المملكة وتونس توقعان مذكرة تفاهم في مجال تشجيع الاستثمار المباشر    اليابان تعد بحزمة مساعدات إضافية لأوكرانيا    الشرطة الفرنسية تحرر رهائن المطعم قرب باريس    الربيعة يتسلم جائزة القيادة العالمية    قوافل إغاثية سعودية جديدة تصل غزة    اتحاد القدم ينال ذهبية الآسيوي    ضبط شخصين في الشرقية لترويجهما الحشيش و(18,104) أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    خدمات قضائية للجهات الحكومية    الأزياء النسائية في منطقة جازان.. هوية تجمع بين الأصالة والجمال    التزام دولي بإعلان جدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات    نصف مليون طالب وطالبة في 2455 مدرسة يحتفون باليوم العالمي للتسامح بتعليم مكة    المملكة تستضيف الاجتماع ال 39 لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    «هلال نجران» ينفذ فرضية الإصابات الخطيرة    الأحساء وجهة سياحية ب5 مواقع مميزة    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    إعصار قوي جديد يضرب الفلبين هو السادس في خلال شهر    الليث يتزعم بطولتي جازان    الهدى يسيطر على بطولة المبارزة    برامج تثقيفية وتوعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري    إعلان أسماء 60 مشاركاً من 18 دولة في احتفال "نور الرياض 2024"    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    الأربعاء المقبل.. أدبي جازان يدشن المرحلة الأولى من أمسيات الشتاء    بيان سعودي فرنسي عن الاجتماع الثاني بشأن العُلا    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي "    وزير التجارة: منع الاستخدام التجاري لرموز وشعارات الدول والرموز والشعارات الدينية والطائفية    «الداخلية»: ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    إسرائيل تعترض صواريخ ومسيّرات وتكثّف الغارات على ضاحية بيروت    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    مدرب البرتغال يؤكد أهمية التأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    رونالدو يقود البرتغال للفوز على بولندا والتأهل لدور الثمانية بدوري الأمم    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف "القوات" يبقى مفتوحاً ونصيحة سورية باقفال ملف اهدن . أربعة كتائبيين عرفوا بالعملية وانضم اليهم حبيقة وجعجع
نشر في الحياة يوم 17 - 10 - 1994

منذ أسابيع والاوساط السياسية والاعلامية اللبنانية تتداول وعلى نطاق واسع عملية اغتيال النائب طوني سليمان فرنجية وزوجته وابنته وعدد من مناصريه. ومعروف ان العملية نفدتها في إهدن شمال لبنان في الثالث عشر من حزيران يونيو 1978 القوات النظامية في حزب الكتائب ، ولم يشملها العفو الذي أصدره مجلس الوزراء في الجمهورية الثانية إثر اتفاق الطائف، مثلما لم يشمل الجرائم والعمليات السابقة لها واللاحقة التي أحيلت على المجلس العدلي.
وفي سياق هذا التداول، بدا كأن هناك أكثر من فريق داخلي يحاول استغلال هذه العملية، على بشاعتها، في اعمال سياسية متصلة بالوضع الحالي من كل جوانبه. ذلك ان فريقاً برأ الدكتور سمير جعجع قائد "القوات اللبنانية" المنحلة من قتل الزعيم الشمالي الراحل ملقياً المسؤولية على عاتق حزب الكتائب الذي اتخذ القرار السياسي، بعدما تذرع بأن جعجع أُصيب بالرصاص قبل الوصول الى قصر آل فرنجية. كما أن فريقاً آخر حاول الدفع في اتجاه اتهام وزير الموارد المائية والكهربائية ايلي حبيقة بالعملية لأنه كان في ذلك الوقت كتائبياً وعضواً في القوى النظامية الكتائبية وقائداً عسكرياً لعملية اهدن. وبين هذين الفريقين خرج افرقاء آخرون بنظريات ومواقف يعبر معظمها عن هوى أكثر مما يعبر عن حقائق.
أسئلة وتساؤلات
وأثار ذلك ولا يزال يثير سلسلة أسئلة وتساؤلات أبرزها الآتي:
1 - من فتح ملف إغتيال طوني فرنجية؟
2 - ما هو الهدف من فتح هذا الملف؟
3 - بعد الاجماع على أن عملية الاغتيال كانت كتائبية، يتساءل المواطنون عن الطريقة التي اتخذ بها قرار الاغتيال داخل حزب الكتائب، او هل كان هناك قرار من هذا النوع؟ وماذا عن مواقف القياديين اللبنانيين في تلك المرحلة من العملية.
4 - هل حصل تواطؤ مع منفذي العملية جعلها سهلة التنفيذ؟ وهل كان يمكن ان تفشل؟
محاولات إقناع سورية
وسعت "الوسط" في الاسبوعين الماضيين إلى اجوبة عن هذه الاسئلة، وتمكنت على رغم مضي نحو 16 سنة على العملية وعلى رغم امتناع بعض المعنيين عن الخوض في الموضوع وقصر بعضهم الآخر حديثه على النواحي التي تهمه او تهم من كان يوالي في ذلك الحين وعلى رغم دقة الموضوع، تمكنت من الحصول على أجوبة فيها الحد الادنى من الموضوعية. وهي:
1 - قريبون من المعارضة الشديدة للحكومة الحالية - وهي معارضة من داخل النظام - يؤكدون ان أقطاب الحكم والحكومة في لبنان حاولوا بطريقة إقناع القيادة السياسية العليا في سورية، من خلال الاتصالات الدورية التي يجرون معها، بعدم جدوى الذهاب الى النهاية في فتح ملف الدكتور جعجع الموقوف حالياً بعد إحالته على المحكمة بتهمة التخطيط لتفجير كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل قبل أشهر، والتورط في اغتيال رئيس حزب الوطنيين الاحرار المهندس داني شمعون بعد أيام من تأسيس الجمهورية الثانية.
وبرر هؤلاء محاولتهم بأمرين مهمين، أولهما ان القرار الظني المتعلق بتفجير الكنيسة لن يصمد أثناء المحاكمة، نظراً الى ثغرات كثيرة قانونية وغير قانونية. ومن شأن هذا الامر تبرئة جعجع من التهمة المنسوبة اليه او على الاقل منع المحاكمة عنه لعدم كفاية الدليل. وثانيهما ان القرار الظني المتعلق باغتيال المهندس شمعون محكم جداً من الناحية القانونية واحتمالات صموده في المحاكمة كبيرة. لكن قائد "القوات" المنحلة مصمم - في حال تجريمه قانوناً وفي حال توقعه حكماً كبيراً في حقه سواء قضى بالاعدام او بالسجن المؤبد او بالسجن مدة تفوق 25 سنة - على كشف كل شيء وعلى جرّ كثيرين معه الى الهاوية سواء في هذه القضية او في قضايا أخرى. وعدد من هؤلاء "الكثيرين" بدل مواقعه ونجح في مواقعه الجديدة وباتت له "حيثية" واهمية وهيبة، ومن أبرزهم الوزير ايلي حبيقة، ولبنان لا يحتمل خضة من هذا النوع.
ويوضح القريبون من المعارضة أن أقطاب الحكم والحكومة لم يذهبوا الى حد السعي إلى تبرئة جعجع وإطلاقه او تعويمه سياسياً، لمعرفتهم بأن ذلك مستحيل لأسباب داخلية وخارجية. لكنهم لمحوا إلى ضرورة وجود مخرج يجنبه الاعدام وربما المؤبد ويفتح مجالات في المستقبل لتسوية معينة. ويؤكدون ان دمشق صدت المحاولة بقوة، وأصرت على أن يبقى ملف "الحكيم" مفتوحاً وأن يتولى القضاء بت القضايا التي يتضمن.
ويعتقدون بأن بعض أقطاب الحكم والحكومة رأى ان لا فائدة من الاستمرار في إثارة هذا الموضوع فتوقف، لكن بعضاً آخر استمر، لاسباب مجهولة على الاقل لغاية الآن، على موقفه ايجاد مخرج لقضية جعجع. وكان فتح ملف اغتيال طوني فرنجية في الاعلام وتداوله في الاوساط السياسية احدى وسائل التعبير عن هذا الموقف ودفع الجميع الى أخذه في الاعتبار.
فتور وبرود
2 - وتعتقد مصادر سياسية مطلعة ان هناك اهدافاً أخرى من وراء فتح ملف اغتيال طوني فرنجية غير إيجاد مخرج للدكتور جعجع. فبعضها يؤكد أن علاقة النائب والوزير سليمان فرنجية نجل الراحل، بالوزير ايلي حبيقة ابن الكتائب و"القوات" في الماضي وحليف سورية حالياً ليست على ما يرام، اذ يخيم عليها منذ مدة طويلة البرود والفتور. ثم تطورت نحو التردي. وساهم في ذلك التناقض في المواقف السياسية بين الوزيرين. ذلك أن حبيقة أخذ جانب رئيس الحكومة في مواجهته مع معارضيه. في حين اتخذ الثاني وهو فرنجية موقف المعارض الشرس للحكومة ولرئيسها تحديداً، وهو اليوم يتربع على قمة المعارضة. كما ساهمت فيه معرفة فرنجية بكل تفاصيل عملية اهدن او بمعظمها ومنها أن حبيقة كان قائدها العسكري عام 1978.
ويتردد في هذا المجال كلام "فرنجاوي" - إذا جاز التعبير - عن توقع وصول موسى التحقيقات الى حبيقة، وهناك من يعتقد بأن ضرب حزب الكتائب او الاجهاز عليه بعد الضعف الذي اعتراه منذ نهاية الحرب ومنذ تغييره خطه السياسي بشقيه الداخلي والاقليمي، قد يكون أحد أهداف فتح ملف اغتيال فرنجية. ذلك ان جعجع وحبيقة والآخرين كانوا قادة عسكريين منفذين او مشاركين في ترجمة القرار السياسي ميدانياً، إذ ان قرار اغتيال فرنجية، كما أثير في الصحف، كان سياسياً حزبياً. ومن شأن ذلك جرّ الحزب كله الى المحاكمة او على الاقل قياداته السابقة والحالية ولا سيما منها التي تشهر سيف المعارضة والعداء للحكم والحكومة.
وطبيعي ان يفيد ذلك جهات عدة. ذلك انه يصفي حسابات عامة وخاصة. كما انه يعطل الدور المعارض الفاعل الذي يقوم به الحزب واذاعته ورئيسه جورج سعادة. وينطلق هؤلاء في اعتقادهم من أن لكل جريمة مكتملة شخصاً مقرراً وجهة مقررة وشخصاً محرضاً او جهة محرضة وشخصاً منفذاً او جهة منفذة، وشخصاً أساء التنفيذ او جهة أساءت التنفيذ وشخصاً مستفياً او جهة مستفيدة. والعدل يقضي بمحاكمة كل هؤلاء وصولاً الى الحقيقة.
اما البعض الثالث من المصادر السياسية المطلعة فيعتقد بأن ضرب التحالف القائم بين "المردة" وحزب الكتائب واحتمالات التحالف الاوسع الذي يجري العمل لتشكيله ليضم اليهما "رابطة الشغيلة" و"حركة أمل" وشخصيات مستقلة مثل الامير طلال أرسلان والرئيس حسين الحسيني وآخرين قد يكون أحد أبرز أهداف فتح ملف اغتيال فرنجية. ذلك ان هؤلاء ألحقوا أذى كبيراً بتركيبة سياسية رسمية معينة. وسيكون أذاهم أكبر مستقبلاً خصوصاً اذا توحدوا وتمكنوا من اقناع حليفهم الاقليمي سورية بتبني مواقفهم السياسية المحلية في كل القضايا المطروحة فضلاً عن الاستحقاقات المرتقبة.
ومعروفة العداوة بين "المردة" و"الكتائب" قبل اغتيال فرنجية وبعده، ومعروفة صعوبات زوالها او ازالتها. ومعروف ان التحالف القائم بينهما حالياً على متانته لم يتمكن، على الاقل الى الآن من ازالة الرواسب والتراكمات من نفوس قاعديتهما.
3 - قيل الكثير في الماضي وفي الاسابيع القليلة الماضية عن الاسباب التي أدت الى إتخاذ قرار بعملية اهدن وعن الجهات التي اتخذت القرار وعن المنفذين. وإذا حصل اختلاف على هوية متخذ او متخذي القرار وعلى المنفذين، فإن هناك اجماعاً على أن الانتشار الكتائبي بين مسيحيي الشمال خصوصاً بعد بدء الحرب في 1975 وعلى أن رفض زعامة آل فرنجية هذا الانتشار لما يشكله من تهديد لها وللزعامات المماثلة، كانا السبب في تدهور العلاقة بين الفريقين، على رغم "الحلف المقدس" الذي جمعهما وآخرين في "الجبهة اللبنانية" لمقاتلة الفلسطيين ومنعهم من السيطرة على لبنان. وقد تطور الخلاف وتصاعد فأدى الى تصفيات حزبية كانت الشرارة لاندلاع الحرب بينهما.
قبل عملية إهدن
اما المرحلة التي سبقت تنفيذ العملية، فإن مصادر محايدة قريبة من الكتائب تعطي التفاصيل الآتية عنها بمستوى كبير من الموضوعية:
أ - لم يتخذ المكتب السياسي الكتائبي قراراً صريحاً ومباشراً بتنفيذ عملية ضد قصر طوني فرنجية في اهدن رداً على التضييق الذي تعرض له كتائبيو الشمال وعلى عمليات التصفية التي تعرض لها بعضهم. لكنه عقد اجتماعاً قبل مقتل جود البايع كُلف في نهايته الشيخ بيار الجميل رئيس الحزب اتخاذ كل ما يراه ضرورياً من اجل المحافظة على الكتائبيين في الشمال ومن أجل تعزيز وضعهم ودورهم. كما كلفه محاولة حل الخلاف مع آل فرنجية ودياً، واجراء مصالحة معهم تكون البطريركية المارونية في بكركي مركزها ونقطة انطلاقها.
ب - اجتمع في بكركي، في حضور أركانها، طوني فرنجية وبشير الجميل وأمين الجميل وجورج سعادة ويوسف الضاهر رئيس مجلس اقاليم الشمال وجود البايع وآخرون. لكنهم فشلوا في التوصل الى مصالحة او على الاقل الى تسوية، على رغم ان طوني فرنجية بدا ميالاً الى ذلك. ويعود الفشل الى تصلب ابداه الشيخ يوسف الضاهر الذي كان يشعر بمرارة كبيرة كونه راهن كثيراً في الماضي على آل فرنجية خصوصاً بعد انتخاب عميدهم سليمان رئيساً للجمهورية، وكونه اعتقد بأنه ستكون له ولحزب الكتائب الكلمة الاساسية او كلمة اساسية في الوضع. ويعود الفشل أيضاً الى قساوة في الطرح.
وأدى ذلك الى إنسحاب فرنجية من الاجتماع. ولم تفلح مسارعة البايع وجورج سعادة الى تطييب خاطره في اعادته الى الاجتماع. وبعد اللقاء بفترة قتل البايع، على رغم انه كان نقيض الضاهر في طريقة التعامل مع آل فرنجية. إذ كان يفضل الحوار والتفاهم ويعرف طبيعة الزعامات في المنطقة وصعوبتها.
ج - بعد مقتل جود البايع والتوتر الكبير الذي ساد الاجواء طرح جورج سعادة للبحث مبادرة لاطفاء الحريق الذي كان بدأ يشتعل تقضي بأن يقام للبايع مأتم مهيب تحضره القيادة الكتائبية كلها وعلى رأسها رئيس الحزب الشيخ بيار الجميل، وبأن يقيم آل فرنجية او الرئيس فرنجية مجلساً للتعزية في منزله. وتكون تلك فرصة لمصالحة برعاية بكركي وبحضور ممثلين لها. لكن المبادرة لم تلق النجاح من الجانب الكتائبي لان بعضهم، ومنهم الضاهر، قال لسعادة امام الجميل: "هل تريدون قتل بيار الجميل؟ اذا طلع الى اهدن لن يخرج منها حياً". وتجاوب الشيخ بيار مع هذا المنطق. ولا يعرف كيف كان رد فعل آل فرنجية على المبادرة. كما لم يعرف هل طرحت عليهم أصلاً.
موقف بيار الجميل
د - بعد مقتل فرنجية عقد المجلس المركزي الكتائبي اجتماعاً. ويضم المجلس عادة اعضاء المكتب السياسي. وحاول الشيخ بيار الجميل في الاجتماع "تحميل" المجلس العملية، اي ان يجعله والحزب كله تالياً مسؤولاً عنها، تلافياً لتحميل آخرين وبينهم نجله الشيخ بشير وحده المسؤولية. فصعّد لهجته في الاجتماع وتحدث عن الدم الكتائبي الذي يهدر وعن عدم سماحه والحزب بذلك، وعن دور الكتائب في كل المناطق. وفي تلك الجلسة واجه أعضاء أربعة من المكتب السياسي كانوا وجهوا برقيات تعزية الى الرئيس فرنجية بمقتل نجله، هم جورج سعادة ولويس ابو شرف وادمون رزق وكريم بقرادوني، موقفاً حرجاً إذ اتهمهم بعض "رفاقهم" بالخيانة.
ه - هل اتخذ الشيخ بيار الجميل قراراً بعملية اهدن؟ وماذا كان هدفها؟ اغتيال طوني فرنجية او خطفه واقتياده الى بكركي لفرض تراجعه عن عدائه للكتائب؟ أو اعتقال مقاتلين من انصاره بعضهم مسؤول عن مقتل كتائبيين شماليين؟
"جماعة" الشيخ بشير الجميل تقول ان القرار اتخذه الجميل الأب وكلف نجله بشير تنفيذه كونه رئيساً لمجلس الامن الكتائبي والقوات النظامية في الحزب. وتقول ايضاً ان بشير تعرض لحملة تحريض واسعة فعلية فتحمس الى تنفيذ القرار. وتقول اخيراً انه ندم كثيراً على ذلك في ما بعد إلى حد أنه بكى، معتبراً ان القرار كان خاطئاً وان تنفيذه لطخ سجله الى الابد.
ويقول بعض الكتائبيين الموالين للشيخ امين الجميل انه لم يكن على علم بالعملية كلها من ألفها الى يائها. وبعضهم الآخر يقول انه اعترض عليها في المكتب السياسي وانسحب من الاجتماع احتجاجاً. اما المعادون للرئيس السابق فيقولون انه كان مؤيداً لها وانه تابعها ليلة تنفيذها من مكان معين. والمعلومات المتوافرة والمتمتعة بالحد الادنى من الموضوعية تشير الى أن أربعة كانوا على علم بالعملية هم الشيخ بيار الجميل ونجلاه بشير وأمين والشيخ يوسف الضاهر.
اما حبيقة فاطلع عليها في مرحلة لاحقة بحكم كونه عسكرياً وكانت مهمته التنفيذ ميدانياً. كما اطلع عليها جعجع بحكم كونه مسؤولاً عسكرياً في الشمال. ولا يجزم أحد في تحديد الشخص الذي اتخذ القرار الاساسي بالعملية، علماً أن اثنين فقط كانا مؤهلين لذلك هما الشيخان بيار وبشير الجميل. اما الشيخ أمين الذي حرص طويلاً على نفي اي معرفة له بها فقد تبين لأقرب الناس اليه في مرحلة لاحقة انه كان على علم.
وحصل ذلك في أثناء أحد اجتماعات المكتب السياسي او لجنة الطوارىء التي شكلت في حينه عندما كان امين يهاجم شقيقه بشير وقواته لممارساتها المرفوضة في المتن معقله السياسي والعسكري. وقد تطرق في كلمته الى مجزرة اهدن في معرض تحذير شقيقه من اهدن أخرى في المتن. وهنا رد بشير عليه بقوله: "أنت تتكلم عن اهدن. ما أنت كان معك خبر بها". وتبين بعد ذلك ان بشير اطلع امين على العملية. لكن هذا تحفظ وعارض. إلاّ أنه لم يطلع احداً عليها. ولم يخبر اخلص المقربين إليه.
و - تفاصيل العملية العسكرية مهمة، ولكن لا مجال للخوض فيها لأن معظمها بات معروفاً. وما ليس معروفاً او ما يحتاج منها الى تدقيق تحاول الاجهزة الامنية والقضائية معرفته من المقاتلين حنا شليطا وادمون صهيون المعتقلين حديثاً. والخطأ الاساسي الذي ارتكب عند تقرير هذه العملية كان، في رأي كثيرين، اشراك كتائبيي بشري فيها الذين كان جعجع على رأسهم. ذلك ان الحساسيات بين اهدن وبشري معروفة. كما هي معروفة طروحات جعجع الرافضة للزعامات العشائرية والاقطاعية، وكذلك رغبات الثأر والانتقام للقتل في تلك المنطقة.
وفي هذا المجال يعتقد كثيرون ان الكلام على تأخير العملية مرتين تلافياً للاصطدام المباشر بطوني وتالياً تلافياً لقتله ليس دقيقياً، ذلك ان الخطف سواء استهدف طوني او انصاره لن يمر بسهولة وسيواجه بمقاومة. والمقاومة قد تؤدي الى القتل كما حصل.
"تواطؤ"؟
4 - يلمح بعضهم، في معرض تبرير المجزرة او التخفيف من مسؤولية من اتخذ القرار بتنفيذها، الى "تواطؤ" مع المنفذين اما من قبل السلطة اللبنانية اومن قبل سورية التي كانت موجودة في مناطق شمالية معينة ما كان نجاحها ممكناً لولاه. كما يلمح بعض آخر الى خلفية اسرائيلية للعملية خصوصاً بعدما كان آل فرنجية يتأهبون للتخلي عن "الجبهة اللبنانية" وسياستها. والمعلومات المتوافرة عن كل ذلك تشير الى الآتي:
أ - قبل أيام من العملية تلقى الرئيس الراحل للجمهورية الياس سركيس معلومات من مدير مخابراته تفيد بأن الكتائب تحشد قوات في جبيل. وتوصل بنتيجة تحليله للوضع ان عملية قد تحصل ضد آل فرنجية او ضد معالمهم، وظن ان شكا معقلهم ومورد قوتهم المالية قد تكون الهدف. فطلب من مدير مخابراته ارسال موفد الى الرئيس الراحل فرنجية لاطلاعه على الامر ودعوته الى التحوط واليقظة. وكان الموفد العقيد المتقاعد نعيم فرح الذي اطلع الرئيس الراحل ونجله طوني على المعلومات.
ورد فرنجية باستخفاف: ان boy scout أي الكشافة - وكان الكتائبيون يسمون كذلك احياناً - لن يستطيعوا القيام بشيء... ولم تكن الدولة في ذلك الحين، وتحديداً جيشها، في وضع يمكنها من مواجهة العملية او من منعها.
ب - يعتقد بعضهم بأنه كانت لسورية مصلحة في تجزئة مناطق "الجبهة اللبنانية" وفي الاستيلاء على الشمال بعد التوجه الاسرائيلي في رأيها الى الجبهة، وقد يكون الاعتقاد صحيحاًً. لكن طبيعة الوجود السوري في تلك المرحلة لم تكن تؤهل دمشق لمنع العملية المفاجئة.
ج - يعتقد بعض آخر بأن اسرائيل التي كانت على إتصال بالجبهة ولا سيما بالكتائب والاحرار كانت على علم بالعملية ولم تجد سبباً لتمنع حصولها بسبب توجه فرنجية المستجد في حينه نحو سورية وحلفائها في لبنان، وبسبب العلاقة الوثيقة التي كانت لها مع خصومهم، وكذلك بسبب القوة التي تعطيها إياها سيطرة حلفائها على قلب لبنان.
5 - شخص واحد فقط كان في وسعه منع عملية اهدن من الحصول هو الشيخ بيار الجميل الذي كان يستطيع، على رغم التمرد الدائم لنجله بشير عليه واحياناً لنجله امين، منع الاول من تنفيذها. وكان في امكانه ابلاغ رئيس الجمهورية او قائد الجيش بها ليستعدا لمنعها. وكان في امكانه ان يخبر بشيراً بذلك من دون ان يخشى رد فعل سلبياً منه.
هل يبقى ملف عملية اهدن مفتوحاً؟
معلومات القريبين من دمشق ومن حلفائها اللبنانيين ولا سيما الذين منهم يشكلون المعارضة الشديدة للحكومة وأحياناً للحكم تؤكد ان القيادة السياسية العليا في سورية أبلغت أقطاب الحكم والحكومة الذي أثاروا معها موضوع ايجاد مخرج للدكتور جعجع شيئاً آخر غير اصرارها على إبقاء ملفه مفتوحاً امام القضاء، هو اصرارها على اقفال ملف عملية اهدن لئلا يستغله احد ضدها او ضد حلفائها. الامر الذي يربكها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها وتاريخ المنطقة. ويبدو ان هذا الملف سيقفل وان تداوله الاعلامي سيخف تدريجاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.