سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قطاف الموسم في أيلول والخوف من مواجهات يقابله الحريري بتطمينات أن لا حل عسكرياً . لبنان : تجار يستغلون الوضع لشراء الحشيشة بأسعار متدنية ووزير العدل يتوعد بملاحقتهم
موضوع عودة زراعة الحشيشة في سهل البقاع وضع على نار حامية، في ظل عزم الدولة اللبنانية على إتلافها بالتزامن مع تحريك المشاريع الانمائية التي رصدت للمنطقة، خصوصاً ان هذه المسألة تمازجت فيها الأبعاد الاقتصادية والسياسية. فبعد اكثر من ثماني سنوات على استئصال هذه الزراعات الممنوعة، عادت القضية لتخرج الى العالم بقوة في المدة الأخيرة. وأفردت للحديث عنها وسائل اعلام محلية وأجنبية مساحات واسعة بعدما امتلأت حقول البقاع، سهلاً وجبلاً بهذه النبتة التي دفع الفقر بأهالي المنطقة ثانية الى زراعتها وسيلة لكسب الرزق، بعدما اخلف المجتمع الدولي بوعوده بمساعدتهم، في وقت كانت الأممالمتحدة تبنت خطة لتطوير الزراعات البديلة بمبلغ 300 مليون دولار لم يسدد منها سوى اربعة ملايين، الأمر الذي افشل برنامج التنمية الريفية المتكاملة لمنطقة بعلبك الهرمل ومشروع هذه الزراعات، وجعلها اكثر مناطق لبنان فقراً. نحو ثلاثة آلاف مزارع من أصل 23 ألفاً، بحسب تقديرات المزارعين وبائعي البذور، عادوا الى امتهان زراعة حشيشة الكيف هذا العام وعلناً، بعد انقطاع سنوات عدة تخللتها خروقات محدودة في العامين الماضيين لبعض المزارعين في مناطق جبلية وعرة يصعب اكتشافها. ولكن هذه المرة امتدت هذه الزراعات إلى حقول قريبة من الطرق الرئيسة حتى بات في امكان العابرين بالسيارات مشاهدتها في سهولة، بينما لجأ بعض الاشخاص الى زراعة الحشيشة امام منازلهم المصوّنة بأسوار عالية وأخرى مكشوفة، لما تجنيه هذه الزراعة من أرباح. ويقدّر بعض التجار الذين يتولون تسويق هذه الزراعات مساحة الأراضي المزروعة بنحو 50 ألف دونم. وهم استقوا معلوماتهم من مزارعين ومصنعين تعاقدوا معهم على تسلم المحصول في أيلول سبتمبر كما جرت العادة قبل العام 1993، تاريخ بدء القضاء على الزراعات الممنوعة. وللتدليل على استعجال الدولة انهاء هذا الموضوع والتسريع في عملية اتلاف هذه الزراعات غير المشروعة، أثار رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري هذا الموضوع مع كل من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز وموفد الاتحاد الأوروبي ميغل انخل موراتينوس خلال زيارتهما بيروت اوائل الشهر الجاري، وأبلغهما أن حكومته تأمل من المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته حيال لبنان لتتمكن الدولة من اطلاق المشاريع الانمائية في المناطق المحرومة وتوفير الزراعات البديلة، وأكد لهما في الوقت نفسه "الاستمرار في التزام مكافحة الزراعات الممنوعة". وسبق هذا الموقف اجراء اتصالات مع دول كانت داعمة بقوة للقضاء على هذه الزراعات للإسهام في تقديم مساعدات مالية لدعم الزراعات البديلة، وبالتالي تشجيع المزارعين على عدم الاقدام على زراعة الحشيشة والاستعاضة عنها بزراعات أخرى. وكان لرئيس الحكومة موقف عكس حزماً في التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة، حين نفى وجود اي توجه لدى الحكومة لشراء محصول زراعة الحشيشة، معلناً الرفض المطلق لكل الدعوات التي تنادي بذلك. ولتأكيد الاستمرار في خطة إزالة هذه الزراعات من دون اللجوء الى القوة، دعا في بيان صدر عن مكتبه الاعلامي أهالي بعلبك الهرمل الى "التجاوب مع اجراءات الحكومة لوقف العمل بهذه الآفة الزراعية والاجتماعية"، قائلاً: "إن الحكومة لا تتعامل مع مواطنيها بمنطق الحلول العسكرية والأمنية، بل بمنطق العدالة، لأن ارادتها في معالجة هذه المشكلة تنطلق من العزم على ايجاد حلول اجتماعية وإنمائية وتجنيب المنطقة مغبة الانزلاق في مثل هذه الزراعات وتعريض سمعة البلاد لأشد الاساءات المعنوية والسياسية". ولأن الحكومة ليست في وارد شراء محصول الحشيشة، بخلاف الإشاعات التي سرت أخيراً أنها ستعوض ب500 دولار عن كل دونم زرع بهذه النبتة لما في ذلك من مخالفة للقانون، لا بد لها من ايجاد حل لتسوية اوضاع المزارعين والاسراع في صرف المال على مشاريع منتجة وخدماتية وإنمائية لهم وللمنطقة. فالدولة التي أثبتت في التسعينات قدرتها ونجاحها في وقف زراعة الممنوعات، واستجابة المزارعين السريعة مع قرار عملية الاتلاف، "قد تواجه متاعب في طريقة مكافحة هذه الآفة هذه المرة، اذ ليس في امكانها تحمل اعباء اجتماعية جديدة تضاف الى ألوف العائلات التي طاولها الفقر والجوع سابقاً، من دون معالجة المشكلة". لذلك فإن "الحكومة ستضع نفسها في موقف لن تحسد عليه اذا لم تبادر بوضع المنظمات الدولية والجهات المعنية أمام مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها عبر ايجاد البديل في صورة عاجلة"، على ما قال ل"الحياة" معايشون لهذه القضية ممن يتعاطون بالشأن العام، وإلا ستكون أمام خيارين أحلاهما مر: أولاً: ان هي اقدمت على اتلاف المحصول بالقوة، فلهذا الأمر تداعيات سياسية واقتصادية وانمائية داخلياً وخارجياً، وربما مواجهات مع الأهالي، نظراً الى الوضع الاقتصادي المأسوي الذي وصل اليه سكان المنطقة، على رغم تلاقي الجميع على رفض هذه الزراعة شرعاً وقانونًا وأخلاقاً. ثانياً: في المقابل فإن عدم اقدام الحكومة على اتلاف محصول هذا العام من الحشيشة، سيدفع بمن زرع قمحاً وخلاف ذلك الى استبدال هذه المزروعات بالحشيشة، العام المقبل، نظراً إلى الأرباح التي يمكن جنيها من هذه الزراعة. وللوقوف على ما ستؤول اليه اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة دراسة موضوع عودة الزراعات الممنوعة والاجراءات التي قد تتخذها لمعالجة هذا الملف، سألت "الحياة" عضو اللجنة وزير العدل سمير الجسر عما ستقوم به اللجنة التي يترأسها الحريري وتضم أيضاً وزيري الدفاع خليل الهراوي والداخلية الياس المر، أجاب: "ان اللجنة ستجتمع الأسبوع المقبل لمتابعة درس هذا الموضوع". وأعلن "ان الحكومة لا يمكن ان توافق على زراعة الحشيشة أو بيعها، فهي جادة في انهاء هذا الموضوع وستحاول معالجته، خصوصاً انه بات مشكلة كبيرة، وينطوي على جوانب اجتماعية واقتصادية"، متمنياً "اعطاء الحكومة بعض الوقت لايجاد طريقة مناسبة لمعالجته". وعما سرّب من إشاعات عن تعويض الدولة المزارعين مالياً، قال: "ان هذا الأمر غير وارد، والدولة لا تشتري مثل هذه المحاصيل، ولكن من الممكن ان تحصل مراعاة للوضع الاقتصادي الاجتماعي للمزارعين". وتوعّد "بملاحقة التجار والمروجين والمهربين للحشيشة والمخدرات في شدة، ولن نتساهل في هذه العملية". وعن تهديدات بعض المزارعين باللجوء الى السلاح اذا حصل اتلاف للحشيشة بالقوة، قال الجسر: "اننا نفهم مثل هذه الرسائل، وبالتالي ليس في مقدور أحد الوقوف في وجه الدولة في مسألة غير قانونية وغير شرعية". وهل تتخذ الدولة قراراً حاسماً في شأن هذا الموضوع قريباً؟ أجاب: "ما دمنا لم نتوصل بعد الى قرار في شأن طريقة المعالجة، ليس في امكاني اعطاء تفاصيل في هذا الموضوع الآن. تكلمنا على الخطوط الأساسية وبعثنا برسائل في كل الاتجاهات، لكن ثمة شيئاً يدرس عن طريقة المعالجة، وفي ضوء ذلك يتخذ القرار". ومع اقتراب موسم قطاف الحشيشة الذي يبدأ مع مطلع أيلول، اي بعد نحو خمسة أشهر على نثر البذور في الأرض، في نيسان ابريل من كل عام، وجدية الدولة في إنهاء هذا الموضوع، بث بعض تجار المخدرات إشاعات وسط المزارعين، بأن عملية الاتلاف واقعة لا محالة، وانهم تبلّغوا رسائل تحذرهم من شراء هذه الزراعات او تسويقها، في محاولة منهم لحرق الاسعار وشرائها بأسعار متدنية. وللتدليل على عملية الاستغلال هذه، اكد مزارعون ل"الحياة" ان ثمة تجاراً من هؤلاء عملوا على ابتزازهم، بالتعاقد معهم لشراء المحصول مسبقاً بأقل بكثير من المبلغ المعروض عادة، اي بنحو مئتي دولار للدونم الواحد، بحجة ان ذلك سيرتب عليهم مخاطر كبيرة. وبهذا يكون المستفيد الأكبر من عودة الزراعات الممنوعة التاجر، يليه المصنّع والمروّج والعامل، ومن ثم المزارع. لم يأبه بعض المزارعين بالتحذيرات التي اطلقت في ظل اصرارهم على جني المحصول وبيعه، ويضع م. علّوه اللوم على من دفع الناس الى هذا الواقع "الذي اجبرنا عليه مكرهين". ويضيف ل"الحياة" "أقلعنا عن هذه الزراعة عن اقتناع. 8 سنوات مرّت ونحن ننتظر الوعود ولا من يسأل، فهل نموت جوعاً؟". وذهب ع. ناصر الدين الى حد التهديد بالمواجهة. وقال: "المزارعون، خصوصاً في المرتفعات الجبلية على اختلاف طوائفهم، جمعهم الفقر، وهم جاهزون لمقاتلة أي قوة تحاول اتلاف محاصيلهم من دون مقابل"، ويعزو ذلك الى ان "غالبية الأهالي عاطلون من العمل وعملية الاتلاف ستتسبب بقطع مورد عيشنا الوحيد". وإذا امكن هؤلاء جني الحشيشة في ايلول، فإن العملية تبدأ بحصد النبتة التي توضع في هنغارات، يليها فرط اوراق الشتول لتجفف، ومن ثم يعمل على نفضها بوسائل يدوية في غرف منازل تغطى جدرانها بستائر خاصة، لتجمع بعدها وتسلم الى التجار بأسعار متفاوتة على تنوع ابوابها ثم تفرز باباً أول وثانياً وثالثاً، انطلاقاً من البذرة الأغلى ثمناً. فهل تتدارك الدول المعنية هذه المسألة وتصدق مع نفسها وتفي بتعهداتها، وتقدم إلى المزارعين ما يساعد على النهوض بالشأن الزراعي للمنطقة، بأقل بعشر ما كانت تدرّه الحشيشة والخشخاش الأفيون على هذه المناطق، وكان يقدّر سنوياً بأكثر من بليون دولار؟ فإلى أيلول.