البنك الدولي راض عن تطوير مسيرة الإصلاح الاقتصادي التي تطبقها الحكومة الاردنية منذ العام 1989، ونقل هذا الموقف أخيراً الى عمان المدير الاقليمي في البنك اتيلا عثمان اوغلو الذي كشف عن دراسات بدأ خبراء البنك وضعها عن الدور الممكن للاردن في إطار عملية السلام في المنطقة، وامكانات افادته من خطط التنمية الاقتصادية التي يتم التحضير لها بالتعاون مع الدول الصناعية، مثل الولاياتالمتحدة الاميركية ودول السوق الأوروبية المشتركة واليابان. وتزامن موقف البنك الدولي من الاردن مع مجموعة مؤشرات ايجابية تحققت في العام 1993 وعكست الى حد بعيد النجاح الذي حققه الاقتصاد الأردني، على رغم استمرار بعض المشاكل الرئيسية التي لم يتوافر بعد حل جذري لها، مثل تخفيض استهلاك الطاقة، وزيادة الصادرات الصناعية الى الخارج، وإقفال ملف الديون الخارجية، اضافة الى تقليص مستويات البطالة، والحد من تزايد عدد الاردنيين الذين يعيشون تحت مستوى الفقر المدقع. وفي الواقع اظهرت احصاءات أعدتها أجهزة حكومية تابعة لوزارة التخطيط الاردنية تضاعف عدد الأسر الأردنية التي تراجعت مداخيلها، وباتت معيشتها دون مستوى الفقر المطلق بحسب التعريف الدولي لهذا المصطلح. وحسب هذه الاحصاءات، فإن نسبة الأردنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق الذي تحدد بپ119 ديناراً للأسرة الواحدة في الشهر، الدينار يساوي 1.45 دولار بلغت في نهاية العام 1992، ما يصل الى 31.3 في المئة من مجموع الأسر الأردنية، أي أن هناك 31 أسرة من أصل كل 100 أسرة في الاردن تعاني من تراجع مداخليها الى ما دون 119 ديناراً. وهذه النسبة على أهميتها وخطورتها تعكس جانباً لا يقل خطورة. فهي تضاعفت في حوالي خمس سنوات. إذ لم تكن تتجاوز قبل خمس سنوات 18.7 في المئة، قبل ان يبدأ الدينار الأردني تراجعه أمام العملات الاجنبية في النصف الثاني من الثمانينات. وثمة مؤشر سلبي آخر في هذا السياق أظهرته الدراسات التي انجزتها وزارة التخطيط ويتمثل هذا المؤشر في ارتفاع نسبة الأسر التي تعيش دون خط الفقر المدقع لا يزيد دخل العائلة عن 200 دينار في الشهر اكثر من ثلاثة أضعاف خلال ست سنوات. فقد كانت نسبة هذه الأسر 1.5 في المئة في العام 1987، وهي ارتفعت في العام 1993 الى 6.6 في المئة. وربطت الدراسة بين ارتفاع نسبة الأسر الفقيرة في الأردن وتزايد معدلات البطالة في البلاد، مشيرة الى علاقة عضوية بين الظاهرتين، مع ملاحظة ان البطالة التي قدر معدلها بپ17 في المئة تتركز في الدرجة الأولى في أوساط الشبان الاردنيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، وبنسبة تصل الى 50 في المئة. وعلى رغم وجود ما يزيد على 150 ألف اجنبي، مصريون وسوريون في معظمهم، للعمل في السوق الأردنية، إلا ان هؤلاء يعملون في قطاعات يتحاشى الأردنيون العمل فيها في الغالب، مثل العمل في قطاعات البناء والزراعة ومحطات المحروقات وأعمال النظافة العامة. وتسعى الحكومة الاردنية التي تعترف بحاجتها الماسة الى معالجة مشكلة تزايد عدد الاردنيين العاطلين عن العمل الى خلق فرص عمل إضافية عن طريق زيادة الحوافز الممنوحة للاستثمارات الجديدة. خصوصاً في مجال الصناعات التي تتميز بكثافة اليد العاملة التي تحتاجها، الى جانب تحسين كفاءة الصادرات الصناعية. كما باشرت الحكومة، بدعم مباشر من مؤسسات تمويل دولية واقليمية، تطبيق برامج واسعة لمساعدة سكان المناطق الريفية على زيادة المداخيل التي يحققونها من خلال مشاريع مدعومة، مثل تربية المواشي، وتصنيع الحليب، وتنمية المراعي وتوفير المياه الكافية لها. وتركز المساعدات الخارجية على دعم قطاعات المشاريع الصغيرة ذات الطابع الحرفي لتشجيع أصحاب ذوي الدخل المحدود، على تحسين ظروف معيشتهم واكسابهم خبرات حرفية وفنية تسمح لهم بتشغيل هذه المشاريع. وكانت الحكومة توقعت ان يؤدي تنشيط الاستثمارات الى خلق ما لا يقل عن 224 ألف فرصة عمل جديدة الى جانب نصيب الفرد من الاستهلاك الاجمالي الى 776 ديناراً سنوياً، في نهاية الخطة الخمسية الحالية التي تمتد حتى العام 1997، ورفع متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي من 783 الى 894 ديناراً بعد أربع سنوات. وكانت الخطة الخمسية قدرت حجم الاستثمارات بما يمكن ان يصل الى 5.4 مليار دينار، إلا أن الحكومة الاردنية تقوم في الوقت الحاضر بمراجعة شبه شاملة لمعظم القوانين الاقتصادية المعمول بها في الاردن حالياً، وبشكل خاص قانون الاستثمار الاجنبي باتجاه زيادة الحوافز والاعفاءات الممنوحة للرساميل العربية والاجنبية، كما من المتوقع ان تشمل المراجعة قوانين الاستثمار في المناطق الحرة التي انشأتها الحكومة بهدف رفع كفاءة هذه المناطق، وزيادة الجاذبية التي تتمتع بها. ويبدي وزير المال الاردني ارتياحه الى مستويات النمو التي يحققها الاقتصاد الاردني، اذ بلغت النسبة طبقاً للتقديرات الحكومية 6 في المئة في العام 1993، وهو مستوى يتجاوز بسهولة التقديرات السابقة، وربط الوزير الاردني بين نسبة 6 في المئة كمتوسط للنمو الاقتصادي العام والانتعاش الذي واصله قطاع البناء العام الماضي 12 في المئة إضافة الى النمو الواسع الذي حققه القطاع الزراعي 10 في المئة وقطاع التجارة 7 في المئة. ومع ذلك فإن ثمة اجماعاً في عمان على ان النمو الاقتصادي وحده لا يكفي. وربما أحتاج هذا النمو الى إعادة النظر في النواحي الاجتماعية والمعيشية، وحاجة الأردن الى الاعتماد على امكاناته الذاتية بصورة أفضل، الى جانب الحاجة الى تركيز الدعم الذي تحظى به بعض السلع والخدمات السياسية للفئات التي تحتاجه فعلاً، وهو ما يوصي به صندوق النقد، وتقول الحكومة الاردنية إنها تسعى الى تحقيقه.