* الغرفة الحمراء وأسرار "المكتب 7" * أربع سنوات في ثياب نجل الرئيس ذات يوم قرأت عن شبيه ستالين وبديله وكيف كان ينوب عنه بعدما لقنّوه الماركسية - اللينينية وراح يستقبل الوفود الحزبية من الداخل والخارج. كانت مهمة الرجل ان ينوب عن ستالين في المهمات الحرجة، اي ان يتلقى عنه رصاصة الاغتيال. مذذاك وأنا أسأل نفسي هل سيتاح لنا العثور على قصة عربية مشابهة. من واجب الصحافي ان يشكك في مثل هذه الروايات. ولكن حين يواجهك البديل شخصياً بما يملكه من أوراق ووثائق وجروح في جسمه لا يبقى لديك مجال للتشكيك. الاقدار والصدف ربطت مصير لطيف يحيى بمصير عدي صدام حسين نجل الرئيس العراقي. ولد الأول قبل الثاني بأربعة أيام وكان التشابه كاملاً في الملامح منذ أن التقيا على مقاعد المدرسة الاعدادية. في الجامعة افترقا ولم يدر ببال الملازم الأول لطيف انه سيستدعى من الجبهة مع ايران ليمضي أربع سنوات يلعب خلالها دور عدي. لم يلزم أكثر من عملية تجميل لأسنانه اما فارق السنتيمترات الثلاثة في الطول فيمكن التغلب عليه بترتيب الحذاء. انه البديل. مهمته ان يموت عن سيده وهو كاد ان يموت. ومهمته ان يذهب الى الجبهة بصحبة كاميرات التلفزيون والى الكويت اثناء احتلالها وأن يستقبل الوفود الرياضية وأن يوزع الكؤوس. في مقر عدي كان يقيم. وكانت بتصرفه ثياب عدي وساعاته ومواكبه. اتقن اللعبة بعد دورة تدريب، وبارك الرئيس العراقي "ابنه الثالث"! لم تكن الاقامة في "الجنة" سهلة ودفع لطيف ثمن غضب شبيهه وتعرض للتعذيب. وبعد أربع سنوات فرّ البديل الى فيينا حيث تعرض في 1993 لمحاولة اغتيال أصيب خلالها برصاصة في ساقه. قصة مثيرة وفريدة ومؤلمة يحكيها لطيف الذي لا ينوي العودة الى العراق ويستبعد سقوط صدام ويفضل عدم الاجابة عن حال المعارضة لاخفاء خيبته منها. يقول انه نادم على كل شيء، مشيراً الى انه لم يكن في وضع يسمح له بالاختيار. ويروي قصة العيش في مقر عدي وقصة الذهب الكويتي الذي أرسل الى بغداد في تابوت ملفوف بالعلم العراقي، ثم اعدام الضابط الذي كلف نقل "جثمان الشهيد". ويحكي كيف أرغم على الاعتراف عبر التلفزيون بمسؤوليته عن نهب الكويت وكيف قضت اللعبة باصدار قرار باعدامه لتحسين صورة عدي ولتمكينه من الاستمرار في دوره بعيداً عن شبهة البديل. كان لطيف بديلاً من عدي وحين تغيب مناسبات التمثيل كان يغير ملامحه قليلاً ويرافق عدي بوصفه احد حراسه. في فيينا التقت "الوسط" لطيف يحيى وأجرت معه حواراً عن قصته التي يستعد لانزالها الى الاسواق العربية في كتاب عنوانه "كنت ابناً للرئيس". وهنا الحلقة الأولى: نريد أولاً أن نسألك من أنت؟ - أنا لطيف يحيى الصالحي من سكان بغداد، مواليد 14/6/1964. خريج جامعة بغداد للعلوم السياسية عام 1986. من أصل كردي وكنت ضابطاً برتبة ملازم أول في القوات الخاصة في العراق. مولود في بغداد وأهلي لا يزالون هناك، ولا اخبار لدي عنهم. درست الاعدادية في كلية بغداد النموذجية وكانت امنيتي ان أدخل كلية الهندسة ولكن عندما سبقني اليها عدي صدام حسين حولت دراستي الى كلية القانون والسياسة. لماذا؟ - لأنه في أيام الاعدادية كنت وعدي معاً فلم أحب أن أكون قريباً أيضاً مرة اخرى. كان معنا في الصف نفسه وكان يتسبب في مشاكل مع الأساتذة والطلبة. تأذى كثيرون منه وأنا فضلت الابتعاد في المرحلة الجامعية. في الاعدادية كنت أرسم وذات يوم في 1979 عندما تولى أبوه رئاسة الجمهورية طلب عدي مني أن أرسم صورة الرئيس فرسمتها. يومها لم أكن أعرف صدام على حقيقته ولم أعرف ما يجري من اجرام لأنني لم أكن قربه. هل لاحظ رفاقك أنك تشبه عدي؟ - التشابه موجود. وكنت أتضايق حين يشبّهني الاصدقاء به. المهم انني درست في كلية القانون وأنهيت الجامعة ولم تكن هناك علاقة بيني وبين عدي. كنت أراه أحياناً في حفلات في الفنادق فنتبادل التحية فقط. بعد الجامعة كان عليّ أن اتوجه الى التجنيد وأملت في أن تنتهي الفترة سريعاً نحو سنتين لأعود الى مكتب الاستيراد والتصدير. التحقت بالجيش في 1986 فحولوني الى سلك القوات الخاصة في مدرسة القوات الخاصة في معسكر الرشيد. وتلقى قائد المدرسة تعليمات بأن يهيئ دورة ضباط سريعة بسبب كثافة الهجمات الايرانية وأطلق على دورتنا اسم "دورة صدام العرب". وانتهت الدورة بعد أربعة أشهر وتخرجنا برتبة ملازم. نقلت آنذاك الى قوات موسى بن نصير، الفرقة 35. وهناك بعد بضعة شهور تعرضنا لهجوم في البصرة وأصبت بجروح. فأصدر صدام أمراً بتكريم الفرقة 35 وترقية أفرادها فصرت برتبة ملازم أول. وتحولت الى سلاح المدفعية. كتاب الاستدعاء بعد شهور تلقى الضابط المسؤول عن الوحدة التي أعمل فيها كتاباً سرياً من ديوان رئاسة الجمهورية وفيه ان الملازم الأول لطيف يحيى الصالحي يجب ان يحضر الى استعلامات القصر الجمهوري خلال 72 ساعة ويعاقب المقصّر. وكنت لدى وصول البرقية في المرصد على مسافة 3 كيلومترات من ايران. تحدثوا معي بالشيفرة وقالوا لي عليك ان تحضر حالاً الى مقر الوحدة. حضرت وأبلغوني بضرورة التوجه الى بغداد وأفهموني ان الكتاب من ديوان الرئاسة. بماذا شعرت آنذاك؟ - بالخوف. ورحت أسأل نفسي لماذا استدعيت الى ديوان الرئاسة. مثل هذه الاستدعاءات مخيف في العراق. يشعر المرء بأن نهايته محتملة. وصرت أفكر. لم أتعرض بسوء للحكومة. طبعاً في العراق تكفي وشاية لقتل المرء. انتابني القلق ولم يكن أمامي غير أن أذهب. أخذت الكتاب وتوجهت في اليوم نفسه الى استعلامات القصر الجمهوري. طلبوا مني الانتظار وبعد عشر دقائق وصلت سيارة مرسيدس ليموزين مسدلة الستائر وأخذوني الى داخل القصر. كل دقيقة كانت تعادل سنة. لماذا أنا في القصر؟ توقفت السيارة أمام منزل كبير عليه نسر عراقي فنزلت. فتح الباب ودخلت فوجدت نفسي وجهاً لوجه امام عدي صدام حسين. موعد مع عدي رحب عدي بي وصافحني ووسط مشاعر الاستغراب والارتباك دخلت مكتبه وأنا أقلب الافكار عن السبب الحقيقي لاستدعائي. سألني عن أحوالي وقال انه سمع انني عسكري جيد فأجبت الحمد لله ونحن كلنا في خدمة السيد الرئيس. قال كلمني أكثر عن نفسك. تحدثنا عن الأصدقاء القدامى والمدرسة وأين ذهب الاصدقاء. قال ما رأيك أن تعمل معي؟ فأجبت ماذا أشتغل معك فأنا لا أعرف؟ قال: تكون ابن السيد الرئيس. فأجبته بخبث: نحن كلنا أبناء السيد الرئيس. فرد: أريدك أن تكون الفدائي الخاص لي. سألته: ماذا تقصد الحماية أم الحرس أم ماذا؟ فأجاب: لا، أريدك ان تكون عدي الثاني. كانت اللحظة بالغة القسوة؟ اذا وافقت دمرت حياتي، وإذا رفضت سأدمر أيضاً. قال لي فكّر. فقلت انني لا أعرف بماذا أجيب. فقال: سأتركك وأنت فكّر. وسألني ماذا أريد ماء أم عصيراً. فقلت العصير. ولم تكد الكلمة تخرج من فمي حتى دخل الخادم ومعه العصير، من دون أن يضغط عدي على زر فشعرت بأن اللقاء كان تحت الرقابة. بعد قليل عاد عدي وسألني: هل قررت؟ فقلت له: سأسألك سؤالاً ورجائي أن تجيبني بصراحة. في حال قبولي ماذا سأكون بالنسبة اليك وفي حال رفضي ماذا سأكون؟ فأجاب: في حال قبولك ستكون الابن الثالث لصدام وهذا فخر لك وستستجاب كل طلباتك بلا استثناء وبمجرد اشارة من يدك. وإذا رفضت ستبقى صديقي وستبقى المعزة بيننا وسنسأل الواحد عن الآخر. قلت له: استاذ عدي، أنا انسان عسكري وفي الاجازات أعمل في المكتب ولدى انتهاء خدمتي سأتفرغ للتجارة. ضحك وأجاب: انا تاجر أيضاً وأحب التجار. فقلت له: اعذرني. الغرفة الحمراء وما أن نطقت الكلمة حتى قام عن المكتب بعصبية ودخل مقصود السامرائي وعزام التكريتي من مسؤولي الحراسة الخاصة عنده. ونزع الاثنان الرتبة عن ملابسي وعصبا عيني وأخذاني. مشت السيارة وأحسست بأننا ندور في المكان نفسه وأن الغرض هو أن لا أعرف أين نحن. مررنا في دهاليز واكتشفت لاحقاً انني كنت أدور في المكان نفسه. أدخلني الحراس الى غرفة طولها متر وعرضها متر وسقفها عال وكلها مصبوغة بالأحمر وحتى الضوء والسجادة من اللون نفسه. اخذوا ساعتي وذهبوا. لا شباك ولا كوة والتهوية من السقف. يستحيل معرفة الليل والنهار. وتعمدوا ارباكي كأن يقدموا اليّ وجبة العشاء في موعد الترويقة والعكس. ورحت أحسب الأيام على عدد أطباق الرز التي كانت تصلني: سبعة أطباق وسبعة أيام. بعدها جاء عدي فأخرجوني وسألني عن حالي فقلت له أنا أحمّلكم المسؤولية. انا ضابط ولا يمكن اعتقالي الا بأمر من وزارة الدفاع. فرد: أنت وألف واحد مثلك على الكندرة الحذاء! شعرت بأنه لم يبق أمامي أي خيار فقلت له أنا حاضر لما تأمر به. كان الرفض يعني الموت والقبول يعني الدخول في متاهات قد تؤدي الى الموت أيضاً. قال: "الاحسن لك ان تشتغل معي وإلا سأجعل الكلاب تأكلك". قلت له سأوقّع لك على بياض. تدريب وتجميل بعد الموافقة أخذوني الى "المكتب 7"، أحد قصور عدي. دخلت الى ما يشبه الجنة. طلبوا مني أن اغتسل. اعطوني غرفة نوم واسعة ومكتباً ودلوني الى المسبح. قالوا لي: كل شيء بتصرفك ويأتيك ما تطلب. اغتسلت واستلقيت على الفراش. بعد أربعة أو خمسة أيام، دخل ثلاثة ضباط في ثياب مدنية وهم المقدم منعم والنقيب زياد والنقيب سعد. وقد أشرف هؤلاء على الدورة التي اخضعت لها لضمان تشابه حركاتي مع حركات عدي. قالوا لي هذا البيت لك وأنت ستعيش معنا، ولكن عليك أن تستمع الى التوجيهات. أكدت لهم موافقتي. كان المقدم منعم انساناً هادئاً ورزيناً ومثقفاً، أما الباقون فكانوا من الهمج بلا ثقافة وتعليم، لكنهم اصحاب حظوة لأنهم من تكريت. أبلغوني أنهم سيتركوني بضعة أيام للراحة ثم يرجعون. بعد بضعة أيام جاء معهم ثلاثة بثياب اطباء يتكلمون لغة غريبة لم أعرفها وهي روسية أو كوبية أو شيء من هذا. طلبوا مني نزع كل ملابسي وبدأوا بفحصي من قمة رأسي الى قدمي. وجدوا ان البشرة مطابقة لبشرة عدي. ووجدوا الطول أقل بپ3 سنتيمترات. اكتشفوا ان اسنان عدي اكثر بروزاً الى الأمام فقرروا اجراء عملية تجميل لأسناني ووافقت. كان الصوت مطابقاً. في اليوم الثاني اخذوني الى مستشفى ابن سينا في القصر الجمهوري وسلموني الى الدكتور احمد، وهو طبيب الاسنان لعدي، وكان لديه قالب اسنان عدي. أخذ قالباً لأسناني وبعدها أخضعني لعملية تجميل. بردوا الأسنان الأمامية وركّبوا الاسنان الجديدة عليها. بعدها استدعوا الحلاق الخاص لعدي واسمه اسماعيل فقص لي تماماً كعدي خصوصاً ذقني. بعد ذلك عرضوا لي افلاماً عن عدي خلال اجتماعات وهو يتمشى أو يدخن أو يأكل أو يقود سيارته. وكان لديه ثقل في لفظ حرف الراء فأصروا على أن أتعلم ذلك. كانت هذه التدريبات في أواخر الشهر التاسع في 1987. في 15/10 بعثوا برسالة الى صدام قالوا فيها اننا كسبنا الملازم الأول لطيف لهذا العمل. ثم جاءت مرحلة تعليم الاجرام وهذه أنهكتني. أخذوني الى مركز رئاسة المخابرات في منطقة المنصور لمشاهدة افلام التعذيب. رجل كالمجرمين بدأ يعرض الأفلام وكدت أتقيأ. وهناك أفلام عن تعذيب النساء أيضاً كتعليق امرأة بشعرها الى المروحة وأشياء مقرفة. تضايقت في البداية من الوحشية وصور الاعتداء على النساء. هناك في المخابرات شعبة خاصة يحمل افرادها بطاقات كتب عليها "هتك الأعراض". "عدي" يوزع الكؤوس أرادوا اختباري في أول مهمة. كانت المناسبة مباراة بين فريقين عراقيين لكرة القدم في ملعب الشعب في نهاية 1987. أعدوا لي الحراسة والسيارات وجاء جمال المسؤول عن الملابس واختار لي الملابس ونظارات "الريبان" والساعة الملائمة "رولكس" أو "رادو". انها ملابس عدي. طبعاً في مقر الاقامة كان الحراس في الداخل يعرفون انني البديل، لكن التعليمات كانت تقضي بأن اعامل على أساس انني عدي وأن تنفذ رغباتي. خرجت الى المباراة في موكب من سيارات المرسيدس السوداء. ماذا كان شعورك؟ - كنت خائفاً وكان المقدم منعم جالساً الى جانبي وكنت أقود السيارة بنفسي لأن عدي يقود سيارته باستمرار. كانت السيارة مصفحة وحاول منعم أن يهدئ من روعي بالتشديد على أنني أقوم بواجب. وقال لي كل شيء سيصور حاول ألاّ تخطئ لأن الاستاذ عدي سيؤذيك. وصلت الى الملعب ترجلت الحماية بسرعة كما يفعلون مع عدي، وصعدت الى المقصورة الخاصة. كنت أحدّق في الملعب لكنني في الواقع كنت أفكر في المجهول الذي دخلته. أُعطيت التعليمات لمصوري التلفزيون بالتقاط الصور من دون تقريب الملامح. انتهت المباراة وكان عليّ توزيع الكؤوس ورحت اصافح وأوزع. التعليمات كانت تقضي بألا أنزع النظارات الداكنة لأن عيوني أصغر قليلاً من عيون عدي. انتهت المباراة ورجعنا الى "المكتب 7". شاهد عدي المباراة عبر شريط فيديو واستقبلني وقبّلني وهنأني. طبعاً قبل ذلك طلبوا مني التوقيع على تعهد يقضي بعدم البوح بأي شيء أفعله أو أشاهده في القصر لأن كشف أي شيء يعني الاعدام. في تلك الأيام لم يعرف أهلي أين أنا. كان هناك هاتف لكنني كنت أعرف انه مراقب ولذلك لم أجرؤ على استخدامه لطمأنتهم. كان عدي مسروراً وراح يبذخ الفلوس عليّ ولكن ماذا أفعل بها فأنا سجين في قصر. الواقع ان كل شيء كان تحت تصرفي. تماماً كمن يعيش في الجنة. كان الخدم يحملون اليّ الأكل ولديهم تعليمات بعدم رفع رؤوسهم للتحديق بوجهي. كنت أخلع ملابسي. وبعد أربع ساعات أراها وقد غسلت ورتبت من جديد. كانوا يخاطبوني بلقب الاستاذ. تصور الوضع الذي كنت عليه. دوري أن أنوب عن عدي، أي ان أُقتل نيابة عنه. وفي مقابل ذلك أعيش في قصر وفي تصرفي أفخر الثياب والأحذية والياقات ومجموعة هائلة من الساعات الثمينة. انها لعبة صعبة وخطرة اذ عليك أن تتقمص دور شخص آخر وأن تعيش وفق اسلوبه، وعليك أن لا تخطئ أبداً. مع العسكر في الجبهة الواجب الجديد كان يوم ميلاد صدام حسين في 28/4/1988. كان صدام يأمر بحفلات غير عادية. تزين شوارع بغداد وتنفق الملايين. قال لي عدي أريدك أن تظهر مع العسكر في الجهة وأنت تحتفل معهم بعيد ميلاد السيد الرئيس. طبعاً وافقت. وأحضروا لي البدلة الخاصة التي يلبسها عدي في زيارة العسكر وعليها من ناحية اسمه ومن الأخرى جناح يمثل الطيران. وارتدى افراد الحماية ثياباً عسكرية وأخذتني طائرة هليكوبتر من القصر الى الفيلق السابع في البصرة. ونزلنا أولاً في منطقة العمارة حيث الفيلق الرابع. وزّعنا الهدايا واستقبلني ضباط الأركان بوصفي عدي. وكان التلفزيون يصوّر وكبار الضباط يقولون لي "سيدي". ثم تكرر المشهد في الفيلق السابع وكانوا يحملّونني تحياتهم الى السيد الرئيس. رجعت الى بغداد وكان عدي شديد الفرح. أبلغني عدي أنه سيسافر الى سويسرا. وحين عاد قال ان هناك بشرى سارة وهي ان الحرب مع ايران ستنتهي. وأضاف: عمي برزان أجرى اتصالات مع الأممالمتحدة وآخرين. أقام عدي حفلة كبيرة في "المكتب 7". حفلاته معروفة ... حضرت الحفلة بوصفي من عناصر الحراسة. فعندما لا تكون هناك مناسبة للعب دور عدي كنت أغيّر شكلي قليلاً. أحلق لحيتي أو شاربي وأرافقه بصفتي من عناصر الحراسة. وإذا كان هناك موعد قريب للعب دور عدي لا أرافقه كحارس حرصاً على المظهر. رافقته كثيراً الى حفلات في فندق الرشيد وميليا منصور وكنت أغيّر لون جزء من شعري. اذ بعدما انتهت الحرب مع ايران بدأت الحفلات في الشوارع من اطلاق رصاص وغيره. صدام: ابني الثالث هل التقيت صدام، وبأي صفة؟ - التقيته كثيراً وبصفتي بديلاً من ابنه. متى كانت المرة الأولى؟ - عندما كتب العسكريون الى صدام عن تجنيدي لدور البديل وبعدما أجروا لي عملية التجميل طلب ان يراني. ذهبت إليه في المجمع الرئاسي على طريق المطار في 1987. وصلت فأخضعوني للاجراءات الأمنية. كانت التعليمات تقضي بأن لا أبادر الى مصافحته ما لم يصافحني. دخلت وكان جالساً الى مكتبه. قال: تعال ابني، تعال استريح. أنا سمعت كل شيء عنك. أنا الله أعطاني ولدين وأنت الآن الثالث. اذا كنت تريد أن أرضى عنك ويستجاب اليك ابقَ في مسيرتك واخدم بلدك وستكون كل الأبواب مفتوحة أمامك، ولكن احذر غضبي. لكنني أنا أتصور انك لن تخالف أمر والدك. كان عدي حاضراً وقال له: سيدي ان شاء الله سيكون عند حسن ظنك وهو صديقي وأخي. وقال صدام: خلينا نسمع أخبار جيدة عنك. شعرت خلال اللقاء بالخوف، فللمرة الأولى أقابل رئيساً للجمهورية، ثم ان الرئيس هو صدام وقد سمعت ككل عراقي ما يحكى عنه. المرة الثانية التقيته في الشارع عندما جاء الى القصر. وكنت وعدي على دراجتين هوائيتين فتوقف وسلّم علينا وتابع طريقه. ومرة ثالثة في اجتماع عائلي وكنت في بيت عدي ودخل ليتفرج على البيت. كان يرتدي الدشداشة... والتقيته مرات كثيرة. استقبال فريق كويتي هل عدي مسلح في صورة دائمة؟ - نعم يحمل باستمرار مسدساً من نوع "ماغنوم". هل شمل دور البديل أسفاراً الى الخارج؟ - لا. ما هي أهم المناسبات التي لعبت فيها دور عدي؟ - في الكويت بعد اجتياحها. واستقبلت فرقاً عربية رياضية من المطار الى الفندق والى مقر اللجنة الاولمبية. أي فرقة استقبلت؟ - اعذرني عن الاجابة لكنها كانت فرقاً خليجية. هل بينها الفرقة الكويتية؟ - يبتسم مشيراً بالايجاب خلال احدى السهرات قدمني عدي الى الشيخ فهد الصباح وقال له هذا أعز شخص عندي. وفي تلك السهرة كنت ألعب دور المرافق لعدي. استقبلت الفريق الكويتي بصفتي رئيساً للجنة الاولمبية ورافقتهم الى فندق ميريديان. والطريف ان عدي نفسه ذهب والتقى الفريق في وقت لاحق ولم يلاحظ أحد الفرق. تلقى عدي اتصالاً من عمه برزان للحضور فوراً الى سويسرا. قلت له أخاف ان لا أقوم بالدور كما يجب فرد: نفذ التعليمات ولا توجع رأسي. التقيت الفريق الكويتي وخسر فريقنا في المباراة. وعندما عرف عدي ان الفريق خسر أصيب بالجنون فقلت له هذه رياضة فيها ربح وخسارة فضربني وبصق علي. قلت له أشكرك هذا جزاء عملي. كم كان راتبك آنذاك؟ - لم يكن لي راتب محدد، استطيع التصرف كما أريد. استطيع بلحظة الحصول على خمسين ألف دينار. الأهل واسئلة بلا جواب وماذا عن أهلك؟ - قلت لعدي أتمنى أن أرى أهلي فأجاب: راجع المقدم منعم. وافق منعم لكن شرط عدم التفوّه بأي كلمة. أبلغت عدي فضحك وقال أنا أعطيت أمر الموافقة وليس منعم. وأشار الى أنني استطيع الذهاب الى منزل أهلي في الليلة نفسها ولكن لمدة ساعة. قلت له ان ساعة لا تكفي فأنا من العام الماضي 1987 لم أرهم، فرد بوسعك البقاء ساعتين ولا تجادلني وحذار من التفوه بكلمة. في العاشرة والنصف ليلاً أخذتني سيارة الى بيت أهلي في منطقة الأعظمية. كنت ارتدي دشداشة ومعي سيارة مرسيدس مسدلة الستائر. فتحت والدتي الباب وكانوا في الثياب السوداء وسقطت أرضاً وهي تبكي. لاحظ أهلي وجود شيء غريب في وجهي. سألوني أين كنت فقلت لهم لا تسألوني هذا النوع من الأسئلة. طرح والدي مجموعة اسئلة فرددت عليه بالجواب نفسه. قلت لوالدتي انني مشتاق الى الطبخ الذي تصنعه ورجوتها ان تعد لي شيئاً سريعاً. مرت الساعتان وعدت الى السيارة والى "المكتب 7" فسألني عدي هل كنت مرتاحاً الى رؤية أهلي فأجبت بالايجاب. البديل ونهب الكويت لننتقل الى حرب الخليج الثانية، ماذا فعلت في تلك الفترة؟ - بعد احتلال الكويت تلقيت تعليمات بالتوجه الى هناك والى شركة الغانم بالتحديد ومحلات المجوهرات والموبيليا والمواد الغذائية لأشحنها الى مزارع عدي. حضروا الشاحنات القادرة على حمل السيارات وشاحنات أخرى. توجهت الشاحنات وتبعتها لاحقاً بصفتي عدي وبملابس عسكرية، وارتدى مرافقي ثياباً عسكرية. كانت التعليمات التي تلقيتها تقضي بشحن سيارات ال "بي. ام. دبليو" و"المرسيدس" و"الجاغوار" والسيارات الفخمة. جئنا بالسيارات وأخذنا الأموال الموجودة في البنوك. أمضيت في الكويت ثلاثة أو أربعة أيام وقمت برحلات عدة اليها وتحديداً أربع مرات. هل دخلت قصر أمير الكويت؟ - نعم. وأمرت بتنظيف القصر تماماً بما في ذلك السجاد. وحتى البطانيات شحنت. كيف كانت القوات العراقية المنتشرة في الكويت تعاملك؟ - تعاملني بصفتي عدي. تحيات وسلامات ويحمل الضباط تحياتهم الى الرئيس. وهبّ الجنود للمساعدة وكانت تفتح لي الطريق والجيش يضاعف الحماية. كان معي نحو 71 شخصاً. تابوت الذهب الكويتي ذات يوم دخلنا منطقة الجهراء حيث يوجد معرض كبير للمجوهرات. كانت التعليمات تقضي بنقل الذهب. دخلنا فوجدنا من سبقنا اليه. صرخت بهم بوصفي عدي فدخل علي حسن المجيد ابن عم صدام الذي كان "محافظاً للكويت" بقرار من صدام. كان المجيد يعرف أنني البديل فقال لي: اذهب من هنا يا حيوان وقل ... عدي ان لا يرسلك مرة ثانية الى المكان الذي أكون موجوداً فيه. في هذا الوقت كان علي حسن المجيد جمع سبائك الذهب ووضعها في تابوت لفه بالعلم العراقي بقصد الايحاء بوجود جثة شهيد. وفي العادة لا يخضع نعش الشهيد للتفتيش. ووضع التابوت على السيارة وجاء بمقدم في الجيش وكلفه نقله الى عنوان هو احدى مزارعه. فأخذه المقدم الى المزرعة وعاد. وفي تلك الأثناء اتخذ صدام قراراً باعدام أي شخص يسرق من الكويت. واتصل علي حسن المجيد بصدام وقال له ان ضابطاً سرق الذهب من الكويت بغرض التخلص من المقدم، فسارع صدام الى اصدار الأمر عبر التلفزيون باعدام المتهم ونفذ حسن المجيد اعدام المقدم وظلت جثته معلقة في الشارع أربعة أيام. عدت الى بغداد وأبلغت عدي بتصرف علي حسن المجيد فقال اتركه. ما وصل الى بغداد من الكويت بأوامر مني يقدر ب 125 مليون دولار وشاعت آنذاك نكتة تشير الى تلك البضائع بالقول انها استوردت من الكويت. وكان الناس يضحكون ويقولون "استوردها" لكي لا يقولوا سرقها. "اعدام" البديل كثر الكلام وقرر مساعدو عدي تحسين صورته. جاء الاقتراح من المقدم منعم ومفاده ان أظهر على التلفزيون العراقي واعترف بأنني سرقت بعدما انتحلت صفة عدي ثم يعلن قرار الحكومة باعدامي. طبعاً كان الغرض تبييض صفحة عدي من دون اعدامي، اذ سأتابع دوري. لكن الذين يعرفون بقصة البديل سيعتبرون انه انتهى. في تشرين الثاني نوفمبر 1990 سلمت ورقة لاقرأها وظهرت على التلفزيون وقدمت نفسي أنا لطيف يحيى هارب من الخدمة العسكرية. لقد انتحلت صفة أحد المسؤولين وسرقت ونهبت من الكويت وأنا نادم واعتذر. بعدها أعلن مرسوم جمهوري باعدام لطيف يحيى. وتصور ماذا كانت حالة أهلي وهم يسمعونني أولاً ثم يسمعون قرار اعدامي. وكنت أنا في "المكتب 7" أشاهد شريط اعترافاتي في التلفزيون. وفي المناسبة كانت هناك شيفرة لكي يفتح الباب وندخل الى "المكتب 7" وهي الشيفرة الخاصة بعدي فحين كنا نقول "الشيخ فهد" كان الباب يفتح ثم يغلق وراءنا. كنا نتصل باللاسلكي ونقول الاسم فينفتح الباب. بعد اطلالتي على التلفزيون هنأني عدي وقال بارك الله بك واعطاني 50 ألف دينار. وقال أنت أخي فأجبته أنت لم تبق اخوة. مهمة جديدة بعد اسبوع جاء موعد حفلة سنوية تقام في بغداد واسمها كرنفال النجوم. قال لي عدي أنت ستذهب بدلاً مني ولم يعد أحد الآن يشك في وجود شبيه أو بديل. ذهبت الى الحفلة التي كان يبثها التلفزيون العراقي. وكان عدي يجلس عادة في الطرف ويسند ظهره الى الجدار والحراسة قريبة منه. كانت اشكالات تحدث أحياناً. ففي احدى الحفلات كان مدير المخابرات سبعاوي ابراهيم الحسن، وهو يعرف القصة، فاقترب مني مرة وقال لي: أنت شو جابك لهين. فأجبت: الأستاذ دزني. فقال: كذا عليك وعلى الأستاذ امشِ. فأجبت: أنا لدي أمر من الأستاذ ولن أخرج. طبعاً كان عدي قد قال لي بأن أطيع كبار المسؤولين الا سبعاوي. وفي احدى الحفلات كان سبعاوي يطلب أغنيات محددة فكنت أشاكسه وأطلب من المغنين بصفتي عدي أن يغنوا للسيد الرئيس فانزعج وغادر الحفلة. وكان الفنانون يقتربون مني ويصافحونني. وكانت التعليمات ألا أطيل الحديث معهم بل اكتفي بالمصافحة ثم تبعدهم عناصر الحراسة. بعد الحفلة استدعاني عدي وقال أنت خدمتنا وأنت صديقنا وأريد تسريحك. خفت كثيراً فالتسريح في هذه الحالات يعني الموت. قلت له: هل تريد أن تقتلني فأجاب: لماذا أقتلك، ستبقى صديقي ولكن أريدك ان تغيّر شكلك، ان تطيل شعرك وتحلق ذقنك، وتقول لمن يسألك ان السيد الرئيس عفا عني. وأعطاني 200 ألف دينار وسيارة مرسيدس وكان صدام أعطاني سيارة مرسيدس وضعتها في معرض لبيعها. وأعطاني عدي حارسين وفهمت ان وظيفتهما التجسس علي. صدام الغاضب بدأ القصف على العراق فأرسلوا ورائي. عائلة صدام غادرت بغداد الى الأردن فتونس ثم الى البرازيل. زوجة صدام وشقيقته أمل استقرتا في البرازيل وذهب عدي الى سويسرا. وارسل قصي يطلبني، وهو رئيس جهاز الأمن الخاص. ذهبت اليه في ملجأ العامرية حيث كان صدام. لاحظت ان صدام الذي كان يرتدي دشداشة بيضاء يغلي من الغضب وكان يجلس بقربه حسين كامل وعلي حسن المجيد والعقيد عبد حميد. وقال لي صدام: تعال اجلس هنا. فاقتربت وتابع حديثه: اسمع لطيف نحن سنكلفك واجباً وطنياً، ويجب أن تكون بحجم المسؤولية وتخدم بلدك. فأجبت أنا حاضر لخدمة بلدي. فقال اذهب مع أبو علي حسين كامل وزير التصنيع العسكري وهو سيشرح لك. أخذني حسين كامل الى غرفة ثانية وقال سترافقني بصفتك عدي الى الكويت لنحضر التقارير عن الحرب البرية ونريد ان نغطي على الأنباء التي ذكرت ان عدي غادر البلاد وسترافقنا الصحافة. وكان هذا أثناء القصف الجوي. ذهبت مجدداً الى "المكتب 7" وفي الملجأ أعطوني الملابس العسكرية لعدي وشذبوا لحيتي. خرجنا في رتل من السيارات، لكن كل 4 سيارات متباعدة عن الأخرى ومطلية بالطين لئلا تكشفها الطائرات. صعدت مع حسين كامل في سيارة مصفحة ووصلنا الى منطقة البصرة وأمضينا ليلة في مدرسة هناك. وفي اليوم الثاني ذهبنا الى مقرات الفيالق في منطقة صفوان. وكان دوري ان أتكلم مع اللواء 11 مغاوير، وأن أنقل اليهم تحيات السيد الرئيس واشادته بشجاعتهم. وشاءت الصدفة أن يكون هناك جندي من أبناء منطقتي وبدا من عينيه أنه عرفني لكنه لم يجرؤ على أي كلام، واسم هذا الشخص احسان. وقد لاحظته يبتسم. بعد الحديث طلب مني حسين كامل ان لا أتكلم أبداً وان اكتفي بالوقوف قرب المدافع وغيرها لتلتقط لي الصور. وأخذ حسين من قادة الفرق السيناريوهات المحتملة للحرب البرية ورجعنا الى البصرة. محاولة اغتيال واشتد القصف فقال لي حسين كامل انه سيذهب على أن أتبعه في اليوم التالي وبقيت ومعي حراس. وفي اليوم التالي غادرت البصرة وسلك موكبي الطريق القديمة التي تربط البصرة بمحافظة العمارة وميسان. وفي الطريق، بعد عبورنا منطقة القرنة، خرج مسلحون من المعارضة وأطلقت النار على سيارتي فأصبت في رأسي وكتفي وفي كفي. كانوا يريدون اغتيال عدي. غبت عن الوعي واستيقظت في المستشفى في بغداد. وصدرت الصحف العراقية وهي تقول "الأستاذ عدي صدام حسين مع اخوته في جبهة القتال يقاتل". يومها بثت احدى الاذاعات الدولية ان عدي قتل في جنوبالعراق ولم يعرفوا أنه كان في سويسرا. طلبوا مني الظهور مجدداً في التلفزيون فقلت كيف أظهر والضمادات على رأسي وكتفي ويدي. فطلبوا من عدي العودة فوراً وأطل عبر التلفزيون ونفى الشائعات. وزارني عدي في المستشفى ليقول لي الحمد لله على سلامتك... وقرر أحد الأطباء قطع اصبع يدي المصابة فقال له عدي: "قطع اصبعه يعني نهايتك. عالجه بأي طريقة". فابقوا على اصبعي ولو مشوهة وبعدها خرجت من المستشفى فقال عدي اذهب الى منزلك. أموال وتسريح في اذار مارس 1991 حصلت الانتفاضة فأرسل عدي في طلبي وقال: "أخاف ان يتعرض لك الغوغائيون، ستقيم في مقر أمين. وأقمت في القصر، في ملجأ. قضى صدام على الانتفاضة فأرسل عدي مجدداً في طلبي وشكرني وأعطاني 250 ألف دينار وسيارة "اولدزموبيل". وقال أنت أخي وصديقي وهاتفي موجود لديك إذا تعرضت لأي مشكل. سرّحت، لكنني تذكرت ان الذي يخرج من عمل حكومي من هذا النوع يستحيل أن يعيش أكثر من بضعة أشهر. فكرت في الهرب من العراق لكن ذلك لم يكن ممكناً. هل استقبلت وفوداً أجنبية بوصفك عدي؟ - لا. عقاب وتعذيب هل حصل خطأ ما أثناء تأديتك دورك؟ - ذات مرة كنت واقفاً مع اصدقائي وأصدقاء عدي قرب مكتبي في المنصور وكنا ننوي السهر يوم الخميس. مرت فتاة ... أعرفها من زمن طويل. وتوقفت وقالت تعال أنا أدعوك الى السهرة اليوم. قلت لها لا. أصرت لكنني رفضت. وفي اليوم التالي جاءت عناصر من حماية عدي وأخذتني الى "المكتب 7". وكان عدي في حالة غليان ولم يسلم عليّ وقال لي "الحيوان يبقى حيوان". فسألته عن السبب فقال: "لماذا تحرشت ب .... فأوضحت له القصة. فرفض واتهمني بأنني قلت لها ان تتركه. فقال هل أكذب البنت وأصدقك فأجبته أنا فديتك بنفسي ولا تصدقني؟ قرع الجرس وقال للحراس ادخلوه دورة ضبط لمدة 20 يوماً. الدورة دورة موت لأن التعذيب فيها يستمر من السادسة صباحاً الى السادسة مساء. كسروا أنفي ووصلت الى حد الموت. كان ثلاثة من المحكومين بالاعدام يتولون تعذيبي. وقد تم اعفاؤهم في مقابل القيام بعمليات التعذيب. وعناصر الحماية لصدام يرسلون الى هذه الدورة اذا اخطأوا أو ارتكبوا مخالفة. هذه الدورة خاصة بالعاملين في القصر. الثلاثة أحدهم يلقب بأبو ذيبة والثاني عبدالحسين والثالث غالب. كانوا يضربونني بالكابل على ظهري. وقلت لهم ذات يوم اقتلوني. انكسر أنفي وتكسرت أسناني وتغير شكلي. بعد الأيام العشرين جاء عدي وسألني عن حالي وتناول شفرة حلاقة وحلق لي شعري وشاربي وحاجبي بالموس. أخذوني الى "المكتب 7" وأعطوني مفاتيح سيارتي وذهبت الى البيت. جنّت زوجتي وجن أهلي. أخذوني الى المستشفى وبقيت اسبوعين وأقسمت يومها ان لا أبقى في العراق حتى ولو كلفني ذلك حياتي.