تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    رحلة طموح    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السكرتير الشخصي لعدي صدام حسين يتحدث الى "الحياة" بعد لجوئه الى الغرب . عباس الجنابي : عدي يأخذ على والده صدام ثلاثة اخطاء في ازمة الكويت ... تحرير الرهائن ، والسماح بتجميع قوات التحالف ، وعدم احتلال مناطق النفط 1
نشر في الحياة يوم 18 - 10 - 1998

بعد 15 عاماً من العمل اليومي المتواصل امين سر ومديراً لمكتب عدي صدام حسين، انشق عباس الجنابي عن النظام ونجح في الوصول الى احدى الدول الأوروبية التي طلب فيها حق اللجوء السياسي.
وبذلت الحكومة العراقية جهداً كبيراً لاعادته من عاصمة عربية لجأ اليها كمحطة اولى، لكنه نجا في اللحظة الاخيرة من محاولة لخطفه خطط لها فريقان بعثت بهما بغداد سريعاً.
"الحياة" التقت الجنابي الذي رأس تحرير صحيفتي "بابل" و"البعث الرياضي" اللتين يصدرهما عدي صدام حسين، في احدى العواصم الغربية، حيث تحدث عن تجربته الطويلة والمنهكة مع نجل الرئيس.
وكشف الجنابي جوانب مهمته من النشاط اليومي للمؤسسات الواسعة التي يديرها عدي وألقى أضواء على احداث ظلت غير واضحة حتى الآن. ورسم الحديث معه خريطة العلاقات الدامية بين عدي ووالده وأشقائه. اذ اكد وجود تعارض بين المشروع السياسي لعدي والمشروع السياسي لوالده ولحزب البعث الحاكم. والاعتراضات التي يسطرها عدي ضد القرارات التي اتخدها والده الرئيس اثناء حرب الخليج.
ووصف الجنابي الحالة النفسية لعدي بعد الهجوم الشامل لقوات التحالف الدولي وكيف اختبأ خائفاً. وتحدث عن التنافس والبغضاء التي يشعر بها عدي تجاه شقيقه علي من زوجة الرئيس الجديدة سميرة الشابندر البالغ ثلاثة عشر عاماً. والتعتيم الذي يفرضه عليه.
هذه العناوين، وأخرى كمحاولة اغتيال عدي والاعتداء على عمه وطبان التكريتي ونهبه الممتلكات الكويتية كانت موضوع حوار طويل لپ"الحياة" مع الجنابي.
اود سؤالك أولاً عن علاقتك بعدي صدام حسين، وكيف تعرف اليك؟
- كانت لدى عدي، في العام 1984، فكرة انشاء جريدة هي "البعث الرياضي". فاستدعى ثلاثة خبراء في الصحافة الرياضية كنت انا احدهم، وكان معي المرحوم ابراهيم اسماعيل وضياء عبدالرزاق حسن. عقد اللقاء الأول في نادي الصيد الرياضي، وتقرر ان اقود الجريدة وبدأت العمل معه على هذا الأساس.
"ظاهرة عدي"، كيف تفسرها كصحافي محترف؟
- عدي هو الجزء الآخر من صدام. الابن يقتفي أثر الأب خطوة خطوة. فاذا عدت الى قراءة تاريخ صدام تكتشف ان اهتمامه بالصحافة كان على اعلى المستويات. وكان المشرف بنفسه على جريدة الحزب السرية. اضف الى ذلك ان "ظاهرة عدي" - وهي مفردة دقيقة - ظاهرة تتعلق باسلوب احكام السيطرة على العراقيين. فالاعلام يشكل، في الوقت الحاضر السيف الحاد بيد صدام داخلياً. فهو لا يهتم بان يمتد خارجياً بقدر اهتمامه بالامتداد داخلياً. يؤمن بضرورة ترتيب بيته في الداخل، ثم يقوم بالخطوات التالية الى الخارج.
من يرتب له بيته الاعلامي في الداخل؟ أفضل شخص هو عدي. في البدايات كان عدي بعيداً لأنه كان منشغلاً بالدراسة ولكن عندما نضج اخذ قطاع الاعلام.
في أي سنة بالضبط بدأ صعود عدي؟
- ابتداء من 1983 و1984. في 84 بدأ بروز امبراطورية جديدة في الصحافة نتائجها بدأت بالرياضة وانتهت بصحيفة "بابل". ولكن في وسط ذلك لديك مجلة "الرشيد"، مجلة "الرافدين"، مجلة "عشتار"، اضافة الى عدد كبير من الصحف الاسبوعية التي هي صحف القطاعات التي يقودها عدي، وهي الاتحاد العام لشباب العراق، وهو قطاع واسع جدا يمثل ما لا يقل عن 30 الى 35 في المئة من الشعب العراقي، والاتحاد الوطني لطلبة العراق، القطاع المهم الثاني الذي يتقاطع نشاطه مع عمل قطاع الشباب. التجمع الثقافي الذي يضم خيرة المثقفين والمتعلمين والصحافيين والشعراء في العراق. كذلك نقابة الصحافيين التي هي بمثابة المصفاة، والمدخل الى فرض الهيمنة.
قبل ان نذهب بعيداً، دعني اسألك: هل مشروع عدي امتداد لمشروع حزب البعث؟ هل هو جزء منه ام انه خارج عنه؟
- عدي امبراطورية خاصة. هو خارج حزب البعث، من حيث طموحاته. وضمن حزب البعث في العمل، في الملمح، في الظاهرة. الآن لو سألتني: كيف اصبح عضواً في مكتب الشباب المركزي، ومكتب الشباب المركزي يتمتع بمستوى عضو فرع، اقول ان هذا يتيح له الدخول الى انتخابات القيادة القطرية. وهو طامح للوصول الى عضوية القيادة القطرية.
وما الذي يمنعه من ذلك؟
- هنالك حائل معين، هو التناقض بين طموحاته الشخصية وطموحات والده. والده يرغب في اعداده اعداداً كافياً، من وجهة نظره، لمسائل اكبر مما هو فيها، لكن طموحه الشخصي النفسي، وتفاعلاته الداخلية، تقوده الى تنفىذ رغبات محمومة لجمع المال والثروة واقتناء السيارات الفارهة...
متى شعرت شخصياً بانقطاعك عن مشروع عدي؟ متى شعرت بأنه لم يعد لك مكان في مشروعه وقررت المغادرة؟
- عام 1991، بعد الانتفاضة، اثناء التعذيب الذي تعرضت له. بدا لي آنذاك، تناقض كبير بيني وبينه. تناقض لم يكن بامكاني ان اكشفه لأنني اعرف ان النهاية ستكون الموت. ومن جانبه اراد بقوة ان يحولني من الصحافة، حيث اختصاصي، الى التجارة. استجبت مضطراً لأن ادخل في عملياته التجارية. ومع ذلك كان يشعر بأنني لا ألبي جميع المتطلبات. كان يحس بذلك داخلياً ويعاتبني احياناً ويقول: انك غير متحمس، وغير مندفع، مع ان لديك القدرات الكامنة لتؤدي عملاً تجارياً.
الانتحار او الاصابة
السكرتير الشخصي لقصي، شقيق عدي، انتحر، بعد اذلال واعتقال ومعاناة. هل وصلت في مرحلة من المراحل الى حالة من اليأس فراودتك فكرة الانتحار ايضاً؟
- سكرتير قصي، هو أيسر عبدالغني الحريمص. وهو برتبة رائد ومن ابناء خيرة العوائل التكريتية. ثلاثة من اخوته: صدام عبدالغني، ودحام وهشام، يعملون بمعية عدي ومن مرافقيه الشخصيين. الآن بقي هشام وحده مع عدي. ايسر لم ينتحر نتيجة لشعوره بالاحباط بقدر ما انتحر بسبب احساسه بالظلم. لقد أراد ان يمارس حياته الخاصة، اراد ان يتزوج بامرأة اخرى، ولأن زوجته من اقارب صدام وذهبت الى صدام تشكوه فاعتقل في الامن الخاص، شنق نفسه مستخدماً بيجامته.
اذن أيسر لم يشعر بالاحباط بسبب عمله مع قصي وعدي ووالدهما، بل بسبب الممارسة المقيدة لحريته بطريقة لم يصدقها ولم يتقبلها ويتحملها فانتحر. اما وضعي فمختلف. لقد شعرت بالاحباط وفكرت بالانتحار، كما فكرت باصابة نفسي لإحداث اعاقة جسمانية أهرب بها من معاناتي.
هل ثمة مناسبة، حادثة معينة اوصلتك الى فكرة الانتحار او اصابة نفسك؟
- ليس الأمر متعلقاً بمناسبة بعينها. المسألة هي انك كمواطن، او كإنسان، اياً كنت، لا تستطيع ان تشرب قنينة من الجن، فللانسان طاقة محدودة، كما لا يسمح لك العمر. فماذا تفعل حينما يجبرك عدي على ان تشرب قنينة الجن، بالضغط وبالتهديد؟
وهل يشارككم الشرب بنفسه؟
- الجن مشروب الفلاحين بالنسبة اليه. فهو يشرب بلو ليبل وغلينفينش وأنواعاً اخرى من الويسكي لم يسمع بها الا القليل.
يومياً؟
- نعم. كل يوم.
انقسام الورثة. انقسام العائلة
أين يقف عدي من الصراع داخل العائلة وانقسامها؟
- عدي هو نواة الانقسام، والمحرك في عملية الانقسام، او احد المفاتيح الرئيسية التي تتحكم بها. وبعبارة أدق هو واحد من الاسباب التي أدت الى انقسام العائلة.
كيف؟
- الانقسام الحقيقي في العائلة حدث على خلفية اعمق. دعني اوضح لك بعضها: صدام حسين ينتمي الى آل بوناصر وبالتحديد الى فرع آل بوعمر منها. وهؤلاء ينقسمون فرعين آل عبدالغفور، الذين هم جماعة صدام، وآل خطاب الذين هم برزان وابراهيم الحسن و...
الانقسام الحقيقي بدأ عام 1983، بسبب رغد ابنة صدام، فأول من تقدم ليطلب يدها كان دهام بن محمود الحسن الذي يكون برزان عمه. والشخص الذي ذهب ليخطب رغد هو برزان. لكن صدام رفض. ونتيجة لذلك أقدم برزان على الاعتكاف. ترك وقتها دائرة المخابرات التي كان يرأسها وجلس في داره. وكان عدي أشد المعترضين على زواج رغد من دهام. وجاء اعتراضه ورفض صدام بسبب خلافات نساء العائلة. فزوجة صدام، ساجدة خيرالله، هي شقيقة زوجة برزان، لكن هنالك خلافات بينهما. وفهم برزان ان عدي يقف وراء ذلك.
وعندما تزوجت رغد من حسين كامل استاء برزان جداً وتعمق الخلاف. وكان ميل السيدة ساجدة الى حسين كامل، اكثر من ميلها الى برزان وبيت خطاب عموماً. حسين كامل كان وقتها المرافق الأقدم للسيدة ساجدة خيرالله.
هذه خلفية الانقسام، وهي خلفية قد لا يصدقها بعضهم، لكنها عملية مستمرة ولها تطورات لا تزال تتفاعل باستمرار. وهناك حوادث كثيرة لا تحصى.
غير التي ذكرت؟
- نعم. هنالك زواج صدام من سميرة الشابندر. مثلاً حدث انقسام لم يتم التوفيق بين طرفيه من دون مساعي عدنان خيرالله، وزير الدفاع وقتها وشقيق زوجة صدام. وكما تعلم فان عدي كان ضد الزواج وقتل كامل حنا، مرافق والده الذي كان يتذوق له طعامه وشرابه وكان موضع ثقته، قتله عدي لأنه كان واسطة بين أبيه وسميرة الشابندر.
يروى الكثير عن الطريقة التي قتله فيها. هل شهدت مقتله؟
- كانت طريقة وحشية، وكنت حاضراً اثناءها: ضربه عدي على رأسه بعصا غليظة أصابت هامته. وسقط يسبح في دمه، ونقل الى المستشفى حيث توفي في الساعة العاشرة من اليوم التالي.
ضربه علناً امام الناس، وبوجود قرينة الرئيس المصري السيدة سوزان مبارك التي كانت في زيارة لعائلة صدام، وشاهدت ما حصل، وغادرت في اليوم التالي قاطعة زيارتها للعراق.
للرئيس صدام حسين اولاد من سميرة الشابندر ولكن يبدو ان ثمة تعتيماً على وجودهم.
- نعم لصدام حسين ولد من زوجته الجديدة اسمه علي. وهو في الثالثة عشرة. وهو عضو في الهيئة الادارية لنادي الزوراء الرياضي، ويحظى برعاية خاصة جداً من والده. وهنالك الكثير من الخدم والحراسات والسيارات المرافقة له، شأنه شأن اي واحد من ابناء صدام. اما الصحافة فلا تسلط اي ضوء عليه بسبب عدي. فهو لا يسمح له بأن يأخذ أي دور. الآن هو عضو في الهيئة الادارية لأكبر ناد رياضي، لكن دوره لا يحظى بتغطية، ولا يستطيع ان يخرج من اطار العملية الادارية التي لا يلقى عليها الضوء.
الا يلتقي عدي مع شقيقه علي؟ هل يتحدث اليه؟ كيف ينظر الى أخيه؟
- انه لا يحبه لا يحدثه، بل يكرهه جداً. ان عدي لا يتحمل شقيقه قصي، فما بالك بعلي؟
تقول الروايات عن عدي ان علاقاته متوترة مع الكثير من افراد العائلة وبينهم شقيقه قصي، ما هي دقة هذه المسألة؟
- انها طبيعة عدي وتركيبته النفسية. عدي، حتى قبل عملية الاغتيال الفاشلة، كان شخصاً معقداً، ويتعلق الأمر بطريقة تربيته. فعلاقة قصي اساساً بوالده الذي يشرف على تربيته. اما عدي فان والده يربيه ايضاً، ولكن ليس بالدرجة نفسها، ولذا فقد ترك جده خيرالله طلفاح وأمه اثرهما عليه، انه من تربيتهما، ولذلك تجد في عدي كل صفات خيرالله، التي هي حب المال، حب الثروة والسيطرة على اراضي وأملاك الآخرين، والاستهتار والتطرف في الافكار والعنف. كل هذه الصفات مجسدة فيه. طبعاً اخذ قسماً منها من والده وتطبع بالبقية على يد جده خيرالله، ولا سيما منها كل الاشياء التي تشجع على هضم حقوق الآخرين.
ما هي حقيقة الوضع الصحي لعدي الآن؟
- وضعه الصحي جيد. لكنه لا يزال عاجزاً عن المشي. فالاطباء بدلوا عضم الساق لرجله اليسرى، لكن الدماغ يرفض استقبال العضو الجديد، وهي حالة مرضية تدعى "اسقاط القدم"، اي انه لا يستطيع السير بشكل جيد. وهو يستخدم في تحركه اما عكازات او عصا يستند اليها. وكان لوقت قصير يشكو من اصابته ومن الآلام التي تسببها له.
هل أثرت حادثة الاغتيال في مواقفه خصوصاً تجاه قصي؟ وهل تبدلت مسؤولياتهما جذرياً بسبب ذلك؟
- المسؤوليات في عائلة صدام نسبية. ولكن من وجهة نظري فان الادوار الممنوحة لعدي اكبر من تلك الممنوحة لقصي. فعلى رغم ان قصي يسيطر الآن على الأمن الخاص والحرس الخاص والحرس الجمهوري، وهي قوة اساسية في الجيش العراقي، فان المسؤوليات الاخرى التي هي قطاع الشباب، وقطاع الطلبة والمثقفين، وفدائيي صدام... الخ، كل هذه ادلة على ان عدي يجري اعداده اعداداً لا بأس به.
انما الصدمة التي تعرض لها عدي بعد عملية الاغتيال وحالته النفسية زادتا عقدته من قصي. الخلاف بينهما بدأ عام 1988، بعد حادثة اغتيال كامل حنا، اذ كلف صدام حسين شخصين لجمع معلومات عن عدي، الأول حسين كامل والثاني قصي. كان حسين كامل ماكراً فلم يقدم جميع المعلومات التي حصل عليها عن استهتار عدي، وعن تجارته وصفقاته وجرائمه الجنسية، في حين قدم قصي معلومات دقيقة عن شقيقه. لذلك بدأ عدي يعتب على اخيه ويتساءل هل يرغب في انهاء مستقبله حقاً. وكان الرئيس اجتمع بنا بعد حادث اطلاقه النار على عمه وطبان وقال لنا ان عدي انتهى وطلب منا ان نقول كل شيء نعرفه عنه. لكننا لم نتجرأ وبدا الأمر كأنه مسرحية.
ولذلك اود القول ان عملية الاغتيال جاءت بمثابة انقاذ لعدي، لأنه كان يسير في اتجاه العزلة والتدهور والانغلاق على نفسه.
متى بدأت عملية عزل عدي بالتحديد؟
- عام 1995، بعد اصابته عمه وطبان، اذ أراد الرئيس ان يلقنه درساً. آنذاك سعى والده الى عزله. الاعتداء على عمه كان جزءاً آخر من الانقسام العائلي. لماذا قام عدي بضرب عمه؟ حصل اشتباك بين لؤي خيرالله وأحد ابناء ابراهيم الحسن، ودفع وطبان الثمن.
لذلك فان عملية اغتياله الفاشلة جاءت بمثابة انقاذ لعدي، فاستعاد الآن مراكزه وكل المناصب. وكان - كما تعرف - اخرج من التجمع الثقافي ومن الاتحاد الوطني لطلبة العراق ولشباب العراق، ومن نقابة الصحافيين ومن جامعة صدام ومن مدينة صدام الطبية وحتى كلية بغداد التي كانت تحت اشرافه. عملية الاغتيال عدلت الموقف وعاد الى كل المناصب التي كان تخلى عنها بأمر من والده.
اغتيال عدي:
اين كنت عندما حصلت عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت عدي؟
- اثناء عملية الاغتيال وفي لحظة اطلاق النار عليه كنت في اللجنة الأولمبية، اشاهد مباراة لكرة القدم بين الفريق العراقي وفريق تايلند ضمن بطولة آسيا التي كانت تقام في الامارات. كان دوري ان اراقب المباراة وأقدم تقريراً هاتفياً الى عدي في سيارته، لأنه لم يشاهد المباراة التي كانت محسومة النتيجة لمصلحة العراق وفضل مواصلة مشروعه كل يوم خميس في المنصور حيث يحاول التقاط فتاة او ما شابه من حاجات الشباب. كنت في اللجنة اتصل بهاتف سيارة عدي ولا أتلقى جواباً. اتصلت بالبدالة فأبلغني العامل انه توجه الى مستشفى ابن سينا. وعرفت كل شيء حينما وصلت الى هناك. المهم في هذه الحادثة ان الشخص الذي انقذ حياة عدي، وهو علي الساهر، تلقى تهديداً شديد اللهجة من صدام. كنا نقف في باب مستشفى ابن سينا ومعنا قصي، ووصل صدام بطائرة هليكوبتر. وأرسلوا بطلب علي الساهر. فقال له صدام: اذا حصل مكروه لعدي فسأقطعك. وكان صدام يعتقد بأن الساهر متورط في عملية الاغتيال. الاعلام العراقي قام ولم يقعد على اساس ان للعملية دوافع سياسية قام بها الايرانيون. وهذا كلام فارغ وليس له اي اساس من الصحة. فعدي بتهوره وطيشه مرشح في كل وقت لمثل هذه الأعمال.
ولكن كيف تسرب خبر وجود عدي وتوقيت تحركاته الى منفذي العملية؟
- اي عراقي يعيش في العراق، يعرف ان عدي يأتي الى هذا المكان كل يوم خميس. ولمدة تسعة اشهر يقصد المكان حتى من دون حراسته الشخصية.
المسافة بين موقع العملية ومستشفى ابن سينا كبيرة، وهنالك مستشفيات كثيرة كان يمكن ان تسعفه بوقت أبكر. ما هو سر اختيار ذلك المستشفى؟
- اولاً مستشفى ابن سينا خاص بالرئاسة، وما يتوفر فيه من ادوات ومعدات غير متوافر في بقية المستشفيات. المسألة الثانية ان علي الساهر عندما نقله في سيارة السوبر تويوتا، لم يكن يفكر في نقله الى أي مستشفى غير المستشفى الخاص بعائلة صدام.
سيارات... ونساء
قيل الكثير عن عادات عدي الغريبة: ولعه المبالغ بالسيارات وبالنساء... ما هي حقيقة الأمر كما عشته الى جانب عدي؟
- هذه ليست اقاويل خصومه بل حقائق. فهو يقتني أرقى أنواع السيارات، وهو سرق من الكويت اكثر من 160 سيارة من نوع خاص، وهذا ما سأنشره بالتفصيل في كتابي الجديد. وقد لا تصدق اذا قلت لك ان لديه اكثر من 1300 سيارة من الأنواع الفخمة، مثل الرولس رويس والبورش والفيراري بكل انواعها ولينكولن وروفر وغيرها.
في مرحلة ما ذكر ان والده احرق محتويات مرآبه، ما صحة هذا الحديث؟
- فعلاً، امر والده باشعال النار بپ13 سيارة: 3 رولس رويس و3 بورش، وسيارتا فيراري، والبقية لينكولن.
ألم يكن يعرف والده باسطول سياراته؟
- بعد عملية وطبان، جاء والده الى احد المرائب فقط. عدي لديه خمسة أو ستة مرائب اخرى، على الأقل هذه التي اعرفها شخصياً.
وما قصته مع النساء ومغامراته؟ وما هو موقف والده من الأمر؟
- كان والده يسمع بذلك. ولكن ما الذي بوسعه ان يفعله له؟ ومن وجهة النظر العامة الأمر تحصيل حاصل. فعندما يسامحه والده على قتل احد العراقيين امام الناس، فكيف يمكن ان يكون خطف بنت امراً اكبر وأكثر شدة!
هل من المحتمل الا يكون والده على علم بعمليات الخطف والاعتداء على النساء؟
- لا، أبداً، انه يعرف كل شيء وبالتأكيد. لا تعتقد بأنه يوجد مكان في العالم لديه اجهزة امنية اكثر من العراق. نحن الوحيدون من بين دول العالم الذين لديهم جهاز امن، وجهاز امن خاص وحرس خاص، وأمن عسكري واستخبارات عسكرية، وأمن عام ومخابرات، وأمن حزبي، اضافة الى جهاز امن الدوائر الادارية. هل تعتقد بأن الذي لديه كل هذه الاجهزة لا يعرف ما الذي يقوم به ولده؟
عدي وحرب الخليج
كانت اياماً عصيبة على النظام اثناء حرب الخليج والهجوم البري. بحكم وجودك الى جانبه اثناء الانسحاب من الكويت، كيف تصف سلوك عدي تلك الأيام؟ وكيف كان موقفه ووضعه النفسي؟
- دعني أبدأ بالاجابة عن سؤالك منذ البداية. قبل يوم واحد من الهجوم العسكري، اي ليلة 16 الى 17 يناير، حلق عدي شعر رأسه وارتدى بدلته العسكرية السوداء، وتوجه الى الجبهة على اساس مقاومة التهديدات الاميركية بالضرب. ولكنه عاد في الرابعة والنصف صباحاً من الجبهة وكان وقتها في جبهة الناصرية. كان خائفاً، يرتجف وكنت موجوداً معه في تلك اللحظة. وعندما رجع لم يذهب الى اي من بيوته، ولا الى الاماكن المحددة سلفاً في ما يعرف بپ"عملية الاخلاء" و"الاماكن البديلة"، بل ذهب الى بيت احد اصدقائه، وهو محمد القره غولي الكائن في مدينة المأمون. وهناك اختبأ في البيت وأقفل غرفته عليه ورفض ان يستقبل اي شخص بما في ذلك أنا.
وبقينا ننتظر خروجه من مخبأه حتى اليوم التالي. حيث بعث بطلبي. دخلت غرفته وبدا في وضع احسن من الأمس. وشدد على الايحاء بأنه لم يكن خائفاً وادعى ان قلقه الأول على عائلته التي لا يعرف اين اصبحت.
بعد لقائي معه استدعى احد اقرب افراد حمايته، كريم خطاب، وسأله عن الاماكن البديلة المخصصة له، فحدد له مكانه في احد البيوت الصغيرة في جزيرة الأعراس السياحية. وانتقل الى الجزيرة وكان على العموم مرعوباً.
ومع مرور الوقت، وتواصل القصف بدأ عدي باستعادة وعيه ونشاطه. كان يركز في هذه الفترة وبشكل اساسي على السيطرة على الاعلام. فأصبح هو الذي يقود الاعلام العراقي وليس لطيف نصيف جاسم وزير الاعلام. وبلغ تحكمه بالاعلام الى درجة انه عندما قرر والده الانسحاب من الكويت وطلب اعلان ذلك في وسائل الاذاعة والصحافة، لم ينشر الخبر الا بعد موافقة عدي. ويشهد على ذلك زهير العامري، رئيس تحرير جريدة "الجمهورية"، والاستاذ سعد البزاز، رئيس تحرير جريدة "الزمان" حالياً.
لم تستطع جريدة "الجمهورية"، وهي الجريدة الرسمية للدولة، ان تنشر خبر الانسحاب الا عندما سمح عدي بذلك. وكان صدام في بداية المواجهة اعطى امراً بعدم تصديق او نشر اي خبر عن الانسحاب من الكويت الا اذا كان يحمل توقيعه الشخصي. ولكن عندما جاء قرار الانسحاب بتوقيع صدام حسين لم يتجرأ رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" على نشر الخبر، واتصل بي ليبلغني بالخبر ويطلب التعليمات من عدي. ومن جهتي قلت لعدي ان ثمة قراراً بتوقيع الرئيس يعلن الانسحاب من الكويت عندها امر بنشر القرار.
وهل يعني ذلك تعارضاً في المصالح والسياسات بين الرئيس وولده؟ ما هو موقف عدي من سياسة والده تلك الأيام؟
- عدي يتحدث عن حرب الخليج بصيغة تختلف عن الآخرين. ووفقاً لعدي ارتكب صدام ثلاثة اخطاء كان يجب الا تحدث: الأول انه اخطأ بتحرير الرهائن الغربيين، أو "الضيوف" كما كان جرى وصفهم. الثاني انه كان على صدام الا يسمح بتجميع قوات التحالف الدولي في حفر الباطن، وانما كان يجب مهاجمتها وضربها قبل التجمع والاشتباك مع كل قوة جديدة اولاً بأول. والخطأ الثالث كان وجوب احتلال الاحساء والقطيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وصولاً الى منابع النفط، والتهديد من هناك بالرد على القوات الاميركية اذا ضربت العراق وإحراق آبار النفط في المقابل.
هل كان هذا النمط من التفكير مقصوراً على عدي وحده، ام انه كان موقف جزء من القيادة العراقية؟
- لا استطيع الجزم هل كان آخرون يفكرون بالطريقة ذاتها، الا انني سمعت من عدي هذا الكلام في مناسبات عدة.
تعرضت الكويت لعملية نهب منظم اثناء الاحتلال، وكان الانطباع ان عدي في قلب هذه العملية. ما الذي تشهد به الآن عن دوره في النهب؟
- عندي احصاء دقيق بكل ما اخذه عدي من الكويت، بدءاً من المطابع والسيارات والملابس وانتهاء بالسجاد والثريات والادوات الاحتياطية وأسطول سيارات الفولفو وكميات الذهب والماس من عدد من البيوتات الكويتية.
هذه المنهوبات لا تزال تحت تصرفه ولم تجر عملية اعادتها؟
- لا احد ينوي ارجاعها. خذ مثلاً مطبعة القوات المسلحة الكويتية، وكانت جديدة تماماً، صادرها عدي وجلبها الى بغداد من ثم باعها الى شركة علاء القاضي بمبلغ ملياري دينار عراقي. وهي موجودة وتعمل عنده في مقره بمنطقة القناة في بغداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.