يبدو أن إسرائيل قررت أن تحصل على السلام بالقوة من دون أن تعيد الأرض في لبنان وسورية الى أصحابها، وذلك بشن عدوان غاشم على الجنوب اللبناني، وعلى البنية التحتية في بيروت وغيرها بحجة أنها تنتقم من العمليات "الإرهابية" التي يقوم بها حزب الله ضد جنود الاحتلال، وضد عملاء إسرائيل في الشريط الحدودي المحتل. فبدلاً من أن تلزم إسرائيل نفسها بالمضي قدماً في محادثات السلام في واشنطن مع سورية ثم تلحق بها لبنان إذا استبان الجد في المفاوضات، فضّلت أن تجرب طريق العربدة لعلها تؤلب الحكومة اللبنانية على حزب الله. هذا المخطط الإسرائيلي الذي لا يزال مستمراً حتى كتابة هذه السطور سينهزم أمام صلابة لبنان وتضامن مصر والعالم العربي معها. ومعروف أن احتلال إسرائيل لجنوب لبنان 1978 ورحيل المقاومة الفلسطينية 1982، أدخل لبنان طرفاً خاصاً مباشراً في الصراع العربي - الإسرائيلي. فقد اتضح أن احتلال إسرائيل لجنوب لبنان ليس هدفه التصدي للمقاومة الفلسطينية التي كانت رحلت فعلاً، وانما هدف الاحتلال هو نفسه هدفه مع مصر وسورية والأردن، أي مقايضة بعض الارض بكل السلام. وعند هذا الحد بدأت إسرائيل تماطل في تنفيذ قرار مجلس الامن الصادر في آذار مارس 1978 وهو القرار رقم 425 الذي يطالب إسرائيل بالإنسحاب من الجنوب فوراً وبلا شروط وتحاول فرض السلام بشروطها ولكن تضامن سورية معها أفسد المخطط الإسرائيلي الذي يهدف دائماً الى الفصل بين لبنان وسورية. ولما كان "حزب الله" تشكل خلال غزو إسرائيل لبيروت العام 1982 لمقاومة هذا الغزو، فقد تحولت المقاومة بعد رحيل إسرائيل من بيروت وبعد مذابحها الوحشية في صبرا وشاتيلا، الى الجبهة الجنوبية، وهكذا أصبحت سورية طرفاً في الصراع تسعى الى حث إسرائيل او إرغامها على الانسحاب، بعد ان كانت مجرد مسرح في الصراع. عاش العالم العربي حالاً من التبعية الثقافية والإعلامية في الثمانينات خلال الحرب العراقية - الايرانية وتصدي الغرب والشرق للثورة الإسلامية في إيران، اقترن بتشويه صورة إيران والإشارة الدائمة الى "حزب الله" على أنه تابع لإيران مما وضع الحزب وجهاده في جانب ولبنان كله في جانب آخر، وخلق الإنطباع بأن الحزب أداة للمتاعب والتبعية وعبء على لبنان. لكن مخططات إسرائيل بفرض السلام من دون مقابل اقليمي على سورية ولبنان جعلت "حزب الله" هو الورقة الوحيدة التي تؤرق الدولة العبرية وتقض مضجع قادتها، خصوصاً أن الحزب يهاجم اهدافاً عسكرية إسرائيلية وعميلة داخل الاراضي اللبنانية ويقوم بالرد على تجمعات إسرائيل السكانية كلما قصفت إسرائيل تجمعات السكان في الجنوب. وهكذا أثبت سلاح الكاتيوشا أمراً واقعاً في خريطة الصراع الإسرائيلي - السوري اللبناني. وإزاء الإحباط الذي يعانيه العالم العربي من جمود عملية السلام وعدم تحقيقها الحد الأدنى واستباحة إسرائيل للفضاء اللبناني بأكملة من دون ان تخشى رادعاً، اصبح حزب الله هو المنتقم من بطش إسرائيل. صحيح أن المقاومة التي أيدها لبنان ومصر وكل العالم العربي لن ترغم إسرائيل على الرحيل من دون شروط ولكنها تجعل وجود إسرائيل في لبنان مكلفاً من الوجهة النفسية والبشرية ويجعل الانسحاب منه أشبه بالإفلات من المحرقة. فهل ينجح المخطط الإسرائيلي ام المقاومة في تهيئة مسرح التفاوض للسلام الحقيقي، أم لصفقة تعكس ثقل القوة الإسرائيلية التي راهنت عليها منذ قيامها، وهل يدشن العدوان الإسرائيلي على لبنان بداية صحوة عربية تؤكد أن العرب لم يخرجوا من التاريخ أم أنهم دخلوا المتحف وأسدل الستار؟. * كاتب مصري.