منذ بضعة أشهر وأنا أسمع قصصاً عن وجود "أزمة" في العلاقات المصرية - الأميركية. ومعظم هذه القصص صادر عن القاهرة والمصادر العربية. ولكن إذا سألت الأميركيين فانك لن تجد بينهم من لديه أي فكرة عما هي تلك الأزمة. والواقع ان ليست هناك أي أزمة إطلاقاً من المنظور الأميركي. وأنا شخصياً أعتقد بأن معظم الأحاديث والروايات عن مثل هذه الأزمة التي يعثر عليها المرء في الصحف تقوم على أسس مهزوزة جداً. دعونا نلقي نظرة على الأدلة. إن أكثر الروايات إثارة عن هذه الأزمة يتخيل أن ادارة الرئيس كلينتون خلصت الى نتيجة مفادها أن نظام الرئيس حسني مبارك والقوى الاقتصادية والاجتماعية التي يمثلها مكتوب عليها الانتهاء. ولهذا بدأت الادارة الأميركية باتخاذ خطوات لاقصاء نفسها عن الحكومة الحالية ورعاية وتشجيع الذين يرجح أن يخلفوها - وفي هذه الحالة النزعة الاسلامية - واسمحوا لي بأن أكون صريحاً فأقول إن هذا بكل بساطة هراء. ويشير الذين يعتقدون بأن الولاياتالمتحدة تتمنى في سرّها ظهور حكومة اسلامية في مصر الى ما يسمونه حقيقتين: الأولى ما تحدثت عنه الأنباء من وجود اتصالات بين مسؤولين من السفارة الأميركية في القاهرة وأعضاء بعض الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر. والثانية هي الغموض المستمر الذي يحيط بسبب سماح الولاياتالمتحدة للشيخ عمر عبدالرحمن بدخولها وبطبيعة الاتصالات التي يحتمل أنها كانت بينه وبين وكالة الاستخبارات المركزية سي. آي. أي أثناء وجوده في باكستان. وأنا شخصياً ليست لدي أي معلومات موثوق بها من مصادر مباشرة عن هذه المسائل، لكنني لا أظن أنه يجب المبالغة في تعليق الأهمية على اتصال مسؤولين من مستوى مخفوض من السفارة بأناس ربما أعتقد المسؤولون أنهم أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين. وأنا أفترض أن وزارة الخارجية تسعى فعلاً الى التعرف الى آراء حركات المعارضة في القاهرة. إذ أن هذا يشكل جزءاً مما ينبغي على السفارات أن تقوم به. لكنني سأشعر بدهشة كبيرة جداً إذا تبين أن المسؤولين الأميركيين اجتمعوا الى أعضاء جماعات محظورة وهم يعرفون ما يفعلونه. كما أنني بكل تأكيد لن استخلص إطلاقاً من هذه الحوادث أن الولاياتالمتحدة تؤيد أو لا تؤيد الحكومة المصرية حالياً. أما قضية الشيخ عمر عبدالرحمن فكانت تثير أسئلة أكثر خطورة ولو حتى الى وقت قريب على الأقل. إذ كان من الصعب فعلاً تفسير سبب الليونة في التعامل مع الشيخ عمر. وها نحن نعرف الآن ماذا كان يجري خلال الأشهر الماضية. إذ أن الولاياتالمتحدة كانت تعد قضية قانونية معقدة ضد الشيخ عمر وأتباعه، ولم تكن تود اعتراض سبيله الى أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات. أي أنها كما يقول المثل أطلقت الحبل له على الغارب ليقع في الشرك. وهكذا بعدما وجهت اليه التهمة رسمياً بالتآمر، فإن من السخف الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة كانت تسعى الى بناء سمعته وشهرته من خلال اطلاق الحبل له على الغارب ومنحه الحرية للتحدث في مقابلات مختلفة والتنديد بنظام الرئيس حسني مبارك. وأنا على يقين بأن الذين يؤمنون بنظرية التآمر سيجدون تفسيراً جديداً لاعتقال السلطات الأميركية الشيخ عمر ويقولون إن هذه الخطوة جزء من مؤامرتها الملتوية ضد نظام الرئيس مبارك. لكنني على يقين أيضاً بأن الحكومة المصرية تشعر بارتياح الى القبض عليه وعدم اعادته الى مصر حيث يمكن ان يثير وجوده هناك مشكلات لها. فإذا كان من الصعب توجيه التهمة بجدية الى إدارة كلينتون بأنها "تغازل" المعارضة الاسلامية، فإن هذا لا يلغي السؤال المهم وهو الى أي مدى تستعد لتأييد الحكومة المصرية؟ هناك بعض الناس ممن يعتقدون بأن زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة لم تسر على ما يرام وانه لم يكن هناك تجاوب بينه وبين كلينتون. ولكن علينا أن نتذكر أن قضية الشيخ عمر عبدالرحمن ألقت بظلالها على تلك الزيارة، كما أن قضية المبعدين الفلسطينيين كانت من دون حل. كذلك كانت عملية السلام وصلت الى استعصاء. كما أنه كان يعرف عن إدارة كلينتون تأييدها القوي لاسرائيل. كل هذا أعطى الانطباع بأن الزيارة لم تكن على تلك الدرجة الكبيرة من النجاح. إلا أنها بكل تأكيد لم تفشل أيضاً. ومن المرجح أن يزور مبارك واشنطن مرة أخرى قبل نهاية العام وسيبذل الطرفان قصارى جهودهما لإنجاح هذه الزيارة. إن الحديث عن وجود أزمة في العلاقات المصرية - الأميركية يتجاهل حقيقة واضحة وهي ان الدولتين احتفظتا بعلاقات وثيقة جداً على رغم بعض الاختلافات البيّنة في مصالحهما. فأولاً تعاونتا تعاوناً وثيقاً، وفي معظم الأحيان في ظروف صعبة، من أجل دفع مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية الى الأمام. وربما بدأنا الآن برؤية بعض نتائج تلك الجهود. ثانياً، ترك التعاون المصري - الأميركي أثناء الغزو العراقي للكويت إحساساً قوياً جداً بالهدف المشترك، فالأميركيون يعرفون أن مصر لعبت دوراً حاسماً في المساعدة على تعبئة المعارضة العربية لصدام حسين، كما أن المصريين يعرفون أن ما نجم عن ذلك من الغاء سبعة آلاف مليون دولار من الديون العسكرية المصرية أعطى الاقتصاد المصري قوة الدفع التي يحتاج اليها. وإذا كانت العلاقات المصرية - الأميركية على مثل تلك الدرجة من السوء، فلماذا تواصل الولاياتالمتحدة تقديم مساعدات الى مصر تفوق ما تقدمه الى أي دولة أخرى في العالم، باستثناء اسرائيل؟ ومع أن الكونغرس قرر خفض المساعدات الى معظم الدول فإنه لا يزال يعامل مصر واسرائيل معاملة خاصة. وقد لا يدوم هذا لفترة طويلة، لكنني أتوقع أن تستمر مصر في الحصول على مساعدات سخية لسنوات طويلة قادمة. والسبب في ذلك بسيط وهو أن الكونغرس والادارة لا يزالان يدركان دور مصر في المحافظة على الاستقرار في الشرق الأوسط. لكن كل هذا التحليل لا يعني عدم وجود خلافات بين الولاياتالمتحدة ومصر. فمن الطبيعي أن هناك خلافات كما هو الحال بين أي دولتين صديقتين. على سبيل المثال تودّ مصر من واشنطن أن تنظر الى ليبيا نظرة جديدة لكن هذه الرغبة لم تجد أي صدى إطلاقاً. وربما جاء الوقت الذي تختلف فيه مصر مع الولاياتالمتحدة أيضاً في أفضل الطرق للتعامل مع دول أخرى مثل العراق والسودان. وربما اختلفنا أيضاً على مدى السرعة التي يجب أن تطبق بها الاصلاحات الاقتصادية والسياسية في مصر. وكل هذا أمر طبيعي لكنه لا يدل إطلاقاً على وجود أزمة. إن الخبر الرئيسي بالنسبة الى العلاقات الأميركية - المصرية ليس أنها تمر في أزمة وإنما هو في الواقع أن هذه العلاقات لا تزال وثيقة قائمة على التعاون بين الدولتين بعد مرور حوالي عشرين عاماً. وليس من المبالغة القول إن تأييد مصر أصبح موقفاً يسود الحزبين في الكونغرس. وإذا سارت عملية السلام الى الأمام فإنه سيكون هناك تقدير أوسع كثيراً لقيمة هذه العلاقة. صحيح ان هناك خلافات بين واشنطنوالقاهرة، إذ لا يستطيع أحد أن يتخيل أن مصر يمكن أن تصبح في أي وقت دولة تابعة لأي دولة أخرى. فهي دولة مستقلة لها كبرياؤها واعتزازها بنفسها وستختلف من حين الى آخر مع الولاياتالمتحدة. لكن الطرفين يبحثان في هذه الخلافات دائماً في إطار من الود والصداقة والعلاقة الوثيقة. ولن يجد أي شخص مطّلع حقاً أي دليل حقيقي على وجود أزمة في هذه العلاقات وانما سيجد العكس تماماً. * مستشار الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر وخبير بارز في شؤون الشرق الأوسط.