النفط يصعد 2% وسط مخاوف الإمدادات    إطلالة على الزمن القديم    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «الولاء» يتفوق في تشكيلة الحكومة الأميركية الجديدة    وزير الرياضة يوجه بتقديم مكافأة مالية للاعبي فريق الخليج لكرة اليد    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    أرصدة مشبوهة !    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    ترمب المنتصر الكبير    فعل لا رد فعل    صرخة طفلة    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    العوهلي: ارتفاع نسبة توطين الإنفاق العسكري بالمملكة إلى 19.35% مقابل 4% في 2018    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    إحباط تهريب (26) كجم "حشيش" و(29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الشاعرة مها العتيبي تشعل دفء الشعر في أدبي جازان    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    الصقور السعودية    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة "الوسط" في القاهرة عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط . كلينتون لن يخوض معركة شرطي العالم لكن الضغوط ستطاول العرب ... واسرائيل 1 من 4
نشر في الحياة يوم 02 - 08 - 1993

* من يغذي نظرية التحريض على حرب الحضارتين الاسلامية والغربية ؟
ثلاث قضايا كبرى في المنطقة العربية تواجه إدارة الرئيس بيل كلينتون الذي انصبت وعوده للناخب الأميركي على تحسين وضعه الاقتصادي لكنه اصطدم بهاجس إبقاء الولايات المتحدة في مركز قيادة النظام العالمي.
منذ يومها الأول واجهت الادارة عالماً يعصف التوتر بكثير من أقاليمه، وفي مقدمها الشرق الأوسط. وكانت مشكلة الفلسطينيين المبعدين الى مرج الزهور وعلاقتها بعملية التسوية العربية - الاسرائيلية أول أزمة تتحرك فيها الادارة الجديدة. كما كان الشرق الأوسط أول منطقة يذهب اليها وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر. وبقي أمن الخليج في مقدم القضايا التي تشغل الادارة التي ورثت سياسة محاصرة العراق، وإن تحررت من عبء "العامل الشخصي"، وواجهت ايضاً مشكلة تزايد التوتر الداخلي في بعض الدول العربية التي تعاني من تصاعد العنف. والقضايا الثلاث المطروحة أمام السياسة الأميركية في المنطقة هي:
قضية التسوية العربية - الاسرائيلية التي وصلت الى مفترق طرق يمثل اختباراً صعباً لقدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في رعاية عملية السلام، ما يثير اسئلة عدة أبرزها: ما هو المدى الذي يمكن أن تبلغه إدارة كلينتون في اطار تدخلها في المفاوضات؟ وهل يعني دور "الشريك الكامل" الذي طرحته الاتجاه تدريجاً الى تدخل جوهري وفقاً لنمط كامب ديفيد؟ وهل ينطوي التدخل الأميركي في جوهر المفاوضات على مصلحة عربية؟ وما هي حدود الاختلاف بين سياستي إدارتي كلينتون وبوش حيال اسرائيل والعلاقات معها، وتأثير ذلك في المفاوضات؟
قضية الخليج خصوصاً في الجانب الأمني والعلاقة مع كل من العراق وإيران. وتطرح تساؤلات: هل حدث تطور في المفهوم الأميركي لأمن الخليج بعد تولي إدارة كلينتون السلطة؟ هل يمكن توقع تغير في السياسة الأميركية حيال الحظر المفروض على العراق، خصوصاً إذا تصاعدت المواجهة مع ايران؟ وفي أي اتجاه ستتطور العلاقة الأميركية - الايرانية؟
الأوضاع الداخلية في بعض الدول العربية: هل تتجه الولايات المتحدة الى خفض المعونة السنوية لمصر، في إطار سياسة عامة تشمل الدول الأخرى؟ وهل تدعم الولايات المتحدة الأنظمة الصديقة في المنطقة في معركتها ضد العنف من دون شروط تتعلق بالديموقراطية وحقوق الانسان، أم يمكن أن تسمح بوصول حركات إسلامية الى الحكم في دول عربية من خلال صناديق الانتخابات؟
"الوسط" ناقشت هذه الأسئلة في ندوة دعت اليها السادة: صلاح بسيوني رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في القاهرة، مؤسس المعهد الديبلوماسي التابع لوزارة الخارجية المصرية، واللواء أحمد فخر مدير المركز عضو الوفد المصري الى لجنة ضبط التسلح المنبثقة من المفاوضات المتعددة الأطراف، والسفير أشرف غربال مستشار الرئيس السابق أنور السادات سفير مصر سابقاً لدى أميركا، وجميل مطر مدير المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل والذي شغل سابقاً منصباً ديبلوماسياً لدى الخارجية المصرية، وتحسين بشير مندوب مصر لدى الجامعة العربية، سفيرها لدى كندا سابقاً، والكاتب الصحافي محمد سيد أحمد.
أدار الندوة في القاهرة الدكتور عمرو عبدالسميع
طرحنا 3 محاور تتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط وأمن الخليج وعلاقة أميركا بالدول الصديقة والتطورات الداخلية في هذه الدول. كيف يمكن تفسير دور الشريك الكامل الذي طرحته إدارة الرئيس كلينتون، وهل يعني الاتجاه تدريجاً الى تدخل جوهري في مفاوضات السلام وفقاً لنمط كامب ديفيد؟ إذا لم يكن هذا وارداً ما الفارق بين دور الشريك الكامل الذي تطرحه إدارة كلينتون ودور الوسيط النزيه الذي طرحته إدارة بوش؟
هجوم على كلينتون
- تحسين بشير: هناك حاجة الى فهم السياسة الخارجية لكلينتون قبل ان ندخل في المحاور الثلاثة. ولكي نفهم هذه العملية يجب ان نلاحظ ان كلينتون يتعرض لهجوم شديد من اليمين والوسط واليسار، ولم ينجح إلا في موضوع واحد هو إقرار الموازنة.
في 25 أيار مايو الماضي كنت في الولايات المتحدة، وطرح وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية بيتر باولو في نادي المراسلين الأجانب في واشنطن مجموعة أفكار ملخصها ان الولايات المتحدة، بعد الحرب الباردة، لا تريد أن تصبح رجل الدرك أو الشرطي الوحيد في العالم، بل شرطي ينتقي المعارك ليتدخل فيها. تعتقد أميركا بأنه لا بد أن يكون التدخل متعدد الأطراف، وتحبذ ذلك عن طريق الأمم المتحدة. والسبب انها لا تملك الموارد والقدرة المالية أو الارادة السياسية للتدخل في كل مناطق العالم. كما ان مسؤوليتها الأولى الآن هي تنمية قدراتها الداخلية اقتصادياً وعلمياً وفنياً لدعم عملية التجديد، بمعنى اعادة الحياة الى أميركا كأكبر قاعدة منتجة وخلاّقة في العالم، وغير ذلك يعد مسائل ثانوية.
وقال باولو ان كثيرين ممن تعودوا تفكير أيام الحرب الباردة سيرون في هذا تغييراً جوهرياً، ما أحدث رد فعل قوياً في واشنطن. ففي اليوم التالي وقف وارن كريستوفر وزير الخارجية ليلقي محاضرة في جامعة مينيسوتا معهد هامفري وغيّر معنى النص الذي وزع في وقت سابق، ليؤكد ان أميركا لا تزال القوة الحاسمة، لكنه لم يتعهد ان يكون لها الدور الأول في سياسة الأمن والسلام الدوليين اللذين ينص عليهما ميثاق الأمم المتحدة. هذا التطور أثار انتقاداً شديداً لا لفحوى الملاحظات بل لأن توقيتها كان سيئاً جداً، اذ ظهرت كأنها مجرد تبرير لعدم ثبات موقف كلينتون من مشكلة البوسنة. واستند النقد الى أنه حتى اذا كانت أميركا لا تريد أن تلعب الدور الرئيسي، ليس ضروريا أن تعلن ذلك. هذه الأخطار لم تلغ وانما أدخلت عليها تعديلات.
وقبل هذا نجد مجموعة تصريحات أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة كولن باول ووزير الدفاع ليس اسبن، فحواها ان الجيش الأميركي لا يستطيع أن يحارب في معركتين، وأن حرب الخليج تعد عملية استثنائية وليست قاعدة. وخرجوا الآن بمبدأ عسكري جديد يقول ان أميركا اذا ووجهت بمعركتين تستلزمان استخدام القوات المسلحة، ستضرب في معركة واحدة وتجمد الثانية مع امكان خوضها في مرحلة لاحقة، في الوقت نفسه نجد ان اعلام السياسة الخارجية الذين يحددون فكرها، مثل كيسينجر وبريجنسكي والسيدة باتريك، يختلفون في نقاط كثيرة، لكن أياً منهم لم يؤيد التدخل في البوسنة لأنه سيقود أميركا الى الدخول في حرب داخلية نتائجها غير محسوبة.
فهم هذا الموقف الجديد المتعلق بدور أميركا ما بعد الحرب الباردة، جوهري لفهم سياسة كلينتون، وعلى رغم اننا كتبنا في "الوسط" محذرين من هذا التغيير قبل حصوله لا يزال رد فعل الدول العربية كأن البيت الأبيض هو البيت الأبيض والرئيس هو الرئيس والسياسة هي السياسة. مع ذلك رأينا محاولات كثيرة غير مجدية لاكتشاف الرئيس الجديد: مثلاً ان مجموعة من الفلسطينيين دفعت ستة أو سبعة ملايين دولار لقسم الدراسات في جامعة جورج تاون، لانشاء مركز جديد اسمه "الاسلام والمسيحية"، بدلاً من أن تدعم جامعة بيرزيت التي لا تجد مورداً لتأمين رواتب الأساتذة. هذا مثال واحد من أمثلة فجة كثيرة تؤكد تخلف أسلوب تعاملنا مع الولايات المتحدة عموماً.
وينطبق ذلك على عملية السلام أيضاً، فالعرب والفلسطينيون تحديداً يصفون الدور الأميركي بكلمة "الراعي" التي لا أساس لها في الانكليزية، وهي تعريب لكلمة SPONSER التي لا تعني ما يدل عليه تعبير الراعي الذي يوحي بالمسؤولية عن كل شيء. والدول العربية تستخدم تعبير "الشريك الكامل" المستقى من تجربة كامب ديفيد، وكان من اختراع الرئيس السابق أنور السادات للضغط على أميركا وتوريطها في دور أكبر، لكنها لم تستخدم هذا التعبير في عهد بوش أو في العهد الحالي، فالمعتاد ان يقول الأميركيون ان لهم دوراً أو أنهم سيقومون بدور، وهذا لا يعني الشريك الكامل.
ليست شريكاً كاملاً
ومن الناحية القانونية أميركا شريك مهم لكنها ليست شريكاً كاملاً في المفاوضات بالنسبة الى المحور الأول الخاص بالتسوية. ترى أميركا ان المفتاح لحل المشكلة هو وجود رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين في الحكم، لأنه اذا فشل سيأتي تكتل ليكود، وبالتالي يتجمد أي حل لمشكلة النزاع العربي - الاسرائيلي لسنوات. ونتيجة لتفهم الأميركيين نيات رابين يجدون ان استثمار وجوده يقتضي الوصول الى اتفاق مبادئ قبل نهاية هذه السنة. وهذه عملية سياسية مهمة جداً، لكنني عندما أشرت الى كامب ديفيد عنيت مشكلة كان القرار فيها يصدر عن الرئيس الأميركي... القرار والفعل. الرئيس الأميركي كان يفاوض في كامب ديفيد لمدة 13 يوماً، والآن يحظى الشرق الأوسط بمباركة من الرئيس الأميركي، ولكن ليس بأكثر من مباركة. القرار يهتم به كريستوفر لكنه لا يعطيه كثيراً من وقته، وإدارة الحل تتم على مستوى موظفين في الخارجية الأميركية.
مع ذلك تجد أميركا ان ميزان القوى في الشرق الأوسط يسمح بحل لم يكن ممكناً تمريره في السابق، وأن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال قد يقبل على رغم الاعتراضات، ان هذا الحل لن يستجيب المطالب الدنيا الفلسطينية، لأن البديل، وهو استمرار الوضع القائم، اسوأ. وليس بين الدول العربية من يعارض هذا الحل الأميركي. كلها تؤيد للمرة الأولى في التاريخ الحديث، وبعضها ليس بالألفاظ فحسب ولكن بارسال حجاج ليبيين الى القدس. علماً ان اتفاقات الهدنة مع اسرائيل لم يجمع العرب على قبولها في الماضي.
مجال للتقدم
ونلاحظ ان هناك اتجاهاً لايجاد قيادات فلسطينية كثيرة في الداخل والخارج تساهم علناً في العملية، وبعضها ظهر أخيراً في اجتماعات في شمال أوروبا بمباركة الخارجية الأميركية. هكذا نجد أن هناك مجالاً للتقدم، وحتى اذا لم يتم التوصل الى حل، فإن هذه المحاولات تؤمن ظروفاً جديدة أفضل. والغريب أن نجد أحد أقطاب منظمة التحرير الفلسطينية أبو مازن يعلن صراحة أنه إذا اتفقنا على المبادئ - وكلنا يعرف ان اتفاقات المبادئ مطاطة - سنكون مستعدين للقبول بفكرة غزة أولاً، وهي فكرة خطيرة جداً لأن معناها فصل الاحتلال الاسرائيلي لغزة عن الاحتلال الاسرائيلي للضفة. وبالنسبة الى غزة فان كل الأطراف الاسرائيلية، بما فيها حزب العمل وليكود، تتفق في شيء واحد هو ان أحداً منها لا يريد استمرار السيطرة عليها. بل ان دعاة الصهيونية لديهم مدرسة كبيرة تقول ان غزة ليست في الضرورة جزءاً من اسرائيل.
التركيز على غزة وحدها خطير
فالتركيز على غزة معناه أن العرب يؤجلون مواجهة أية مصالحة تاريخية مع القضية الاسرائيلية الصهيونية. أي اننا بدأنا نستسهل ونسهّل. غزة هي النقطة الرئيسية الضاغطة على الاحتلال، والسؤال هو: إذا بدأنا بها على من سنلقي عبئها، على الأمم المتحدة أم الدول العربية، مصر أم من؟ وإذا كنا سنبدأ بغزة مع أجزاء من الضفة الغربية كنابلس والخليل، فانني أؤيد ذلك مئة في المئة، لكن غزة وحدها تعني عملية لها مخاطر كثيرة جداً، ومع ذلك فعملية السلام ستستمر بصرف النظر عن امكان وصولها الى مطاف أخير أو ترتيبات تجد أميركا أنها في مصلحة الاستقرار في المنطقة. فكرة غزة أولاً يمكن أن تؤمن لمنظمة التحرير موقعاً غير تونس تقيم فيه مكاتب وقاعدة، ولكن هل تحل مشكلة الشعب الفلسطيني ومشكلة 620 ألف لاجئ في غزة؟ هذا هو السؤال الكبير أو التساؤل الذي أعتقد بأنها لا تحله.
عناصر التغيير كثيرة
ما الفارق بين إدارتي الرئيس بيل كلينتون وجورج بوش في ما يختص بالعلاقات مع اسرائيل، وتأثير ذلك في مفاوضات السلام؟
- اشرف غربال: انضم الى تحسين بشير في كثير مما قاله، واختلف معه في بعض النواحي، وعلينا أن ننظر الى الموضوع انطلاقاً من حدوث تغييرات في أماكن عدة في وقت واحد، ولو حصل تغيير في مكان واحد من دون تغيير في آخر لكنا رأينا رؤية أخرى. التغيير الذي حصل في العالم بانهيار الاتحاد السوفياتي عنصر أساسي جوهري، وحصل تغيير في قيادة أميركا في الوقت نفسه تقريباً بتولي ادارة جديدة غير معروفة وليس لها ماضٍ سياسي كبير، وهي ادارة كلينتون.
إذاً عناصر التغيير كثيرة، لكن بضعة شهور لا تكشف كل الأوراق، أضف الى ذلك تغييراً جوهرياً هو الوضع الاقتصادي المتردي في الولايات المتحدة. فلو استمر هذا الوضع كما كان في عهد رونالد ريغان لكانت الدنيا اختلفت، وعقدت الآمال على كلينتون باعتباره الشاب الجديد الذي سيأتي لأميركا بزعامة ورثتها من غير مجهود ضخم في الفترة الأخيرة، وسيعطيها الصورة الجديدة التي يطمعون الأميركيون بها، فاذا بكلينتون يفشل في أولى عملياته. والجانب الوحيد الذي نجح فيه هو إقرار الموازنة.
ما زلنا في بداية عهد ادارته، لكنه لم يستطع حتى الآن أن يحدد الأولويات التي تخدم الصورة الأميركية. وما زال التردد يحكمه في السياسة الخارجية على رغم أنها تمثل ميداناً يمكنه أن ينطلق فيه على أساس الاستمرار في الخط الذي بدأه بوش وأتاح له مكانة قوية. فأولويات كلينتون ما زالت غير معروفة وهو واجه مشكلات في اختيار معاونيه. وفي ما يتعلق بالشرق الأوسط يقول أنه في حال حيرة بالغة، وأعتقد بأنه وجد الدول العربية والفلسطينيين خصوصاً واسرائيل مستعدين أكثر من أي وقت للتوصل الى اتفاق، ويشعرون بأن المرحلة باتت مناسبة.
لا شك في ان الفلسطينيين والعرب يحمدون الله لأن ليكود ليس في الحكم، ليس لأن رابين يختلف كثيراً، وانما على الأقل من ناحية الشكل بتوافر عناصر يمكن أن تؤدي الى نتيجة أقرب مما يمكنهم الحصول عليه لو كان ليكود في الحكم. هذه هي النقطة الأساسية التي يفيد منها كلينتون وإدارته في هذه المرحلة.
واتفق مع الأخ تحسين في أن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة ليس دور الشريك الكامل بالمعنى الذي رأيناه في كامب ديفيد. واتفق معه أيضا في أن هذا التعبير الشريك الكامل استحدثه أنور السادات وجر الولايات المتحدة في اتجاهه، وهو يعني اعطاء العرب قدرا من الطمأنينة للعرب فلا يُتركون فريسة لاسرائيل تفرض عليهم شروط الاحتلال والأمر الواقع. ان الأميركيين سيكونون مراقبين وسيصبحون معاونين إذا استدعى الأمر ضغطاً على اسرائيل، لكن هناك نقاطا سيكون فيها ضغط على العرب، وهذا ما يجب أن نتوقعه.
وتوجد قضيتان جوهريتان يأخذهما كلينتون وإدارته في الحسبان، الأولى هي الوضع الاقتصادي الأميركي وعدم قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في المعونة الخارجية لاسرائيل ومصر وباقي دول العالم بالمعدل السابق نفسه، إذا كان هناك تصميم على معالجة الوضع الاقتصادي الداخلي. وتشعر الولايات المتحدة بأن هناك مسؤولية دولية ويجب أن تتحمل الدول العربية واليابان والمانيا والدول الأوروبية نصيباً أكبر مما تتحمله الآن. واليهود في أميركا لا يختلفون في قراءة هذا التصور.
وأثير هنا سؤالاً مهماً هو: هل تضفي أميركا، عبر حل قضية الشرق الأوسط، شيئاً من الاستقرار في المنطقة كلها بما في ذلك منطقة الخليج؟ أعتقد ان هذا وارد في التفكير الأميركي. ان الولايات المتحدة توصلت الى نتيجة مفادها ان ايران يجب أن تُنبه الى عدم زيادة قوتها بما يؤدي الى مخاطر في منطقة الخليج. من هنا نستنتج ان أميركا تسعى الى التوسط بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة الى قطاع غزة فأعتقد بأن فكرة غزة أولا لا تغيب عن بال الأميركيين، ولكن على أساس مبادئ تلتزمها اسرائيل بالنسبة الى القضية العربية كلها. والمهم ان نصل في النهاية الى نتيجة ان هناك شعوراً في المنطقة وفي الولايات المتحدة بأن الوقت حان لحل قضية الشرق الأوسط، فهناك من المشاكل الدولية الأخرى ما يجب التفرغ له. وكما قال الأخ تحسين ان أميركا لا تريد أن تكون الشرطي الوحيد في كل مناطق التوتر في العالم.
ما هو المدى الذي يمكن أن تبلغه ادارة كلينتون في التدخل في مفاوضات السلام؟
- محمد سيد أحمد: أولاً هناك مقولة أساسية فحواها ان اميركا تنسحب الى الداخل، ونلاحظ ان بوش كان يبني مجده في الداخل على انجازات الخارج، لكن كلينتون يجد هذا غير ممكن وانه لا بد من اعادة بناء الداخل من أجل سياسة خارجية ذات وزن، ليس بمعنى التخلي عن الخارج بل من منظور نقل مركز الثقل الى الداخل.
النقطة الثانية اننا في عالم مختلف، وربما استخدمت في السابق تعبير النظام الدولي القائم، بمعنى ان هناك أقطاباً متعددين ولا نعلم بالدقة من هو القطب المقرر، وان كان لأميركا نوع من السبق. فإذا كانت هذه الافتراضات صحيحة لا بد أن أميركا تخشى اليوم بروز قطب يفيد من غيابها النسبي دولياً، وبالتالي لا بد أن تكون سياستها الكونية محكومة بهذا الاعتبار. وبالطبع ينطبق الأمر على اليابان وأوروبا، وربما أقطاب آخرى مثل الصين والشرق الأقصى.
لكن الأكيد ان هناك سؤالاً كبيراً: ما هو موقف أميركا من القطب الأوروبي، لأن هذا يهمنا في الشرق الأوسط. واعتقد بأن انجازا مهما تحقق هو "ماستريخت". وفي النهاية يبدو أن عملية التوحيد الأوروبي قد تنجح، على رغم التردد بعد موقف كوبنهاغن والاستفتاء الفرنسي. وأصبح هناك ما يبرر القول ان "ماستريخت" قد تتقدم. وإذا حدث ذلك يطرح السؤال: هل تصمت أميركا إزاء بلورة القطب الأوروبي، أم ان من مصلحتها تنشيط بؤر خلاف ونزاع للحيلولة دون انطلاق أوروبا ولتعميق أوجه التباين بين المواقف الأوروبية؟ المرشح الرقم واحد لهذا هو "يوغوسلافيا" لكنه قد ينسحب على أشياء أخرى. وواضح جداً ان أميركا تمتنع عن التدخل في يوغوسلافيا السابقة، اي أن موقفها من البوسنة يختلف كثيراً عن موقفها من الصومال. وربما كانت لها مصلحة في إيجاد بؤر توتر لملء الفراغ ما دامت لا تستطيع الانفراد بالدور الأوحد عالمياً كما تطمع. والأمر ذاته قد ينسحب على الشرق الأوسط.
يوجد احتمال ان تفكر أميركا، فيما هي منشغلة بظروفها الاقتصادية الداخلية، في أن تسرع في حل النزاع في الشرق الأوسط، وتحمل أطرافاً أخرى الأعباء المالية للمنطقة. وهذا هو الأساس لمسألة السوق الشرق الأوسطية. وتكون مشكلة أميركا في هذه الحالة أن تكفل عملية "ريموت كونترول" للمنطقة وهي منسحبة، لئلا تحتل أوروبا الشرق الأوسط كطرف مهيمن، أو تتمكن أطراف أخرى من المرور المباشر في المنطقة من دون اشراف أميركي.
قد يكون هذا سيناريو متطرفاً، أما السيناريو المتطرف الثاني فهو تعطيل الخروج بمعنى ألا يكون الهدف هو السلام بل استمرار عملية السلام باعتبارها مبرراً لوجود أميركي ما، بينما أميركا لا تستطيع حسم المشكلة لأن وضعها الدولي ازاء أطراف أخرى لا يسمح بذلك.
وفي النهاية هذان السيناريوهان ليسا في الضرورة متناقضين تماماً، فقد يكمل احدهما الآخر أو يبرزان جوانب مختلفة من حقيقة واحدة هي ان أميركا في مركز عائم لا تقرر الأمور وحدها ولكن لا يزاحمها طرف آخر الى حد يحسم سياستها. وهي في ظل هذا الوضع تحاول تحميل غيرها العبء المالي في المنطقة، تحت اشرافها وليس على حسابها أو على حساب مركزها الدولي، لتكون هذه هي الهموم الحقيقية خارج اطار عملية السلام وتقرير مجريات العملية في الفترة المقبلة. ولو صح هذا ربما كان مفيداً ايجاد "عدو" يجمع الأطراف، وهنا العدو هو الصحوة الاسلامية والجاليات الاسلامية في الخارج.
عملية السلام هي الهم
أثرت فكرة جعل عملية السلام هدفاً في حد ذاتها، كيف؟
- محمد سيد احمد: ان تكون عملية السلام، وليس السلام نفسه، هي الهم الحقيقي، ويصبح السلام كهدف ممكناً إذا وجدت صيغة تحمل الأطراف الاقليمية المسؤولية المتبادلة من دون ان تتحمل أميركا ما تتحمله الآن، فتستطيع ان تجمع بين نوع من الاشراف على المنطقة والتفرغ الكافي للانشغال بمشاكلها الداخلية.
وهل ترجح أن يكون هذا هو مدى تدخل إدارة كلينتون في المفاوضات؟
- محمد سيد أحمد: هذا قد يكون هدفاً أو قضية محورية في تفكيرهم، وسيكون التعامل مع التفاصيل ومتعرجات التسوية في خدمة هذا المحور أو الوقوف في وجه ما لا يخدمه.
ضعف القوتين معا
استاذ جميل مطر، هل تعتقد بأن مثل هذا التدخل الأميركي ينطوي على مصلحة عربية كما كان شائعاً بعد مؤتمر مدريد، أم ان الأمر بات مختلفاً في ضوء الخبرة المكتسبة من المفاوضات؟
- جميل مطر: اشار محمد سيد أحمد الى أن أميركا في مركز عائم، وأنا أعتقد انها تمر الآن بما مرت به بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية انتهاء بالانسحاب من شرق السويس. خلال تلك الفترة حصل ما يسمى "حلاوة روح" في انكلترا التي أرادت بحرب 1956 اثبات أنها لم تضعف وتنسحب من العالم. ووجه الشبه الذي أقصده أن ما حدث في السنين العشر الماضية كان ضعف القوتين العظميين معاً، وإن لم يلمسه الرجل العادي في الاتحاد السوفياتي حتى سقط مرة واحدة.
ولا أحد يتصور أن أميركا القوة العظمى تتراجع، لكنني أقول انها تراجعت قبل فترة طويلة، وما حدث سنة 56 من جانب انكلترا بالنسبة الى مصر وحرب قناة السويس سيشبه فترة "عودة الروح" في أميركا خلال عهد ريغان: وضوح ايديولوجية قيادة عالم رأسمالي ليبيرالي في اطار قيم وضعتها أميركا في قاعدة تحالف عالمي ضخم، وكلنا نعرف ماهية القيم الأميركية.
الحضارة الأميركية والايديولوجيا الأميركية بدأتا بالتراجع منذ 10 - 15 سنة، فبدأ الاهتمام بمنظومة الفرد وهذه ظاهرة بلغت ذروتها الآن في أميركا بتأكيد حق الفرد في الشذوذ الجنسي، مشاكل "الايدز" والاجهاض... كلها مشاكل. وظهرت البطالة المتزايدة وتمايز الأقليات في شكل واضح، وبدأت فكرة "بوتقة الانصهار" تعاني من أزمة، اذ أصبحت الأقلية أقلية بالفعل تتكلم لغتها وتمارس سلوكها فيما فكرة الوطن الأميركي تنحسر.
والتفكير في عقيدة عسكرية جديدة بدأ في أثناء الحرب الباردة خلال عهد ريغان، وبالتالي ليس مسألة جديدة مرتبطة بعهد كولن باول. حتى "حرب النجوم" هي فكرة صارخة تعكس حال انحدار، كما فعلت انكلترا بشن حرب 1956. وهنا أقول ان روس بيرو ليس شخصية عابرة بل يمثل أزمة سياسية صارخة في أميركا حيث بدأ الرأي العام يشك في نظام الحزبين وفي مجلسي الكونغرس والسياسيين، وأصبح يكره مدينة واشنطن حيث تصنع السياسة الفيديرالية.
حرب حضارات
أمر آخر يرتبط بالفكر السياسي الأميركي الذي كانت ميزته دائماً أنه يتماشى مع الممارسة السياسية. فحين خططوا للحرب الباردة كان الفكر السياسي الأكاديمي يتماشى مع السياسة الخارجية، وسياسة الحرب الباردة كلها كانت تصنع في مراكز البحوث وتنفذ في وزارة الخارجية. كان هناك توازن بينهما ولكن في السنوات الخمس أو الست الأخيرة بدأت تظهر فجوة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، والصدمة المرتبطة بسقوط نظام القطبين. حصل تباعد بين الفكر الأكاديمي وفكر الممارسة أو الفكر السياسي، وبرزت ظواهر كثيرة منذ 1989 حتى حكاية نهاية التاريخ، والأهم هو مقال "صمويل منتغتون" في مجلة "فورن افيرز" الذي أشار فيه الى ان الدول لن يحارب بعضها بعضاً إما لأن لها مصالح وإما لأنها تبحث عن توازن قوى. الحرب من الآن فصاعداً ستكون حرب حضارات بذكاء وخبث بالغين: الحضارة الغربية البروتستانتية والكاثوليكية بدرجة ما، أي بين الانغلوساكسون واللاتين، وهذا أمر خطير، والحضارة السلافية الارثوذكسية والحضارة الهندوسية والحضارة الكونفوشية والحضارة اليابانية، وربما كانت هناك حضارة تركية.
وخطورة هذا الكلام ايحاؤه بأن هذه الحضارات سيبدأ بعضها بمحاربة بعض، ويضرب كاتب المقال مثلاً البوسنة، فأزمتها ليست صراعاً بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية أو حضارة الاسلام، بل صراع بين الحضارتين السلافية والاسلامية. وهو يطلب من أميركا ان تبدأ بالاستعداد لتشكيل تحالف حضارات وأن تستغل الخلاف بين اثنتين من هذه الحضارات ليضرب بعضهما بعضاً. هذا مقال خطير نشر جزء منه في صحيفة "هيرالد تريبيون"، وهو يدل على ان الفكر السياسي الأميركي أصبح يعنى بالطلقات. ومقولة دخول العالم عصراً جديداً هو عصر حضارات تتصارع وتتضارب تذكرني بموضوع البحث عن عدو، والذي أشار اليه محمد سيد أحمد. فلا شك في ان أميركا بعد الاتحاد السوفياتي، تبحث، مثل أي دولة في العالم، ليس عن عدو تصنعه وانما عن أهداف تحالفات أو أهداف عداوات.
تبحث عن عدو، ووجدته في الاسلام؟
- جميل مطر: في اطار هذا الفكر حديث واضح عما يسمى "الزحف الأخضر" وهذه الفكرة أصلها في الصليبية ولكن لا يمكن أن اتصور أن الاكاديميين في أميركا الذين بدأوا ينشطون في الحياة الدينية قد يصورون الاسلام خطرا على الحضارة الغربية، انما هو موجود كبديل. والظاهرة الجديدة التي عمرها شهور معدودة كعدو محتمل هي الصين، اذ تظهر في كل الكتابات الغربية والأميركية خصوصاً باعتبارها العملاق الجديد وليس اليابان. حتى ان وزراء خارجية دول جنوب شرقي آسيا طلبوا في اجتماع لهم من أميركا تخفيف الحملة التي تحاول أن توقع بها بين الصين وجنوب شرقي آسيا، حيث تثار مشكلة العملاق الصيني الذي يتسلح بسرعة ويهدد اليابان، ومشكلة الصين - الحضارة التي قد تقع مجدداً في مواجهة مع الحضارات السلافية الارثوذكسية.
ما أريد أن أصل اليه في النهاية ان كلينتون هو نتاج هذه الحال من التدهور، الى جانب ظروف شخصيته اذ بدا متردداً وضعيفاً لا يستطيع ان يختار الناس. كنا نتساءل هل يكون لأميركا زعيم بعد بوش؟ والسبب انه لم يكن هناك ما يؤكد وجود الشخص الذي يستطيع تحقيق التغيير في أميركا. وأعتقد ان كلينتون هو نتاج حال التدهور في أميركا وليس السبب في تردي سياستها الخارجية وحال اقتصادها.
نعود الى السؤال السابق، هل ينطوي التدخل الأميركي على مصلحة عربية؟
- جميل مطر: الشرق الأوسط من أسهل مناطق العالم بالنسبة الى دولة كأميركا وشخصية مثل كلينتون، ويمكن التعامل مع هذه المنطقة لأنها لم تعد تمثل مشكلة معقدة بعد أزمة العراق، وباتت جاهزة لأي عمل تقوم به أميركا حتى في حال ضعفها وذلك لسببين: اولهما ان الوضع العربي مترد عموماً وهناك أزمات سياسية واجتماعية في كل انحاء المنطقة. والسبب الثاني ان اسرائيل ليست في وضع طيب كما نتصور، ولديها مشاكل تستدعي استعجال السلام، والضعف الأميركي ينعكس عليها، على الأقل في جانب واحد هو استمرار المعونات والتأييد الدولي. وهناك موضوع استيعاب المهاجرين وهذه مشكلة ليست سهلة في اسرائيل، وتتطلب استقراراً اقليمياً وليس فقط استقراراً داخلياً. وقد نضيف الى ذلك بوادر انقسام في صفوف الجالية اليهودية الأميركية قد يكون شديداً.
الخلافات اليهودية
هل توجد شواهد على ذلك؟
- جميل مطر: ما حدث في أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، اذ عزلوا بطريقة انقلاب شبه عسكري، مسؤول "ايباك" لجنة العلاقات اليهودية الأميركية والصراعات بين الكتاب الصهاينة في الصحافة الأميركية، والتي وصلت الى حد السب والاتهامات المتبادلة بالاضرار باسرائيل. الخلاف ليس فقط داخل الجالية اليهودية بل ايضاً بين الجالية واسرائيل، وهو يظهر في نقطة صغيرة هي قضية المهاجرين. الجالية كاسرائيل تريد أن تجدد دماءها في أميركا. وبالتالي تريد مهاجرين سوفيات وآخرين من شرق أوروبا.
الجالية اليهودية كيان أقلية لها احترامها وقدرتها وتحب أن تحافظ على هذه المكانة داخل أميركا، وتحتاج في مواجهة الاندماج بين اليهود والشعب الأميركي الى دم يهودي جديد. إذن هناك صراع حقيقي وحرب في أوروبا بين اسرائيل والجالية اليهودية في أميركا على من يأخذ اليهود: الجالية تشجع اليهود كي يذهبوا الى أميركا بينما اسرائيل تسعى الى جذبهم بكل ضغوطها.
وفي هذا الاطار يبرز موقف مارتن انديك أهم ممثل لليهود في إدارة كلينتون، والذي يرى ان الاسراع في التسوية في الشرق الأوسط ينقذ الجالية اليهودية من الدخول في صراع مع الولايات المتحدة ويحد من الانقسامات في داخلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.