في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي نشأت في لبنان"نقابة الفنانين المحترفين"ونالت ترخيصاً من وزارة العمل التي كان يتولاها الوزير عبدالله الأمين. نقابة المحترفين أرادت جمع الفنانين جميعاً، بكل اختصاصاتهم ومهنهم الفنية، في نقابة واحدة، بدلاً من أن يبقوا في نقابات متفرقة، أيدي سبأ: هذا ما جهرت به النقابة، في مواجهة رأي آخر كانت تتولاه نقابة ممثلي المسرح والاذاعة والتلفزيون وتدعو فيه الى أن يكون لكل اختصاص فني، نقابة. فللممثلين نقابة، ولأهل الغناء أخرى، وللموسيقيين ثالثة... وهكذا... قاد قيام"نقابة الفنانين المحترفين مجموعة من الفنانين على رأسهم الممثل إحسان صادق، بمشاركة الياس الرحباني وابراهيم المرعشلي وانطوان كرباج ومحمد ابراهيم وغيرهم كثر، لإيمانهم بنقابة توحّد الفنانين، ثم اعتراضاً على نقيب الممثلين السابق ميشال ثابت وفريقه الذي اتهمه فريق نقابة"المحترفين"بالمزاجية واللامبالاة تجاه حقوق الفنانين على مدى سنوات طويلة، في وقت كان ثابت يرى أن ليس بالإمكان فعل شيء في هذا السبيل طالما أن السلطة السياسية في البلد، في خبر كان تجاه كل ما يعني الفنانين في شؤونهم والشجون التي لا تعد ولا تحصى، اضافة عن ظروف الحرب في لبنان التي ما أن تنتهي حتى تبدأ في دورات دموية متتالية كان الهم الأكبر فيها للفنانين.. البقاء أحياء! اندلعت منافسة حامية بين"نقابة ممثلي المسرح والاذاعة والتلفزيون، والنقابة الناشئة نقابة الفنانين المحترفين، ودارت سجالات"قتالية"بين الجانبين حول السبل الآيلة الى تنظيم الحياة الفنية والنقابية للفنانين، كان المسؤولون السياسيون على اختلافهم في الرئاسات والوزارات المعنية، يتذرعون بها السجالات للتملص من تقديم أي مكسب اجتماعي أو صحي أو مهني يمكن أن يحصل عليه الفنانون من اصدار قانون مهني، وكانت الجملة الوحيدة التي يرددها المسؤولون السياسيون لمسؤولي النقابات: اذهبوا واتفقوا على صيغة ترضيكم جميعاً، وسنوافق عليها"، وهم يدركون أن الاتفاق بينهم مستحيل نظراً لما في"النصوص"المتضاربة والنفوس المتحاربة من توتر وخلفيات وحقد أحياناً.. وبلا طول سيرة، في الفترة التي تسلّم فيها الممثل رفيق علي أحمد نقابة"ممثلي المسرح والاذاعة والتلفزيون"قبل خمس سنوات حاول وصل ما انقطع بين نقابته ونقابة"المحترفين"، لكن الاختلاف الجذري في التصورات المستقبلية لحال الفنانين النقابي أبقى التواصل هشاً. وخرج علي أحمد بعد سنتين من رئاسة نقابة الممثلين معلناً يأسه، وعاد ملف النقابات الفنية الى الدوران في الحلقة المفرغة مع أن بعض وزراء الثقافة السابقين كالدكتور غسان سلامة ثم الوزير الدكتور طارق متري وكذلك الوزير غازي العريضي وحالياً الوزير تمام سلام أولوا الأمر أهمية واضحة مع لجنة الادارة والعدل النيابية، وأنجزوا مشروعاً جدياً لقانون تنظيم المهن الفنية أشبع درساً وتمحيصاً وتفنيداً، لكن ظروف البلد، ثم ظروف النقابات نفسها كانت تلقي بظلالها عليه، فيُركن الى الرفوف حتى اشعار آخر. وكان الإشعار الآخر هو بالضبط الإشعار الأخير عندما ذهب رفيق علي أحمد بصفته ممثلاً لا بأي صفة نقابية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ثلاثة أشهر شارحاً له حال النقابات التي اتفقت أخيراً على مشروع موحّد درسته لجنة الادارة والعدل النيابية وبات جاهزاً ويرضي الجميع، ولا ينقصه إلا توقيع المجلس النيابي في جلسة عامة كما يقتضي القانون. أجرى الرئيس بري مداولات عاجلة مع وزير الثقافة تمام سلام، واتفِق على أن تجمع الوزارة مندوبي النقابات الفنية للتوقيع الأولي والنهائي على المشروع قبل أن يقرّه مجلس النواب. وبعد مراجعة ونظرة أخيرة عليه من جميع النقابات تم التوافق، ليأتي بعد ذلك الاقرار في مجلس النواب، وليصبح للفنانين في لبنان"قانون تنظيم النقابات الفنية"الذي يفترض أن يحميهم من أصناف الهموم العملية والصحية التي لازمتهم على مدى ما لا يقل عن نصف قرن. ورغم اعتراض أحد أعضاء لجنة الادارة والعدل البارزين النائب غسان مخيبر على بندين معينين ينقصان من حرية هذه النقابات ويعطيان وزارة الثقافة حقوقاً لا يكفلها لها الدستور كما يقول في شأن تلك النقابات مع أن النائب مخيبر كان رأس حربة قانونية دافعت عن حقوق الفنانين في هذا القانون الذي أراده كاملاً متكاملاً فإن مشروع تنظيم النقابات الفنية وقوننة أوضاعها فضلاً عن إنجاز"صندوق التعاضد"الذي يؤمّن الحماية الصحيحة والخدمة الصحيحة لحياة الفنانين، خرج الى النور، فخرج الفنانون من خلاله أيضاً الى النور، وبدأت مسيرة جديدة هي وضع الخطوات العملية لتحقيق الآمال التي وضعت عليه، وقد تشكل فريق مشترك من جميع النقابات لمتابعة كل التفاصيل التنفيذية. لم تُشكّل نقابة واحدة تجمع كل الفنانين، كما كانت تريد نقابة"المحترفين"، ولم تشكّل نقابات فنية متخصصة تجتمع في اتحاد نقابات كما كانت تريد نقابة ممثلي المسرح والاذاعة والتلفزيون. القانون الجديد اعترف بالنقابات كما هي وقال لها: اذهبي الى العمل في حماية الدستور اللبناني. تعب الفنان احسان صادق لايجاد تطبيق لفكرته النقابية وبعده الممثل محمد ابراهيم، وتعب الفنان رفيق علي أحمد، وتعب نقيب الممثلين الحالي الفنان انطوان كرباج.. كل في سبيل ما اعتقده مفيداً للفنان اللبناني المتروك لأقداره زمناً طويلاً حتى كانت جملة الرئيس بري الشهيرة في احتفال كبير قبل شهرين في قصر الأونيسكو، وعلناً:"فلقني رفيق علي أحمد بموضوع النقابات، وقريباً سننتهي منه". ... وانتهى الرئيس بري من قانون تنظيم النقابات الفنية، الآن، بعد انجاز القانون، سؤال: من كان يصدق أن الفنانين اللبنانيين الذين حقق كبارهم الكثر الاستقلال الثقافي والفني الابداعي للبنان بالشخصية الحضارية الحديثة، انتظروا خمسين سنة ليحصلوا على استقلالهم، عن قلق العمر المتهدّم!