ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    سلمان بن سلطان: نشهد حراكاً يعكس رؤية السعودية لتعزيز القطاعات الواعدة    شركة المياه في ردها على «عكاظ»: تنفيذ المشاريع بناء على خطط إستراتيجية وزمنية    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    "موسم الرياض" يعلن عن النزالات الكبرى ضمن "UFC"    رينارد يواجه الإعلام.. والدوسري يقود الأخضر أمام اليمن    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    جسر النعمان في خميس مشيط بلا وسائل سلامة    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    الصقارة.. من الهواية إلى التجارة    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    استراتيجية الردع الوقائي    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    محمد بن سلمان... القائد الملهم    البرازيلي «فونسيكا» يتوج بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2024    برنامج الابتعاث يطور (صقور المستقبل).. 7 مواهب سعودية تبدأ رحلة الاحتراف الخارجي    العقيدي: فقدنا التركيز أمام البحرين    قطار الرياض.. قصة نجاح لا تزال تُروى    تعاون بين الصناعة وجامعة طيبة لتأسيس مصانع    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    5.5% تناقص عدد المسجلين بنظام الخدمة المدنية    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    غارات الاحتلال تقتل وتصيب العشرات بقطاع غزة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة الخارجية تتأثر بتحولات الداخل وسطوة الستينات مضت وانقضت . الدور المصري الجديد : ديبلوماسية مبادئ تركز على الحوار مع دول ومؤسسات إقليمية

يتزايد الحديث عن الدور الإقليمي لمصر لدى تفاقم أي مشكلة، خصوصاً في فلسطين ولبنان والسودان، ويعلو صوت قوميين عرب مطالباً مصر بإحياء دورها في الستينات الذي كان يقوم غالباً على التدخل ودعم ما كان يسمى حركات وطنية تحررية.
عقدت"الحياة"ندوة في القاهرة عن الدور الإقليمي لمصر اليوم شارك فيها السفير حسام زكي الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية وصلاح عيسى رئيس تحرير جريدة"القاهرة" والكاتب هاني لبيب. وتناولت الندوة محاور من بينها إشكالات العلاقات العربية - العربية، والعلاقة مع الولايات المتحدة، خصوصاً الحديث عن خفض المعونة لمصر، ومميزات الديبلوماسية المصرية بعد 11 أيلول سبتمبر واستهدافها الاستقرار والسلام والتنمية ومحاولتها تقديم النموذج الديموقراطي. وتناول المنتدون التأثير المتبادل بين السياسة الخارجية وتحولات الداخل المصري، وكيفية التفاعل مع مؤسسات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.
وفي ما يلي وقائع الندوة:
أثيرت خلال السنوات القليلة الفائتة أسئلة عن حدود دور مصر في الملفات الإقليمية المهمة، ويستذكر البعض، من باب المقارنة، الدور المصري في الستينات وبداية السبعينات. وهناك قوى مصرية تنسب أسباب تراجع الدور الى الأزمات الداخلية أو بفعل مناطق نفوذ جديدة في المنطقة. ولا ننسى تغير مفهوم الدور الإقليمي مع الأحادية القطبية ممثلة في الولايات المتحدة.
كيف يبدو الدور المصري الآن، وما هي معالمه وملابساته تجاه القضايا الساخنة في المنطقة؟
- صلاح عيسى: التقويم الذي ينطلق من أن دور مصر الإقليمي خفت أو انتهى تماماً يصدر على الأغلب من التيار القومي بشرائحه المختلفة ومن بينها التيار الناصري.
تقصد التيار القومي داخل مصر أم في المنطقة العربية كلها؟
- صلاح عيسى: داخل مصر، والفكرة منطلقة من نموذج دور مصر الإقليمي في الستينات، وخطأ هذا المنطلق اننا لسنا في مرحلة الستينات وأن العالم تغير، مصر نفسها والإقليم نفسه تغيرا، وحتى شعار المرحلة تغير. الدور الإقليمي لمصر برز كثيراً في الستينات لأن العالم العربي، وفي القلب منه مصر، كان يمر بمرحلة التحرر التي أنجزتها مصر وعدد من الدول العربية وإن في شكل جزئي، فاندفع الدور في فترة قيادة جمال عبدالناصر واتجاهاته الراديكالية في ما يتعلق بالعداء للاستعمار والتنمية الاقتصادية، مع التركيز على القضية الفلسطينية كقضية إقليمية مركزية، وتوسعت الدائرة الإقليمية في تفكير عبدالناصر بسبب إنهاء ظاهرة الاحتلال المباشر فبنى تحت شعار عدم الانحياز جبهة دولية كبيرة.
هناك زاوية أخرى... ذلك الحين كانت مصر البلد الأكثر حداثة وثراء فلم يكتف دورها الإقليمي بمساعدة الشعوب العربية على استكمال التحرر من الاستعمار أو الأحلاف الأجنبية بل مدها بمساعدات اقتصادية وخبرات فنية، وكانت مصر على الصعيد الثقافي القاعدة التي تتوجه اليها النخب العربية لتعليم أبنائها.
وكان هناك تدخل مباشر من الأجهزة المصرية المعنية بالشؤون العربية، لدعم ما كان يعرف بالقوى الثورية مثل حزب البعث والقوميين العرب وضباط ثورة 1958 في العراق وقيادات ثورة اليمن. وكانت وسيطاً في عالم ثنائي القطبية، فتعاونت مع الاتحاد السوفياتي ليقدم مساعدات الى دول عربية مثل الجزائر واليمن والعراق، والى الثورة الفلسطينية بعد حزيران يونيو 1967.
هذا الدور بمجمله تراجع الآن، والعالم الذي تحرك فيه لم يعد قائماً، لذلك ليس منطقياً أن نرغب لمصر أن تلعب هذا الدور فالأمر غير معقول.
مرحلة الستينات
وفق المعطيات العالمية الراهنة كيف يتشكل دور مصري؟
- صلاح عيسى: الدول العربية التي كان معظمها في الستينات مستعمرات أو شبه مستعمرات حققت تطوراً خلال الأربعين سنة الفائتة مع فائض كبير جداً من الثروة النفطية، في وقت أدت الحروب الى إفلاس مصر فأصبحت تحتاج الى هذه الدول اقتصادياً، خصوصاً عبر تصديرها العمالة.
وما كان يتيح لمصر او للنظام المصري أن يلعب دوراً إقليمياً مؤثراً في الستينات هو تأييد معظم شعوب المنطقة القيادة المصرية وتوجهاتها المعادية للاستعمار والصهيونية والداعمة للقضية الفلسطينية. الوضع في العالم العربي تغير حتى في القضايا التي نتكلم عنها: حروب أهلية معلنة أو مقنّعة في لبنان وفلسطين والعراق والسودان، وهذه الشعوب التي كانت قاعدة الدور المصري غارقة في حروبها الأهلية، ولا دور ممكناً في مجتمعات عربية مشرذمة.
التيار الغالب في العالم العربي خلال الستينات كان القومي التحرري، أما الآن فالتيار الصاعد المعادي للقومية هو التيار الإسلامي السياسي الذي يسعى الى إقامة دولة دينية أو دولة طائفية. وجزء من إشكالية الدور المصري الآن انه لا يعرف مع من يتعامل في عالم عربي تحول الى فسيفساء، ناهيك عن إننا وصلنا الى مرحلة خرجت فيها مصر من قضية العرب المركزية نتيجة للإشكاليات التي نعرفها جميعاً، وأصحاب القضية الفلسطينية آثروا استرداد قضيتهم منذ قمة الدار البيضاء سنة 1976 باعتبار ان منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا الممثل الوحيد تفاوض واعترف بإسرائيل ويتعامل معها.
وليكون لمصر دور إقليمي مهم، يلزم لها ان تقود عملية تحديث للنظم السياسية باتجاه الديموقراطية.
يعني ان تقدم نموذجاً ديموقراطياً؟
- صلاح عيسى: يهمني الإشارة الى دور إقليمي لمصر وإن بتأثيره السلبي، حين قادت العالم العربي بعد مرحلة"تماحيك" نحو السلام مع اسرائيل، فالتأثير المصري لم ينته بل يقدم نموذجاً سياسياً، فبعدما بدأت مصر في عهد السادات في إنهاء الصراع مع اسرائيل، العرب عملوا"شوية تماحيك"ثم اندرجوا في شكل أو آخر في عملية السلام أو في لغة السلام. وأثرت مصر أيضاً في الأنظمة الداخلية، أعني الأنظمة المتعلقة بنيابة أمن الدولة وشكل ملكية الصحف.
ولو ان مصر الآن تصوغ مشروعاً ديموقراطياً حقيقياً وتقدم نموذجاً لدولة عصرية فهذا ينعكس إيجاباً على العالم العربي في شكل عام، ومن الممكن ان يكون هذا هو الدور المستقبلي لمصر.
نتكلم على تحرك الديبلوماسية، فالعلاقات المصرية - الأوروبية قوية وكذلك العلاقة مع الولايات المتحدة، وفي المجال الإقليمي هناك علاقات متينة بين مصر ومعظم الدول العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية.
ما مدى مساهمة الديبلوماسية بما يعود بالفائدة على مصر والعرب؟ ونذكر في هذا الصدد حصول لبنان على استقلاله أثناء الحرب العالمية الثانية وكان من داعميه مصر ممثلة بمصطفى النحاس ومكرم عبيد.
- حسام زكي: هذا الموضوع في غاية الأهمية، وإذا كان مطروحاً في وقت من الأوقات ان تعتمد الديبلوماسية في شكل أساسي على"الجنيه"، يعني على المال، وشراء اتجاهات أو أشخاص أو صحف، فقد تخلينا عن هذا النهج.
الخيار المصري الآن ومنذ فترة طويلة هو ديبلوماسية تقوم على المبادئ. نضع مبدأ معيناً وندفعه قدماً في اتصالاتنا ومقابلاتنا. ندفع في إطار تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، هذا مبدأ كبير للديبلوماسية المصرية.
مجموعة من العناصر نؤمن بها وندافع عنها ونروج لها في كل اتصالاتنا ومقابلاتنا مع أوروبيين أو أميركيين في اجتماعات دولية أو مع الفرقاء المحليين. والثبات لا يعني الجمود، إذ تدخل على ديبلوماسيتك القدر الملائم من التغيير عندما يكون مطلوباً وملائماً ومناسباً في التوقيت.
وفي عالم تنفق فيه الأموال يميناً ويساراً نعمد أحياناً الى تقديم مساعدات للتنمية ففي دارفور مثلاً تقوم مصر بحفر 4- بئراً، كما تنفق على كتيبة جيش في جنوب السودان أو في إقليم دارفور بهدف استقرار الوضع في السودان. هكذا تنتقل المساعدات من أداة أساسية للتعامل كما كانت قبل أربعين أو خمسين سنة الى إحدى الأدوات المساعدة للديبلوماسية الهادفة الى الاستقرار والسلام.
نرجع الى الوضع الداخلي كنموذج تقدمه مصر وتعتبره دورها الجديد كما اقترح صلاح عيسى.
- هاني لبيب: أبدأ من واقعة زيارتي الولايات المتحدة عام 2005، إذ فوجئت بإشادة أميركية بالدور المصري بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001. فاستنتجت أن غير المعلن أكبر بكثير من المعلن في السياسة الخارجية المصرية، وهنا أعني سياسة النموذج، لأنهم أشادوا بدور مصر في شرح فكر التيارات المتطرفة وواقعها، وخصوصاً تنظيم"القاعدة"، وتقديمها البدائل المتعددة للتعامل، وقال الأميركيون إنهم استفادوا من مصر في هذا المجال. وهنا أقول أن مصر تظهر الإسلام على حقيقته وليس كما تراه تنظيمات عربية معينة وكما يراه سياسيون أميركيون.
ظاهرياً يبدو دور مصر خافتاً ولكن، بعض الملفات يصبح أولويات وبعضها الآخر يتراجع، لكن لو تحدثنا عن قضية الصراع العربي ? الإسرائيلي فلمصر دورها المركزي حتى هذه اللحظة. مصر لم تخرج من أي شكل من أشكال المفاوضات بل العكس، فعلى رغم ما تفعل الفصائل الفلسطينية مع القنوات السياسية المصرية، نجد مصر متمسكة بدورها في القضية.
ولا تستطيع أن تهمل التطور الذي حدث في حرية الصحافة ومناقشة السياسات في شكل علني مفتوح، هذا يؤثر في القرار الخارجي لمصر ويقدم للحكومة نبض الشارع المصري وإن تضمن بعض الأمور المضللة.
هناك مبالغة أحياناً.
- هاني لبيب: بالضبط لكن السياسة الخارجية المصرية خلال العشرين سنة الأخيرة تطورت كأنها تلامس الشارع المصري، خصوصاً في قضايا وطنية مثل القضية الفلسطينية.
وهناك تطور في السياسة الخارجية المصرية من الاهتمام بدول الى مؤسسات دولية كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.
تأثير الداخل
الوضع الداخلي في مصر هل انعكس في سياستها الخارجية ومدى تأثيرها، خصوصاً الكلام على مستقبل الحكم؟
- هاني لبيب: أنا أعتقد ان السياسة الخارجية الأميركية أصبحت تراعي المجتمع المدني المصري والجمعيات الأهلية خصوصاً تلك المرتبطة بحقوق الإنسان، وغالبية الجهات الخارجية أصبحت تعتمد على كلام المجتمع المدني في الحكم على مصر، وهذا ظاهر بنسبة كبيرة في المؤشرات، خصوصاً الاستثمار، عبر ما تصدر هذه الجمعيات في صورة تقارير تحدد الانطباع عن مصر وتؤثر بالتالي في اختيارات السياسة الخارجية المصرية، مثل اختيار الدكتور محمد سليم العوا كمستشار، بصفته مفكراً إسلامياً مستنيراً، ولكن تقف وراءه دولة، ومثل ترشيح وزير الثقافة فاروق حسني للأمانة العامة لليونسكو، وبغض النظر عن المنصب أو عن الشخصية فالترشيح نتيجة دعم داخلي.
المجتمع المدني الآن يؤثر في السياسة الخارجية، وفي المشروعات الضخمة يشترط أن يذهب جزء من التمويل لجمعيات المجتمع المدني المصري وبالتالي يترتب التزام هذا المجتمع أن يقدم تقارير عما يفعله سواء في مجال الصحة أو محو الأمية أو التوعية الانتخابية والحزبية.
هذه التقارير تؤثر في تعامل الجهات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي وغيره مع النظام المصري الذي يتمثل بالخارجية المصرية. وفي تقديري أن أحد أهم الملفات الأساسية حالياً في السياسة الخارجية المصرية كأمن قومي هو ملف المجتمع المدني.
- صلاح عيسى: انطلاقاً من حساسية الديبلوماسية المصرية تجاه ما يجري في العالم فقد أقنعت وزارة الخارجية صانع القرار في الداخل بالانفتاح على منظمات المجتمع المدني وبأن التصور الأمني في التعامل مع هذه المنظمات يؤدي الى تشهير بصورة مصر لدى المجتمع الدولي، والوسيلة الصحيحة هي الاعتراف بهذه المنظمات والتعامل معها بصرف النظر عن البيانات التي تصدرها وتوزع خارج البلد وقد يستخدمها البعض في الخارج بطريقة سيئة ولهدف سيئ. ان السماح لهذه المنظمات بالعمل يعطي صورة حسنة عن الوضع الاجتماعي في مصر، وقد انفتحت الإدارة المصرية في السنوات الأخيرة في هذا المجال فكان تشكيل"المجلس القومي لحقوق الإنسان"بداية الرد على بعض شكاوى منظمات حقوق الإنسان، وجرى تدريس مادة حقوق الإنسان للنيابات العامة وللشرطة.
هذا التفاعل يعكس تأثير السياسة الخارجية المصرية على الوضع الداخلي، والعكس صحيح، فعلى رغم ضجيج الداخل المصري فإن الانطباع عنه اقليمياً ودولياً يعبر عن تأثيره، إذ نرى مثقفين ومؤسسات في العالم العربي يلاحظون مدى الحرية المتاحة في الصحافة المصرية وفي التلفزيون المصري. وكان عدد من القضايا يعتبر حساساً مثل الطائفية التي يتعمم الكلام بأنها ليست مشكلة، أما الآن فمن العادي جداً أن يرى مشاهد التلفزيون المصري ضيوفاً يتكلمون عن مطالب الأقباط ويدافعون عنها. وعلى خلاف ما يعتقد فإن ملف حرية العقيدة وحق تغيير الانتماء الديني يناقش في مصر، بينما يتسبب مجرد ذكر هذا الموضوع في العالم العربي بمشكلات كبرى. وبعد فترة من التردد يقر عيد 7 كانون الثاني يناير اجازة قومية للمصريين جميعاً ولا تحدث مشكلة إذ يتقبل المسلمون هذا الأمر العيد أصلاً للأقباط.
- هاني لبيب: قبل شهرين صدر تقرير من منظمة العفو الدولية عن التعذيب، وقد نشرته الصحافة المصرية مع ردّ الحكومة على بعض الوقائع في مصر. وهذه إشارة الى مدى حرية الصحافة والى ذكاء الخارجية المصرية في الرد على تقارير المنظمات الدولية المتعلقة بالداخل المصري.
لو لم يصدر جواب الخارجية المصرية هل كان التقرير نشر؟
- هاني لبيب: حين تعترف تقارير مصرية بأخطاء محددة لكن مانشيتات الصحف تركز على مجرد حبس ضابط معين.
- حسام زكي: الديبلوماسية هذه الأيام معقدة جداً ولم تعد مبسطة كما كان الأمر في الستينات، ولا تجوز المقارنة بين المرحلتين.
مطلوب من الديبلوماسية المصرية اليوم نشاطات في مختلف القضايا الساخنة، خصوصاً الصراع العربي ? الإسرائيلي، قضايا العراق ولبنان والسودان، الملف النووي الإيراني. لدينا علاقات مع 140 دولة ما يعني وجود 140 بعثة ديبلوماسية مصرية في الخارج.
لدينا علاقات شراكة، ونحن ندير الكثير من الملفات عبر علاقات مع هيئات محلية ووزارات معنية كما في الاتحاد الأوروبي مثلاً وهذه أمور تثقل كاهل الديبلوماسية المصرية.
وهناك العلاقات المصرية - الأميركية المتضمنة متابعة إشكالات مع الكونغرس والإدارة حول المعونات وغيرها، وكيف تروج لوجهة نظرك وكيف ترد على ما ينشر في الإعلام الأميركي ضدك... هذه الأمور استجدت بعد السلام مع إسرائيل وعودة العلاقات مع أميركا بقوة.
علاقاتنا متشعبة في أفريقيا فلدينا سفارة في كل دولة من دول القارة السمراء، ونلتفت الى علاقات خاصة مع أميركا اللاتينية ومع آسيا الصين والهند واليابان. وهناك دور مصر في الأمم المتحدة وسعيها مع دول متشابهة للوقوف في وجه"الطغيان"الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والمحافظة على كينونة واضحة. هذا التوجه مهم جداً خصوصاً للاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية التي نعتبرها أم المنظمات الإقليمية وأقدمها.
ألف ديبلوماسي
لدى الخارجية المصرية جهاز ديبلوماسي يقارب عدده الألف يعمل في شكل كامل، ووزير الخارجية يعمل 12 ساعة يومياً كي لا نتحدث عن معاونيه. العمل الديبلوماسي المصري تشعب وتعقد وهو يختلف تماماً عن فترة الستينات من القرن الماضي.
- صلاح عيسى: أتوقف عند كلام سيادة السفير زكي عن ديبلوماسية الستينات. في تلك المرحلة كانت كيانات مدمجة: مصر هي جمال عبدالناصر، والعالم كتلتان، والاتحاد السوفياتي الذي كنا نتعامل معه هو كتلة واحدة: رجل واحد أو ثلاثة رجال يحكمونه. أما نحن الآن فنتعامل مع عالم متنوع، وحتى الولايات المتحدة هي كتل متنوعة. هذه الحقيقة لا تعيها التيارات القومية التي كانت تردد في عهد السادات علناً وبخفوت في بداية عهد الرئيس مبارك وزادت في الفترة الأخيرة من الكلام على أن مصر دولة تابعة للولايات المتحدة الأميركية.
هذه قراءة خاطئة للواقع، والادارة المصرية جنحت في هذا المجال في عهد الرئيس مبارك الى نوع من الاعتدال يختلف عن الاندفاع الذي حدث في نهاية عهد السادات حين كانت فكرة أن 99 في المئة من أوراق اللعب السياسي في يد الولايات المتحدة.
الادارات المصرية، السادات ومبارك، اكتسبت من فترة الستينات ومن ميراث ثورة 23 تموز يوليو قيمة أساسية باقية هي استقلال الارادة الوطنية، ومهما كانت الضغوط فهناك حد أدنى للارادة الوطنية لا يمكن التفريط فيه، وهذا يفسر الاحتكاكات التي تحدث أحياناً بين مصر والولايات المتحدة، في ما يتعلق بشؤون داخلية مصرية. وكذلك بالخلاف الاقليمي وملفاته. يمكن لمصر أن تتباين سياستها ورؤيتها وطريقتها في التعامل مع القضية الفلسطينية، لكن يظل هناك موقف مصر الثابت بأنها لا يمكن أن تنفض يدها من هذه القضية، لدواعي الهوية والعروبة، ولكن أيضاً لدواعي المصلحة الوطنية المصرية. وفي حمّى الصراع ما بين الحكم المصري والاخوان المسلمين نجد الادارة والخارجية وأجهزة أخرى تتعامل مع حركة"حماس"الفلسطينية وتفصل هذا الامر عن الاخوان المسلمين.
وتتبنى الادارة المصرية فكرة التوازن فلا تضع كل الأوراق في سلة واحدة، نرسي علاقات مع الاتحاد الأوروبي ونعزز العلاقات مع الصين وروسيا زيارة الرئيس مبارك للبلدين لا تخلو من الدلالة.
كانت السياسة في الستينات تستند الى شخنة وطنية عاطفية جارفة، والآن تستند الى نوع من العقلانية والواقعية والعملانية لذلك تبدو في نظر البعض أقل وهجاً.
- هاني لبيب: كنا نتعامل مع الولايات المتحدة على أنها كتلة مصمتة، والآن نعقد علاقات شخصية مع الجانبين الديموقراطي والجمهوري وعدد من الشيوخ المؤثرين في صناعة القرار الأميركي.
زرت شخصياً واشنطن وحرصت على توضيح حقائق وحضرت جلسات مع شيوخ يحاورون مصريين مقيمين في الولايات المتحدة، خصوصاً بعض الأقباط، لتقديم صحيح الصورة، بما يساند السياسة الخارجية المصرية، هذا الشكل من المساهمة لم يكن موجوداً من قبل في السياسة الخارجية المصرية.
التعديلات الأخيرة في الدستور المصري لفتت انظار العالم، خصوصاً لجهة التركيز على"المواطنة". صحيح أن ذلك لا يمكن تطبيقه عملياً لكنها بداية تجعلنا نتفاءل، وتؤكد أن لدى الادارة المصرية قدراً كبيراً من الذكاء بانفتاحها على المجتمع المدني. لاحظنا ذلك أيضاً في الصمت المصري المقصود عند اثارة موضوع"حرية الاعتقاد في مصر"في سياق فورة ما بعد 11 ايلول سبتمبر 2..1 في الولايات المتحدة"الراغبة"في تكوين أعداد جدد لواشنطن.
وأريد الالتفات الى نقطة مهمة هي بناء قلب للعالم العربي يستند الى تنسيق مصري ? سعودي ? سوري، ويعيد الروح الى الجامعة العربية، لكن هذا القلب يشكو الآن من التأثير السلبي للعلاقة السورية ? الايرانية، خصوصاً بعد جلاء الجيش السوري عن لبنان.
لكن، من المفيد للبنان الآن اعادة بناء هذا القلب مرة أخرى، وأعتقد ان هذا القلب ضروري لمواجهة التعقيدات والمشاكل التي تعانيها سورية، خصوصاً في علاقتها مع الولايات المتحدة، وأشير هنا الى أن هذا القلب العربي يرفض اعتداء أميركاً على ايران يزيد من تعقيدات المنطقة.
- حسام زكي: الحوار ينصب على مسائل مفهومية أكثر منه معالجة للوضع، لذلك أقول إن التنسيق بين مصر والسعودية وسورية كان معلناً لسنوات طويلة ويمكن أن يستأنف في أي وقت بالشكل الذي كان عليه.
هل هناك معلومات عن جهد مصري مع سورية، خصوصاً تجاه مشكلتي العراق ولبنان؟
- حسام زكي: العلاقة المصرية - السورية موجودة ومستمرة ولها أوجه لا تنحصر فقط في السياسة، وهناك باستمرار زيارات متبادلة ومناقشة رؤى وتبادل خبرات.
تسوية للبنان
في الفترة الأخيرة تزور شخصيات لبنانية حكومية ونيابية القاهرة، في سياق البحث عن مخرج للأزمة الراهنة في بيروت.
- حسام زكي: الدور المصري في حل الأزمة السورية ? اللبنانية ينصب على مجموعة من العناصر والمبادئ الأساسية يمكن باتباعها التوصل الى حل، وهناك قناعة بضرورة الحفاظ على النموذج اللبناني وعلى شكل الدولة اللبنانية، وعلى اتفاق الطائف وعلى احترام الدستور، هذه العناصر نتبناها في اتصالاتنا بالجميع لبنانيين وغير لبنانيين، وعندما يحدث ان أطرافاً لا تشترك معنا في الرؤية أو تكون لديها رؤى أخرى في التعامل مع هذا الملف فوسيلتنا هي الحوار والتواصل لا الأموال ولا الضغوط العسكرية.
منهجنا هو التركيز على عناصر ومبادئ تؤدي الى تفريغ شحنات التوتر وصولاً الى تسوية للأزمة، بشكل موقت أو بشكل دائم وهذا أفضل، والمهم هو تجنب التصعيد.
هناك كلام على المعونة الأميركية يفيد أحياناً بإمكان خفضها كنوع من الضغط على أوضاع داخلية، كيف ترى الخارجية المصرية الى هذا الكلام؟
- حسام زكي: هناك دوائر في واشنطن لا تريد ان ترى لمصر دوراً قوياً في السياسة وغير السياسة، لكن الإدارة الأميركية تلتزم الدعم العسكري والمدني، لتتمكن مصر من القيام بالتزاماتها وتستطيع بناء مجتمعها.
هناك دوائر لا تريد ان يستمر التوافق المصري - الأميركي الذي مضى عليه حوالى ثلاثين عاماً، لأن همها الوحيد المصلحة الإسرائيلية. فعلى أي أساس يجري الحديث عن خفض المعونة طالما لم تطرأ مستجدات تخص ملف العلاقات بين الدولتين؟ المسألة تتطلب حواراً وهو ما نقوم به مع الجانب الأميركي لنعرف الهدف من الكلام على خفض المعونة، علماً ان هناك دوائر ترى العلاقة مع مصر استراتيجية ومهمة وتسعى الى الحيلولة دون خفض المعونة.
من وجهة النظر المصرية لم تطرأ مستجدات تستدعي اعادة النظر في المعونة، وإذا كانت هناك اعادة نظر فهي تشمل العلاقة من جوانبها كافة، هذه الأمور حساسة ولا يمكن لمجموعة من اعضاء الكونغرس ان يقرروا وحدهم ان تتجه العلاقة المصرية - الأميركية من التميز الى الصدام، فضلاً عن ان مراجعة العلاقة بشكل أحادي أمر غير مقبول.
لكن الموضوع تخطى اعضاء في الكونغرس الى الإدارة الأميركية، عندما يتكلم الرئيس او عناصر فاعلة في إدارته عن وضع أيمن نور أو ما يتعلق بحقوق الإنسان في مصر، ما يؤثر سلباً على الصورة الذهبية للدور المصري.
- حسام زكي: حديث الرئيس الاميركي عن امر داخلي في مصر لا يعني بالضرورة تحولاً في موقف الإدارة، هناك فصل بين آراء في خطب الرئيس تتعاطف مع هذه المجموعة أو تلك من أعضاء الكونغرس وبين سياسة الإدارة في واشنطن، هذه الإدارة التي تعلم معنى ودلالة العلاقة الاستراتيجية المصرية - الأميركية في الممارسة وليس من جانب نظري، وانتقاد بعض قضايا الداخل المصري يخدم اغراضاً داخلية اميركية.
- هاني لبيب: هناك بالونات وشائعات في الفترة الأخيرة، لكن العلاقة الاستراتيجية تبدو ثابتة.
ونتذكر جميعاً ان اهتمام الولايات المتحدة بالشأن الداخلي المصري كان ضعيفاً في أواخر السبعينات على رغم سخونة تلك المرحلة مع وجود الجماعات المتطرفة ومشكلاتها مع مواطنين مصريين مسيحيين. لم تتناول واشنطن هذه القضايا لأن أجندتها كانت اتفاقيات السلام وإهمال أي ملف آخر. هذا يعني ان الولايات المتحدة تعلي من شأن ملف أو تخفضه بحسب مخططها السياسي العام، وفي الحوار حول القضايا الاستراتيجية تبدو مثل هذه القضايا هامشية.
حين زارت كوندوليزا رايس الجامعة الأميركية في القاهرة وتكلمت على الأوضاع الداخلية المصرية حدث رد فعل من الدولة وحتى من الجهات المصرية التي تطالب بالإصلاح، لأن تلبية الطلب الأميركي في الشأن الداخلي نوع من الشبهة وهناك ميل الى التنصل منه.
- حسام زكي: عندما تكون طرفاً إقليمياً مؤثراً كمصر، تستخدم الأوراق المتاحة للتأثير على مواقفك في قضية ما، وهذا أمر منطقي تستخدمه قوى كبرى مثل الولايات المتحدة.
لكن الخارجية المصرية كجهاز تنفذ سياسة الدولة، ولا ننسى اننا نعيش عصراً تتداخل فيه الخيوط الرفيعة بين ما يمكن الحديث عنه وما يجب التكتم عليه.
نحن في مصر مجتمع يطور نفسه بنفسه وفق آليات تسمح بذلك، وإذا لم توجد هذه الآليات فهي تستحدث وهذا يحتاج الى وقت، سريع أو بطيء، وفقاً للثقافة في مصر.
أن يدخل طرف خارجي ليدعم عملية التطوير ويساعد فأهلاً به وسهلاً، أما اذا دخل ليقوم ويبدي آراء ويعلي طرفاً على طرف فهذا غير مقبول... هذا هو فهمنا للموضوع في الخارجية المصرية.
التجربة اليمنية
- صلاح عيسى: لا يزال البعض يستخدم شعارات الستينات، ويدعو الى تدخل عسكري مصري في نزاعات المنطقة، وحين سألت احد الذين طالبوا في تظاهرة بإرسال قوات مصرية لتحرير العراق من الاحتلال الأميركي، هل يعني ذلك فعلاً، فأجاب:"هذا كلام تظاهرات والشعب المصري لا يقبل فعلاً مثل هذا الأمر.
كانت مصر تنفق مليون جنيه يومياً على جيشها في اليمن بين عامي 1962 و1967، مبلغ باهظ جداً في مرحلة فارقة في تاريخ مصر السياسي والعسكري، بوجود 80 ألف جندي خارج الحدود، ليست مصر الولايات المتحدة لتتحمل هذا الوضع الذي نتج منه ما نتج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.