجية في كل من روسيا وفرنسا والمانيا، تؤكد في مجموعها ضرورة الحفاظ على الوحدة والديموقراطية، وأن حل الأزمة يجب ان يكون من الداخل وأن تساهم فيه كل القوى السياسية والمنظمات الشعبية، ويرتكز على الحوار والتفاهم. وكانت مارغريت دين، مديرة ادارة الجزيرة العربية في وزارة الخارجية الاميركية، التقت اثناء زيارتها الأخيرة لليمن، قيادات من احزاب الائتلاف وناقشت مع كل منهم تطورات الأزمة. وعلمت "الوسط" ان المبعوثة الاميركية ركزت على ان حل الازمة يجب ان يكون من الداخل عن طريق الحوار بين كل الاطراف. ويظل اهتمام الادارة الاميركية بالازمة اليمنية متميزاً، سواء من حيث متابعتها المستمرة لتطوراتها او في اتصالاتها المباشرة بالقادة اليمنيين. وكان الرئيس علي عبدالله صالح تسلم رسالة من الادارة الاميركية، اثناء استقباله للسفير الاميركي في صنعاء، أرثر هيوز في 02 من الشهر الجاري تضمنت التعبير عن "قلق الادارة الاميركية من استمرار الخلافات السياسية، وأثرها السيىء على الاستقرار في اليمن…". وأكدت الرسالة الوحدة والديموقراطية واصلاح الوضع الاقتصادي، مشيرة الى ان فشل الوحدة والديموقراطية في اليمن لو حدث، سيكون له اثر سلبي كبير، على اليمن خصوصاً. ويظهر من عناصر هذا الاهتمام ان الادارة الاميركية، تجذر الأزمة في سببين أساسيين، الاول هو التناقض بين نظامين سابقين لم تستطع دولة الوحدة استيعابهما في نظام موحد، ولا ان تتخلص من انعكاساتهما السلبية. والثاني هو الأزمة الاقتصادية الناتجة عن عوامل سابقة للوحدة وطارئة عليها. لذلك يرى المسؤولون الاميركيون ان معالجة الازمة تبدأ من هذين السببين. مشاركة عربية وكما كان الاهتمام العربي مرافقاً للأزمة منذ بدايتها الأولى، فانه وصل الى مستوى المشاركة الفاعلة في المعالجة والبحث عن حلول، سواء عن طريق الوساطات بين طرفي الخلاف التي بدأتها عُمان والاردن، او بالاتصالات والمشاورات الدائرة حالياً بين صنعاء وعواصم عربية من ابرزها، الى جانب مسقطوعمان، القاهرة ودمشق اللتان سلّم فيهما وزير الخارجية اليمني السيد محمد سالم باسندوة، رسالتين من الفريق علي عبدالله صالح، الى كل من الرئيس حسني مبارك والرئيس حافظ الاسد. وفي هذه الاثناء ترددت في صنعاء انباء غير رسمية مفادها ان هناك اقتراحاً اردنياً بأن يجتمع الرئيس صالح ونائبه علي سالم البيض مع الملك حسين في عمان. وأفادت "الوسط" مصادر مطلعة ان هذا الاقتراح سبق ان طرحته عمان في النصف الاول من الشهر الجاري، في شكل خيارين هذا احدهما، اما الآخر فهو ان يحضر الملك حسين الى صنعاء لتحقيق هذا اللقاء اذا تطلب الامر ذلك. وأضافت المصادر ان الملك حسين ابلغ قيادة الائتلاف امله في ان يلتقي الرئيس ونائبه، في اليمن، وان تنجح جهود الوساطة المحلية في تحقيق هذا اللقاء. تعتبر الآن وساطة العميد مجاهد ابو شوارب نائب رئيس الوزراء ابرز الوساطات المحلية التي تسعى لعقد لقاء بين الرئيس ونائبه وهي الوحيدة المرشحة، داخلياً، للنجاح، بوصف ابو شوارب شخصية قوية ومحايدة. فهو لا ينتمي الى اي من احزاب الائتلاف الثلاثة، وظل طوال السنوات الماضية من عمر الوحدة محافظاً على موقفه المحايد من اطراف الخلاف اضافة الى انه موضع ثقة لدى قادة الائتلاف وعلاقته وثيقة بقادة الاشتراكي، وفي مقدمتهم أمينه العام، منذ ما قبل الوحدة، وكان له دور فاعل حينها في تقريب وجهات النظر، بين قيادتي الشطرين، عقب احداث كانون الثاني يناير في عدن في العام 1986. وعلمت "الوسط" من مصادر مقربة من العميد ابو شوارب انه ينظر الى هذا اللقاء المرتقب، من خلال ثلاثة اعتبارات: الاول: ان اللقاء بين زعيمي المؤتمر والاشتراكي ليس مشكلة في حد ذاته، فهو ممكن، وكلاهما لا يمانع لكن المطلوب، قبل اللقاء، تحقيق اكبر قدر من الوفاق على مجمل نقاط الخلاف، بحيث يخرج اللقاء بصيغة تكون نهاية للخلاف وبداية للتعاون في حل الازمة مستقبلاً. الثاني: مكان اللقاء لن يكون عائقاً او جزءاً من الخلاف. "ويمكن ان يتم في صنعاء او عدن او تعز او أبين. اذ ليس لدى اي من الطرفين تحفظ على اي مكان واذا وجد البعض تحفظاً فانما هو لاعتبارات اخرى". الثالث: ان يستمر الحوار بين الجانبين في كل جوانب الازمة عبر كل القنوات واللجان المشتركة في هيئات الدولة وفي الهيئات الحزبية الاخرى لأن الحوار عامل اساسي في تهيئة الاجواء وتقريب وجهات النظر. وقالت مصادر برلمانية ل "الوسط" ان النقاط التي لا تزال عالقة، لن تعوق اللقاء بين الرئيس ونائبه، ولا العمل للتوصل الى حلّ ومخرج من الازمة، لأن البتّ فيها اصبح حتمياً. فاما ان يتفق عليها قادة الائتلاف والا فان لدى مجلس النواب التصميم والقدرة على مناقشة كل منها واتخاذ القرار المناسب في شأنها. خلاف على التفاصيل ويستخلص من مجمل المناقشات والمعلومات التي حصلت عليها "الوسط" ان معالجات الازمة تبلورت في محاور ثلاثة يمثل كل منها مرحلة زمنية: الاولى: مرحلة مناقشة النقاط العالقة. وقال مصدر مقرب من الامين العام للمؤتمر الشعبي ان الخلاف عليها اصبح محصوراً في التفاصيل وفي الاجراءات التنفيذية. حدد المصدر النقاط والخلاف عليها في الآتي: 1 - انشاء مجلس شورى، اذ تتلخص المناقشات باقراره من حيث المبدأ ، على ان يبدأ بمجلس استشاري يتشكل بالتعيين حتى يتم اجراء التعديلات الدستورية، ومن ثم يعاد تشكيله بالانتخاب ولكن لم يُتفق بعد على عدد اعضائه ومدى تساوي المحافظات في عدد ممثلي كل منها في هذا المجلس. 2 - نظام اللامركزية في ادارة المحافظات وجرى الاتفاق عليه، الا ان المؤتمر يرى ان تسبق هذا النظام فترة لترسيخ سلطة الدولة، كما ان موضوع انتخاب المجالس المحلية اصبح مفروغاً منه والخلاف على مواعيد اجرائها. 3 - إخلاء العاصمة والمدن الرئيسية من المعسكرات ويرى المؤتمر عدم الاعتراض على هذه النقطة ولكنه يرى ايضاً، ان يتم تدريجياً، نظراً الى ان قوات الامن في المدن لا تزال تواجه نقصاً في عدد افرادها وآلياتها، وان تغطية هذا النقص تتم من وحدات الجيش. ومن هنا يتوجب سحب المعسكرات من العاصمة والمدن الرئيسية ، في عملية يرافقها العمل تدريجياً على رفع مستوى قوات الامن. على ان تظل في المدن حاميات تحدد حجمها ووظيفتها خطط فنية دفاعية. المرحلة الثانية: اعداد الصيغ النهائية وتنفيذ اربعة برامج: برنامج وحدوي لاستكمال توحيد المؤسسات العامة للدولة بما فيها المؤسسة العسكرية وبرنامج اداري للاجراءات الخاصة بتنفيذ النقاط المتفق عليها ويأتي ضمنها محاكمة المتهمين بالاغتيالات والاختراقات الامنية. وبرنامج تنموي لوضع الخطط والموازنات العامة للدولة. و وثيقة سياسية في صيغة تحدد العلاقة بين احزاب الائتلاف. المرحلة الثالثة: مرحلة لاقرار هذه البرامج والصيغ من قبل قيادات الائتلاف والهيئات العامة في الدولة، تنتهي باحالتها الى مجلس النواب للمصادقة عليها ومنحها الطابع الدستوري. وعلى رغم كل هذا، فما تزال الازمة صامدة امام تعدد الحلول ومبادرات المعالجة، التي يحاول معظمها العمل لتجاوز الخطر اولاً. ومن استقراء سريع لآخر تطورات الازمة يلاحظ ان قضية النقاط والاوضاع العسكرية التي استحدثت اثناء الازمة تحظى بالاهمية الاولى على كل المستويات. وان هناك خطاباً من واجهتين لمنظور هذه القضية: الاولى، الواجهة الرسمية التي تركز على ان اللجان والجهات المختصة في الدولة تمكنت من ازالة المستحدثات والنقاط العسكرية التي طرأت اثناء الازمة وان العمل مستمر لازالة ما تبقى منها. والثانية، الواجهة الشعبية بكل منظماتها وتجمعاتها السياسية والشعبية، ضمن مناقشاتها في اطار البحث عن مخرج من الازمة وهذه التجمعات تؤكد في مناقشاتها ان ازالة بعض النقاط العسكرية لم يوقف خطر تحركات عسكرية لا تزال مستمرة. وان على الجميع التحرك لايقاف هذا الخطر بمنع التصعيد العسكري. وقال قياديون من هذه التجمعات ل "الوسط": "اننا لا نشك في حسن نيّات القادة وحرصهم على تحييد القوات المسلحة لكننا لا نكتفي بهذا لاننا لاحظنا اثناء الازمة وجود طرف ثالث لم نعرف بعد شيئاً عن عناصره ومواقعه لكنه موجود من خلال ما يقوم به من تصعيد للأزمة منذ بدايتها. وربما قام بعمل ما لتفجير الازمة. وهذا احتمال يجب ان يعطيه المسؤولون الاهمية القصوى من خلال اتخاذ كل الاجراءات التي تضمن عدم حدوث مثل هذا العمل".