كان على الرئيس بوريس يلتسين ان يذهب الى تبيليسي في السنة الماضية. لكن بعد الزيار تساءل كثيرون في موسكو عما اذا كان هناك معنى لأن يتعامل يلتسين مع الرئيس ادوارد شيفاردنادزه، والى أي حدّ يسيطر هذا الاخير على بلاده؟ خصوصاً انه اضطر الى وصف رجال المافيا بأصدقائه، من أمثال جابا يوسيلياني الذي يقود جيشاً صغيراً يسمى "مخيد ريوني" الفرسان، ومحكوم عليه من محكمة في لينينغراد في سنة 1956 بالسجن لمدة سنة بسبب اشتراكه في عملة نهب وقتل. ولكن الأسوأ شيء آخر، فشيفاردنادزه مُني بهزيمة عسكرية في أبخازيا، وجاءت المعاهدة الروسية - الجورجية خطوة اضطرارية بالنسبة الى تبيليسي خصوصاً ان شيفاردنادزه كان يبحث عن علاقات تحالفية مع روسيا منذ عودته من موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت عقيدته السياسية دائماً: "روسيا هي ضمان اكيد لا جدال فيه للاستقرار والسلام في هذه المنطقة، وجورجيا هي الحليفة الطبيعية التاريخية لروسيا". لكن من السابق لأوانه الحديث عن الصداقة والتعاون المعلنين في المعاهدة الموقعة في الثالث من الشهر الجاري. فجورجيا أعلنت الاستقلال عن موسكو في سنة 1991 بسرور اكبر من سرور جمهوريات البلطيق عندما أعلنت استقلالها، اضافة الى الكراهية الشديدة التي كان يكنّها لروسيا الرئيس الراحل غامساخورديا وانصاره وقسم غير قليل من المثقفين الجورجيين. وتقول اوساط مقربة من يلستين ان زيارته لجورجيا هي زيارة الطريق المسدودة للسياسة الروسية في القوقاز. وحسب قول احد مستشاري الرئيس لم يؤيد هذه الزيارة الا وزيرالخارجية اندريه كوزيريف. ويبدو ان المعاهدة لم يكن لها انصار قبل زيارة يلتسين لتبيليسي، وحتى بعد توقيعها. ولم يُرحب بها في البرلمان الروسي حيث يرى المراقبون ان تصديقها سيكون صعباً للغاية. وفي كل حال فان زعماء الكتل الأساسية في مجلس دوما الدولة، بمن فيهم الشيوعيون وانصار غايدار من "خيار روسيا" حددوا موقفهم السلبي من المعاهدة. وقال كونستنتين زاتولين رئيس لجنة مجلس الدوما لشؤون رابطة الدول المستقلة والعلاقات مع ابناء الوطن ان المعاهدة تتضمن بنوداً يمكنها ان "تبلبل الوضع في القوفاز، سواء في جورجيا او في روسيا". ومنها بند تقديم العون لإنشاء قوات مسلحة لجورجيا وتجهيزها وحصولها على الأسلحة والمعدات الحربية والتكنولوجيا. وفي الواقع فان هذا البند يتيح الفرصة لتسليح تبيليسي الغارقة في نزاعات مختلفة في المنطقة. ويرى خبراء لجنة زاتولين ان القيادة الجورجية الحالية لا تسيطر الآن لا على كل اراضي جورجيا الاشتراكية السابقة ولا حتى على قواتها المسلحة المتصارعة على الحكم. ولهذا لا يوجد أي اساس يدعو الى انتظار ضمانات من تبيليسي للتقيد تماماً بمواد المعاهدة الخاصة بعدم تحويل الاسلحة التي تتسلمها الى اطراف ثالثة ومنها طرفا النزاع في قره باخ مثلاً. ولم تنس موسكو تجربة اتفاقية طقشند، التي اعطت جورجيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق قسماً من اسلحة الجيش السوفياتي الثقيلة. وقال زاتولين: "ان القيادة الجورجية الحالية لم تلبث ان استخدمت الاسلحة التي أُعطيت لها من اجل تحقيق العملية التي تحولت الى نزاع دموي في ابخازيا". وهكذا فان العلاقات الروسية - الجورجية الخاصة لا تزال تحكمها الظروف السياسية التي تنشأ في موسكو تارة وفي تبيليسي تارة اخرى. وهي الآن مشبعة بالحذر المتبادل وعدم الثقة.