مهما كان ما حملته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في حقائبها أثناء زيارتها للقاهرة الأسبوع الماضي فالمؤكد أنه لا يكفي لكي تبدأ إصلاح ما لحق بالعلاقات المصرية الأمريكية من ضرر. ووراء الكلمات المبتذلة الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية عن الديمقراطية الرائعة التي تتطلع إليها في مصر والابتسامات الدبلوماسية والعبارات الجميلة التي تحيط بالزيارة فإن هناك ثلاثة تناقضات رئيسة ستظل تؤثر على علاقات أمريكا مع مصر خلال الفترة المقبلة. وعلينا مواجهة هذه التناقضات عاجلا وليس آجلا. أول هذه التناقضات هي مشكلة الديمقراطية. فالشهور ال 18 الماضية شهدت في مصر ثورة كبيرة حيث يتم إعادة صياغة نظام الحكم لكي يكون نظاما منفتحا. والنبأ السار بالنسبة لمصر هو أنه فيها تنافس سياسي. ولكن النبأ غير السار هو أن القوتين الرئيسيتين المتنافستين هما المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين وكلاهما ربما ضد الديمقراطية من حيث البنية الهيكلية لهما ومن حيث فلسفتهما. من التنافس أحيانا إلى المواجهة في أحيان أخرى، تبدي القوتان إصرارا على حماية مصالحهما الخاصة على حساب الرؤية الوطنية الحقيقية. والخاسر في هذه اللعبة التي لا يستطيع ولا يريد أي طرف من طرفيها الفوز بها هي مؤسسات الدولة مثل البرلمان والجمعية التأسيسية والقضاء والأحزاب الليبرالية المدنية التي تعاني من قصور هائل في التنظيم بما يجعلها عاجزة عن المنافسة الحقيقية. الآن دخلت الولاياتالمتحدة قلب اللعبة السياسية في مصر في توقيت صعب للغاية. فوزيرة الخارجية الأمريكية تجد نفسها محصورة بين الإسلاميين الذين لا تستطيع مشاركتهم قيمهم على الأقل والجنرالات الذين تعتقد أنهم ينسفون أي أمل في التغيير الديمقراطي ولكنها تحتاج إليهم من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. بالطبع كلينتون تستطيع الدفاع عن الديمقراطية ولكن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تفتقد إلى القوة الحقيقية أو على الأقل إلى القوة المستعدة لاستخدامها. فالمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر التي تبلغ 1.5 مليار دولار سنويا ستستمر لأنه بدون هذه المساعدات ستفقد أمريكا أي نفوذ لها في القاهرة كما أن الإسرائيليين يريدون استمرارها. ثم أنه بعد سنوات طويلة من تقديم هذه المساعدات لنظام الحكم المستبد للرئيس السابق حسني مبارك كيف يمكن لأمريكا قطعها في الوقت الذي تخطوا فيه مصر نحو الديمقراطية؟ أيضا.. ألم نفعل ما بوسعنا لدعم مصر اقتصاديا مثل إلغاء ديونها، حتى إذا لم يتحول الإخوان المسلمون سريعا إلى عناصر ديمقراطية؟! دعونا نعترف بهذا. نحن في مأزق. التناقض الثاني هو مشكلة إسرائيل. دعونا نكون واضحين بشأن أمر ما. العلاقات الودية بين مصر وأمريكا بدأت كنتيجة مباشرة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. بدون اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيجن لم تكن مصر لتحصل على أي مساعدات اقتصادية أو عسكرية طوال هذه السنوات منذ اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة السلام عام 1979. وإذا تدهورت العلاقات المصرية الإسرائيلية (وستتدهور بالتأكيد) كيف يمكن أن نتوقع استمرار العلاقات الأمريكية المصرية على الطريق الصحيح؟! ربما يلتزم العسكريون في مصر بنصوص اتفاقية السلام ولكن ليس بروحها خاصة في ظل تزايد تأثير الرأي العام المصري الرافض لإسرائيل على صناعة القرار المصري الآن. وقد كان من الصعب إقناع الرئيس المصري السابق مبارك بزيارة إسرائيل أو استقبال رئيس وزرائها الحالي بنيامين نتينياهو، فكيف سيكون الحال مع الرئيس المنتخب محمد مرسي والمعضلة هي أنه كلما ارتفعت حدة الخطاب المناهض لإسرائيل في مصر، فإن رد فعل الكونجرس في أمريكا سيكون قيودا إضافية على قدرة واشنطن على مساعدة القاهرة. التناقض الثالث هو مشكلة كراهية المصريين للسياسة الأمريكية. ففي ظل حكم مبارك كنا نستطيع استيعاب حقيقة أن أغلب المصريين لا يحبون السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ولكن الأمر الآن لم يعد بهذه السهولة. ففي آخر استطلاع رأي لمركز بيو قال 76% من المصريين: إنهم لا يحبون إدارة أوباما. وفي استطلاع رأي أجراه المحلل السياسي شبلي تلحمي قال 25% من المصريين إنهم يفضلون إعادة انتخاب أوباما رئيسا لأمريكا وقال 85% منهم إنهم لا يحبون الولاياتالمتحدة بشكل عام. والحقيقة أن الخطاب المصري الحماسي المناهض لأمريكا لن يشتد حدة فقط وإنما يمكن أن يصبح دراميا كما حدث في الربيع الماضي عندما قررت السلطات المصرية محاكمة عدد من الأمريكيين بينهم ابن أحد وزراء أوباما وهي القضية التي لم تغلق حتى الآن. كما أن محمد مرسي تعهد بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون في أمريكا بعقوبة السجن مدى الحياة لتورطه في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. بالطبع من غير المتوقع تغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ولا حركة حماس ولا هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار ضد الإرهابيين في العديد من دول الشرق الأوسط. ولكن تأييد السياسيين والرأي العام الأمريكي لاستمرار تقديم مساعدات لدول تواصل انتقاد السياسات الأمريكية لن يكون سهلا. العلاقات المصرية الأمريكية تمر بواحدة من أصعب الفترات. ومن الصعب الوصول إلى حلول لهذه التحديات أو التغلب عليها. فهذه التحديات راسخة للغاية ومصر في حالة بالغة من الفوضى بما يزيد صعوبة التغلب على هذه التحديات. إذن الاحتمال الأقوى هو أنه علينا القيام ببعض التغييرات لإدارة هذه العلاقة وعلى وزيرة الخارجية الاستعداد للتعامل مع مصر مختلفة. * باحث في السياسة العامة بمركز وودرو ويلسون الدولي (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية