بعد موافقتها على اعادة تجهيز الجيش الاردني بأسلحة اميركية حديثة، بكلفة تزيد على مليار دولار، اتخذت واشنطن خطوة اخرى باتجاه عمان، تمثلت بقرار اسقاط 800 مليون دولار من الديون الاميركية على الاردن في خلال السنوات الثلاث المقبلة. ويتوقع محافظ البنك المركزي الاردني محمد سعيد النابلسي ان يحصل الاردن على مزيد من المساعدات الخارجية، مشيراً الى ان الحكومة الاردنية تلقت وعوداً من كل من المانيا وبريطانيا وفرنسا باسقاط جزء من الديون على الاردن التي يصل مجموعها الى 3 مليارات دولار. ويقول مسؤولون اردنيون انه باستثناء اليابان، فإن غالبية الدول الدائنة التي تم الاتصال بها وعدت باسقاط جزء من ديونها، او تحويلها الى منح لا ترد. وكانت طوكيو بررت موقفها بأنه مبدئي من موضوع اسقاط الديون، على غرار ما اتبعته بالنسبة الى الدول الاخرى، ومن بينها مصر والجزائر. وتعطي الحكومة الاردنية اولوية شبه مطلقة لموضوع الديون الخارجية، ويقول مسؤولون ماليون في عمان ان الهدف المباشر الذي تسعى اليه الحكومة هو تخفيض حجم هذه الديون باسقاط 4 مليارات دولار منها في خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتضع عمان الديون في اطار اكثر شمولاً يتصل بضرورة دعم الاقتصاد الاردني لمساعدته على مواجهة التحديات التي تفرضها حالة السلام في المنطقة، خصوصاً لجهة مساعدته على مواجهة المنافسة التي يمكن ان يؤدي اليها انفتاح الاسواق الاقتصادية على بعضها البعض في الشرق الاوسط، وتحسين الكفاءة الانتاجية للمؤسسات الاردنية، اضافة الى مساعدتها على جذب المزيد من الاستثمار. الانفتاح على اقتصاد اسرائيل وفلسطين وبقدر ما تمثل قضية زيادة المساعدات وتقليص حجم الديون طموحاً اردنياً مشروعاً، فإنها تعكس في الوقت نفسه قلق عمان من احتمال عجز الاقتصاد الوطني عن مواجهة المنافسة التي يمكن ان تشكلها الاسواق المجاورة، خصوصاً في اسرائيل ومناطق الحكم الذاتي. وبالفعل، وعلى رغم اعترافهم بالايجابيات التي يتوقع ان يؤدي اليها التحول من حالة الحرب الى وضع السلم في المنطقة، فإن عدداً غير قليل من المسؤولين الاقتصاديين الاردنيين لا زال يبدي مخاوف واسعة من الانعكاسات السلبية التي قد تنشأ مستقبلاً، اذا لم يصل الاقتصاد الاردني الى الوضع الذي يسمح له بمواجهتها. وتتلاقى هذه المخاوف مع ملاحظات كان البنك الدولي ابلغها الى الحكومة الاردنية، وتتركز بصورة اساسية على ضرورة تحسين الادارة الاقتصادية وضرورة التنبه الى المخاطر التي قد تنشأ من الانفتاح على الاقتصادين الاسرائيلي والفلسطيني. وبحسب التقرير الذي أعده البنك الدولي اخيراً عن الانعكاسات الاقتصادية المباشرة للمعاهدة الاردنية - الاسرائيلية، والمساعدات التي وعدت بها مناطق الحكم الذاتي، فإن الاردن الذي ربما استفاد مصرفياً وفي قطاعي الانشاءات والخدمات سيواجه احتمال حصول ارتفاع قوي في معدلات التضخم بسبب الفورة الاقتصادية في الضفة الغربية وغزة حيث الدينار الاردني العملة الرئيسية في التداول الى جانب الشاقل الاسرائيلي والدولار الاميركي في ظل ما يسميه نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الاوسط كايوكوغ فايزر "المناخ الاقتصادي السريع العطب". وطبقاً لتقديرات البنك الدولي فإن الاردن سيحتاج الى معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 6 في المئة سنوياً، وهي مسألة لا يمكن تحقيقها، كما يقول فايزر من دون مساعدات من الخارج، ومن دون زيادة في الاستثمارات الخاصة بمعدل 20 في المئة سنوياً حتى نهاية العقد الحالي، وهي مسألة بالغة الدقة، وتحتاج الى حوافز اكبر بكثير مما هو قائم حالياً. الا أن البنك الدولي يطرح قضية اخرى، وهي قضية التداول بالدينار في المناطق الفلسطينية وضرورة حمايته من المخاطر التي يمكن ان يتعرض لها، سواء بفعل التدفقات من الخارج، او لاعتبارات سياسية تتعلق باحتمال استخدام الكميات المتداولة من العملة الاردنية خارج الاردن في عمليات مضاربة ضدها. ويقدر مسؤولون اردنيون المبالغ الموجودة قيد التداول في المناطق الفلسطينية بين 400 و600 مليون دينار، وهو رقم كبير بالنسبة الى بلد مثل الاردن. وكانت السلطات النقدية الاردنية اظهرت تشدداً في موضوع الاشراف على نشاط المصارف التي تنوي العمل في المناطق الفلسطينية، الا ان مسؤولين فلسطينيين جددوا اخيراً التمسك بانشاء سلطة وطنية للنقد لمشاركة البنك الاردني في مسؤوليات الاشراف على النشاط المصرفي مناطق الحكم الذاتي. ويعترف محافظ البنك الاردني بأن بلاده تجاوزت ازمة نقدية في الربع الثاني من العام الجاري، مشيراً الى ان احتياط العملات الاجنبية بات يصل حالياً الى ما مجموع 4 مليارات دولار. الصناعة المحلية في مواجهة الاسرائيلية الى ذلك، وعلى رغم الفرص الواعدة في مجال النشاط السياحي نتيجة انفتاح الحدود على بعضها، خصوصاً بين الاردن واسرائيل وبينهما وبين مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني ومصر، الا ان ثمة شعوراً بأن هذه الفرص لن تكون قريبة ويسود اعتقاد اردني ودولي بأن البنية السياحية الاردنية ليست مؤهلة كفاية في الوقت الحاضر لاجتذاب اعداد كبيرة من السياح الاجانب، على رغم التنوع السياحي والبيئي الذي توفره المملكة. ثمة مخاطر اخرى يواجهها الاقتصاد الاردني، اقله على المدى القصير وهي تتمثل في محدودية قدرة المؤسسات الصناعية المحلية على مواجهة المنافسة الاسرائيلية. ويقول مسؤولون اردنيون ان مؤسساتهم الصناعية باشرت منذ مطلع التسعينات التوسع في تنويع اسواقها الخارجية باتجاه دول الخليج وافريقيا وحتى اوروبا وأميركا، الا انها لا تملك حتى الآن ما يكفي من الكفاءة لمواجهة منافسة السلع المماثلة من الدول الاخرى. ويقدر البنك الدولي ان يستفيد القطاع الصناعي الاردني من الخبرات الاجنبية لكن ليس في المدى القصير، لدخول الاسواق المتقدمة في اوروبا وأميركا الشمالية، اذ سيحتاج الامر الى فترة زمنية لا تقل عن 5 سنوات حداً أدنى. وتتحدث الحكومة الاردنية عن ايجابيات الانفتاح الاقتصادي، الا انها في الوقت نفسه لا تتجاهل المخاطر التي يمكن ان تنتج عنه، ويمكن ان تقود الى مزيد من التراجع اذا لم تتوافر في عمان الادارة الاقتصادية والمالية الكفوءة.