لم يعد الكلام على الواقع الفني البائس ترفاً فكرياً او صحفياً. صار حاجة، وحاجة ضرورية. ومع "حامولة" الاحلام والتقديرات الايجابية التي لمّا تزل تشتد منذ انتخاب الرئيس العماد، وتولّي حكومة الرئيس الدكتور العمل، لا بأس في ان نقول للرجلين ابغض ما يمرض به الجسم الفني، منذ قديم ومنذ حديث، لعلّ ضوءاً يلقى على معميات تكاد تتحول قدراً، وهي في حقيقة الامر لا تحتاج الا الى رجال تسير بهم القناعة الى القرار. النقابات الفنية: في البلد طرفان، من جهة اتحاد النقابات الفنية الذي يجمع نقابة الممثلين ونقابة الموسيقيين ونقابة السينمائيين، ومن جهة ثانية نقابة الفنانين المحترفين. اتحاد النقابات يقول باجتماع كل النقابات في اتحاد واحد يضم القطاعات الفنية كافة مع احتفاظ كل نقابة باستقلاليتها المادية ومجلسها التنفيذي الكامل. ونقابة الفنانين المحترفين تقول باجتماع كل القطاعات الفنية في نقابة واحدة مختلطة لها مجلس تنفيذي واحد. وخلال العهد الماضي الذي تفجرت فيه الخلافات الشخصية احياناً بين الطرفين، كانت كل جهة تحاول ان تثبت صواب رؤيتها وأن تدافع عن وجهة نظرها على طريقة "عنزة ولو طارت" الفولكلورية، وكانت قوى الرئاسة والوزارة تستمع الى الجانبين و"تقتنع" بالرأيين المضادين! مخترعة الحلّ عبر: "روحوا اتفقوا ثم تعوا لعنّا"... والقوى نفسها تعرف ان الاتفاق لن يتم، لأن المفترض فيهم ان يتفقوا، يبحثون عن نقاط الاختلاف ويستجلبونها من سابع سماء ويستحلبونها بدل ان يبادروا الى التقاط ملامح التعاون والتكامل وصولاً الى صيغة التوحد المطلوب. وفي سنوات ست، كانت المعادلة تقول ان نقابة الفنانين المحترفين متحصنة بدعم الرئيس رفيق الحريري، واتحاد النقابات الفنية متحصّن بحماية الرئيس نبيه بري. وأذكر انني ذات مرة نقلت للرئيس بري هذه المعادلة، فاعترض جازماً انه لا يدري بها ولا يقبلها. وأعتقد انه لو نقلت أخبار هذه المعادلة الى الرئيس الحريري لوقف عندها طويلاً، شاجباً. الآن، راح الذي راح. ولنا ان نرى الى المستقبل. بعض المخلصين من الفنانين المنتمين الى الطرفين اللدودين، ابتكر صيغة توحيد يمكن ان تكون منطلقاً، ولم يطرحها بعد على اي منهما، مفضّلاً طرحها مباشرة على العهد الجديد، خشية ان تقع ضحية مهاترات وادعاءات وتأويلات. تقول الصيغة المبتكرة: أ - تحلّ جميع النقابات الفنية اللبنانية كلها... ب - تشكل هيئة تجمع بين عناصرها فنانين من كل انواع الفنون، لمناقشة انشاء "اتحاد فناني لبنان" الذي ينقسم داخلياً الى القطاعات التالية: قطاع الموسيقى مغنّ، مؤلف موسيقي، ملحن، موزع، قائد أوركسترا، عازف، وقطاع التمثيل والتقديم ممثل، مقدم - مقدمة برامج، مذيع اذاعي وتلفزيوني، وقطاع الاخراج والسينوغرافيا مخرج سينمائي ومسرحي وتلفزيوني وإذاعي، مصمم سينوغرافيا، وقطاع الكتابة كاتب سيناريو، شاعر اغنية، شعراء الزجل - الذين تحلّ نقابتهم ايضاً -، قطاع الرقص رقص فولكلوري، باليه، كلاسيكي، شرقي، والقطع التقني تصوير، اضاءة، انتاج، صوت. ج - كل قطاع من هذه القطاعات له مديره وأمين سرّه فقط لا مجلس نقابة مكتملاً ودورهما يقتصر على تصريف اعمال كل قطاع من شكاوى ومراجعات إلخ. وهذان المدير وأمين السر هما حكماً عضوين في مجلس "اتحاد فناني لبنان". د - مجلس "اتحاد فناني لبنان" يشكّل من اثني عشر فناناً يمثلون كل القطاعات المذكورة التي يضمها الاتحاد. ومسؤوليته تتناول العلاقة والموازنة والتخطيط والتنفيذ. ه - لا يحتفظ اي قطاع من هذه القطاعات بأي مركزية مالية خاصة، لأن المركزية المالية محصورة في يد مجلس الاتحاد. ان هذه الصيغة التوفيقية قد ترضي "اتحاد النقابات الفنية" الذي يقول بوجوب كوكبة كل اختصاص فني او قطاع في نقابة خاصة، لأن "اتحاد فناني لبنان" العتيد سوف يحافظ على خصوصية كل قطاع ولكن من ضمن الجسم الفني كله وليس منفصلاً عنه. كما ان الصيغة قد ترضي "نقابة الفنانين المحترفين" التي تدعو الى جمع كل الفنانين تحت سقف نقابي واحد. عندها، وعندها فقط يصبح سهلاً على الحكومة اللبنانية وعلى مجلس النواب ان يمنحا "اتحاد فناني لبنان" "القانون المهني" او بمعنى ادق "قانون تنظيم المهن الفنية" الذي يطالب به الجميع. وهناك استحالة لمنحه الى كل نقابة او قطاع على حدة. اما ماذا يمكن ان يفعل هذا "القانون" في تنظيم الحياة الفنية اللبنانية فكثير، ابتداء من لقمة العيش الكريمة، مروراً بالصحة الغالية، عبوراً الى حماية الملكية الفنية، وصولاً الى كل تشريع ينظر الى الفن على انه اجتهاد حضاري، والى الفنان على انه اكتشاف للمستقبل. قلت في بداية مقالتي ان المسألة برمتها تحتاج الى قرار يتجاوز ماذا يحلم هذا وبماذا يفكر ذاك ممن استبدت بهم الكراسي النقابية فرأوا انفسهم في المرآة... ملوكاً بينما الفنان اللبناني اعزل ومقتول مرتين، مرة بظروف العمل الضيقة، ومرة بهم. ومن يعرف عدد "اللقاءات التنسيقية" التي جرت بين اتحاد النقابات الفنية ونقابة الفنانين المحترفين، في السنوات الاخيرة، ولم تتمخض الا عن توسيع شقة الخلاف، وركوب الرؤوس حباً بالرؤوس الراكبة، يدرك سلفاً عقم هذا النوع من المحاولات "المبيّتة" والفارغة والاستعراضية. ولتُسأل وزارتا العمل والثقافة فعندها ما عند جهينة. هل ندعو الى تنظيم المهن الفنية اللبنانية، بالقوة؟! نعم... وانما بقوة حق الفنان في ان يكون سيداً حراً مستقلاً، وبقوة الدولة في ان ترعى امن اهل الابداع. والامن بالتراضي خرّب البلد!..