للمرة الاولى منذ حوالي 20 سنة، ان لم يكن اكثر، تصل جهود مكافحة المخدرات في لبنان الى حد استخدام الطائرات المروحية وأجهزة المخابرات لكشف الحقول المزورعة بالحشيش والخشخاش في مناطق لم تصلها منذ عقود أجهزة الدولة اللبنانية، في حدود الهرمل وعكار، شمال شرقي البلاد، وهي مناطق جبلية وعرة تتميز بمنحدراتها القوية، وقلة منبسطاتها، وكثرة الغابات التي تغطيها. وكان المزارعون لجأوا الى هذه المناطق في السنتين الاخيرتين، بعدما اشتدت وطأة مكافحة المخدرات في المناطق التقليدية المعروفة بزراعة المخدرات، في سهل البقاع، وفي الاراضي الخصبة على ضفاف نهر العاصي. ولم تصدر الحكومة اللبنانية تقديرات رسمية لحجم المساحات التي تم تلفها، الا ان المصادر في مكتب مكافحة المخدرات في بيروت، أكد ان لبنان بلغ المراحل النهائية من خطة القضاء على زراعة المخدرات. وكانت تقديرات الحكومة اللبنانية اشارت الى ان زراعية الافيون والحشيشة تقلصت العام الماضي الى حوالي 300 هكتار، بعدما كانت بلغت في العام 1990 ما مجموعه 5 آلاف هكتار توزعت بصورة رئيسية على سهل البقاع، وفي بعض مناطق شمال لبنان، وان بصورة محدودة. وتساهم في عمليات المتابعة والتلف وحدات من قوى الأمن الداخلي والجيش، مع وحدات من أجهزة المخابرات اللبنانية والسورية في اطار عمليات مشتركة يتم التحضير لها بصورة سرية منعاً لتسرب معلومات عنها الى جهات اخرى. وكانت القوات السورية العاملة في سهل البقاع أنذرت في العام 1992 المزارعين بضرورة اتلاف المحاصيل لديهم، ثم عمدت في مرحلة لاحقة الى تنفيذ عمليات الاتلاف بصورة مباشرة، ما اعتبر اشارة واضحة الى وجود قرار سياسي جديد يقضي، أولاً بوقف التسهيلات التي كان يحصل عليها العاملون في زراعة وصناعة وترويج المخدرات، وثانياً بملاحقة المتعاطين، مع ما تشتمل عليه هذه الملاحقة. وتردد في حينه ان القوات السورية العاملة في منطقة البقاع جمعت رؤساء العشائر وكبار النافذين في المنطقة لابلاغهم بوجود قرار سياسي بمكافحة زراعة الحشيشة وأصناف المخدرات الاخرى في المنطقة، في اشارة ضمنية الى ان دمشق اتخذت القرار ولا مجال للتردد في تنفيذه. الا ان التهديد باستخدام القوة لم يكن سوى وجه واحد من العملية، في حين ان الوجه الآخر تمثل في الخطط التي اعدتها الحكومة اللبنانية بمساهمة خارجية، خصوصاً من الأممالمتحدة والدول الاوروبية والولايات المتحدة، لتعويض الخسائر التي ستلحق بالمزارعين نتيجة توقفهم عن زراعة الحشيشة والافيون، وتشجيعهم على الاتجاه نحو زراعات اخرى ذات مردود اقتصادي عال. ومن المعروف ان عائدات زراعة وتجارة المخدرات في لبنان كانت تقدر بين 3 و4 مليارات دولار، عن طريق تصدير آلاف الاطنان الى الخارج، بواسطة منافذ معروفة، اما بحراً على متن قوارب صغيرة تنقل "البضاعة" الى سفن كبيرة راسية في عرض البحر، واما براً عن طريق استخدام سورية كمعبر الى دول اخرى، مثل تركيا والاردن. وفي الواقع اعد البرنامج الانمائي التاسع للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الاغذية والزراعة الدولية الفاو ومنظمة "الاسكوا"، خطة بلغت كلفتها حوالي 7 ملايين دولار لتشجيع ما سمي الزراعات البديلة عن زراعة المخدرات، مثل البطاطا ودوار الشمس والشمندر السكري، اضافة الى زراعات طبية اخرى، مثل البابونج والصعتر. كما اشتملت الخطة على تنفيذ مشاريع لدعم الانتاج الزراعي، عن طريق اقامة مصانع غذائية ومصانع للألبان والأجبان، توفير شبكات الري والشرب، ودعم الانشطة الريفية الاخرى، مثل النشاطات الحرفية للنساء والاطفال. واشتملت الخطة الدولية ايضاً على دعم مشاريع البنية الاساسية في المنطقة، مثل انشاء المستشفيات الحكومية وتوفير خدمات التعليم الحكومي، وتحسين كفاءة شبكة الطرق الرئيسية، وتشجيع النشاطات السياحية والفندقية، لكن المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالخطة شكوا من تراجع حجم المساعدات التي كان لبنان وعد بها اذ تقلصت قيمة هذه المساعدات الى 5.2 ملايين دولار، في حين ان الاكلاف ارتفعت الى ما يزيد على 15 مليون دولار. واعترف وزير الزراعة اللبناني عادل قرطاس بعجز المساعدات الدولية عن تغطية تكاليف خطة الانماء الشامل لمنطقة بعلبك - الهرمل، وهي المنطقة التقليدية المعروفة بزراعة المخدرات، والتي اعتبرت المتضرر المباشر الرئيسي من حملة المكافحة، الا انه أكد ان متابعة حملات المكافحة باتت قراراً سياسياً من غير الممكن الرجوع عنه، في الوقت الذي تجهد فيه الحكومة لزيادة الحصة المقررة للمنطقة في الموازنة العامة للدولة. الحكومة اللبنانية تعطي خطة مكافحة المخدرات بعداً وطنياً يتصل بحاجة لبنان الى استعادة صورته الخارجية النظيفة، في حين يقول مكتب مكافحة المخدرات ان التنسيق مع مكاتب مكافحة المخدرات في الخارج في ذروته، وهو ما يساعد بصورة واضحة حتى الآن على انجاح عمليات المكافحة.