في الثالث والعشرين من تموز يوليو تجمعت النخبة السياسية الاسرائيلية على شاطئ البحر الابيض المتوسط للاحتفال بعيد الثورة المصرية في منتجع هرتزليا الى الشمال من تل ابيب. وبينما كان رئيس الوزراء اسحق رابين والسفير المصري لدى الدولة العبرية محمد البسيوني يتطلعان نحو السماء كانت الالعاب النارية تشق عنان الفضاء ابتهاجاً بذكرى "ثورة 23 يوليو". ... أما في الشمال، أي في جنوب لبنان، فكانت هناك نيران حقيقية تحمل الموت والتهجير والتدمير. ومع ذلك فان صواريخ "كاتيوشا" التي اطلقها "حزب الله" وقذائف المدفعية والصاروخية التي اطلقتها القوات الاسرائيلية وميليشيات "جيش لبنان الجنوبي" كانت لها صفة خاصة ومختلفة هذه المرة. اذ كتب احد اشهر المعلقين الاسرائيليين يوئيل ماركوس: "واخيراً اندلع الصراع العسكري الذي كان الكل يتوقعه في جنوب لبنان. ولكن هناك في الجو من القصص الخرافية اكثر من المدفعية". فالغارات الجوية التي شنتها الطائرات الاسرائيلية وما رافقها من قصف مدفعي لاهداف "حزب الله" واهداف فلسطينية في سهل البقاع والناعمة جنوب بيروت ومخيم البداوي واتباع سياسة الارض المحروقة في جنوب لبنان تفتح مرحلة جديدة خطرة في الصراع الذي بدأ بعد حرب الخليج لصوغ مستقبل المنطقة. فكل واحد يحذر الآخر من عواقب العدوان ... الا ان اسرائيل وسورية أظهرتا في الوقت الحالي على الاقل انهما ملتزمتان عدم تجاوز الخط الاحمر وتحويل دورة العنف الى حرب اقليمية شاملة. لبنان: شريط المؤشرات السلبية والتطرف المتبادل يخدم طرفيه في بيروت لم تكن غالبية التوقعات والمعلومات تشير الى احتمال تصاعد المواجهة الى هذا الحد، وكان المسؤولون منصرفين لاستكمال ورشة البناء والاعمار واستقبال السياح العرب والاجانب. لكن مسؤولاً بارزاً كان لاحظ ان هناك ما يؤشر الى شيء ما سلبي بين سورية والولاياتالمتحدة الاميركية. لكنه لم يتوقع تطور الاوضاع نحو هذا التدهور الذي اعتبر الاسوأ منذ الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982. كيف تسارعت التطورات التي أدت الى انفجار الموقف بين لبنان واسرائيل، وهذه المرة تحت لافتة نزع سلاح "حزب الله". وما بقي من منظمات فلسطينية؟ مصادر ديبلوماسية بارزة افادت ان المؤشرات السلبية بدأت بالظهور منذ مدة وتحديداً منذ اعادة الادارة الاميركية تأكيد ابقاء الحظر على رحلات شركة طيران الخطوط الجوية اللبنانية الى الولاياتالمتحدة ومنها. وعلى رغم ان القرار ازعج الحكومة اللبنانية الا ان احداً لم يعتبره مؤشراً الى بداية تدهور بل اعتبرت المسألة تطبيقاً للقوانين الاميركية وليست مرتبطة بموقف سياسي. الا ان الحدث الآخر الذي ظهر كأنه بداية تغير في موجة العلاقات اللبنانية - الاميركية فكان توصية الكونغرس الاميركي بانسحاب سورية من لبنان، اذ منذ تلك اللحظة بدأت التطورات تتجه نحو السلبية، فيما ظهر ان اركان السلطة اللبنانية الذين دخلوا اللعبة لم يدركوا ان النتيجة ستصل الى ما وصلت. وتكثفت الاتصالات اللبنانية - السورية لتأمين اوسع ادانة سياسية لبنانية للتوصية. واعتبرت السلطات الرسمية اللبنانية انها بهذا الموقف انما تؤكد التزام التحالف مع دمشق في مواجهة الضغط الاميركي. الا ان اللافت كان التصعيد السياسي الذي تزامن مباشرة مع تصعيد عسكري دأب لبنان الرسمي على مواجهته ورفضه، وهو العودة الى اطلاق صواريخ "كاتيوشا" من الاراضي اللبنانية في اتجاه اسرائيل. اضافة الى الظهور المفاجئ للسيد احمد جبريل الامين العام لپ"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في مخيم عين الحلوة! وصول روس عند هذه النقطة كان المبعوث الاميركي الى منطقة الشرق الاوسط دنيس روس قد بدأ جولته على دول المنطقة، لكنه لم يزر لبنان ولم يتصل بالمسؤولين فيه، ما دفع هؤلاء الى رد فعل طبيعي معبرين عن انزعاجهم من هذا التجاهل، وملوحين بأن لبنان قد يعيد النظر في مسألة اشتراكه في مفاوضات السلام. وترافقت هذه المؤشرات مع تطور آخر هو استمرار اطلاق "حزب الله" و"فصائل فلسطينية" "كاتيوشا". والتزمت اسرائيل عدم الرد في انتظار جولة روس واستكمال المحادثات معه. وما ان انتهت هذه المحادثات تردد في وسائل الاعلام ان اتفاقاً تم التوصل اليه بين روس والمسؤولين السوريين على تهدئة الاوضاع في لبنان. لكن اسرائيل سارعت الى نفي مثل هذا الاتفاق. واستقبلت بيروت وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع الذي جال على المسؤولين واطلعهم على نتائج زيارة روس واصفاً اياها بالايجابية. ثم استقبلت وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى الذي علم انه حمل رسالة واضحة الى المسؤولين اللبنانيين بدت كأنها نصائح مفادها "المضي في المفاوضات حتى المتعددة منها. وضبط اعمال المقاومة ووقف اطلاق الصواريخ"... لكن خطاً ثابتاً كان يتطور على المستوى العسكري في الجنوب وهو تصعيد العدوان الاسرائيلي وتصاعد عمليات "حزب الله" ضد المواقع العسكرية لقوات الاحتلال و"جيش لبنان الجنوبي". اسلوب متعدد الاهداف والسؤال الذي طرح في العاصمة اللبنانية: هل اخطأت السلطات في تقدير حجم التطورات ام انها وقعت ضحية بين تجاذب القوى المؤثرة والمتفاوضة ليتحول لبنان مجدداً الى كيس رمل لتلقي الضربات؟ في نهاية الاسبوع الماضي ... بدأت تتوضح للبنانيين المعالم الاولية للعدوان والابعاد التي يحملها. واجمعت الاوساط السياسية والديبلوماسية على ان ما يجري هو اكبر من الاجتياح الذي تم عام 1982 بل ان رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري وصف ما يجري بأنه اكبر من زلزال. لماذا اكبر من اجتياح؟ تعتقد مصادر مسؤولة بأن العدوان الاسرائيلي رسم اهدافاً عدة اولها التهجير الجماعي لسكان الجنوب في اتجاه المدن الساحلية ولا سيما منها بيروت وهذا ما اعلنه الاسرائيليون. فما جرى عام 1982 لم يكن بهذا الحجم اذ دخلت القوات الاسرائيلية الاراضي اللبنانية ولم تتعرض للقرى الجنوبية فعلياً بل ركزت على التعامل مع الآلة العسكرية الفلسطينية، وحيدت تالياً سكان القرى. والمناطق التي اصابها التدمير كانت مدن صيدا وصور وبيروت بعدما تحولت مراكز لتجميع المقاتلين الفلسطينيين. اما اليوم فان الهدف مختلف ويتمثل في تدمير القرى الآمنة عمداً وكأن الخطة الاسرائيلية هدفت الى تدمير منظم لمربعات ومناطق في قرى الجنوب اللبناني والبقاع الغربي وكان القصف بكل الاسلحة ينتقل من مرحلة الي مرحلة، ومن مربع الى آخز. منطقة النبطية وجوارها احرقت ودمرت قرية قرية، ومثلها اصيبت القرى المحيطة بمنطقة صور والمحاذية للشريط الحدودي ثم القطاع الاوسط. وفي اجتياح عام 1982 لم تدك القرى والمنازل اما اليوم فإن التركيز انصب على تدمير المنازل بهدف اخلاء القرى وتهجير السكان وصولاً الى: - ايجاد منطقة حزام امني ثانية محاذية للشريط الحدودي المحتل فارغة من السكان وغير آمنة تجعل الدخول اليها والاقامة فيها كالجحيم. - تحويل المناطق الاخري في النبطية والقطاع الاوسط الى مناطق منكوبة كأنها خارجة من الزلزال، ودفع السكان في اتجاه المدن خصوصاً العاصمة. لماذا هذه الاهداف وماذا يمكن ان تحقق من نتائج؟ ان الاجتياح عام 1982 تطلب من اسرائيل دفع جنودها وقواتها البرية الي احتلال الاراضي اللبنانية وصولاً الى بيروت ما كبدها خسائر بشرية ومادية واثار الرأي العام الاسرائيلي، وهي غير قادرة علي تحمل مثل هذه النتائج الآن، اضافة الى ان المقاومة الفلسطينية كانت تملك آلة عسكرية ظاهرة وكبيرة وبنية تحتية سياسية واعلامية. وبالتالي فإن اخراجها اقتضى الدخول مباشرة. اما اليوم فإن "حزب الله" هو عبارة عن نسيج وبنية سياسية اجتماعية وبالتالي ان هدف اسرائيل هو ضرب هذا النسيج وهذا ما يجري. واطلقت اسرائيل شعاراً جديداً هو نزع سلاح "حزب الله" فبدلاً من ان تكون القضية المطروحة امام الرأي العام العالمي هي قضية الاحتلال الاسرائيلي للاراضي اللبنانية فإن القضية اصبحت قضية سلاح "حزب الله"، وفي المقابل فإن الحزب لم يخف دخوله اللعبة من هذا الباب، فأعلن اكثر من مسؤول فيه ابتهاجه بضرب العملية التفاوضية. وكان أبرز عنوان لتظاهرته في بيروت يوم الاربعاء، المطالبة بالانسحاب من المفاوضات. ولا ينتظر بعض الاوساط في بيروت بارتياح الى اهداف ما يجري، ويرى ان التطرف المتبادل بين اسرائيل والمنظمات الاصولية يخدم طرفيه. - ثالث الاهداف احراج السلطات اللبنانية ووضعها في مواجهة "حزب الله" وشعار نزع سلاح المقاومة، وبذلك تصبح السلطة بين مطرقة اسرائيل التي تطالب بنزع سلاح "حزب الله" شرطاً لوقف العمليات العسكرية وسندان الرأي العام لانها غير قادرة على نزع هذا السلاح ما بقي الاحتلال، وغير قادرة على مواجهة النتائج الداخلية للتصعيد... وبدأت أصوات نحو 300 ألف نازح بعد تدمير عشرات القرى ترتفع منددة بالسلطات الرسمية وبالمقاومة. اضافة الى ذلك - وهذا الاساس - ان ما تحقق في لبنان خلال الفترة الماضية كان اكبر مما تصور بعضهم اذ بدأ لبنان بالانطلاق فعلاً نحو الدورة الاقتصادية السلمية بقوة كبرى. وكانت الحكومة في الاسابيع الاخيرة بدأت اوسع حملة لاخلاء المهجرين واعادتهم الى قراهم واخلاء الشقق السكنية "المحتلة" في بيروت واطلاق المشاريع وآخرها اخلاء المدينة الرياضية ومباشرة اعمارها، واخلاء الفنادق تمهيداً لاعادة تأهيلها. ولا شك في ان الدفع بمئات الآلاف من النازحين الى المدن والعاصمة يعود ليطرح مجدداً الازمة الاجتماعية طرحا اشد قساوة، ويضرب كل الخطط التي وضعت لاعادة الاعمار. مصادر حكومية قالت: "كنا نعلم ان السير في خطة الاعمار واعادة لبنان الى ما كان مسألة لن ترضي احداً وعلى الاخص اسرائيل، ويبدو انها كانت تراقب عن كثب بداية الانطلاقة اللبنانية وتتحين الفرصة للانقضاض وهذا ما جرى". ويرى آخرون ان اسرائيل استخدمت اعلامياً وفي شكل جيد "بعبع" "حزب الله" لكي تنفذ ما اردات تنفيذه. العدوان الاسرائيلي، وان توقف، فإن اعادة اعمار الجنوب بعدما هدمت قراه اضافة الى ايواء المهجرين وهو كان في امس الحاجة الى المساعدات لاعمار الاصوات لبقاء المقاومة وعدم العودة الى مرحلة ما قبل 1982 - وهنا ما لمح اليه السيد بري - كل هذا في آن واحد؟! ان العدوان الاسرائيلي سيعود بآثار سلبية كبرى ستظهر نتائجها واحجامها فور توقف القصف - اذا توقف في المدى المنظور - وليس اقلها عودة الصراع الداخلي فالهدف الاسرائيلي الفعلي نقل المشكلة مجدداً الى الداخل اللبناني، الى القلب الذي بدأ يتعافى. سورية: موقف متوازن لاحباط اهداف اسرائيل وراقبت دمشق التطورات في لبنان واتبعت موقفاً متوازناً بين عدم الانجرار وراء التصعيد الاسرائيلي لضرب العملية السلمية والتمسك بحقها في الدفاع عن قواتها في لبنان والمدنيين اللبنانيين في مناطق هذه القوات. وقالت اوساط سورية ان موقف دمشق يتلخص في النقاط الآتية: - ان اسرائيل تحاول ضرب العملية السلمية وتوسيع نطاق العمليات العسكرية والاشتباك المباشر مع الجيشين السوري واللبناني. - تطرح اسرائيل على الارض ما ورد في الورقة التي قدمتها الى الوفد اللبناني المفاوض في الجولة العاشرة من المفاوضات والتي تعتبر نسخة معدلة عن اتفاق 17 ايار مايو. - تنفذ اسرائيل عملياتها في ظل سكوت اميركي برز في ضعف بيان الخارجية الاميركية عن العمليات، اذ لم يشر اطلاقاً الى الاعتداءات الاسرائيلية. - ان سورية الحريصة على العملية السلمية وعلى تحاشي الافخاخ الاسرائيلية لجر العرب الى موقع المعرقل لهذه العملية تملك حق الدفاع عن قواتها في لبنان وعن المواطنين اللبنانيين في مناطق وجود هذه القوات، التي تلقت الاوامر بذلك. - لا ترى سورية ان اسرائيل يمكنها ان تحقق الآن ما عجزت عن تحقيقه عام 1982، لأن الوضع اللبناني الداخلي اقوى بكثير الآن عما كان ابان الغزو الاسرائيلي الواسع للبنان. - لا تقبل سورية مطلقاً بالمطلب الاميركي - الاسرائيلي نزع سلاح المقاومة او وقفها، ما دام هناك احتلال اسرائيلي لارض لبنانية. وهي تعتبر ان المقاومة ليست محصورة بپ"حزب الله" فقط بل بكل الشعب اللبناني في الجنوب وبقوى المقاومة الاخرى وكذلك بالجيش اللبناني. وسط هذه المعطيات ترسم سورية موقفها من التصعيد الاسرائيلي، وترى ان استمراره سيؤثر في العملية السلمية، واي فشل لهذه العملية هو فشل للولايات المتحدة وستكون له نتائج سلبية جداً على الاستراتيجية العالمية وليس فقط على الشرق الاوسط. وكان ناطق سوري صرح بأنه "منذ انعقاد مؤتمر مدريد واسرائيل تتجاهل انها طرف في عملية السلام وتصر على نهج العدوان بدلاً من طريق الحق والقانون الذي انتهجته الاطراف العربية". اسرائيل: تحدي دمشق للاختيار بين معسكر المفاوضات وطهران اما في اسرائيل فهناك قراءة أخرى لما يجري في لبنان، اذ لاحظت الدوائر العسكرية والسياسية ان"حزب الله" قتل من جنودها في شهر تموز يوليو اكثر مما قتل في أي شهر طوال السنوات الثلاث الماضية. وفي الاسبوع ما قبل الماضي ابلغ رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال ايهود باراك مجلس الوزراء ان "حزب الله" الذي سلّح مقاتليه بكل انواع الصواريخ زاد من وتيرة عملياته الى درجة كبيرة في "الحزام الامني". واضاف: "كذلك زاد مقاتلو الحزب من عملياتهم العسكرية ضد جهاز استخبارات جيش لبنان الجنوبي". ورأت هذه الدوائر ان هذه التغييرات في اساليب انتشار قوات "حزب الله" وإقدامها العسكري أجبرت اسرائيل على اعادة النظر في السياسة التي كانت تنتهجها نحو لبنان منذ مدة. وادى ما حققه الحزب من نجاح في الحزام ضد القوات الاسرائيلية والميليشيات المتعاملة معها الى شن أضخم غارات جوية منذ عام 1982، وليس اطلاق الصواريخ على المستوطنات في الجليل ما اجبر اكثر من مئة وخمسين الفاً من سكانها الى الاختباء في الملاجئ. وهكذا انفتحت صفحة جديدة في هذا الصراع المستمر حتى ان رابين اعلن الاربعاء الماضي ان القوات الاسرائيلية "ستواصل عملياتها في لبنان حتى عودة الامن الى شمال اسرائيل"، وصرح الجنرال باراك بأن على لبنان "نزع سلاح حزب الله وإلا فاننا سنفعل ذلك بأنفسنا". وكان الناطق باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي اعلن في الثامن من الشهر الماضي ان "القوات الاسرائيلية انتشرت باعداد اضخم للدفاع عن المستوطنات والسكان في الشمال. كما انها ستتصرف ضد اولئك الذين يهاجمون قواتها في المنطقة الامنية". واتضح ان رابين هو الذي كتب البيان بخط يده. ولا بد من الاشارة في هذا الصدد الى ان المرة الاخيرة التي اصدر فيها رئيس حكومة اسرائيلي مثل هذا الاعلان الشخصي كانت عام 1956. وعقب ذلك اقدمت اسرائيل على احتلال شبه جزيرة سيناء بأكملها. وتعزز بيان رابين بمجموعة من الانذارات التي صدرت عن مختلف السياسيين، اذ قال وزير الداخلية آرييه درعي: "سمعنا من وزير الدفاع ان قوات الدفاع الاسرائيلية سترد بالنار على مصدر الهجوم في كل حالة تنطلق فيها النيران". وصدرت تصريحات مماثلة عن وزير البيئة اليساري يوسي ساريد: "اذا كان هناك احد بين اعدائنا يريد ان يبدأ بالمشاكل فانه يجب انذارهم. واذا كان شخص مثلي وبآرائي يقول هذا الكلام فان من المفروض ان ينظر الطرف الآخر الى ما أقوله بمنتهى الجدية". وصدرت عن باراك بيانات اوضح وأخطر كثيراً عن نيات اسرائيل حين تحدث امام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، التي يفترض ان تكون مناقشاتها سرية. ونقل عنه قوله ان المسألة ليست سوى مسألة وقت قبل ان تهاجم القوات الاسرائيلية قواعد "حزب الله" الى الشمال من الحزام الامني. وشرح رئيس الاركان كيف ان الحزب يتفوق كثيراً على ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" المتعاملة مع اسرائيل والتي ترك افرادها مواقعهم حين هاجمتهم المقاومة الاسلامية. وقال ان هذه النجاحات التي حققها "حزب الله" ستشجعه على شن هجمات اخرى. واشار الى ان الاشهر الستة الاولى من العام الحالي شهدت وقوع هجمات صاروخية على شمال اسرائيل، بينها سبع هجمات نفذتها قوات "حزب الله" وهجومان نفذتهما "فتح" وهجوم شنته "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بزعامة الدكتور جورج حبش. وحذر باراك: "اننا لا نستطيع قبول استمرار ذلك لاي فترة من الزمن. فالوضع الحالي يقتضي منا ان نتصرف وراء المنطقة الامنية لأنه لا يكفي مجرد المحافظة على موقف دفاعي سلبي". ويبدو انه كان يريد مهاجمة مواقع "حزب الله" الى الشمال من الجنوب المحتل فور مقتل خامس جندي اسرائيلي في أوائل تموز الماضي. حرارة التوتر ترتفع وارتفعت حرارة التوتر عندما اعلنت سورية ان اي هجوم على سيادة لبنان سيعتبر هجوماً على سورية... وطوال الاسبوع ما قبل الماضي واصلت اسرائيل ارسال التعزيزات العسكرية علناً الى جنوب لبنان. ونالت عملية نقل التعزيزات تغطية صحافية واسعة، كما ان الرقيب العسكري الاسرائيلي وافق على غير عادة، على السماح بنشر انباء تحرك الدبابات والمدفعية الثقيلة الى لبنان وانباء الحشود. لكن "حزب الله" لم يأبه بالتحذيرات او التحركات الاسرائيلية كذلك لم يأبه بها اعضاء المؤسسة السياسية الاسرائيلية الذين نشرت هجماتهم المغفلة من اي اسماء على دعوة باراك الى الحرب، في الصحف الاسرائيلية، وحين هاجمت قوات "حزب الله" المواقع المحصنة في القطاع الشمالي الشرقي من الحزام تدخلت القوات الاسرائيلية وطائرات الهليكوبتر العسكرية. وفي ذلك اليوم تعرضت مراكز قيادة الحزب في جرجوع وعربصاليم لأشد قصف منذ اشهر حيث سقطت عليها حوالي خمسمئة قذيفة. وفي اليوم التالي، اي الجمعة 23 تموز قررت حكومة رابين شن الغارات يوم الاحد واستمرت حتى نهاية الاسبوع الماضي. وخرج باراك من الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء في الصباح ليعلن ان "طائرات سلاح الجو تشن منذ ثلاثة ارباع الساعة هجمات على مواقع حزب الله ومنظمات فلسطينية في جنوب لبنان". واضاف ان الهجوم جاء "نتيجة تصعيد حزب الله عملياته الحالية اذ اننا لا نستطيع قبول محاولته تغيير قواعد الاشتباك". واتفق اعلان رئيس الاركان الاسرائيلي غير المألوف مع الترويج العلني الواضح الذي رافق اجراءات اسرائيل في لبنان طوال الاسبوع. واشار باراك الى انه "لم يحدث من قبل ابداً ان سبق اي عملية عسكرية مثل هذا القدر من الكلام والتهديد مثلما رأينا في الاسبوع الماضي". رابين قرأ المزاج العام لقد قرأ رابين مزاج الرأي العام الاسرائيلي هذه المرة مثلما قرأه في شهر كانون الاول ديسمبر الماضي حين ابعد اكثر من اربعمئة فلسطيني، ثم حين اغلق الاراضي المحتلة في شهر آذار مارس الماضي. وهكذا حدّد اجراءاته في لبنان تبعاً لتوقعات الرأي العام الاسرائيلي، ولكن من دون تجاوزها. فهذا الاستخدام للقوة الجوية والمدفعية ضد اهداف لبنانية من اجل ضمان سلامة المستوطنات في شمال الاراضي المحتلة لن ينطوي على اي كلفة سياسية محلية بالنسبة اليه. فباعلانه على الملأ انه لا ينوي اعادة رسم خريطة لبنان السياسية حاول ان ينأى بأهداف اسرائيل الحالية عن اي مخططات، كتلك التي رافقت غزو لبنان عام 1982. وبتحديده هدف الغارات الاخيرة على اساس انه "تدجين" لپ"حزب الله" استطاع ضمان قاعدة شعبية من التأييد تفوق ما ناله كل من مناحيم بيغن او اسحق شامير في مغامراتهما اللبنانية. والواقع ان رد الفعل العلني لرابين على محاولة "حزب الله" فرض قواعد جديدة للعبة في جنوب لبنان امر غير مألوف اطلاقاً. فبدلاً من ان يطلق، كرئيس أركانه، تلك التصريحات الملتهبة، حذر من مخاطر التدخل العسكري في لبنان اكثر من الاجراءات المحدودة التي اعتمدت عليها القوات الاسرائيلية منذ ان اعادت توزيع نفسها وانتشارها في جنوب لبنان المحتل عام 1985. وقال رابين: "الارهاب في لبنان موجود. ومع ذلك فان عملية الليطاني 1978 وعملية سلام الجليل الغزو الاسرائيلي عام 1982 لم تستطيعا القضاء على الارهاب. ولهذا فانا لا أريد أن يخدع أحد نفسه بالاعتقاد انه يمكن بعملية عسكرية كبيرة شاملة القضاء على الارهاب في لبنان. لقد دفعنا الكثير ثمناً لهذه الاوهام". واضاف: "ان سياسة الحكومة هي ضمان أمن المستوطنات الشمالية وبصفة اساسية مدينة كريات شمونة بأقل كلفة ممكنة". وكان يعلن بذلك ان القواعد التي تحكم السياسة الاسرائيلية لم تتغير. وكما قال وزير الخارجية شمعون بيريز: "ان سياسة اسرائيل بسيطة جداً وهي منع الارهاب والرد حين نتعرض للنار… فاذا اطلق احد النار علينا فاننا نرد النار ونفعل كل ما يلزم لحماية المستوطنات الشمالية". مشاعر متطرفة الا أن المصادر العسكرية على الحدود الشمالية واصلت الاعراب من حين الى آخر عن مشاعر متطرفة. اذ قال احد تلك المصادر: "ان كل كاتيوشا تسقط على المستوطنات الشمالية انتهاك للخط الاحمر. واذا حدث هذا فانه لن يكون امامنا اي خيار سوى الشروع في اجراء عام سيؤدي الى خسائر فادحة ليس للارهابيين فحسب، بل بين صفوف المدنيين الذين لا يغادرون منازلهم". واضاف: "ان الخطط جاهزة. والسؤال هو الى اي درجة سيسخّن الارهابيون الحدود". كذلك قال احد كبار ضباط القوات الاسرائيلية: "ان الخط الاحمر بالنسبة الينا هو قصف المستوطنات الشمالية". وحين جاء رد "حزب الله" كان يهدف على ما يبدو الى اختبار مدى عزم رابين على عدم التصرف انطلاقاً من نصائح ضباطه. ففي الساعات المبكرة من صباح الجمعة 23 تموز/يوليو سقطت خمسة صواريخ "كاتيوشا" في الجليل حيث كانت المدفعية هناك اطلقت على جنوب لبنان، قبل 24 ساعة نحو تسعين قذيفة. وردّ الاسرائيليون بالمثل وفي شكل محدود تبعاً للهجوم. وبدا مع نهاية الاسبوع قبل الماضي ان ضبط النفس واعادة العمل بالقواعد المفهومة من الطرفين في هذه اللعبة يهيمنان على الجو. وفي هذا الصدد جاء بيان "حزب الله" انه لن يطلق صواريخ "كاتيوشا" على اسرائيل الا اذا ادى قصفها لجنوب لبنان الى وقوع اصابات مدنية، اذ بدا ان البيان يهدف الى تخفيف حدة التوتر وعدم دفع قوات الاحتلال الى شن هجوم واسع. كذلك كان هناك قيد آخر على حرية رابين في العمل وهو عدم وجود تأييد شعبي لشن حملة عسكرية اخرى في لبنان. فقبل الهجمات والغارات ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست": "حتى سكان الشمال قلقون نتيجة المشاكل الاقتصادية اكثر من المشاكل الامنية". كما ان التوتر الذي ساد الحدود لم يتصدر الاخبار. اذ اشتركت اخبار اضراب الموظفين الحكوميين ومناقشة البرلمان للاصلاحات السياسية في تلك الصدارة. وحين عرض التلفزيون الاسرائيلي صوراً لسكان كريات شمونة وجد المراسل صعوبة في العثور على شخص لم يقل انه تعوّد القصف من حين لآخر. البيانات المدروسة وهكذا فان التصعيد الخاضع للسيطرة والبيانات المدروسة التي صدرت كانت عاملاً حاسماً في تهيئة الرأي العام الاسرائيلي لقبول فكرة ان اسرائيل "مجبرة" على الرد على "حزب الله". فقبل يومين من بدء الغارات حدد باراك عمداً الاهداف من مثل هذه المعركة: "ان اسرائيل ستهاجم القرى الشيعية الواقعة وراء المنطقة الامنية" في اي هجوم على مواقع قوة "حزب الله" عبر جبهة واسعة، لكنها لن توسع المنطقة الخاضعة للاحتلال، مثلما نصح مثلا وزير الدفاع السابق ارييل شارون. ولذا فان عمليات اخرى من قبيل الهجمات التي يشنها الكوماندوس على بعلبك، او اغتيال الكوادر القيادية في "حزب الله" ستكون من بين الخطوات التي تتفق مع هذه الاستراتيجية. لكن غزو لبنان عام 1982 علّم رابين المخاطر العسكرية والسياسية المحلية التي يمكن ان تنجم عن شن هجوم بري على "حزب الله" الى الشمال من الحزام اذ ان مثل هذا الهجوم سيعود على اسرائيل بخسائر اكثر مما يعود عليها بمكاسب. من هنا رأى رئيس الحكومة ان الغارات الجوية والقصف المدفعي بدلا من هجوم بري كاسح على غرار غزو 1982، ستوفر وقوع اصابات كثيرة بين صفوف القوات الاسرائيلية وما يترتب على ذلك من تذمر سياسي. الا ان النصيحة التي يتلقاها من العسكريين يمكن ان تدفعه الى تبني عملية مماثلة لغزو عام 1982. والواقع ان مشاعر القلق والتحسّب التي اعرب عنها شركاؤه اليساريون في التحالف الحكومي ربما كانت تعكس معارضتهم استخدام القوات البرية. وربما كانت الديبلوماسية التي تقودها اميركا، لا "حزب الله" هي التي ستعاني من آثار التوترات الحالية في لبنان. ولا شك في ان مقتل اربعة جنود سوريين يعطي اقوى دليل على المجازفة التي تقوم بها اسرائيل وتتجاوز حدود الجنوب اللبناني. والحرب مع اسرائيل في لبنان لم يسبق لها ان كانت اطلاقاً من النيات الاستراتيجية لسورية، اذ انها لم تكن كذلك عام 1976 عندما تأسست اولى "الخطوط الحمر" مع رابين، او عام 1982 حين أجبر شارون سورية على مواجهة القوات الاسرائيلية. لكن اسرائيل مصممة على رغم استيائها من سورية، على ضمان كون عرض السلام السوري عرضاً صادقاً. اذ قال شلومو غازيت رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السابق: "ليس هناك اساس للادعاء بأن سورية لا تعرض السلام على اسرائيل". واضاف "ان نسيماً جديداً يهب الآن من دمشق". وكذلك ذكرت الصحف الاسرائيلية ان الوفد الاميركي الذي زار المنطقة برئاسة دينيس روس يعتقد بأن الرئيس حافظ الاسد مستعد للتوصل الى اتفاق منفصل مع اسرائيل، وأن رابين لا يريد لمثل هذا الانجاز ان يتبدد. ولهذا اعلن في العشرين من تموز يوليو انه "مستعد لتقديم تضحيات مؤلمة من اجل السلام مع سورية". وهكذا يبدو ان الاسرائيليين واثقون من ان استراتيجيتهم في لبنان لن تؤثر في اهتمام سورية بمحادثات السلام. بل على النقيض من ذلك يسعون بتحديهم لسورية في لبنان الى دفعها للاختيار بين المعسكر الاسرائيلي - الاميركي وصلاتها وعلاقاتها مع "حزب الله" وبالتالي ايران. وعقب مقتل الجنود السوريين قال بنيامين بن أليعازر عضو الكنيست الذي تلقى آراؤه في المجال الامني والعسكري احتراماً واسعاً جداً: "انني لا اظن أن سورية ستنتقم. فهي تريد علاقات اوثق مع الولاياتالمتحدة، وتعرف ان اي اجراء تتخذه ضد اسرائيل سيبعدها عن واشنطن". وهناك كثيرون من أمثال بن أليعازر ممن يعتقدون بأن في وسع اسرائيل ان تستغل التوتر الحالي لكي تدفع دمشق الى التخلي عن تحالفها الاستراتيجي مع طهران، وأنها بذلك لا تؤدي الى مجرد تسهيل جهود اسرائيل لاخماد عنفوان "حزب الله" واعادة حرية التصرف الى القوات الاسرائيلية من دون مواجهة اطلاق صواريخ "الكاتيوشا" فحسب، بل ستمهد الطريق ايضاً لفرض منظور اسرائيل ومفهومها للسلام. اميركا : عملية السلام مهددة وكلينتون يشيد بموقف سورية اما الموقف الاميركي فلخصته، في بداية اندلاع الاحداث، كلمتان هما "ضبط النفس"، الا ان هذه الدعوة لم تعد تجدي، مع استمرار الغارات الاسرائيلية على لبنان وتزايد اطلاق صواريخ "كاتيوشا" على الجليل المحتل. وحتى مع إشادة الرئيس بيل كلينتون بسورية لاعتمادها "ضبط النفس"، على رغم مقتل جنودها في لبنان، لذلك اختصر وزير الخارجية وارن كريستوفر جولته الآسيوية وعاد الى واشنطن للبحث في "انعكاسات هذه التطورات على عملية السلام"، الامر الذي فُسّر بأن عملية السلام مهددة فعلاً، خصوصاً ان كريستوفر كان صرح سابقاً بأن "افضل جواب عن هذا النوع من العنف هو تحقيق تقدم في عملية السلام"... وعندما تعاظم العدوان مخلفاً آثاراً تدميرية واسعة في لبنان دعت الولاياتالمتحدة اسرائيل الى وقف عملياتها العسكرية. وناشد كلينتون سورية المشاركة بنشاط في محاولة وقف القتال" الا ان تبايناً ظهر بين اعضاء لجنة شؤون الشرق الاوسط في الخارجية على صواب عودته. اذ عبّر اعضاء عن مخاوفهم من ان يجد "حزب الله" في اختصار برنامج وزير الخارجية انتصاراً له. ومن بين هؤلاء دينيس روس منسق محادثات السلام. كما عبّر اعضاء آخرون عن قلقهم من احتمال تورط كريستوفر في مفاوضات سرية لوقف اطلاق النار والانشغال عن مهمته الأساسية الخاصة بتحريك المفاوضات السلمية، الامر الذي يشكل انتصاراً ل "حزب الله" و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وقال ريتشارد ليبارون الناطق باسم لجنة الشرق الاوسط التابعة للخارجية الاميركية، في معرض تفسيره لاندلاع العنف: "الاخبار القائلة بأن الاسرائيليين يقتربون اكثر فأكثر من المحادثات المباشرة مع منظمة التحرير الفلسطينية ربما كانت أثارت حزب الله، باعتبار انها قد تبشر باحتمال تحقيق السلام". لكن مصدراً رفيعاً في الادارة الاميركية، لم يشأ ذكر اسمه، أفاد "ان حزب الله يريد سد الطريق امام المفاوضات السلمية، ولكن كيف يستطيع ذلك؟ ان اعماله تبين بوضوح ان الوضع في جنوب لبنان لا يمكن ان يستمر على حاله الى وقت طويل، الا انه، فوق كل شيء يساعد المعتدلين، مثل بيريز وعرفات. ونحن نعتقد بأن عرفات، اذا وافق على تأجيل حسم مستقبل القدس، الى ان يتمكن محاوروه من اقناع الاسرائيليين، نكون في طريقنا الى النجاح. ان حزب الله وحماس مفيدان للمعتدلين الذين يتذرعون بهما للمطالبة بتحريك عملية السلام الى الامام". وأضاف المصدر: "اذا سحبت الحكومة اللبنانية وفدها من المفاوضات، احتجاجاً على الغارات الاسرائيلية على اراضيها، فانها ستكون الشريك الاسهل الذي يمكن اعادته الى طاولة المفاوضات في وقت لاحق من العام الجاري". ايران: تصميم على معارضة المفاوضات وخلاف كبير في قيادة "حزب الله" وأثار العدوان الاسرائيلي على لبنان مشاعر الغضب في صفوف الايرانيين الذين سارعوا الى ادانته ووصفوه بأنه "سابقة خطيرة لم تحصل بهذه الكثافة وهذه الوحشية منذ 1985". وقالت طهران في تعليقاتها: "ان اسرائيل، ومن ورائها تقف الولاياتالمتحدة، تريد من تشديد العدوان على الجنوب اللبناني ايجاد فجوة نفسية بين حزب الله والمقاومة الاسلامية في الجنوب من جهة وسكان المناطق التي تتعرض للقصف الوحشي من جهة ثانية". وسارعت ايران الى تجديد الدعم الذي تقدمه الى "حزب الله" وبعث مرشد الثورة آية الله خامنئي برسالة شخصية الى الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وصفتها اوساط ايرانية بأنها تعكس موقفاً شخصياً مباشراً من خامنئي تجاه نصرالله اكثر منه تأييداً ايرانياً للحزب. وشرحت الاوساط ذلك بقولها ان ثمة خلافاً كبيراً في "حزب الله" وقيادته التي لم تتفق على موقف واحد من اكثر القضايا حساسية وتأثيراً في حياة الحزب الذي بدأ حياته العملية وعبر عن وجوده منذ حوادث خطف الرهائن الغربيين في لبنان. وبدأ هذا الخلاف يتجذر منذ "الانقلاب الابيض" على الأمين العام السابق للحزب الشيخ صبحي الطفيلي الذي رفض التجاوب مع ايران - رفسنجاني لحل مسألة الرهائن. اذ كان يعتقد بأن حزبه ليس مطية لطهران وبالتحديد للرئيس هاشمي رفسنجاني، بل "يلتزم آراء الولي الفقيه فقط". وبعدما اغتالت اسرائيل السيد عباس الموسوي الذي اختاره الحزب اميناً عاماً بعد استقالة الطفيلي، تعزز موقف الاخير خصوصاً في قواعد الحزب الذي رأى في اعتدال الموسوي باباً الى المحطة السياسية كما يخطط رفسنجاني. لكن هذا الاعتدال لم يحل دون اغتياله مع زوجته وطفلته في هجوم اسرائيلي آثم. هذه الخلفية وما تلاها من دخول الحزب في الحياة السياسية البرلمانية يكفيان في الوقت الحاضر للاشارة الى موقع حسن نصرالله غير القوي في اوساط "أمة حزب الله"، وهو الاصطلاح الذي يطلقه الحزب على انصار ايران في لبنان. ولكن يجب عدم تجاهل الموقف الشخصي لخامنئي من موضوع حسم خلافة الموسوي عندما أرسل ممثلا خاصاً عنه الى بيروت وانحاز الى نصرالله الذي اصبح مقرباً منه منذ ان توجه الى قم "للدراسة والضغط على معارضيه" بعد خطف اسرائيل الشيخ عبدالكريم عبيد. ولذلك تعتبر الاوساط الايرانية ان رسالة خامنئي الاخيرة الى نصرالله بما تضمنته موجهة اساساً الى جميع الذين لا يوافقون معه على ان يصبح "حزب الله" ومعه المقاومة الاسلامية في الجنوب اداة للكسب السياسي في ظل الاوضاع والظروف الدولية الحالية وبعد تعثر مفاوضات السلام في جولاتها العشر الماضية. وهنا لا بد من وضع العمليات الاخيرة للمقاومة الاسلامية في الجنوب وفي الشريط الحدودي في سياقها الحقيقي واطارها الايراني اذ تريد طهران تأكيد نظريتها القائلة بمعارضة العملية السلمية في الشرق الاوسط، ولذلك فهي تبحث عن أدلة عملية لاثبات صحة نظريتها وكسب المزيد من تأييد الدول التي تضغط الولاياتالمتحدة عليها لعزل ايران تنفيذاً لسياسة "الاحتواء المزدوج". وتحدثت مصادر موثوق بها عن زيارات متبادلة بين قياديين في "حزب الله" وكبار المسؤولين الايرانيين الذين عبروا ويعبرون عن استيائهم من السياسة الخارجية للرئيس بيل كلينتون، والموجهة في اكثر تفاصيلها في العراق والصومال وغيرهما الى ايران، واوضحت ان هذه الزيارات جاءت اثر امتناع اليابان والمانيا عن الانسياق وراء رغبة واشنطن في فرض حظر تجاري على طهران. وورد في تقارير ايرانية خاصة ان طهران مهتمة بتأكيد صحة معارضتها المفاوضات العربية - الاسرائيلية، فخططت لتصعيد عمليات المقاومة في الجنوب، وتوقعت رد الفعل الاسرائيلي ولكن ليس بالحجم الذي حصل. لهذا سارعت الى دعم "حزب الله" بالامكانات المالية لمواجهة مضاعفات النزوح من الجنوب ومساعدة اهله فتحول دون تحقيق اسرائيل هدفها حالياً وهو الايقاع بين الحزب وقواعده الشعبية. وليست رسالة خامنئي الى نصر الله سوى تأكيد جديد ان المواجهة بين طهرانوواشنطن والتي اشارت اليها الغارة الصاروخية الاميركية الاخيرة على بغداد، ستأخذ ابعاداً جديدة تكون ساحات المنازلة فيها بين الطرفين خارج ايرانوالولاياتالمتحدة. فقد اعتبر مرشد الثورة الدفاع عن "حقوق الشعبين الفلسطينيواللبناني واجباً على كل المسلمين في العالم". واعلن دعم ايران غير المحدود للمقاومة. ولا شك في ان ايران فوجئت على ما يبدو بحجم الرد الاسرائيلي، ووصفته بأنه سابقة خطيرة، معتبرة ان صمت الاوساط الدولية، خصوصاً الاممالمتحدة، تأييد ضمني للسياسة الاميركية الجديدة القائمة على استخدام القوة لتحقيق مكاسب سياسية. واتهم رئيس مجلس الشورى البرلمان ناطق نوري الأمين العام للمنظمة الدولية الدكتور بطرس غالي بپ"التهاون وعدم الكفاءة"، فيما وجهت الخارجية الايرانية في صورة غير مباشرة اتهاماً الى الولاياتالمتحدة، وقالت عبر صحيفة "طهران تايمز" المقربة منها ان اميركا واسرائيل قلقتان من بدء جولة جديدة من محادثات السلام في واشنطن في شهر آب اغسطس الجاري لذلك هاجمت اسرائيل لبنان بدعم من واشنطن لتوفير ارضية مناسبة للجولة المقبلة. الكيل بمكيالين واثارت ايران مجدداً موضوع الكيل بمكيالين وادلى كبار المسؤولين بتصريحات اثر اجتماع عقدته القيادات مع خامنئي وجاء فيها ان الولاياتالمتحدة التي اغارت على العراق يوم 25 حزيران يونيو الماضي وادعت انها تفعل ذلك في اطار قرارات الاممالمتحدة تتجاهل القرار 425 الذي ينص على انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية. واشاع بعض الاوساط الايرانية الرسمية ان اسرائيل قد تعمد الى توسيع رقعة احتلالها، وذهب بعضهم الى ابعد من ذلك عندما توقع ان يصل التوسع الى بيروت لاحتلالها "لأن التبرير الذي تقدمه حكومة رابين لعدوانها الاخير لا يتناسب مع حجم العدوان وطبيعة العمليات التي تنفذها المقاومة الاسلامية". ونقلت الاوساط الايرانية عن مصادر لبنانية قولها ان "حزب الله" سيكثف من العمليات النوعية ضد قوات الاحتلال في الشريط الحدودي المحتل والمستوطنات القريبة منه، لكنها لم تستبعد ان يوقف نشاطه العسكري اذا انسحبت هذه القوات وانتهى الاحتلال. الى ذلك قال مصدر في حركة "الجهاد الاسلامي الفلسطيني" لپ"الوسط" ان الحركة ستنفذ "عمليات نوعية" في الاراضي المحتلة لدعم "حزب الله" وموقف ايران الرافض عملية السلام. تأييد اتفاق الطائف وفي تطور لافت ايدت طهران بقوة "اتفاق الطائف" وجاء في تقرير وزعته "وكالة الجمهورية الاسلامية للانباء" الايرانية ان هذا الاتفاق وفر للاحزاب والقوى اللبنانية فرصة الاتفاق على توحيد الرؤى في شأن الكثير من المواضيع، وعلى رأسها المقاومة ضد الاحتلال في الجنوب. واشارت الوكالة الى "موقف الاحزاب المسيحية الداعم والمؤيد للمقاومة في الجنوب". وقالت "ان اسرائيل ستخسر كثيراً اذا ارتكبت حماقة في لبنان". ودعت الاحزاب اللبنانية والحكومة الى عدم التفريط بهذا المكسب. وحضت على "المزيد من الصمود والمقاومة امام الضغوط التي تفرضها واشنطن وتل ابيب للتوقيع الى اتفاق أمني لبناني - اسرائيلي قبل الانسحاب الكامل من الاراضي اللبنانية". ولا تفصل طهران ما يجري في لبنان عن محاولات واشنطن تعديل "ثورية" الايرانيين.