منذ خمسة وأربعين عاماً ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تمثل شريان الحياة بالنسبة الى ملايين اللاجئين الفلسطينيين، إذ أنها شكلت الاستجابة المادية للمجتمع الدولي للظلم الذي لحق بهم في العام 1948. وإذا ما قامت الدولة الفلسطينية، أو عندما تقوم فستكون الخدمات الصحية والتعليمية للوكالة، بل وما ناله بعض كوادر هذه الدولة من تعليم، جزءاً من تركتها للدولة. إلتر توركمان، السفير التركي السابق لدى الأممالمتحدة، هو المفوض العام للوكالة منذ أكثر من سنتين، وقد أثار بهدوئه وكفاءته جميع الذين عملوا معه. أما في الأممالمتحدة نفسها فهناك شائعات مفادها أنه سيستبدل قريباً ربما، كما يقول ديبلوماسي عربي مخضرم، لأنه يمتاز بكفاءته وفعاليته. "الوسط" التقت توركمان في مكتبه في نيويورك وحاورته في شؤون الأونروا. قبل حوالي عامين قلت انك تعتبر انشاء مستشفى الوكالة في غزة هدية للدولة الفلسطينية. فهل كانت لديك أية معلومات سرية آنذاك، أم كان كلامك جزءاً من تفاؤلك الطبيعي؟ - لم أكن متفائلاً وإنما كنت أحاول التظاهر بأنني متفائل. أما الآن فنحن لا نفعل أي شيء من دون التشاور مع القيادة الفلسطينية. وهذه القيادة تؤيد ما نفعله بصورة تامة كما أنها طلبت منا الاستمرار بل وتوسيع المرافق التعليمية ورفع مستواها. يمكن القول انكم تمثلون نواة الجهاز الاداري الحكومي الفلسطيني. فهل فكرتم في نقل المسؤوليات؟ - نعم، نحن أكبر جهة توظف الناس بعد الحكومة. إذ أن الحكومة توظف حوالي 16 ألف شخص في الخدمات الطبية والادارية وما الى ذلك، بينما نوظف نحن ثمانية آلاف شخص. وستستخدم منظمة التحرير الفلسطينية الموظفين الحكوميين بالاضافة الى عدد أكبر كثيراً بالطبع لأنه ستكون هناك قوة شرطة فلسطينية. والواقع ان لدينا "برنامجاً لتنفيذ السلام". فمن أكبر المشاريع مستشفى غزة الذي احتفلنا بالشروع فيه. وسيكلف عشرين مليون دولار كما أنه سيؤمن العمل لحوالي ألف شخص. ومنذ ذلك الوقت طلب منا تنفيذ المشاريع التي توفر فرص العمل. وفعلاً استطعنا تحديد مشاريع تبلغ كلفتها حوالي سبعين مليون دولار. لكن أهم أولوياتنا هي ضمان انتقال المسؤوليات والسلطات بشكل سلس. ونحن على استعداد لمساعدة الادارة الفلسطينية الجديدة بأكبر قدر ممكن. وبعدئذ علينا أن نؤمن الأعمال لكي يشعر الفلسطينيون أن السلام يقدم لهم شيئاً. بعض مشاريعكم تبدو وكأنها تقبل الوجود الدائم للاجئين في غزة. ألا يثير هذا أية مشاكل؟ وهل يعني ذلك أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 194 الخاص باللاجئين لم يعد قائماً؟ - مشكلتنا هي تحسين أوضاع المعيشة للناس في المخيمات ولمن يعيشون خارجها أيضاً. ولهذا نحاول اقامة مساكن جديدة للاجئين أو تحسين المساكن الحالية. ونحن نفترض أنه مع تحسن الوضع الاقتصادي فإن بعض الناس سيرغبون في مغادرة المخيمات وشراء منازل أفضل، بينما سيظل الآخرون فيها. ولهذا فإن أي شيء نفعله لتحسين المخيمات سيكون استثماراً جيداً ولفترة طويلة من الزمن. في الأردن مثلاً هناك الكثير من المخيمات. ولكن نظراً الى أن سكانها جميعاً مواطنون أردنيون ولم يتخلّوا في الوقت نفسه عن حقوقهم كلاجئين فقد حولوا تلك المخيمات الى مناطق سكنية عادية تقريباً. صحيح أنها مناطق سكنية فقيرة ولكنها لم تعد مخيمات بالمعنى القديم. لهذا لا يوجد تناقض بين وضعية لاجئين وجنسية الدولة الجديدة. أما التوطين فهو مسألة سياسية يجب حلّها بين العرب وبعضهم البعض في غزة. بينما نظل مسؤولين عن مليون لاجيء في الضفة الغربية وقطاع غزة. 350 ألفاً في لبنان لكن بالنسبة الى لبنان يبدو أن أصعب جوانب أية تسوية سياسية نهائية هو ما سيحدث للاجئين هناك نظراً الى عدم التوازن الطائفي في هذا البلد. - المشكلة صعبة لكنها ستحل نفسها عندما يتم التوصل الى اتفاق على موضوع اللاجئين، واتفاق بين اللبنانيين والفلسطينيين. ونحن على اتصال مع الحكومة اللبنانية وهي تؤيد المشاريع التي نقوم بها هناك من أجل تحسين الوضع السكني في المخيمات. كما أننا ننهمك في إقامة المساكن في لبنان للمشردين الذين يعيشون في المساكن التي هجرها أصحابها، إذ أن أصحاب تلك العقارات بدأوا يعودون الى البلاد ويستعيدون ممتلكاتهم. وفي الآونة الأخيرة حصلنا على بعض المخصصات المالية من الحكومة الأميركية، وها نحن نستخدمها في بناء المساكن. كم عدد اللاجئين في لبنان؟ - تقريباً 350 ألف لاجيء، اذ لا أحد يعرف العدد الدقيق بالطبع، لكن هذا هو الرقم الذي نتفق مع الحكومة اللبنانية عليه. وهناك عدد من المشردين من قطاع غزة، لكن أكثر من 300 ألف لديهم وثائق رسمية. ومن الطبيعي أنهم ليسوا مواطنين لبنانيين مثلما هي الحال بالنسبة الى اللاجئين الفلسطينيين في سورية الذين ليسوا سوريين، انما يتمتعون بحقوق وعليهم واجبات مدنية أكثر مما هي الحال في لبنان، لكن الوضع الاقتصادي في بعض المخيمات سيء جداً. وبعض تلك المخيمات في حالة من التداعي الشديد كما هو الوضع في المخيم القريب من حلب الذي زرته أخيراً. والواقع انني فوجئت حين ذهبت الى هناك لأنني كنت أظن أن وضع اللاجئين في سورية أفضل من وضعهم في أماكن أخرى. لكن هذا غير صحيح في بعض المخيمات لأنها في أماكن سيئة. ولذا سنحاول تحسين السكن. وفي سورية يستطيع اللاجئون تلقي التعليم في مدارس الأونروا وفي المدارس والجامعات السورية، كما أنه لا توجد أية قيود على توظيفهم أو استخدامهم. لكن الحال مختلف في لبنان، ولهذا السبب هناك مشكلة كبيرة؟ - المشكلة الكبرى هي لا توجد أعمال أو وظائف في لبنان حتى للبنانيين. يضاف الى ذلك أنه لا يمكن استخدام اللاجئين أو توظيفهم بصفة قانونية إلا في أعمال البناء أو الزراعة. وفي الآونة الأخيرة قالت الحكومة اللبنانية انها ستنظر في طلبات التوظيف على أساس انتقائي. سنرى. الآن وقد أصبحت الأراضي المحتلة منطقة مرغوبة فجأة نتيجة اتفاق السلام، هل تشعر بالقلق من احتمال التغاضي عن خبرة الأونروا في غمرة تدفق الوكالات الأخرى على المنطقة؟ - لا. نحن أكبر منظمة في الضفة الغربيةوغزة ولا يمكن لأي منظمة دولية أخرى أن تقارن نفسها بنا. وموازنتنا تبلغ 130 مليون دولار. ومع ذلك فإن برنامج الانماء للأمم المتحدة له نشاط هناك. وعلينا ألا ننسى أن برامجنا تتكامل مع برامج منظمة الصحة العالمية وبرامج منظمة اليونسكو، إذ أن منظمة الصحة العالمية هي التي تعين كبار موظفي الصحة في الأونروا مثلما تعين اليونسكو كبار موظفي التعليم. يضاف الى ذلك أن برامجنا الصحية تسير وفق تعليمات منظمة الصحة والشيء نفسه ينطبق على برامجنا التعليمية بالنسبة الى تعليمات اليونسكو. أما بالنسبة الى التنمية البعيدة المدى فنحن نحتاج الى البنك الدولي ولهذا هناك اتصال بين موظفينا والبنك. في هذه المرحلة من التنمية يبدو أن العالم يريد أن يضخ الأموال الى الأراضي المحتلة بأي ذريعة تقريباً من أجل انعاش الاقتصاد وإقناع الفلسطينيين بفائدة الاتفاق. فهل هناك أي دور للأنروا في ذلك؟ - بالنسبة إلينا ستكون مساهمتنا تحسين مستوى السكن وبناء المساكن الجديدة، وبناء المدارس والمراكز الصحية وتحسين الموجود منها. وهناك مستشفى غزة وبرامج بيئية مثل شبكات المجاري والمياه اضافة الى تقديم القروض الصغيرة للأعمال. ولعل أكبر ميزة لدينا هي أننا موجودون على الأرض ولدينا الموظفون والبنية الأساسية كما أننا منظمة في منتهى المرونة. فالطريقة التي طورنا بها مثلا برنامج توليد الدخل كانت واقعية وعملية جداً. ومع ذلك قدمنا قروضاً تصل الى حوالي خمسة ملايين دولار، علماً بأن الحد الأقصى لأي قرض هو خمسون ألف دولار. إذ ساعدنا مثلاً على اقامة ورشات للأشغال المعدنية ولأعمال النجارة وصناعة الخزف والبلاط. ونحن نطبق المعايير التجارية على تلك القروض ونتقاضى فائدة عليها. والواقع أن تسديدها ممتاز جداً ويصل الى نسبة ثمانين في المئة. وأعتقد أننا لم نجد أنفسنا مضطرين في أي مناسبة الى شطب أي ديون بكاملها. هل تحسن الجو العام لنشاطاتكم في الأراضي المحتلة منذ توقيع الاتفاق؟ - بالتأكيد، إذ أن رئيس الوزراء الاسرائيلي نفسه أعرب عن تقديره لعمل الأونروا. كما أن عدد الحوادث انخفض، وبكل تأكيد حدث تغيير في موقف الحكومة الاسرائيلية، ولكن من البديهي أن الاحساس بنتيجة كل ذلك على المستويات الأدنى يستغرق وقتاً. موظفون في السجون الاسرائيلية ولكن لا يزال هناك موظفون من الأونروا في السجون الاسرائيلية؟ - لا يزال حوالي ثلاثين من موظفينا في السجن. كذلك كان 16 من موظفينا بين المبعدين الى لبنان. ومشكلتنا هي أن سلطات الاحتلال لا تقول لنا أبداً ما هي التهم الموجهة اليهم. لكن مصيرهم موضع بحث الآن في محادثات طابا. هل هناك موعد لانتهاء مهمة الاونروا؟ هل سيكون ذلك عندما يتم تطبيق القرار 194؟ - لا أعرف إذا كانت مشكلة القرار الرقم 194 ستسوّى. ولكن إذا تم التوصل الى اتفاق على مشكلة اللاجئين وإذا ما قبلت جميع الأطراف أن المشكلة أصبحت محلولة فإنه لن تكون هناك حاجة الى الاونروا. وفي ظني أن هذا ربما كان خلال ست سنوات. فمن القضايا التي ستبحثها مفاوضات السلام مشكلة اللاجئين. ولهذا لن يكون هناك حل خلال فترة السنوات الخمس الانتقالية. وبعدئذ، سيكون هناك بحث بعد ذلك بسنتين على أقصى حد في هذه المشكلة. وعلينا أن نتذكر أنه يوجد خارج الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 1.8 مليون لاجيء وسيكون هؤلاء مسؤوليتنا حتى ذلك الوقت على الأقل. هل تشير مصادركم في هذه المخيمات الى أن الناس خارج الأراضي المحتلة راضون عن اتفاق السلام لا سيما أنه لا يقول الكثير عن مشكلتهم؟ - ليس هناك اتجاه واضح. لكننا أبلغنا المجتمع الدولي بضرورة معالجة مشكلة اللاجئين في الخارج ومساعدة اولئك اللاجئين. فإذا ما أهملهم المجتمع الدولي فإن هذا ربما يؤثر في عملية السلام بصورة سلبية. وقد لفتنا انتباه الجهات الرئيسية التي تقدم المساعدات الى هذه المسألة. وفعلاً بدأنا الآن نتلقى المال لمساعدة اولئك اللاجئين، لا سيما في لبنان.