كيف تنظر كل من سورية وايران الى حزب الله وتتعاملان معه؟ وما طبيعة هذا "الحلف الثلاثي" القائم بين دمشقوطهران وحزب الله؟ وماذا تريد سورية وايران من هذا الحزب الاصولي الذي اصبح له نوابه في البرلمان اللبناني الجديد، كما اصبح يشكل "محور المواجهة العسكرية" على الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية؟ فقد شهد الاسبوعان الاولان من هذا الشهر عمليات مواجهة عدة بين حزب الله واسرائيل شملت اشتباكات واطلاق صواريخ كاتيوشا على مستوطنات وقرى اسرائيلية وعمليات جوية وبرية للجيش الاسرائيلي على اهداف الحزب في الجنوب والبقاع. وذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين الى حد القول ان اسرائيل عازمة على خوض "صراع طويل" مع حزب الله داخل المنطقة الامنية التي اعلنها الاسرائيليون في جنوبلبنان. واتهم رابين سورية بأنها لا تفعل ما فيه الكفاية لوقف هجمات حزب الله. وقال: "سورية لا تستغل قدراتها على اكمل وجه لاحلال الهدوء". مراسل "الوسط" في دمشق عبدالله الدردري والخبير في الشؤون الايرانية حامد حيدر يجيبان عن التساؤلات المطروحة حول علاقة حزب الله بسورية وايران في تقريرين لهما. نبدأ بتقرير عبدالله الدردري من دمشق: "أثارت اسرائيل اخيراً باساليب ديبلوماسية في مفاوضات واشنطن وبعمليات حربية في جنوبلبنان موضوع العلاقة بين سورية وحزب الله مدعية ان هذه العلاقة تتناقض مع مشاركة سورية في العملية السلمية، كما ادعت ان هذه العلاقة تسهل اهداف ايران في عرقلة العملية السلمية ولا تخدم المصلحة السورية المتمثلة في هذه العملية. هذا المنطق غير مقبول في سورية التي تعتبر المقاومة اللبنانية حقاً للشعب اللبناني لا يمكن المطالبة بوقفها ما دام الاحتلال قائماً، كما ترى ان لا تناقض بين المقاومة والمشاركة في مفاوضات السلام. وذكرت مصادر سورية مطلعة ل "الوسط" ان الجهات اللبنانية المقاومة لا تسعى الى عرقلة العملية السلمية بل الى تحرير الجنوب، وهذا عمل يتكامل ولا يتناقض مع المشاركة اللبنانية في مفاوضات السلام، اذ ان المقاومة تسقط حجج اسرائيل الامنية للاحتفاظ بالارض وتثبت للاسرائيليين ان السبيل الوحيد الى اعادة الهدوء والاستقرار الى الحدود الدولية مع لبنان هو الانسحاب التام تنفيذاً للقرار 425. وسورية والحكومة اللبنانية ليستا مستعدتين لمواجهة المقاومة وعرقلة عملها من اجل حماية الاحتلال الاسرائيلي. اما عن ضمان الامن على الحدود فان الجيش اللبناني المدعوم من سورية قادر عليه عندما ينتشر الى الحدود الدولية بالتعاون مع قوات الاممالمتحدة وبعد الانسحاب الاسرائيلي. اما عن العلاقة الايرانية وسعي ايران لعرقلة العملية السلمية، فتقول المصادر السورية ان ايران لا تسعى لكي يكون دورها في لبنان على حساب الشرعية اللبنانية بل هي ترتبط بعلاقة خاصة وتاريخية مع احدى فئات الشعب اللبناني وهو ما اكدته طهران لكل من بيروتودمشق. ولا ترى دمشق مشكلة في ان تكون لايران علاقة خاصة مع "حزب الله" الذي تنظر اليه دمشق بانه احد فصائل المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي التي تضم اتجاهات سياسية اخرى بما في ذلك القوميون السوريون والبعثيون والشيوعيون. وتقول المصادر العربية المقربة من القيادة السورية ان دمشق "تعتبر كل ما يزعج اسرائيل ويقلق امنها في الاراضي المحتلة كسباً للعرب لأنه يظهر عدم جدوى الاحتلال في ضمان الامن لاسرائيل". وقد ظهرت تساؤلات كبيرة عن قدرة دمشق على الحفاظ على علاقات "استراتيجية" مع ايران وعلاقات متطورة مع مصر، على رغم التوتر المتزايد بين القاهرةوطهران. ويزيد في التساؤل تحسن العلاقة السورية السودانية بشكل ملحوظ بينما تتهم القاهرةالخرطوم بانها ترعى "الارهاب الاصولي" ضد مصر بدعم ايراني. ديبلوماسي عربي رفيع المستوى في دمشق قال ل "الوسط" ان سورية "هي الضلع الضروري في المثلث الحرج السوري - الايراني المصري، لانها هي التي تستطيع الحفاظ على توازن هذا المثلث ومنع تصاعد التوتر فيه". واضاف الديبلوماسي ان الدور السوري "لا يحمل اي تناقض، وان كان يحتاج الى حنكة ودقة. فدمشق تلعب دوراً مركزياً في عدد من الملفات الاقليمية الحساسة التي يعتبر التوتر المصري - الايراني مجرد انعكاس لخطورتها". وتؤكد المصادر السورية ان العلاقة السورية - الايرانية هي التي منعت تحول الحرب العراقية - الايرانية الى حرب عربية - فارسية تهدد المنطقة برمتها، كما ان هذه العلاقة ساهمت الى حد كبير في الموقف الايراني العقلاني في حرب الخليج الاخيرة لانهاء احتلال الكويت وفي تأكيد التزام ايران بوحدة وسيادة العراق على رغم الخلاف مع نظام بغداد. كما ان دمشق تعتبر ايران "مخزوناً استراتيجياً في هذه المرحلة الصعبة في العلاقات الدولية، مما يفرض التعامل معها "بشكل ايجابي" من دون المساس بحقوق العرب. وقد ظهر هذا الموقف عند اندلاع ازمة ابو موسى، فكان موقف سورية الذي نقله وزير الخارجية فاروق الشرع الى طهران هو عدم الرضى عن هذا التطور وضرورة عودة الامور الى ما كانت عليه. ووافق الرئيس هاشمي رفسنجاني على ذلك مبلغاً الوزير الشرع "ان ما يراه الرئيس حافظ الاسد مناسباً مقبول عند ايران". لكن لاسباب خارجة عن ارادة سورية لم تترجم هذه الافكار الى تسوية على الارض. ويمكن القول ان الدور الايراني في الخليج وامتداداته في الصراع العربي - الاسرائيلي، من خلال المقاومة في جنوبلبنان، تشكل ورقة قوية في يد سورية في مواجهة الضغوط الاسرائيلية وغيرها. ووفقاً لما قاله ل "الوسط" الديبلوماسي العربي الرفيع فان "ايران يجب الا تقع في الفخ الذي وقع فيه العراق". وقد حاولت سورية في الماضي تطبيع العلاقات الايرانية - المصرية وكادت ان تحقق نجاحاً في هذا المضمار بعد حرب الخليج، لكن التنافس المصري - الايراني وظهور قضية "الارهاب الاصولي" في مصر الى السطح عرقلت هذه المساعي السورية. وتعتبر دمشق ان التنسيق الايراني - السوري ضروري في قضية الحفاظ على وحدة وسيادة العراق في ظل التهديد بقيام كيان كردي منفصل في شمال العراق. وتقول مصادر اجتماع انقرة الاخير بين وزراء خارجية سورية وايرانوتركيا ان القلق السوري - الايراني المشترك من الوجود العسكري التركي في شمال العراق ساهم في دفع انقرة الى الاعلان عن سحب قواتها من المنطقة قريباً. وتضيف المصادر في هذا المجال ان "تركيا شعرت بأنها ساهمت في ظهور هذا الوضع الخطير في شمال العراق بقصد او بغير قصد، من خلال السماح لقوات الحماية الغربية بالمرابطة في جنوبتركيا، مما كرس الوضع الانفصالي في الشمال". اذن لا تناقض في علاقات سورية مع حزب الله ومشاركتها في عملية السلام، او في علاقاتها بايران والسودان من جهة وبمصر من جهة اخرى وبين خلافها وطهران مع النظام في العراق بين تحركهما المشترك لحماية وحدة وسيادة العراق. بل ان هذه السياسة المتعددة الجوانب دليل على "مرونة" القيادة السورية". ايران وحزب الله والآن ماذا يجري بين ايران وحزب الله؟ حامد حيدر يجيب عن هذا السؤال في التقرير الآتي: "كشفت مصادر وثيقة الاطلاع على شؤون "حزب الله" والعلاقات بينه وبين القيادة الايرانية، ان هذا الحزب اللبناني الاصولي الموالي لطهران يواجه حالياً "اختلافات في وجهات النظر" داخل صفوفه، وذلك اثر قراره المشاركة في الانتخابات النيابية اللبنانية وانتخاب عدد من اعضائه نواباً في البرلمان. واوضحت المصادر انه اذا كان التيار الاقوى داخل "حزب الله" ايد المشاركة في الانتخابات فان هناك تياراً آخر، له وجهة نظر مختلفة، يقوده الشيخ صبحي الطفيلي ويقف ضد مشاركة الحزب "في اللعبة السياسية اللبنانية" بالشكل الذي حدث. وذكرت المصادر ان السيد حسن نصرالله الامين العام "لحزب الله"، المؤيد لمشاركة حزبه في الانتخابات وفي الحياة السياسية اللبنانية اثار هذا الموضوع خلال زيارته لطهران الشهر الماضي مع مرشد الثورة علي خامنئي والرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني وقال امام الاخير: "لقد صعّدنا من عملياتنا في الشريط الحدودي لكي نبلغ أعداءنا اننا لم نتحول الى سياسيين، ولكي نطمئن اصدقاءنا الى اننا لا نزال المقاومة الاسلامية". ووفقاً لهذه المصادر فقد قدم رفسنجاني لنصرالله ولحزبه "مساعدات" مكنت "حزب الله" من الاستمرار في سياسة تصعيد العمليات العسكرية ضد اسرائيل في منطقة الجنوباللبناني، لكنه في الوقت نفسه نصح بعدم عودة الحزب الى مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية الاخيرة، اي بالاستمرار في ممارسة النشاط والعمل في الساحة السياسية اللبنانية. وكان رفسنجاني ارسل في وقت سابق هذا العام وزير خارجيته الدكتور علي اكبر ولايتي الى لبنان وحصل من جميع الفعاليات الروحية والسياسية التي التقاها على وعد بتأييد ودعم المقاومة في الجنوب. وبدا بعد مشاركة حزب الله في الحياة السياسية ان الحزب أخذ يتكيف مع توجهات ونصائح رفسنجاني لكن الغرب والولايات المتحدة لم يفيا بعهودهما تجاه ايران بعد انهاء ازمة الرهائن الغربيين مما دفع الرئيس الايراني - وفقا لما تقوله هذه المصادر - الى تشجيع حزب الله على شن عمليات عسكرية ضد اسرائيل على ان يتم ذلك خارج دائرة الحكومة اللبنانية التي انتقد حزب الله تجاهل رئيسها في بيانه الحكومي اية اشارة الى المقاومة ونشاطها ضد الاسرائيليين لذلك حجب نواب الحزب الثقة عن هذه الحكومة. وفي اطار "التشاور والتنسيق" حول مستقبل دور حزب الله ونشاطاته في لبنان عموماً وجنوبه خصوصاً، علمت "الوسط" ان وفداً من المسؤولين السياسيين والعسكريين في هذا الحزب زار طهران سراً، بعد التطورات الاخيرة في الجنوب وقيام الاسرائيليين بشن غارات جوية وعمليات قصف ضد مواقع الحزب، وناقش الوضع مع المسؤولين الايرانيين. واثر هذه الزيارة سافر وفد من وزارة الخارجية الايرانية - سراً ايضاً - الى العاصمة السورية برئاسة مساعد ولايتي المعروف باهتمامه بحزب الله حسين شيخ الاسلام لبحث الموقف من جوانبه المختلفة. ووفقاً للمصادر المطلعة، فان القيادة الايرانية تعلق اهمية خاصة، في هذه المرحلة، على دور "حزب الله" في لبنان، سواء في ما يتعلق بالجانب السياسي منه اي مشاركته في اللعبة السياسية وموقفه من حكومة رفيق الحريري أو في الجانب العسكري والامني منه المتعلق بالعمليات ضد اسرائيل. فورقة حزب الله هي احدى الاوراق الرئيسية التي تنوي القيادة الايرانية استخدامها في "تعاملها" مع الاوضاع الاقليمية والدولية في المرحلة المقبلة. وهذا يتطلب ويفترض مشاورات ايرانية - سورية مستمرة ومنتظمة.