انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    "سلمان للإغاثة" يوزّع 175 ألف ربطة خبز ضمن مشروع مخبز الأمل الخيري في شمال لبنان    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تدخل . مثلث الموت السوداني
نشر في الحياة يوم 30 - 08 - 1993

قبل ظاهرة الانشقاق التي ضربت صفوف "الجيش الشعبي لتحرير السودان" في 28 آب اغسطس 1991، ومنذ الحرب الاهلية الاولى التي شهدها جنوب السودان، شكل "مثلث الجوع والموت" السوداني، استراتيجياً وسياسياً، معقل الانتفاضات التي عرفها الجنوب السوداني بدءاً من انتفاضة "انيانيا - 1" ثم "انيانيا - 2" وصولاً الى انتفاضة "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في 16 ايار مايو 1983.
وقدمت مناطق المثلث النخبة السياسية المثقفة الى الجنوب المشتعل، وقدمت المقاتلين والموقع الاستراتيجي الذي يصل انتفاضات الجنوب بالعمق الافريقي المساند لها. وحين انفصل "اخوة السلاح" في "الحركة الشعبية" وتحاربوا تحول المثلث منطقة عازلة فاصلة تضج بالحديد والنار… والموت والدمار وروائح الجثث.
رياك مشار انفصل عن قرنق رافعاً شعار الانفصال على خطى النموذج الاريتري والعقيد قرنق يتشبث بشعار "سودان علماني موحد"، وما بين الخيارين "مثلث من الموت" دخلته "الوسط" الاسبوع الماضي في رحلة مغامرة محفوفة بالمخاطر، بدأت بطائرة صغيرة عبرت الحدود من كينيا الى جنوب السودان، وكان يمكن ان تسقطها صواريخ او مضادات المتقاتلين، وانتهت بواط وايود وتعذر دخول كونفور بسبب القتال بين جناحي "الحركة الشعبية".
كان كل شيء طبيعياً. طائرة "الكرفان" الصغيرة تحلق في خط مستقيم... لكنها راحت فجأة تزيد من ارتفاعها حتى شعرنا بنوع من الاختناق، وبدت الادغال الخضراء التي كنا ننظر اليها من النافذة كأنها تميد أو كأن الأرض تنقلب على الزرقة التي فوق.
قال قائد "السيسنا" إن كل شيء لا يزال طبيعياً لكننا نضطر الى الارتفاع بعدما دخلنا "أجواء الحرب" في جنوب السودان، تحاشياً لصواريخ قوات "الجيش الشعبي" الذي يقوده العقيد جون قرنق. اضاف انه يطمئننا الى أننا وصلنا الى أجواء ناروس حيث نصب العقيد منصات لاطلاق صواريخ أرض - جو منذ ان استعاد الجيش السوداني مواقعه في كابيوتا جنوب البلدة مطلع أيار مايو 1992.
كانت رسالة تطمين فقط استعداداً لرسائل أخرى ونحن نتوغل في جنوب السودان متجهين الى شماله صوب ولاية أعالي النيل حيث مثلث الموت، عند أطرافها الجنوبية، أو مثلث برمودا كما تبادر الى الذاكرة عندما سمعنا الرسالة الأولى لقائد الطائرة!
استقرت طائرة "السيسنا" على ارتفاع معين بعدما غادرنا أجواء ناروس، ولاح خيط طويل كأنه حبل يشدنا الى تحت. هذا ليس النيل. انه قناة جونقلي تستريح كأفعى مائية وسط المنبسطات لا يحركها ضجيج الاقتتال بين "أخوة السلاح" في "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي انشقت تيارين متحاربين.
يا الله انه فعلاً مثلث الموت أو هو موت بثلاث: ان تسقطنا فوهة مدفع أو نسقط في أفواه أسياد الغابة من الحيوانات المفترسة أو نسقط في شدق تمساح في قاع القناة. وكدنا أن ننسى والرعب البارد يجتاح أطرافنا، أن الناس في المثلث يموتون موتاً بطيئاً له طعم آخر، يموتون جوعاً!
الخوف...الخوف
الخوف... الخوف أصمّ آذاننا حتى كنا لا نسمع هدير محركات الطائرة، وأعادنا الى الليلة السابقة، الى معسكر للأمم المتحدة في بلدة لوكيتشوكيو الكينية حيث كنا نسمع فحيح الأفاعي على رمل الحديقة، ونحن نغالب النعاس لنستريح. قبل دقائق كنا في الحانة الصغيرة لهذه البلدة الكينية الحدودية نتسقط أخبار تجدد القتال بين "أخوة السلاح" في كونفور، أكبر مدن المثلث.
... ونمنا على رائحة الموت والحديد والنار. وعند الفجر تزودت الطائرة في مطار البلدة الوادعة التي تحولت موقعاً متقدماً لعمليات الاغاثة وبرامج الأمم المتحدة الخاصة بجنوب السودان منذ العام 1988. وكانت الطائرة الوحيدة المتوجهة الى مثلث برمودا السوداني في ذلك اليوم الافريقي الساطع بشمسه السمراء الحادة.
الانطلاق من نيروبي
بدأت الرحلة الى مثلث الموت من نيروبي، من مكاتب "الحركة الشعبية المتحدة" التي تسيطر على منطقة جنوب أعالي النيل حيث المثلث. انها مكاتب "سفارة" جناح "الناصر" التي تمارس عملها كأي بعثة أجنبية أخرى: استمارات وبطاقات تعريف وأسئلة عن أهداف الرحلة، بعد سيل من التحذيرات من مصير مجهول إثر تجدد القتال بين جناح "الناصر" بقيادة رياك مشار وجناح "توريت" بقيادة العقيد قرنق، وتحول المثلث منطقة خطر مقيم تتحاشى طائرات الاغاثة التحليق فوقها. حتى ان بعضها يكتفي بالقاء مواد الاغاثة من الجو فوق كونفور وايود وواط، مدن المثلث الثلاث.
وكان المسؤولون في مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة الكينية أبلغونا قبل ذلك ان الحال هادئة نسبياً في المثلث. ولكن عشية مغادرتنا لوكيتشوكيو الى جنوب السودان أخبرنا أحد عمال الاغاثة في مطار البلدة ان الكونفيديرالية اللوثرية للاغاثة عادت قبل يومين بطائراتها من أجواء كونفور من دون أن تنجز مهمتها بسبب القتال الدائر في المدينة التي تحولت خراباً تملأ احياءها الجثث المتحللة والمحروقة. عادت الطائرة ولم تسقط حمولتها كالعادة خوفاً من أن يظن المتصارعون أنها تسقط سلاحاً لهذا الفريق أو ذاك فيضربونها بصواريخهم ويسقطونها.
مدن المثلث
... تذكرنا كل تفاصيل اليومين الماضيين وكنا لا نزال نتذكر عندما ارتفع صوت قائد الطائرة، وهو ضابط متقاعد عمل في سلاح الجو في جيش جنوب افريقيا وشارك في حرب الكونغو، وهناك مثله ضباط كثيرون سابقون يعملون مع شركات الطيران الخاصة في كينيا التي تستضيف معظم النشاطات الاعلامية والسياسية والاغاثية الخاصة بجنوب السودان.
قطع صوت القائد الصمت وسمعته والمصور الصحافي الكيني وسايمون موري المسؤول عن الاغاثة في جناح "الناصر"، يقول اننا نقترب من مثلث الجوع والموت. ورحت أقلب صفحات أوراق تتضمن بعض المعلومات زودتنا إياها برندا بارثون المسؤولة الاعلامية عن برنامج الغذاء العالمي الخاص بشرق افريقيا في نيروبي. أوراق واستمارات حافلة بعلامات الاستفهام في الخانات المخصصة لتعداد السكان في مدن المثلث. وقرأت في احداها أن عدد سكان كونفور بلغ قبل اندلاع القتال نحو 600 ألف نسمة غالبيتهم من قبيلة الدينكا. وهي مسقط رأس العقيد قرنق.
يضم المثلث 3 مدن ريفية هي كونفور وواط وايود. ويشكل من الناحية الجغرافية الاستراتيجية منطقة عازلة بين ولايتي أعالي النيل شمالاً وولاية الاستوائية جنوباً. وقد تمكنت حكومة الفريق عمر حسن البشير من تحييد ولاية أعالي النيل عن منطقة عمليات العقيد قرنق، منذ الانشقاق الأول الذي شهدته "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة رياك مشار ولام اكول في 28 آب اغسطس 1991، بعد خلاف على موضوع اعادة صياغة أهداف الحركة ووضع استراتيجية جديدة تساعد على تحقيق هذه الأهداف. واثر هذا الانشقاق أحكم مشار واكول سيطرتهما على ولاية أعالي النيل، ساعدتهما في ذلك عملية "صيف العبور" العسكرية التي شنتها قوات الخرطوم بعد ذلك مطلع آذار مارس 1992 ومكنتها من دخول مدينة فشلا وعدد كبير من المدن التي كانت تحت سيطرة قوات العقيد قرنق منذ انطلاق شرارة الحرب في 16 أيار مايو 1983. وأبرم مشار واكول اتفاقات عدة مع الخرطوم قابلة لتحويلها صيغة علاقة مشابهة للعلاقة القائمة حالياً بين الدولة الاريترية الفتية التي استقلت حديثاً واثيوبيا، اذا اتفق المنشقون في جناح "الناصر" والحكومة السودانية على قضايا اجرائية عالقة قد لا تعوق تفاهمهما الضمني على الجوهر وهو منح جنوب السودان حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية مدتها قابلة للتفاوض إثر اتفاق لوقف اطلاق النار، تليه ترتيبات أمنية محددة تلعب خلالها قوات "الناصر" دوراً مؤثراً في حفظ الأمن وتسيير شؤون الجنوبيين. فالمنشقون يرفعون شعار: تحرير الجنوب أولاً، ووحدة فصائل "الحركة الشعبية" ثانياً. في حين يتمسك العقيد قرنق بشعار مبدئي رفعه منذ انطلاق الحرب: "سودان واحد علماني موحد وديموقراطي"... علماً ان ليس هناك جنوبي واحد التقته "الوسط" في رحلتها الى المثلث يقبل بالحديث عن "سودان العقيد العلماني والموحد". وإذا كان قرنق وخصومه في جناح "الناصر"، مشار واكول وكاربينو بول يمثلون النخبة في الجنوب، فلا بد اذن لهذه النخبة من استجابة ما يريده أهل الجنوب الذين شردتهم الحرب والمجاعة واقتتال "الاشقاء"، على أهداف النضال الذي أطلقوا شراراته ربيع 1983 ضد نظام الرئيس السابق جعفر نميري.
سميت المنطقة مثلث الموت نظراً الى الأوضاع المأسوية التي يعيشها أهل المدن الثلاث منذ الانشقاق في صفوف "الحركة الشعبية"، والذي خلّف صراعاً مسلحاً لم يتوقف الى اليوم داخل كونفور وفي ضواحيها، في حين هدأت واط واستكانت الأوضاع في ايود تحت سيطرة قوات مشار، حيث الغالبية من أبناء قبيلته النوير.
قبائل الدينكا
لقد تحول مثلث الموت الى ما يشبه منطقة تماس ساخنة بين قوات الجناحين. وهو يشكل منطقة فاصلة بين مواطن الانتشار القبلي لقبائل الدينكا ينتمي قرنق اليها المترامية جنوب المثلث نحو ولاية الاستوائية في أقصى الجنوب والمتاخمة للحدود مع اوغندا، ومواطن انتشار قبائل الشلك والنوير اللتين تقطنان ولاية أعالي النيل وشمال ولاية بحر الغزال. ويعود أبناء الدينكا في أصولهم الى العرق الزنجي القاتم البشرة الذي استوطن قديماً غابات الهضبة الاثيوبية وجنوب ولاية الاستوائية ليستقر لاحقاً في هذه المنطقة مع أبقاره ومواشيه. وهم يتكلمون لغة خاصة بهم يحفظها تراث بدائي عريق وعادات وتقاليد تميز هذه السلالة المشهورة بالقامات الطويلة لاهلها وشعورهم الكثة، وميلهم الى الاحتراب والسيطرة على القبائل التي تقل عنهم بأساً وقوة. وينتمي غالبية الدينكا الى المذهب الكاثوليكي، وبينهم بعض المسلمين وآخرون من ذوي المعتقدات الافريقية القديمة. ويتميز مجتمع الدينكا بأنه مجتمع رعوي يميل الى الاستقرار. وتلعب المواشي، خصوصاً الأبقار، دوراً مؤثراً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وتقع واط وايود عند الزاويتين الشرقية والغربية لمثلث الموت، وهما أكثر توغلاً نحو الشمال من كونفور الواقعة عند الزاوية الجنوبية. وكان تعداد سكان واط نحو 300000 قبل بدء الاضطرابات، وتعداد ايود 150000. وتقطن هاتين المدينتين قبائل النوير التي ينتمي اليها مشار وقبائل الشلك التي ينتمي اليها اكول. ويتحدر أبناء هذه القبائل من العرق الزنجي الافريقي المطعم بخليط من سلالات المستوطنين البيض التي تركت آثارها في الملامح الدقيقة والعيون الملونة، على ندرتها، في غابات من السواد. وكانوا يسكنون قديماً الهضبة الاثيوبية. وعرفوا باتقان الصيد وتربية المواشي والنزوع الى الاستقرار قرب شواطئ النيل الأزرق. وفي حين استوطنت قبائل النوير مناطق غرب ولاية أعالي النيل، ولا سيما منها منطقة النفط في بانتيو، أقامت الشلك مملكتها، منذ آلاف السنين، في بلدة فاشودا على النيل الأزرق شمال مدينة ملكال في ولاية أعالي النيل على بعد 7 كلم من بلدة كودوك.
وقبل رحلة "الوسط" الى المثلث ببضعة أسابيع احتفل أبناء الشلك بتتويج ملكهم الجديد، وأعدوا العدة في عاصمتهم لاستضافة "أول محادثات سلام سودانية - سودانية داخل الوطن" بين جناح "الناصر" والحكومة السودانية برئاسة الفريق عمر حسن البشير في 12 آب اغسطس الجاري، استكمالاً لمحادثات نيروبي بين الطرفين في حزيران يونيو الماضي بعد اتفاقات تفاهم وقعاها في فرانكفورت ونيروبي هذا العام والذي سبقه.
بعد الانشقاق الأول في صفوف "الحركة الشعبية"، ارسل العقيد قرنق كتيبة من قواته شكلها من قبائل الدينكا في كونفور لمهاجمة مشار في أيود التي تبعد عنها قرابة 70 كلم. وكان يهدف من هذه الخطوة أولاً الى زرع روح العداء بين ابناء الدينكا والنوير والشلك من أجل اختراق المنطقة العازلة التي يشكلها المثلث، اذا اضطر الى توسيع رقعة عملياته العسكرية شمالاً. واستخدمت قوات الجناحين في هذه المواجهة الدامية أسلحة تقليدية منها "الكلاشنيكوف" والمدافع الخفيفة... "لكن المعارك كانت كافية لتحويل الحقول المترامية الى ساحات تغطيها الجثث التي التهمتها الطيور والوحوش الضارية" كما قال السيد ابراهيم حمدي وزير الاقتصاد السوداني ل "الوسط" في لقاء خاص في لندن قبل الرحلة بأيام. فالحقد والبغضاء بين جناحي "الحركة الشعبية" يتجاوزان ما بينهما وبين حكومة الخرطوم. ولا يجد أحد الفصيلين أي حرج في الاعتراف بهذا الواقع. فالعقيد قرنق أبلغ "الوسط" عشية رحلتها الى مثلث الموت انه يقاتل على جبهات ثلاث، تبدأ من جوبا نحو باي وكاجوكاجي وينموي، كتائب الجيش السوداني التي تساندها ميليشيات مشار وأكول. وقال: "أنا لا أفرق بين هذه الميليشيات والجيش الشعبي السوداني أو كتائب المجاهدين المساندة له".
وأكد مشار ل "الوسط" التي التقته في مقر قيادته داخل بلدة لير خارج المثلث "ان قرنق هو العقبة الوحيدة التي تحول دون استقلال جنوب السودان".
... ارتفع صوت قائد الطائرة قوياً: "اننا نقترب من كونفور سنحلق فوقها بعد دقائق"... وعلق سايمون موري: "تحولت كونفور مسرح عمليات عسكرية حافلة بالمفاجآت، وان عدد السكان حالياً لا يكاد يوازي خمسين ألفاً غالبيتهم من المقاتلين أو البالغين الذين يرافقون المقاتلين". وفي شباط فبراير الفائت نقل مشار مقر قيادته العسكرية من الناصر الى كونفور فاعتبرها قرنق الذي كان اضطر الى اخلاء المدينة بعد المواجهة الأولى مع جناح "الناصر"، خطوة استفزازية فأوعز الى قوات محلية تابعة له بمهاجمة قوات خصمه، ما أدى الى معارك ضارية أحرقت خلالها بطيات من بقي من السكان بطيات جمع بطية وهي الكوخ المصنوع من القش وسعف الشجر الاستوائي في جنوب السودان.
وبدت بطيات كونفور من نوافذ الطائرة كأعين بشرية نضب ماء الحياة فيها أو فقئت، وتحولت حفراً بركانية سوداء... سوداء تحيط بها خضرة داكنة موحشة تعج بالمقاتلين الذين كانوا يتطلعون بريبة نحو الطائرة وهي تخترق حرمة المنطقة المثقلة برطوبة شتاء يلقي بثقله فوق كونفور.
كنا نحبس أنفاسنا ونحن نعبر أجواء المدينة، عندما قال موري ان في كونفور طبيباً واحداً من أهل الجنوب، وهو من خريجي كلية الطب في القاهرة، لكن اندفاعه المهني وعلومه تعجز عن مساعدة المقاتلين والسكان بسبب فقدان الدواء وانعدام الامصال. فالتيفوئيد والملاريا يحصدان العشرات، وهيئات الاغاثة ومكاتب الأمم المتحدة عاجزة عن اقناع المتحاربين باخلاء المنطقة عملاً بالاتفاق على اقامة المناطق الآمنة والذي رعاه دونالد بيترسون السفير الأميركي الى السودان، في 28 ايار مايو الماضي بين جناحي "الحركة الشعبية" في نيروبي. وينص على اقامة مناطق آمنة على امتداد دائرة قطرها 45 كلم حول كل مدينة من مدن المثلث، وان يتخلى المتقاتلون عن أسلحتهم ويشرف كل فصيل على حفظ الأمن والسهر على وقف النار في مناطق انتشاره.
هياكل في واط
وفي 16 حزيران يونيو الماضي هاجمت قوات قرنق قوات مشار في دوك فاديل داخل كونفور. وما لبثت العمليات العسكرية ان امتدت الى واط التي كانت آمنة نسبياً، ما أدى الى تعذر تطبيق الاتفاق على المناطق الآمنة.
تبدو واط من الجو هادئة وادعة، والبطيات السمراء تنتشر وسط حقول خضراء مترامية تتخللها ترع ومستنقعات تكثر فيها الأسماك. أراضي المدينة تبدو موحلة بعدما ضربها في الليلة السابقة الاعصار الاستوائي، ضيف الشتاء في المنطقة، هذه الأيام.
في المدينة مهبطان للطائرات متواضعان رصفا بطبقة رقيقة من الرمل المخلوط بحصى رمادي صغير... وحطت الطائرة في الطرف الغربي لواط كطائر أبيض غريب أقلق من بقي من السكان، وعددهم 53 ألفاً بينهم عدد كبير من المقاتلين وعمال الاغاثة التابعين ل "راس"، أو منظمة الاغاثة الخاصة بجناح "الناصر". وما أن ترجلنا حتى تقدمت صوبنا هياكل عظمية ترتدي أسمالاً بالية، دفعها الجوع الى فضول يخرج من العيون التي تكاد تتكلم. قامات منتصبة تخرج من بين حقول الذرة النضرة، وقد انهكها التعب والجوع.
"القتال وعدم الاستقرار هما السبب الأساسي لعجزنا عن استثمار هذه الأرض الطيبة" قال المسؤول عن "راس" في واط. "كل اسبوع هجرة قسرية ومع كل هجرة ينتقل الناس الى منطقة أخرى تاركين خلفهم ما بقي من أدوات تساعدهم على حراثة الأرض وزراعتها. عدم الاستقرار من جراء الاقتتال والحرب الأهلية بين الشمال والجنوب هما سبب هذه المجاعة التي تطحن أهلنا". فالاتفاق الذي رعاه السفير الأميركي بيترسون لم يعمر "حتى يتيح للطرفين فرصة اجلاء المرضى والجرحى الى لوكيتشوكيو.
هؤلاء الذين يتقاتلون بدعوى انهم يمثلون المواطنين في جنوب السودان انما "يحرقون هؤلاء المعذبين وقوداً لجشعهم وسعيهم الى السلطة والنفوذ"، قال ل "الوسط" جيمي كارتر الرئيس الأميركي السابق، خلال زيارته لنيروبي أخيراً. ففي كونفور وحدها سقط قرابة 600 مواطن من جراء القتال بين ميليشيات "الجيش الشعبي" وقضى جوعاً قرابة 280. والباقون تدافعوا في أمواج بشرية متلاحقة اتجهت جنوباً ثم نحو غرب ولاية الاستوائية ليرتدوا عابرين نهر بحر الجبل، المتفرع من النيل الأبيض، نحو ولاية بحر الغزال في طريقهم الى شمال السودان، حيث يموت منهم الآلاف في رحلة الجوع والمرض وغارات القبائل غرب البلاد والتي سلحتها الحكومة السودانية في فترة الحكم الديموقراطي قبل انقلاب الفريق عمر حسن البشير في 29 حزيران يونيو 1989.
يتقدمون نحونا من حقول الذرة، تتقدمهم "شاعرة" واط ترحب بنا مطلقة أهازيج الفرح على طريقة الدينكا. وخلفهم الآمر العسكري وموظفون في "راس". اخبار التيفوئيد تفوح من أحاديثهم. وحلت محل أهازيج الفرح والترحيب صيحات وجع داخلي تفجرها "الشاعرة" باسم الجميع. عند أطراف المدينة أقامت مجموعات من قبائل جنوبية عدة لجأت الى المكان هرباً من حال التعبئة القائمة على قدم وساق في المنطقة، تحسباً من اتساع رقعة المواجهة والمعارك من المحاور المثلثة، من جوبا الى كاجوكاجي وينموي وياي. غالبية سكان واط من قبائل النوير، كما تدل على ذلك ملامح الوجوه التي لم يغيبها البؤس.
لوائح الآمر العسكري و"راس" تفيد ان قرابة 3500 من السكان العزل سقطوا ضحايا الاقتتال بين فصائل "الحركة الشعبية". وما بين أيار مايو وحزيران يونيو الماضيين قضى قرابة 280 جوعاً بينهم 175 طفلاً والباقون شيوخ ونساء. مركز التغذية في المدينة تشرف عليه هيئة انتدبها برنامج الغذاء العالمي. والمركز يستقبل يومياً قرابة 2023 طفلاً وفتى وقرابة 409 بالغين، الى جانب 270 يتيماً يقيمون في صورة دائمة داخل المركز المحاط بسياج خشبي. وفي الساحة الخلفية للمركز يقيم في صورة دائمة 319 مسناً من رجال ونساء وحد الشقاء والهزال ملامحهم، فلا تكاد تميز الرجل عن المرأة. ويحتاج المركز يومياً الى قرابة 2997 كيساً من الذرة 50 كلغ للكيس، 90 كيساً من الفاصولياء اليابسة، تطحن لاحقاً وتصنع منها النسوة ثريداً يقبل عليه رواد المركز. كما ان الدقيق المحسن المخلوط بمسحوق الحليب المجفف يكاد يكون من الحاجات اليومية في مركز التغذية لصنع وجبة صباحية للأطفال واليافعين. اما الأطفال الرضع فتزود امهاتهن وجبات اضافية تمكنها من إرضاع وليدها. وإذا تعذر على الأم ارضاع وليدها يطعم مسحوق الحليب المجفف. ولهذا السبب حفرت "راس" بئرين في واط، كان احدهما يعمل بمضخة يحركها مولد كهربائي توقف حديثاً لعدم توافر الوقود. اما البئر الثانية فبدائية. وأبلغنا سايمون لوك الطبيب السوداني الجنوبي الوحيد في المدينة، انهم يخشون تلوث مياه هذه البئر من جراء تفشي وباء التيفوئيد، وانعدام وسائل الوقاية اللازمة وندرة الوعي الصحي لدى السكان والمقاتلين واللاجئين الجدد هرباً من مناطق أخرى تفوقها خطورة وتعاسة ومآسي.
وأضاف الطبيب ان المدينة تعاني من ندرة الأدوية منذ شهر تقريباً وان نسبة الوفيات بين الأطفال والمسنين بسبب الأوبئة الاستوائية في ارتفاع مقلق لعدم توافر الأمصال الواقية والعلاجات الضرورية وانعدام الغذاء الكامل. وشكا من ان منظمة "أطباء العالم" التي تقيم مركزاً في واط تحتفظ بكميات وافرة من الأمصال والأدوية في أقبية ومستودعات تحت الأرض رافضة مد يد المساعدة الى السكان. وعندما توجهت "الوسط" الى مقر المنظمة قالت الممرضة آن تيلكنس، وهي واحدة من فريق طبي متواضع عماده ممرضة أخرى فرنسية ايضاً وخبير تغذية يدعى بيار كابيتان، انهم ينتظرون وصول الطبيب الفرنسي قريباً.
يبدو مقر المنظمة كأنه موقع من عالم آخر، اذ يفصله عن بؤس واط سور خشبي مرتفع. وكانت الممرضتان الفرنسيتان تجلسان تحت شمس استوائية ساطعة وهما ترتديان الشورت وقميصاً رقيقاً يتناسب والطقس الحار الرطب. أما كابيتان فكان منشغلاً برعاية نبتات البامية الخضراء وقد تهالكت أغصانها أرضاً لوفرة ثمارها. وقربها 5 شجيرات صغيرات من الماريجوانا. وعندما سألنا المتخصص في التغذية عن محاصيله الزراعية قال انها مجرد تجربة والماريجوانا زرعت فحسب لابعاد البعوض النهم!
ذل وانكسار
لقد بدا كابيتان منزعجاً من المصور الكيني وهو يتنقل داخل مركز التغذية ملتقطاً صوراً للأطفال الجائعين وهم ينتظرون بعض الطعام بذل وانكسار. وما يتلقون من القوت لا يكفي لاسكات جوع ساعات النهار الطويلة. "انتم تحتاجون الى اذن خاص مني قبل التقاط صور للاطفال داخل المركز"... قال. فأجبته هل هذه الأرض مشروع محمية فرنسية يقيمها في واط، فأجاب: "انها مسؤوليتي الأولى، ولا أعرف ما ستكتبون"!
زميلة هذا الفرنسي الممرضة آن يتلكنس لم تخجل في القول بهدوء: "نعم عندنا ما يكفينا من الأدوية، لكننا نحن في انتظار وصول زميلنا الطبيب الفرنسي من باريس حتى يتمكن من استخدامها على أحسن صورة"! كأن منظمة "أطباء العالم" التي جاءت لانقاذ مواطني جنوب السودان، لا تثق كثيراً بقدرات الطبيب السوداني لوك! وانعدام الثقة به يسمح للمرضة بأن تشهد عن كثب هلاك عشرات الأطفال الصغار في واط لعدم توافر الأدوية والامصال اللازمة لعلاجهم، علماً انها تحتفظ بعينات كبيرة منها في مقرها المسور غير العابئ بالتساؤلات عن كثير من الظواهر الشاذة التي صادفت رحلة "الوسط" ولم تجد لها جواباً. الا توازي قسوة منظمة "أطباء العالم قساوة الميليشيات المتقاتلة وشراستها؟ وما الهدف من وجود هذه المنظمة وغيرها من المنظمات في هذا البلد اذا كانت الممرضة ستمنع الأدوية والأمصال عن السكان، في حين يزرع رفيقها نبتات البامية والماريجوانا؟ قد لا نعثر على أجوبة مقنعة، ويكفي ان نطرح هذه التساؤلات... "أليست الصحافة ضمير العالم الحر؟"، يسأل سايمون موري.
من واط الى ايود
من واط الى ايود ومن هناك الى لير خارج مثلث الموت للقاء مشار الذي ينتظرنا في مقر قيادته الجديد. عند سلم الطائرة علمنا ان علينا نقل عدد من مواطني واط، كاهنين كاثوليكيين من أبناء جنوب السودان وصبي أضاع أمه يدعى تر أي ثورة. لم تكن المقاعد تتسع لهذا العدد الطارئ. كان الصبي يرتجب كعصفور ضربته عاصفة ممطرة، وهو يرتدي أسمالاً بالية، وعيناه شاردتان كأنه يبحث عن أمه في لير قبل ان يصل اليها. وتلخص قصة الصبي عذابات عشرات الآلاف من الأطفال الجنوبيين السودانيين الذين ذهبوا في بدايات الحرب الأهلية الى اثيوبيا خوفاً من وقوعهم ضحايا القتال بين المتمردين والجيش النظامي السوداني، أو وقوعهم في أيدي القبائل العربية المسلحة التي تشن من وقت الى آخر غارات ليلية مفاجئة "فتخطف الأطفال لتستخدمهم عمالاً بالسخرة في حقولها أو مزارعها، وتوزع الباقين على بيوت كبار القوم في غرب السودان وشماله"، كما قال الطبيب لوك.
عندما سقط نظام منغيستو هايلي مريام في اثيوبيا في 19 ايار مايو 1991، اضطرت "الحركة الشعبية" الى اجلاء مواطنيها من اثيوبيا الى جنوب السودان، فأقام عدد كبير من الأطفال في مدينة الناصر في ولاية أعالي النيل. وعندما اندلع الصراع المسلح بين جناحي الحركة، تحول عدد كبير من هؤلاء وقوداً لحرب عبثية.
لقد أضاع تر أمه بعدما فقد والده في احدى المعارك. وها هو يقاسمنا المقعد في الطائرة المتجهة الى لير للقاء مشار بعد المرور بايود، آخر محطة في هذه الرحلة الى مثلث الموت.
تبعد ايود قرابة 70 كلم عن كونفور، وهذا ما حولها الى شبه مقبرة للباقين احياء. عدد سكانها حالياً يبلغ نحو 20 ألفاً وكان في الأصل 150000 كانوا يقيمون في هذه السهول الخصبة المترامية التي لا تنقطع عنها الأمطار.
وأبلغنا المسؤول عن "راس" ان قرابة 310 من السكان قضوا جوعاً في الشهرين الماضيين. والباقون على قيد الحياة يصرون على البقاء لأن الخيارات الأخرى لا تقل سوءاً عن خيار البقاء والاعتصام في البطيات تحت رحمة الميليشيات المتنقلة بأسلحتها الخفيفة كعقارب سامة.
في ايود طبيب سوداني جنوبي واحد لم يكمل تعليمه اذ التحق ب "الجيش الشعبي". وفيها بئر ماء واحدة تعمل بطرق بدائية. وأقامت الكونفيديرالية اللوثرية فرعاً لها. وبين فترة وأخرى تلقي طائرات من مقرها في نيروبي كميات من مواد الاغاثة والأدوية والأمصال من الجو للأهالي المقيمين، ذلك ان الوضع الأمني فيها وفي المثلث عموماً، الى جانب فصل الشتاء العاصف يعرقل مساعي منظمات الاغاثة ويحبط مخططاتها لنجوة السكان العزل. وعلى رغم الحصار المطبق على المدينة، فإن اخبار وباء التيفوئيد وحصده الأبرياء تصل اصداؤها حتى بلدة لوكيتشوكيو ومنها الى نيروبي.
تساءلنا ونحن نتوجه الى لير للقاء مشار هل الصبي تر يهرب من الموت أم تراه يذهب للتفتيش عن أمه؟ وهل مقر قيادة مشار هو المكان الآمن، حيث يمارس هذا الزعيم الجنوبي ورفاقه لعبة الموت اليومي باسم عشرات الآلاف من الأبرياء الباحثين عن الخبز والحرية والعيش بكرامة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.