وزير الدفاع يبحث مع نائب رئيس الوزراء السلوفاكي علاقات البلدين في المجال الدفاعي    "السفياني" يعفو عن قاتل ابنه في ثاني أيام العزاء    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    تاسي: 339.1 مليار ريال استثمارات الأجانب    ضمن خارطة طريق بديلة لمواجهة تصفية القضية.. اليوم بالقاهرة.. إعمار غزة دون تهجير على طاولة القمة العربية الطارئة    ترامب يبحث ملف المساعدات.. وروسيا تشدد مواقفها.. مساع أوكرانية – أوروبية لإصلاح العلاقات مع أمريكا    في ذهاب دور ال 16 لدوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال والأهلي في ضيافة باختاكور والريان    استعرضا سبل تعزيز العلاقات الثنائية.. ولي العهد والرئيس عون يبحثان مستجدات أوضاع لبنان والمنطقة    ولي العهد يستقبل الرئيس اللبناني ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    تعليق الدراسة وتحويلها عن بعد في عددٍ من مناطق المملكة    فيض من عطاء في بلد العطاء    مهرجان "سماء العلا" يستلهم روح المسافرين في الصحاري    مشروع الأمير محمد بن سلمان يطور مسجدًا تاريخياً عمره 100 عام    منعطف إجباري    غزارة الدورة الشهرية.. العلاج (2)    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    نائب أمير منطقة مكة يطّلع على الخطط المستقبلية للمديرية العامة للسجون    ليالي الحاده الرمضانية 2 تنطلق بالشراكة مع القطاع الخاص    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    تعليم الطائف ينشر ثقافة الظواهر الجوية في المجتمع المدرسي والتعليمي    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    أمير الرياض يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    محمد بن علي زرقان الغامدي.. وجه حي في ذاكرة «عكاظ»    فينيسيوس جونيور يرفض صفقة العمر    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية    الشلهوب يُرزق بشيخة    رد على «تهنئة رمضانية» يقود رئيس شركة للسجن!    حرس الحدود ينقذ (12) شخصًا بعد جنوح واسطتهم البحرية على منطقة صخرية    توصيل الإنترنت عبر الضوء    «الغذاء والدواء»: 1,450,000 ريال غرامة على مصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    استخبارات الحوثي قمع وابتزاز وتصفية قيادات    أكبر عذاب تعيشه الأجيال    خديجة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم مآدب إفطار رمضانية في نيبال ل 12500 صائم    "حديث السّحر" ماشفت ، ماسويت ، ماقلت ، مدري    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    أطعمة تكافح الإصابة بمرض السكري    دبلوماسية الردع عن بُعد    قال «معارض سعودي» قال !    الشهادة التي لا تسقط بالرحيل    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    التعليم السعودي يفتح خزائنه في سباق العشرين عالمياً    عينك على البحر.. عينك على المستقبل !    التسامح...    النصر يتعادل سلبيا مع الاستقلال في غياب رونالدو    الدوري أهلاوي    جيسوس يكشف أهدافه من مواجهة باختاكور    تقنيات مبتكرة للاستدامة الزراعية    ولي العهد والرئيس اللبناني يعقدان جلسة مباحثات رسمية    فيصل بن مشعل يزور القضاة والمشايخ    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تفتح ملف النقابات الفنية في لبنان . "المحترفون" و "الاتحاديون" بين ترميم الاجهزة المتصدعة وشق الجسم النقابي : حرب أهلية مكتومة أم زوبعة في فنجان ؟
نشر في الحياة يوم 13 - 09 - 1993

أعلن في بيروت، قبل أسابيع، عن تأسيس نقابة فنية جديدة تحمل اسم "نقابة الفنانين المحترفين"، ضمت هيئتها التأسيسية حوالي 012 عضواً، بعضهم له دور رائد وفعال في العمل النقابي، والبعض الآخر لم يتعاطَ أي نشاط من هذا القبيل، طوال تاريخه الفني كالرحابنة، وديع الصافي وصباح.... ما هو سرّ اقدام وزارة العمل في لبنان على اصدار مرسوم يقضي بإنشاء هذه النقابة، رغم وجود مؤسسات أخرى ناشطة منذ عقود؟ هل تترافق عودة الدولة الى لبنان مع نية رسمية في احتواء المؤسسة الفنية؟ أم أنّها ردة فعل بعض المبدعين على الصيغ والاطر القديمة؟ "الوسط" جالت بأسئلتها على الاطراف المعنية، وكان هذا التحقيق.
لم تكد تمضي فترة قصيرة على تشكيل ما سمي ب "نقابة الفنانين المحترفين"، بناء على قرار وزير العمل رقم 200/1 الصادر بتاريخ 28/6/1993، حتّى جاء رد فعل النقابات الفنية التاريخية الثلاث في لبنان، سريعاً وقاطعاً. فقد سارع أعضاء "نقابة ممثلي المسرح، السينما، الاذاعة والتلفزيون"، "نقابة الفنانين السينمائيين"، و"نقابة الموسيقيين المحترفين" الى الاعلان عن التجمع في اطار هيكلية جديدة تجمعهم تحت راية "اتحاد النقابات الفنية".
ونظمت انتخابات شاركت فيها النقابات الثلاث الى جانب نقابات أصغر، بإشراف رسمي عبر ممثل عن وزارة العمل هو زكريا كلاكش، فتم انتخاب مهندس الديكور غازي قهوجي رئيساً للاتحاد. ولا بد من الاشارة هنا الى كون الاتحاد الجديد موجود قانونياً منذ 12 آذار مارس 1974، حين صدر مرسوم وزاري يسمح بإنشائه تحت الرقم 112، إلا أن الحرب الاهلية جاءت لتعطل نشاطاته...
بعد يومين من احياء الاتحاد، تمت انتخابات الهيئة التأسيسية للنقابة الاخرى التي رخصت لها وزارة العمل، أي "نقابة الفنانين المحترفين"، ونجم عنها اختيار المخرج المسرحي أنطوان ملتقى رئيساً.
فما هو سر هذا السباق من أجل الشرعية، وهذا التنازع على اطلاق نقابة جامعة بوسعها تمثيل أهل الفن في لبنان، بين مجموعة فنانين معروفين سهلت لهم وزارة العمل مهمتهم من جهة، وبين النقابات التقليدية من جهة أخرى؟ خاصة أن النقابتين المتنافستين، أي "الاتحاد" و"المحترفين"، تلوّحان بهدف واحد هو العمل على تحقيق القانون المهني. والمشروع قدّمه "اتحاد النقابات الفنية" منذ السبعينات، سعياً الى ضمان حقوق الفنان المعنوية والمادية، لكنه لم يجد يومذاك من قبل السلطة أذناً مصغية.
خلفيات الصراع
الاوساط الفنية اللبنانية قلّبت السؤال وطرحته على نفسها بأكثر من صيغة: ما خلفيات هذا الصراع بين مؤسستين نقابيتين تسعيان الى تحقيق المكاسب نفسها، في بلد ناهض من حرب أهلية باحث عن وحدة أبنائه وتعاضدهم؟
من جهة نقابة مرتجلة، جمعت على عجل أسماء نجوم معروفين وأفراد يمتلكون مؤسسات في بعض القطاعات الفنية "نقابة الفنانين المحترفين". وهذه الاخيرة ظهرت فجأة كأنها خارجة من العدم، فاذا بعدد أعضائها يبقى محدوداً، واذا بها تفتقر الى الاكاديميين من جهة والى الكوادر التقنية من جهة أخرى. وها هي تطرح دفعة واحدة على بساط البحث، مستقبل العمل النقابي في لبنان... ومن الجهة الاخرى "اتحاد النقابات الفنية" الذي يضم مؤسسات تتمتع بمشروعية تاريخية وبتمثيلية على مستوى القاعدة، ولكنها تشكو ربما من صدأ البنى الرسمية الاخرى في البلاد ومن تعب سنين الممارسة الطويلة.
قد تكون الازمة الحالية، التي تشبه حرباً أهلية مكتومة بأشكال ووسائل أخرى، مناسبة للتعرف عن كثب الى كل منها. ف "نقابة ممثلي المسرح، السينما، الاذاعة والتلفزيون" تأسست عام 1947، وتضم حالياً 1600 فنان ما بين محترف ومتدرج، منهم 400 من حملة الشهادات. تعاقب على رئاسة مجلسها كل من عفيف كريدية، عايدة هلال، محمد شامل، فيليب عقيقي، علي دياب، أديب حداد، الياس رزق، إحسان صادق أقيل بسبب خرقه النظام الداخلي وميشال ثابت الذي ما زال يشغل الى الآن هذا المنصب.
أما "نقابة الفنانين السينمائيين"، فتأسست عام 1952، وتعاقب على رئاستها كل من النقيب توفيق كيروز، جورج نصر، محمد سلمان، نقولا أبو سمح، أنطوان ريمي، فؤاد جوجو، وتضم حوالي 400 عضو بين مخرج ومساعد مخرج وغيرهما... وتشارك النقابة في عضوية "اتحاد الفنانين العرب" في القاهرة، حيث يمثلها نائب الرئيس سمير درويش. "نقابة الموسيقيين المحترفين" من جهتها تأسست في الستينات، ويرأسها أنطوان فرح. وهناك أخيراً "نقابة منتجي وموزعي الاشرطة السينمائية" التي يعود تاريخ انشائها الى الخمسينات، وتضم حوالي 60 عضواً، و"نقابة فناني طرابلس" التي انطلقت عام 1954، ويرأسها رفيق الرفاعي وتضم حوالي 120 عضواً.
فمن يمثل الفنانين اللبنانيين في نهاية الامر، من يرفع رايتهم ويدافع عن قضاياهم؟ يبدو الجواب بديهياً للوهلة الاولى، وقد ارتفعت أصوات تدعو "المحترفين" الى الالتحاق بالنقابة الام. فنقابة الممثلين، وهي المتضرر الاكبر، تفوق وحدها التنظيم الجديد سواء على مستوى تقاليد العمل النقابي، أو على المستوى العددي، أو لجهة نسبة الاكاديميين بين أعضائها. لكن أعضاء "المحترفين" يردّون أن ظروف العمل باتت في إطار المؤسسات والتنظيمات المهنية القديمة، شبه مستحيلة... ويشدد هؤلاء على كون نقابتهم التي جاء مرسوم وزارة العمل بانشائها تلبية لمطلب قديم لدى بعض الفنانين - تضم في صفوفها مبدعين حقيقيين فقط، بعيداً من الذهنية العددية البليدة، وجيوش المحسوبين على الفن!
والسؤال اليوم يدور حول آفاق التعاون الممكنة، في المستقبل القريب، بين الفريقين، في ظل تردي الاوضاع المعيشية لأهل الفن في لبنان... خاصة أن أيّاً من الطرفين لا يملك وحده الامكانات المادية والمعنوية التي يتطلبها أي تحرك أو أي عمل ميداني.
في اطار البحث عن اضاءات وبداية أجوبة، ذهبنا الى لقاء عدد من الفنانين، "الاتحاديين" منهم و"المحترفين"، ساعين الى بلورة وجهات النظر، واذا بالسجال ينتقل الى صفحاتنا.
"المحترفون" حسابات شخصية؟
النقابيون القدماء يدعون زملاءهم في "نقابة المحترفين" الى الالتحاق بالاتحاد. نقيب السينمائيين جورج نصر يعتبر أن "الجسم الفني لا يحتاج الى نقابة "كالمحترفين" تعمل على شق وتجزئة النقابات التي حافظت على وحدتها طوال سنوات الحرب على عكس ما حصل لسائر المؤسسات الوطنية. ولا ندري ما هي الأسباب التي دفعت بوزير العمل الى الموافقة على هذه النقابة، رغم تأكيده الدائم لنا، بأنه جاء ليوحد لا ليفرق". ويلتقي نقيب الممثلين ميشال ثابت مع نصر، بل يذهب أبعد منه حين يعتبر "أن الممثلين موجودون ومعترف بهم، وليسوا بحاجة الى أجهزة لاثبات وجودهم".
الكاتب والمخرج المسرحي مروان نجار اعتبر من جهته أن "الكيان الاتحادي وحده قادر على استيعاب جميع النقابات، مع الحفاظ على شخصية كل جهاز". وتمنى على "المحترفين" الوصول الى صحوة تقودهم نحو العمل الاتحادي، ليصبحوا جزءاً من القوة الضاغطة والفعالة في محاورة السلطات ومواجهتها. واضاف نجار بنبرة اتهامية: "إن نقابة المحترفين نتجت عن حسابات شخصية. فبعض اعضائها لم تعجبه نتائج انتخابات مجلس "نقابة الممثلين" الاخير. هل ينبغي أن نذكر هؤلاء بأن جوهر العمل النقابي لا يتوقف عند انتخابات ومناصب؟ فالدولة يهمها تخفيف ضغط النقابات عليها، كما فعل الرئيس الراحل شمعون مع سائقي التاكسي في الخمسينات، وكما فعل الرئيسان فرنجية وسلام مع نقابة المعلمين مطلع السبعينات. ويومها أيضاً كنت مع الداعين الى التوحيد. لا يجوز أن ينقسم العمل النقابي، وكل من ينقسم خائن لمهنته!".
أما المسرحي الفنان رفيق علي أحمد فقال: "ما أحوجنا الى التخلي عن المصالح الشخصية. لا أرى انشقاقاً في تأسيس نقابة جديدة، انما بعثرة للجهود وتفريق للقوى. فالاتحاد عمل ايجابي، وآمل من نقابة المحترفين الانضواء تحت لواء هذا الاتحاد كنقابة رابعة، كي يصبح التأثير على السياسيين أكبر".
الممثل والنقابي العتيق سليمان الباشا، يرى أن "احياء الاتحاد خطوة ايجابية تصب في تفعيل العمل النقابي وتوحيد الجهود التي من شأنها وصول الفنان الى حقه في حياة كريمة. فالعمل النقابي توحيد لا تفريق أو شرذمة، ويحز في نفسي وأنا أتحدث عن التوحيد، أن تسعى نخبة من الفنانين مع احترامي لكل زميل في هذا الوسط، الى تأسيس نقابة والتخلي عن النقابة الام! كنقابي قديم وممثل في الاتحاد العمالي العام وعضو المجلس العام لاتحاد النقابات العالمي، ومن خلال خبرتي في هذا المجال، أقول إن هذه الخطوة ستفوت فرصاً كثيرة على الفنانين بشكل عام، لأن الشرذمة تقوي المستفيدين من ضعف العمل النقابي، وبالتالي تسهل عملية هضم حقوق الفنان".
وحول تدخل الدولة قال الباشا: "تعرفنا عبر التاريخ، الى المحاولات الدائمة للسلطات - عندنا وفي بلدان أخرى - للتدخل في العمل النقابي. وما حصل في هذا المجال لا يعد ولا يحصى، كأن يتم الترخيص لنقابات هامشية الى جانب نقابة قوية للحد من نشاطها. واذا نظرنا الى التجربة العمالية في لبنان، وجدنا أمثلة كثيرة: نقابة الطباعة كانت من أهم النقابات، وكانت ترجف المستعمر في لبنان والسلطة اللبنانية، فتم تجزيئها ورخص لعدد من النقابات".
"الامر نفسه حصل مع نقابة السائقين التي كانت تعطل البلاد عند اعلانها الاضراب - يضيف سليمان الباشا. الامثلة لا تحصى وآخرها الترخيص لنقابة الفنانين المحترفين، وكأن العاملين في هذا الحقل هم هواة وليسوا محترفين! هذا دون ان ننسى التدخل المباشر في الشؤون النقابية، كتعطيل انتخابات او تأجيل أخرى، وتدخل في تشكيل لوائح انتخابية، وكل هذا خارج نطاق القانون. هناك قاعدة قانونية مطاطة تنص على أنه يجوز انشاء أكثر من نقابة للمهنة الواحدة. لكن في ظل عدم تحديد المهن الثقافية أو الاقتصادية، أصبح تغيير كلمة في طلب الترخيص، يجيز للوزارة أن ترخص مثلاً لنقابة عمال أفران الخبز الافرنجي، وكأن الاخير ليس خبزاً الخ... إلا أن الخطيئة الكبرى تكمن في سلوك الساعين الى تبؤ المراكز عن طريق شق الصف النقابي، مفوتين على أبناء المهنة فرص رفع المطالب وتحقيق المكاسب".
ويتخذ المنتج صالح العجم الموقف نفسه، إذ يعتبر الخطوة الاخيرة عملاً انشقاقياً يشرذم الوسط الفني: "كان يفترض في الزملاء الاحبة معالجة موضوع الشكوى إن وجدت، بطرق ديموقراطية سليمة. فمجالات الحوار متاحة بين الفنانين ولم تنقطع. أرجو أن يتوصل الاتحاد الى معالجة ما حصل، عبر استيعاب التنظيم الجديد، علماً أنه لا يحق لنقابة أن تنتسب الى الاتحاد الا بعد مرور سنة على تأسيسها حسب النظام الداخلي. كيف نقارن بين نقابة جديدة وأخرى موجودة على الساحة منذ عقود، قطعت عبر تاريخها الطويل مراحل تنظيمية ونقابية أوصلتها الى مرحلة من النضج والفاعلية؟".
"الاتحاديون": حضور صوري؟
وقصدنا رئيس جمعية المؤلفين والملحنين توفيق الباشا الذي اختار "الخندق" الآخر، فانتسب الى "نقابة الفنانين المحترفين"، وانتخب أخيراً نائب رئيس مجلس النقابة، فشرح لنا وجهة نظره على الشكل الآتي: "كموسيقي، وجدت أنه لم يعد لي مكان في نقابة الموسيقيين المحترفين التي تحولت الى نقابة عازفين. هذا عدا المخالفات التي تمارس من جراء قبول طلبات الانتساب دون تقويم فني صحيح".
"لذا كان من الضروري - يتابع الباشا - ايجاد اطار جديد يشمل كل المجالات الفنية، وتحويله الى نقابة مهنية تضم أصحاب الخبرات القديمة الذين اثبتوا وجودهم على الساحة. لا بد أيضاً من التركيز على خريجي المعاهد الفنية، لتأسيس جيل أكاديمي جديد، يكون مؤتمناً على مستقبل حركة الابداع في لبنان. الذي جمع وديع الصافي وصباح وريمون جبارة وغيرهم من الفنانين المعروفين، هو التآلف الروحي واحترام البعض قدرات البعض الآخر. وتم حصولنا على ترخيص، لما يشمله تجمعنا من اسماء من مختلف القطاعات. أما بالنسبة الى التعاون مع التنظيمات النقابية الاخرى، فأنا من القائلين بضرورة تشكيل لجان للوصول الى تفاهم وتعاون بين جميع الفنانين تفادياً لكل أنواع الضرر الممكنة".
أما الموسيقي الياس الرحباني فقال: "أنتظر كثيراً من التجمع الجديد. لم اتعمق سابقاً في موضوع العمل النقابي، ولم أطلع على ظروف تشكل الاتحاد. تم الاتصال بي للانضمام الى النقابة، ووافقت لثقتي ببعض الاشخاص في النقابة ممن يمكن الاعتماد عليهم. وعد هؤلاء بالعمل على فرض القانون المهني الذي نحتاج اليه جميعاً. أرجو، من ناحية أخرى، أن يحصل تفاهم وتعاون بين مختلف الاطراف المعنية، وكل العاملين في الحقل الفني".
ويرى المنتج والمخرج رفيق حجار من جهته أن البلاد "في حاجة الى نهوض ثقافي وحضاري. وهذا النهوض غير ممكن عبر عمليات ترميم الاجهزة المتصدعة، ولا عبر العودة الى اتحاد مر عليه الزمن. نقابة المحترفين لا تضم الا مبدعين حقيقيين. خياراته تنبع من توجه حضاري شامل، وستسعى الى حماية حقوق الفنان، ماضية في ترسيخ حضورها كنقابة مهنية معترف بها قانونياً.
"نحن الآن - يقول حجار - في مرحلة تأسيسية لم تكتمل، تهدف الى استقطاب جميع الاعضاء المنتسبين. وستشهد المرحلة القادمة، برأيي، انضمام الجميع الى نقابتنا. فللمرة الاولى تضم نقابة في لبنان جميع القطاعات من ممثلين ومخرجين وموسيقيين و كتاب ومطربين وفناني الفولكلور... أما "اتحاد النقابات الفنية" فحضوره صوري، وليس الا بهرجة شكلية أبعد ما تكون من الفاعلية. كما أنه مهترىء، فماذا ينفع احياء ميت لم يستطع أن يفعل شيئاً في تاريخه؟ ومصداقية نقابة المحترفين رهن بحضورها على الساحة وبمدى قدرتها على السعي الى تحقيق القانون المهني. فالنجاح شرط لاستمرار المجلس الحالي للنقابة، واذا أخفق سيتم تبديله. لا أحد مولع بالمناصب".
وسألنا المسرحي المعروف انطوان ملتقى، رئيس مجلس نقابة "المحترفين"، رأيه في كل هذا فأجاب: "ما حصل ليس إلا زوبعة في فنجان. فأين الضرر من وجود نقابة جديدة كما هي الحال في كل بلدان العالم؟ ما يهمني أن نكون قادرين على اثبات وجودنا والحصول على القانون المهني. وقد فكرنا في هذا التجمع لأنه لا يمكن وضع قانون مهني لكل قطاع فني على حدة، حسبما شرح لي في السبعينات صديقي النائب ادوار حنين. وانا كأستاذ جامعي، أريد أن أطمئن الى مستقبل تلامذتي، ومنهم سيطلع فنانو المستقبل. النقابة ليست ضد أحد، نعتمد على الاسماء المهمة المعروفة في التجمع لتحقيق مطالبنا. وبفضل وجود هذا الاسماء، وافق وزير العمل على الترخيص لنقابتنا بعد أن كان متردداً. حين رآنا قال: وكيف يسعني عدم منحكم الترخيص؟ بعض الاسماء غير القادرة على التفرغ، قد لا تدخل المعترك عملياً، الا أنها تدعمنا معنوياً. وقد يصار الى انشاء مجلس استشاري لمراقبة مجلس الادارة فنياً. وحدنا قادرون على تحقيق ما يطالب به الفنانون من زمن، لأننا نمثل قطاعات مختلفة، وستكون انجازاتنا لكل الفنانين في لبنان".
لكن رئيس "اتحاد النقابات الفنية" غازي قهوجي لا يشاطر أنطوان ملتقى رأيه على الاطلاق: "كلما تزايدت النقابات كلما أصبح القانون المهني بعيداً. والاتحاد هو المؤسسة الكبيرة الموحدة الواحدة والوحيدة التي ستحصل على القانون المهني، إن كان لدى الدولة والوزارة المختصة أدنى نية في اعطائه. فالاتحاد هو الذي يشمل كل القطاعات الفنية في لبنان عبر نقاباته. ومنذ أوائل السبعينات وقضية القانون المهني هي الهاجس الاكبر للنقابات الاربع. فهو ليس بهاجس مستجد. واذا كانت بعض الحقبات الماضية شهدت نوعاً من التلكوء في المطالبة، فذلك يعود الى خيار المسؤولين في ذلك الوقت، على عاتقهم وحدهم تقع المسؤوليات".
وزارة العمل: قانون جديد قريباً
لوحظ أن المجلس الاتحادي الجديد يغلب على اعضائه الطابع الاكاديمي، فهل هي مصادفة؟ وكيف يفسر قهوجي التحاق فنانين من جمعية المؤلفين والملحنين بالنقابة الجديدة؟ يجيبنا الرئيس الجديد للاتحاد:
"خلافاً لما يشاع بأن بعض النقابات، لا تأخذ في عين الاعتبار الناحية الاكاديمية، وانها تعتمد بشكل اساسي في مجالسها التنفيذية على ذوي الخبرة فقط، فإن نقابة السينمائيين مثلاً، تضم 65 مجازاً جامعياً ومتخصصاً بين أعضائها. كما تضم نقابة الممثلين حوالي 320 مجازاً وعشرات الاساتذة الجامعيين. والاكثرية الساحقة لاعضاء نقابة الموسيقيين هي من خريجي معاهد عالية للموسيقى أو المعهد الوطني في لبنان "الكونسرفاتوار"، وأغلب هؤلاء الاعضاء أساتذة في المعهد الآنف. وهذه النسبة العالية من الخريجين تمثل في مجالس النقابات الفئة الاكثر ديناميكية".
ويضيف قهوجي: "نحن هنا مع أن تكون الاجازة الجامعية العالية، أحد المعايير التي تحدد شروط الانتساب الى النقابات الفنية. فهذا المعيار هو الادق لضبط مستوى وقانونية العمل النقابي الفني. لكن هل يعني هذا أن علينا التخلي عن كبار فنانينا بحجة أنهم لا يحملون شهادات جامعية؟ أليس هؤلاء الاعلام الكبار أصحاب المواهب النادرة، من أشار علينا يوماً بضرورة اعتماد التعليم الجامعي، لقناعتهم أن العلم هو السبيل الوحيد لتطوير كل المهن الفنية في لبنان؟"
أما بالنسبة الى جمعية المؤلفين، فيوضح: "القانون يجيز فقط للنقابات الدخول الى الاتحاد. ونحن نتمنى التحاق جمعية المؤلفين بنا، لأن ذلك يغني الاتحاد على كل المستويات. أما ذهاب بعض أعضاء الجمعية الى نقابة مستحدثة، فهذا شأن فردي غير ملزم للجمعية، ولا ينعكس على العلاقة بين المؤسسات النقابية. على كل حال هذا موضوع شائك حالياً، سيتوضح قريباً من خلال المطالعات القانونية، لضبط هذا الفلتان النقابي الفني في لبنان". وعن التحركات العربية للاتحاد في المستقبل القريب، أشار قهوجي الى أنه "سيتم الاتصال بالاتحادات الفنية العربية لايجاد صيغ للتبادل الفني والعمل التلفزيوني والسينمائي، ولخلق فرص عمل، وعلاقات مهنية لا تقتصر على الزيارات!".
أما وجهة نظر وزارة العمل فعبر عنها زكريا كلاكش الذي أشرف على انتخابات الفريقين، بردّه على الاتهامات الموجهة الى الوزارة بمحاولة شق الصف النقابي الفني عبر ترخيصها لنقابة جديدة: "تمت الموافقة على أساس أن المرسوم الذي يحدد شروط الترخيص لإنشاء النقابات في لبنان، يسمح بوجود أكثر من نقابة لكل مهنة. ونحن في وزارة العمل راعينا بدقة مضمون مرسوم تنظيم النقابات رقم 7993 الصادر عام 1952. ومن هذا المنطلق كانت موافقة وزارة العمل على الترخيص لنقابة الفنانين المحترفين".
وعن المشروع الذي تعده الوزارة حول العمل النقابي، أوضح لنا كلاكش أن "الوزارة بصدد اعداد مشروع قانون يفرض اقامة نقابة واحدة للمهنة الواحدة. وستضطر النقابات المهنية المتشابهة الى الاتحاد في قطاع واحد، على أن تنضم هذه القطاعات بالتالي الى "الاتحاد العمالي العام". هكذا يكون لكل نقابة صلاحياتها ضمن اختصاصها وبناء على ما توافق عليه اعضاؤها في نظامها الداخلي بما لا يتعارض مع احكام القانون العام. وهدف هذا المشروع كما هو واضح جمع كل اللبنانيين وصهرهم ضمن بوتقة الوطن الواحد".
يبقى أن صراع "الاتحاديين" و"المحترفين" أبعد من أن يحسم، في الوقت الحاضر، بهذه السهولة. والايام المقبلة ستحمل بلا شك مجموعة من التطورات والمفاجآت...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.