قال مصدر جزائري رفيع المستوى في العاصمة الجزائرية ل "الوسط" ان الحل الوسطي الذي طرحه الدكتور بطرس غالي الامين العام للامم المتحدة، خلال الاجتماعات التي عقدها مع المسؤولين الجزائريين في 2 حزيران يونيو الجاري يتمثل في صيغة حكم ذاتي او "تسيير ذاتي" يمارسه الصحراويون المغاربة في اقليمي الساقية الحمراء ووادي الدهب، في اطار السيادة المغربية في شؤون الدفاع والامن والسياسة الخارجية. وكان غالي وصل الى الجزائر آتياً من الرباط حيث التقى الملك الحسن الثاني وعدداً من كبار المسؤولين، في مقدمهم وزير الخارجية الدكتور عبداللطيف الفيلالي ووزير الداخلية والاعلام ادريس البصري، المكلف بملف الصحراء الغربية. وأعلن غالي في العاصمة المغربية ان جولته هذه تهدف الى "تطبيق قرار مجلس الامن الرقم 809" الذي يطلب من الامين العام للامم المتحدة ان يشرف على "اجراء الاستفتاء في الصحراء في موعد لا يتجاوز نهاية السنة الحالية، استناداً الى خطة التسوية التي وافق عليها مجلس الامن في قراريه 658 عام 1990 و690 عام 1991، على اساس خطة الامين العام السابق ديكويلار، الذي وافق بدوره على توسعة قوائم الاحصاء السكاني لعام 1974 باشراف الادارة الاستعمارية الاسبانية قبل جلائها عن الصحراء. وتشكل محصلة جولة غالي المغاربية جوهر التقرير المفترض ان يعده لدى عودته الى نيويورك، لتقديمه، كما هو مقرر، الى مجلس الامن الشهر المقبل. ولهذا السبب اكتسبت الجولة اهمية قصوى. والحل الوسط الذي تحول الى ما يشبه كرة الثلج على الساحة المغربية، نظراً الى الغموض المتعمد الذي رافقه، ليس قفزة مفاجئة هدفها اخراج الحل المفترض لمشكلة الصحراء الغربية من تعثره، حيث تحدث غالي عن ثلاثة خيارات لمعالجة ازمة الصحراء الغربية في تقرير قدمه الى مجلس الامن في 29 كانون الثاني يناير الماضي. الخيار الاول يدعو الى استمرار المشاورات مع طرفي النزاع، علماً ان غالي اعلن عدم تفاؤله بجدوى استمراريتها، نظراً الى الفرق الشاسع في مواقف الطرفين. الخيار الثاني يدعو الى التنفيذ الفوري لخطة التسوية على اساس توصية ديكويلار التي وافق عليها مجلس الامن بعد اضافة اسماء المهاجرين المغاربة الذين اضطروا لمغادرة الصحراء الغربية اثر عملية "ايكوينون" الشهيرة عام 1958 بمشاركة اسبانية - فرنسية ضد جيش التحرير المغربي. كذلك اضافة اسماء احفاد المغاربة الصحراويين الذين ولدوا خارج اقليمي الساقية الحمراء ووادي الدهب. اما الخيار الثالث فيتمثل في "الاخذ بنهج بديل لا يستند الى خطة التسوية" المختلف عليها بين المغرب والبوليساريو، نظراً الى عدم اتفاق الطرفين على عدد الصحراويين المغاربة الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء، اذ ان المغرب يطالب بتوسيع قوائم الاحصاء الاسباني لعام 1974، ووافق مجلس الامن على وجهة النظر المغربية هذه في ضوء الحيثيات التاريخية التي بررت هذا المطلب فيما تتمسك البوليساريو بحرفية الاحصاء الاسباني عام 1974، علماً ان قوائم الاحصاء هذه لا تتضمن اسماء محمد عبدالعزيز الامين العام للجبهة وعدد من قياداتها. "الوسط" سألت السيد احمد بن سودة، مستشار الملك الحسن الثاني وأول حاكم مغربي للصحراء الغربية عن صيغة الحل الوسط او الحكم الذاتي التي طرحها الامين العام للامم المتحدة في الجزائر فقال ان الملك الحسن الثاني، خلافاً لما درج عليه، عقد "جلسة مغلقة مع الدكتور بطرس غالي لم يحضرها شخص ثالث. واثر اللقاء الثنائي لم يكشف عما دار خلال اللقاء. لذا لا يملك شخص آخر امكانية التعليق على هذا الاقتراح الذي سمعنا عنه من خلال وسائل الاعلام. وانا، انطلاقاً من هذا الواقع، لا استطيع تناول ما تردد عن الاقتراح الثالث او صيغة الحكم الذاتي". واضاف مستشار الحسن الثاني قائلا: "الاقتراح الذي تسألون عنه هو مشروع قديم يعود الى أيام الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد، فحواه ان تكون الراية والبريد والدفاع والخارجية تابعة للسيادة المغربية، لكن المشروع تعثر ولم تتم مناقشته باستفاضة". الاوساط المسؤولة في الجزائر، تتكتم، كعادتها، على صيغة "الحل الوسط" التي طرحها بطرس غالي، لكنها تكرر في الوقت نفسه موقف الجزائر "المتهم" وغير "المعني" مباشرة بالملف الصحراوي. وفي هذا السياق قال مسؤول جزائري ل "الوسط": "الجزائر لا تتدخل في عملية اتخاذ القرار لدى البوليساريو. ونحن مع الفلسطينيين او مع البوليساريو نقبل بما يقبلون". والجدير بالذكر ان الملك الحسن الثاني كان اعلن في خطاب وجهه الى الشعب المغربي في 10 ايلول سبتمبر 1992: "سنبدأ بمحافظاتنا الصحراوية وسنجعل منها جهة نعطيها الاولوية على غيرها من المحافظات في خطة التسيير الذاتي". ان حرص المغرب والجزائر على التمسك بالشرعية الدولية في ما يخص النزاع الصحراوي، وضرورة موافقة هذه الشرعية على اي حل اقليمي، قد يكون وراء صيغة الحل الوسطي الذي ناقشه غالي خلال جولته المغاربية. فالاطار العام للحل هو: الاستفتاء متفق عليه بين الاطراف المعنية بالنزاع لكن الاسئلة التي ستطرح على من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء تتلخص في سؤالين: الاستقلال التام عن المغرب، او الالتحاق الكلي به. فالمغرب من جهته يرى في الاستفتاء تمريناً ديموقراطياً بادر هو الى طرحه حين اقترحه الملك الحسن الثاني على قمة نيروبي الافريقية في العام 1982، لذا فان نتائج الاستفتاء هي تأكيد مغربية الصحراء الغربية اما البوليساريو فترى في الاستفتاء وسيلة للاستقلال عن المغرب بصورة مطلقة. وقد يتمثل الخيار الوسط للامين العام للامم المتحدة في سؤال ثالث يضفي شرعية دولية على هذه الصيغة وهو: الاستقلال الذاتي في اطار التبعية للمملكة المغربية او سيادتها.