بعد انقضاء أكثر من عامين على صدور قرار مجلس الامن الدولي الرقم 687، أصبحت الحدود بين العراقوالكويت أوضح الحدود الدولية ترسيماً وأكثرها دقة. وقد صادق مجلس الامن الدولي رسمياً يوم 27 ايار مايو الماضي على قراره القاضي بضمان عدم المساس بالحدود الدولية البرية والبحرية بين العراقوالكويت، كما حددتها لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة. وفي قرار يحمل الرقم 833 تم تبنيه بالاجماع، وصف المجلس قرارات هذه اللجنة التي انشئت غداة حرب الخليج في 1991 وقاطع العراق اعمالها بأنها "نهائية". وشكر المجلس اللجنة على اعمالها في ترسيم الحدود البرية والبحرية على طول الشواطئ وكذلك في خور عبدالله. ويطلب القرار من العراقوالكويت ان "يحترما عدم المساس بالحدود الدولية التي حددتها اللجنة وحق دخول السفن" طبقاً للقانون الدولي ولقرارات المجلس. وأكد المجلس مجدداً انه سيتخذ "كل التدابير الضرورية" بهذا الهدف وفقاً لميثاق الاممالمتحدة. وسيتم اقامة 106 اعمدة خرسانية ارتفاع كل منها ثلاثة امتار على طول الحدود من اجل المحافظة على حرمتها. كما ان قرار مجلس الامن الدولي الخاص بالحدود يستند الى الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة مما يجعلها ملزمة في القانون الدولي. ومن المؤكد ان قبول العراق لهذه الحدود سيكون احد الشروط لرفع العقوبات الدولية المفروضة عليه، وهي العقوبات التي جدد المجلس فرضها قبل 3 اسابيع فقط. وكان القرار الرقم 687 دعا الأمين العام للأمم المتحدة الى مساعدة العراقوالكويت في ترسيم حدودهما. وهكذا اقترح بيريز ديكويلار آنذاك على المجلس تشكيل لجنة مشتركة تتألف من ممثلي البلدين اضافة الى خبراء محايدين من نيوزيلندا والسويد وأندونيسيا. وبعد ان ادرك العراقيون ان مشاركتهم في اللجنة لن تؤدي الى رفع العقوبات توقفوا عن حضور اجتماعاتها. وحتى من دون مشاركة العراقيين كان هناك خلاف بين اعضائها لأن غالبيتهم شعروا ان تفويض مجلس الامن للجنة لا يشتمل على الحدود البحرية. الا ان المجلس اتخذ قراراً جديداً امرهم فيه بالشروع في العمل، وهو ما يورده التقرير الذي رفعه رئيس اللجنة الجديد المحامي اليوناني نيكولاس فالتيكوس الى الامين العام للأمم المتحدة بطرس غالي في العشرين من ايار مايو. ومع ان الحدود الجديدة اصبحت مرسومة تماماً الآن فان التعليمات التي استندت اليها لم تكن دقيقة. والمعروف ان البريطانيين خلّفوا وراءهم، اينما كانوا، تركة من النزاعات الحدودية: بين الهندوباكستان، وبين الهند والصين، وبين باكستان والصين وبين مصر والسودان وما الى ذلك، وخير مثال هو بين العراقوالكويت لأن النزاع الراهن يعود الى اتفاقات قديمة عمرها اكثر من نصف قرن. كانت مهمة لجنة الحدود تحديد الحدود البرية التي اتفق عليها العراقوالكويت عام 1963، وهي الحدود التي كانت بدورها تستند الى اتفاق عام 1932 بين حاكم الكويت ورئيس وزراء العراق آنذاك نوري السعيد. اما اتفاق 1963 فعقده عبدالسلام عارف بعدما رفض بياناً لعبدالكريم قاسم قال فيه: "ليس هناك حدود بيننا وبين الشعب الكويتي". وقد اودع الكويتيون نسخة من ذلك الاتفاق في الأممالمتحدة، لكن العراق يقول انه لم يصادق عليه ابداً. وكان السبب في اتفاق عام 1932 تمكين العراق من الانضمام الى عصبة الأمم. وهو يستند الى الادعاء الذي قدمه الشيخ احمد عام 1923 عندما وضع الميجور جون مور الممثل السياسي البريطاني في الكويت اشارة حدود على بعد الف خطوة الى الجنوب من آخر شجرة نخيل على الطريق من صفوان. وقد ازيلت تلك الاشارة مرات عدة كما ان شجرة النخيل ماتت، بينما زرعت اشجار اخرى. لكن هذه العلامة الموقتة والزائلة كانت الأساس للحدود بأكملها لأن الحدود كانت "تمتد من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم شمالاً بمحاذاة الباطن، ومن ثم شرقاً مروراً الى الجنوب من آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر لتلحق بالعراق، وهكذا حتى ملتقى خور الزبير مع خور عبدالله". ولم يقتصر الغموض على عدم التحقق من مكان شجرة النخيل، بل وكانت مسألة التقاء الحدود البرية بالبحر امراً حاسماً ايضاً، وكانت الاتفاقات السابقة عام 1923 وضعت الحدود الى الجنوب من جدران ام قصر. الا ان الخط المستقيم وضعها جنوب ذلك بثمانية كيلومترات. وفي عام 1940 اراد البريطانيون بناء ميناء على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات الى الجنوب من ام قصر. امام مثل هذه الادلة اتخذت اللجنة الدولية قراراتها وأصدرت الخريطة النهائية للحدود الدولية البرية والبحرية بين الكويتوالعراق. ووفقاً للخريطة الجديدة النهائية فان الجزء الغربي من الحدود هو ذلك الجزء الحدودي القائم الذي يمتد من تقاطع وادي العوجة ووادي الباطن شمالاً على طول الباطن حتى نقطة تقع جنوب خط عرض صفوان مباشرة. وبالنسبة الى الجزء الشمالي فهو ذلك الجزء من الحدود الذي يشكل تقاطع محور وادي الباطن على خط العرض الذي يمر خلال النقطة الواقعة جنوب صفوان مباشرة وباتجاه الشرق على طول خط العرض هذا جنوب جبل سنام الى النقطة الواقعة جنوب صفوان وبعدها على امتداد اقصر خط الى بلدة ميناء ام قصر ومن هناك الى نقطة التقاء خور الزبير مع خور عبدالله. وفي ما يتعلق بجزء خور عبدالله فان الاممالمتحدة اكدت ان الحدود القائمة في هذا القطاع تقع في خور عبدالله وان المنفذ البحري ممكن للدولتين عن طريق خور الزبير وخور شتانة وخور عبدالله الى جميع مياه وأقاليم كل منهما المتاخمة لحدودها ومنها، وبالتالي فان حق الوصول يعني ضمناً تمتع الدولتين بحق الملاحة. وأكد وكيل وزارة الخارجية الكويتية سليمان الشاهين ان "العراق لم يخسر شيئاً والكويت لم تكسب شيئاً لأن الترسيم جاء من خلال لجنة محايدة". وبموجب الترسيم الجديد نقل الجزء الشرقي من الحدود البرية حوالي 600 متر لمصلحة الكويت بالمقارنة مع الحدود السابقة الموقتة ومنحت الكويت ايضاً جزءاً من مدينة ام قصر المطلة على الخليج. وقال الشاهين ان "الكويت استعادت منطقة الرتقة التي تحتوي على تسعة آبار للنفط". وأضاف الشاهين ان بلاده عهدت الى الاممالمتحدة مهمة "تسوية اوضاع المزارعين والمنشآت التي اقامها النظام العراقي وأوضاع المقيمين العراقيين ضمن الحدود الكويتية منذ عام 1970". وأوضح ان "الأممالمتحدة ستشكل لجنة خاصة لاحصاء المنشآت والمقيمين العراقيين وتسوية اوضاعهم بما فيها التسويات المالية لننتهي تماماً من ذيول وتبعات ترسيم الحدود". وإثر صدور قرار مجلس الامن الرقم 833 تقرر زيادة عدد المراقبين التابعين للأمم المتحدة والمرابطين على الحدود الكويتية - العراقية.