عند مناقشة الموقف الذي يجب اتخاذه من انضمام الاردن الى منظمة التجارة العالمية WTO، يجب ان يكون المقياس الاساسي الذي نستخدمه للحكم على صحة هذه الخطوة او عدمها مدى مساهمة هذا الانضمام في تحسين اداء الاقتصاد الاردني الذي يعاني منذ مدة مشكلات مستعصية. فالخطوات العملية للانضمام الى منظمة التجارة العالمية، وهو لا يشكل الا خطوة للالتحاق بقطار العولمة، بدأت قبل اكثر من عشر سنوات عندما بدأ تطبيق برامج التصحيح الاقتصادي تحت رقابة مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. يجب اذاً ان ننظر الى هذا الانضمام كحلقة في سلسلة سبقتها حلقات وستتبعها اخرى، وان نعتبر انه جزء من برنامج إلحاق الاردن بالكامل بالاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي يشكل الاقتصاد الاميركي مركزه الأهم. فلا يمكن تقويم خطوة الانضمام الى منظمة التجارة العالمية الا في معرض تقويم كل النهج الذي تقوم عليه السياسات الاقتصادية في الاردن، وهذه غالباً ما تمليها الدول المانحة والدائنة والمؤسسات الدولية، ابتداء من التركيز على تقليص العجز الحكومي، الى التخاصية، الى التحرير المالي، الى تحرير الاستيراد. فهل تسهم هذه السياسات الاقتصادية في تحسين اداء الاقتصاد الاردني وحل مشكلاته ام لا؟ فلننظر اولاً الى حال الاقتصاد الاردني اليوم. بحسب صندوق النقد الدولي IMF، بلغ معدل النمو الاقتصادي للأعوام 1996 و1997 و1998 نحو واحد في المئة سنوياً، وهي نسبة ضعيفة جداً وأقل من معدل النمو السكاني الذي يصل الى نحو 5،2 في المئة سنوياً. وهذا يعني ان معدل الدخل الفردي في الاردن انخفض. ففي دراسة للبنك الدولي عن القطاع العام في الاردن، تشير تقديرات الى ان دخل الفرد الحقيقي في الاردن بأسعار 1997 انخفض وسيستمر في الانخفاض، ليصل الى نحو 986 دولاراً عام 2001، وان العجز في الحساب الجاري، باستثناء المساعدات الرسمية، سيبقى في حدود 600 مليون دينار سنوياً ما بين الاعوام 1999 و2001. اما العجز الحكومي، باستثناء المساعدات الخارجية، فيقول التقرير انه سيتزايد في سنوات 99 و2001 حتى يصل الى 553 مليون دينار سنوياً. ويدور العجز الحكومي الآن على رقم عشرة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الاردني. اما الديون الخارجية للاردن فقدرتها مجلة "ايكونومست" بنحو 382،8 بلايين دولار عام 1998، في حين قدرت الناتج المحلي الاجمالي للعام نفسه ب293،7 بلايين دولار. وهذا يعني، في عملية حسابية بسيطة، ان الدين الخارجي للاردن عام 1998 يساوي نحو 114 في المئة من ناتجه المحلي الاجمالي. وتشير التقديرات التي نشرتها وزارة المال في "نشرة مالية حكومية" ان الدين العام الخارجي ازداد عام 99، مع العلم ان ارقام الوزارة عن حجم الدين العام تختلف عن ارقام مجلة "ايكونومست" بنحو بليون دولار فقط تم استخدام تقرير البلدان لعام 1999 للمجلة Country Report 99. وهذا يعني ان برامج التصحيح الاقتصادي فشلت في تحسين اداء الاقتصاد الاردني من ناحية النمو الاقتصادي بالذات في النصف الثاني من التسعينات، وفي السيطرة على العجز في الحساب الجاري، ومنه الميزان التجاري، وفشلت كذلك في السيطرة على العجز الحكومي او الدين العام الخارجي. ويزيد هذا الفشل حدة نسبة البطالة التي تصل، بحسب التقديرات الرسمية، الى نحو 15 في المئة وبحسب التقديرات الاجنبية، مثل السفارة الاميركية في عمان، الى نحو 25 في المئة. لكن هذا لا يعني ان برامج التصحيح الاقتصادي فشلت بالمطلق، او انها فشلت في تحقيق اهدافها الاساسية. فمن جهة، نجح النهج الاقتصادي الذي حكم الاردن في التسعينات في ابقاء مستوى التضخم مخفوضاً نسبياً اواخر التسعينات، ما بين 3 و5 في المئة، ما عدا عام 96، حين وصل مستوى التضخم الى 5،6 في المئة بحسب تقرير "ايكونومست". كذلك نجحت السياسة النقدية في ابقاء سعر صرف الدينار ثابتاً حيال الدولار. لكن هذه النجاحات التي يمكن اعتبارها الاولويات الحقيقية للسياسة الاقتصادية، والتي تعكس قدرة الفكر الاقتصادي السائد في الغرب الرأسمالي على فرض برامجه اكثر مما تعكس بالضرورة مصلحة الاردنيين، ليست اهم النجاحات التي حققتها سياسة برامج التصحيح الاقتصادي. فأهم نجاحات سياسات التحرير الاقتصادي في التسعينات، نجاحات نوعية، يصعب قياسها بالارقام، لأن المقصود قدرة هذه السياسات على تحقيق اهدافها الحقيقية، لا فاعليتها في تحسين اداء الاقتصاد الاردني، لأنها فشلت في ذلك بالتأكيد كما تظهر الارقام. وهذه النجاحات تتلخص بتهيئة الاردن للالتحاق بالاقتصاد الرأسمالي العالمي من موقع ذيلي سيعمق التبعية الاقتصادية للغرب ويفاقم المشكلات الاقتصادية لأبناء الوطن، وينسجم مع التوجه السياسي على الصعيدين الاقليمي والدولي، من الانفتاح على دولة العدو الصهيوني، الى الانغلاق على اكبر سوق للصادرات الاردنية، اي العراق. اما عدا ذلك، فإن سياسات التصحيح الاقتصادي انكماشية اجمالاً، اي انها تسبب الكساد لا النمو، من رفع الضرائب، الى خفض الانفاق العام، الى ابقاء اسعار الفائدة مرتفعة ما يضعف الاستثمار الى فتح الابواب للاستيراد ما يضرب الصناعة المحلية. اما لماذا يتم اتباع سياسات كهذه، فالامر ليس عشوائياً، بل يخضع للنموذج الايديولوجي السائد في الغرب الآن. ولمصالح رأس المال المالي الدولي التي تعطي الاولوية لمحاربة التضخم واستقرار سعر صرف العملة على النمو الاقتصادي ومكافحة البطالة. وقامت سياسات التصحيح الهيكلي التي جاء الانضمام الى منظمة التجارة العالمية تتويجاً لها، بتغييرات نوعية في الاطار القانوني للاقتصاد من اجل: الغاء الحماية الجمركية للصناعات المحلية، والقيود الجمركية وغير الجمركية على السلع الاجنبية تحت شعار تنمية الصادرات وزيادتها. تحرير حركة رؤوس الاموال الاجنبية ورفع القيود على حركة ارصدة غير الاردنيين والايداع بالعملات الاجنبية تحت شعار اجتذاب رؤوس الاموال الاجنبية بقصد التنمية والاستفادة من الاستثمار الاجنبي المباشر، كما فعلت دول جنوب شرقي آسيا مثلاً. تحرير الاسعار، ومنها اسعار الفائدة البنكية، والشروع في بيع القطاع العام، والحد من تدخل الدولة في الاقتصاد، تحت شعار زيادة الفاعلية الاقتصادية، بجعل السوق الحكم الفصل في كل قرارات الانتاج والاستهلاك والتوزيع. ضمن هذا الاطار، يجب الانضام الى منظمة التجارة العالمية الذي يعني اساساً فتح ابواب الاردن على مصراعيها للسلع الاجنبية ورأس المال الاجنبي، وحتى للفكر والثقافة ومساندين الولاياتالمتحدة الاميركية، اي للأمركة. فماذا عساها تكون عواقب هذه السياسة على الاقتصاد الاردني؟ وهل تخدم السياسة الانفتاحية غير المدروسة الاردن والامة العربية، ام تضر بها؟ ويعني فتح الاسواق وتطوير الاسواق المالية لاستقبال رؤوس الاموال الاجنبية قدرة الاردن على التصدير الى الاسواق الخارجية، وكذلك قدرة الدول الاخرى على التصدير الى الاردن. فإذا جعلنا السوق الحرة تقرر من تلقاء ذاتها ما الذي يصدر وما الذي يستورد، واذا جعلناها تقرر وحدها من يستورد ماذا ومن يصدر ماذا، من دون اي تدخل حكومي او غيره، فستعمل على اساس المزية النسبية للدول، اي ان الدول ستتخصص في انتاج تلك السلع والخدمات التي تستطيع انتاجها وتصديرها بكلفة اقل من غيرها، اي بأسعار تنافسه فإذا انفتحت الاسواق من دون قيود على الاستيراد والتصدير، ما الذي يستطيع الاردن اليوم ان يصدره من السلع والخدمات؟ وهل تكفي العائدات من هذه الصادرات لتغطية فاتورة الواردات وغيرها من الفواتير؟ الصادرات الاساسية للأردن اليوم في مجال السلع تتلخص في المواد الخام من الفوسفات والبوتاس والاسمدة الزراعية المشتقة منهما. اما الصناعة الدوائية التي تأتي في المقام الرابع، فمهددة حقيقة اذا طبقت قوانين حماية الملكية الفكرية التي تريد ان تفرضها منظمة التجارة العالمية. وفي مجال الخدمات، يعتمد الاردن كثيراً السياحة، وتحويلات العمال والموظفين الاردنيين في الخارج، التي يتوقع ان تنمو قليلاً، مع العلم ان هذه العائدات انخفضت كثيراً عام 1998. في اختصار، يملك الاردن بعض المواد الخام والمعالم السياحية والايدي العاملة الماهرة، وما عدا ذلك، فكل القطاعات الاقتصادية الاخرى فيه مهددة بأن تصبح غنائم صغيرة في السوق العالمية الكبيرة وثمة اجزاء اساسية خصوصاً في قطاع الصناعة، معرضة للاندثار، ومعها عشرات ألوف فرص العمل. ويمكن في هذه الحال ان يزداد العجز في الميزان التجاري، الا اذا ادى انخفاض الدخل في الاردن الى انخفاض الاستيراد. اما بالنسبة الى تحرير حركة رؤوس الاموال استقطاب الاستثمار الاجنبي المباشر، فإن تجربة دول العالم الثالث في هذا المجال سلبية اجمالاً. ويجب التمييز بين رؤوس الاموال الطويلة المدى او الاجل، او ما يعرف بالاستثمار الاجنبي المباشر، اي الذي يربط رؤوس الاموال الاجنبية بمشاريع انتاجية ملموسة من جهة، وحركة رؤوس الاموال القصيرة الاجل التي تنتقل بكميات كبيرة عبر البلدان بضغطة زر، بهدف المضاربة بالاسهم والسندات والعملات الاجنبية والمشتقات المالية. الدكتور رمزي زكي من مصر من اهم من كتب عن هذه المسألة، وقد ضمن كتابه "العولمة المالية: الاقتصاد السياسي لرأس المال المالي الدولي"، ارقاماً تشير الى ان حصة الدول النامية كلها من الاستثمارات الاجنبية المباشرة تذهب من دول متقدمة الى دول متقدمة اخرى. فمعظم الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى العالم الثالث تذهب الى جنوب شرقي آسيا وبعض مناطق اميركا اللاتينية. اما الاردن فحصته ضئيلة، وقد وصلت الى 70 مليون دولار عام 1997. اما حركة رؤوس الاموال القصيرة المدى، بهدف المضاربة لا بهدف بناء الطاقة الانتاجية، فهي بيت القصيد بالنسبة الى التحرير المالي. فما بين العامين 1980 و1997، ازدادت حركة رؤوس الاموال القصيرة المدى سبعة عشر ضعفاً في الدول الصناعية الرئيسية بينما ازداد الاستثمار الاجنبي المباشر خمسة اضعاف فقط. وصدرت الدول الصناعية الى دول العالم الاخرى نحو 93 بليون دولار عام 1997، على شكل استثمار اجنبي مباشر، لكنها استفادت من تدفق 273 بليون دولار عليها في العام نفسه، من خارج الدول الصناعية الرئيسية بهدف الاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Investment، اي في الحساب الصافي يكون دخل الدول الصناعية الرئىسية 180 بليون دولار من الدول النامية وغيرها. ولكن حتى هذا يمكن اعتباره مبلغاً تافهاً، فصناديق الاستثمار Investment Funds في الولاياتالمتحدة وحدها تدير ثمانية آلاف بليون دولار تستخدمها في المضاربات على نطاق دولي، وكان من نتائج هذه المضاربات الانهيارات المالية التي شهدتها دول جنوب شرقي آسيا عام 1997 وروسيا والبرازيل عام 1999. فهذه المضاربات اذاً اصبحت مصدراً مهماً لعدم الاستقرار في الاقتصاد الدولي. وعندما تتدفق رؤوس الاموال القصيرة الاجل فجأة على دولة ما بكميات كبيرة، يرتفع سعر صرف العملة الوطنية، ما يضر بالصادرات ويزيد معدل التضخم. وعندما تخرج على نحو مفاجئ في موجات عاتية، ينخفض سعر صرف العملة الوطنية وتتدهور اسعار الاصول والاراضي والعقارات، وتهبط الاسعار ويزداد العجز في ميزان المدفوعات وتهتز الثقة في السوق المحلية، وتستنزف احتياطات العملة الاجنبية اذا حاول البنك المركزي ان يدافع عن سعر صرف العملة المحلية د. رمزي زكي، العولمة المالية، ص123. كيف ينطبق هذا الكلام على الاردن؟ فانفتاحه على حركة رؤوس الاموال القصيرة الاجل من دون قيود، يعرّضه للخطر نفسه الذي تعرّضت له دول اكبر واكثر ثباتاً في السنوات الاخيرة، من جنوب شرقي آسيا الى روسيا والبرازيل، خطر عدم الاستقرار الاقتصادي والانهيار المالي. فحتى حركة رؤوس الاموال الطويلة الاجل، او الاستثمار الاجنبي المباشر، ليست بالضرورة بلا اهداف سياسية. ولو كانت كذلك، لما كانت اليد العاملة الرخيصة في الاردن كافية وحدها لاستقطابها، لأن السوق الاردنية صغيرة، ولأن اليد العاملة الرخيصة موجودة في امكنة اخرى ايضاً، ولأن اهم من كلفة اليد العاملة هو "مستوى خدمات البنية التحتية المادية والمؤسسية وكلفة التعامل الاقتصادي التي تعتمد على سهولة وسرعة اجراء المعاملات في اجهزة الدولة" د. طاهر كنعان، "مخاطر الهيمنة الاقتصادية الاسرائىلية في اعقاب التسوية السلمية" محاضرة 20/2/2000. وتأكيداً على هذا الكلام صدر تقرير للسفارة الاميركية في عمان الى الشركات الاميركية حول العالم عن حال الاردن الاقتصادية وفرص الاستثمار المجدي فيه، عام 1998، يتضمن معلومات مهمة لم تتكرر في التقريرين اللذين صدرا بعده عن ان الفرص المتاحة لها تتركز في المجالات الآتية: بناء محطات توليد الطاقة وتشغيلها، والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي واستخراج الصخر الزيتي، وتعدين الذهب واليورانيوم، وبناء شبكات الاتصالات والمعلوماتية وتشغيلها، وتأسيس شبكة الهاتف النقال الثانية، وتطوير المرفأ الصناعي في العقبة، وبناء خط السكة الحديد للنقل الخفيف بين عمان والزرقاء وتشغيله، وتوسيع السكة الحديد بين العقبة والشيدية وتشغيلها، وبناء مطار السلام في منطقة العقبة - ايلات وتشغيله. وما عدا ذلك، يذكر التقرير ثلاثة مجالات للاستثمار المالي في الاردن في ادارة صناديق الاستثمار والمتاجرة بالأسهم والسندات والمشتقات المالية، تدخل ضمن حركة رؤوس الاموال القصيرة المدى التي لا ترتبط بعمل انتاجي ملموس، كما سلف. اما القطاعات الصناعية المختلفة في الاردن، والنسيجية وغيرها، فيعتبرها التقرير مجالاً رحباً لتصدير السلع الاميركية الى الاردن. وفي التقرير عن استراتيجية الاستثمار المباشر في الاردن ان اتجاهات هذا الاستثمار تصب كلها في سياق استغلال ثروات الاردن الطبيعية لاحظ الاشارة الى اليورانيوم؟. اما تطوير شبكة المواصلات والاتصالات فيؤدي دوراً مهماً في تسهيل حركة الاستيراد والتصدير للسلع والخدمات ورأس المال، ويهيئ الاردن للدور المرسوم له، كموطئ قدم للتغلغل الاقتصادي والسياسي الاميركي والصهيوني في الدول العربية المجاورة، ولا سيما الكبيرة منها. وما عدا ذلك، فإن استراتيجية الاستثمار الاميركي في الاردن تتركز على منافسة الصناعات المحلية وضربها من خلال التصدير، والاستثمارات المالية القصيرة الامد في الاسهم والسندات والمشتقات المالية التي لا تؤدي الى تنمية او زيادة في الطاقة الانتاجية، هذا اذا لم تؤد الى زعزعة الاقتصاد الاردني الصغير والهش، كما فعلت بمن كانت اقتصادية اقوى وأصلب. بعد ذلك كله، يطرح السؤال: ما العمل؟ اذا كان الانفتاح الاقتصادي يهددنا على هذه الصورة، من دون ان يحدث تنمية، فهل الحل هو التقوقع والانغلاق؟ والجواب بالتأكيد هو النفي، فنحن لا نملك رفاهية الانغلاق. والسياسة الاقتصادية التي يجب ان نتبعها في العالم المعاصر هي سياسة الانفتاح المدروس، لا سياسة بيع البلد بالجملة بحجج فصلت في الغرب الرأسمالي لمصلحته وقد اتبعتها دول جنوب شرقي آسيا في طريقها نحو التطور والتنمية، وبالتحديد الصين وماليزيا وتايلاند واندونيسيا وكوريا الجنوبية، علماً ان الدولة في هذه البلدان ادت دوراً اساسياً في تشجيع عمليات التصدير، في نوع من التكامل بين القطاعين العام والخاص، وفي التخطيط والتوجيه وتشجيع البحث والتطوير R&D وحماية الصناعة المحلية ضمن برامج محددة تهدف لا الى ترهل هذه الصناعات، بل الى مساعدتها على بلوغ سن الرشد والقدرة على التصدير. فلا يتم الانفتاح في اي قطاع الا بعد تمكنه من الوقوف على قدميه في الحلبة الاقتصادية الدولية. النقطة الثانية ان السوق الاردنية صغيرة جداً بالمقاييس العالمية، وبالتالي لن تتمكن من خوض المنافسات الاقتصادية الحاسمة الا كجزء من سوق اقليمية اوسع، لا يمكن ان تكون بالنسبة الينا الا السوق العربية والمشتركة التي لا تتطلب من كل هذا الارتهان للقوى الخارجية، ولا اعادة الهيكلة ولا الشروط المذلة. والنقطة العملية للبدء بتحقيق هذه السوق رفع الاردن الحصار عن العراق، الآن لمصلحة الاردن، ان لم يكن لمصلحة العراق والامة العربية بأسرها. ثم ان الانفتاح على دولة العدو الصهيوني سيدمر الاقتصاد الاردني ويلحقه باقتصاده من موقع ضعف. وهذا يعني اننا يجب ان ننظر الى انضمام الاردن الى منظمة التجارة العالمية من زاوية فتحه للاقتصاد الصهيوني، لأن اعضاء منظمة التجارة العالمية لا يجوز ان يرفعوا الحواجز بعضهم في وجه بعض. لذا يجب الا نسمح بتحويل الانضمام حجة لمزيد من تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، لأن مصلحة الاردن تقتضي وقف كل اشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، سواء جاءت من جهات رسمية او غيرها. اخيراً، من الافضل لنا ان نصنع السلع في الاردن لتصديرها بدلاً من ان نبيع اليد العاملة بثمن بخس. وهذا يتطلب سياسة اقتصادية تجعل التنمية الاقتصادية حجر الزاوية في توجهها، لارضاء صندوق النقد الدولي او البنك الدولي. وفي النهاية، لا يمكن فصل السياسة الاقتصادية عن توجهات النظام ككل، ما يعني ان تحقيق اولوية التنمية يتطلب اعادة ترتيب لكل اولوياتنا السياسية والثقافية. والتجربة تثبت ان الاستسلام للغرب والانصياع لرغباته لم يحدث يوماً تنمية او تطوراً في اي دولة، وان التجارب التنموية الناجحة تمت في خضم الصراع معه. على كل حال، الاساس في دخول العولمة هو البناء الداخلي والاستعداد الداخلي، وبعد ذلك فقط يمكن ان نبحث في دخول العولمة من موقع قوة، لا من موقع ضعف كما يحدث الآن. * كاتب فلسطيني.