كشف عضو مسؤول في لجنة الأممالمتحدة المكلفة ترسيم الحدود بين العراقوالكويت، في مقابلة خاصة مع "الوسط" أن العراق سيخسر فقط 770 مترا في الصيغة الجديدة للحدود التي اعتمدتها هذه اللجنة. وشرح هذا المسؤول في هذه المقابلة، وبشكل مفصل، طريقة العمل التي اعتمدتها هذه اللجنة قبل إصدار قرارها الشهر الماضي برسم الخريطة النهائية للحدود البرية المشتركة بين العراقوالكويت. ويرئس هذه اللجنة مسؤول أندونيسي، وهي تضم خبراء مستقلين من نيوزيلندا والسويد وأندونيسيا وممثلين للعراق والكويت. وقد اشترط هذا المسؤول عدم ذكر اسمه لقاء موافقته على التحدث إلى "الوسط" إذ أن المنظمة الدولية ترحم على أي عضو في هذه اللجنة الإدلاء بأحاديث صحافية لأسباب أمنية. وفي ما يأتي المقابلة مع هذا المسؤول: -ما هو الأساس الذي اعتمدتم عليه لرسم خط الحدود بين الكويتوالعراق؟ -وضعنا هذا الخط على أساس صيغة الحدود التي اتفقت عليها الحكومتان العراقيةوالكويتية في العام 1932. ولكن هذه الصيغة كانت مبهمة للغاية. ولم تحدد سوى مسألتين: الأولى نقطة التقاء الحدود الكويتية - والسعودية والعرقية، والثانية هي خط الحدود جنوب صفوان. -إذا كانت تلك الصيغة مبهمة إلى هذا الحد، كيف يمكن استخدامها في رسم الحدود؟ -لقد حصلنا على كل المراسلات والوثائق التي يعود تاريخها إلى 1913 كما استخدمنا صورا جوية يعود تاريخها إلى 1940. وفي هذه الصور يمكن تبين مركز الجمارك القديم لهذا المركز بالضبط. والى جانب ذلك تم في العام 1942 إجراء مسح بتكليف من وزارة الهند البريطانية، ويحدد هذا المسح خطي الطول والعرض لنقطة الجمارك. وفي العام 1940 كانت هناك أيضا مراسلات بشأن نخلة معينة، وهكذا تأكدنا من أن خط الحدود يقع على مسافة ميل جنوب مركز الجمارك، أو على مسافة ألف خطوة جنوب تلك النخلة التي لم تعد موجودة اليوم بالطبع. -ألم يحاول أحد العثور على موقع عمود نقطة الحدود القديمة حيث كانت هناك لافتة شهيرة يعرفها الجميع؟ -كلا، لقد اتفقنا على أنه ليس من الممكن العثور عليها. وكان العراق شكا في 1940 من أن خط الحدود نقل مسافة 250 مترا إلى الشمال، وقبلنا نحن ذلك، ويعني ذلك ان الخط الذي نعمل على تحديده يقع على مسافة تتراوح بين ألف خطوة - اعتبرناها ألف متر - وبين ميل واحد - أي 1690 مترا - جنوب الحافة الجنوبية الغربية لمركز الجمارك. وهكذا أصبحت هناك مسافتان نعمل على أساسهما: الأولى تبلغ 1250 مترا باعتبار الألف خطوة والشكوى العراقية في العام 1940، والثانية تبلغ 1690 مترا أي ما يعادل ميلا واحدا. واعتبرنا أن من العدل أخذ متوسط المسافتين، وهكذا رسمنا الخط على مسافة 1430 مترا جنوب الحافة الجنوبية الغربية لمركز الجمارك القديم. مشكلة الحدود البرية -ما هو السبب إذن في أن الخط الجديد يقع على مسافة كبيرة شمال الخريطة الرسمية الحالية؟ -تم وضع خد الحدود السابق على أساس الخريطة البريطانية التي قدمت إلى مجلس الأمن. ومن الغريب أن هذه الخريطة منحازة إلى العراق لأنها تبين أن خط الحدود يقع على مسافة 2200 متر جنوب مركز الحدود. وفي 1991 وافق الجانب البريطاني على أنه لا يجد أية مبررات لوضع الخط على هذه المسافة، وبذلك كان يسمح للعراق بالحصول على 770 مترا من الأراضي من دون وجه حق. -ما هي النقاط الأخرى التي تم تحديدها؟ -الخط الواقع في أعلى منطقة الباطن، وقد تم تحديده غرب خط صفوان وفي اتجاه البحر، ثم ينحدر في اتجاه تقاطع الخور. -ألم يتم تعديل القنوات البحرية بين الدولتين طوال تلك السنوات؟ -من الغريب أنها لم تتعرض لتعديلات كثيرة. إن الخريطة البحرية التي وضعت في العام 1920 لم تتعرض لكثير من التغيير. وفي الواقع كانت بريطانيا أيضا تعتقد أن الخطوط البحرية تعرضت للتغيير. ولكنها تراجعت بعد ذلك عن موقفها. -هل كان ذلك السبب في الشائعات التي ذكرت أن العراق سيخسر ميناء أم قصر؟ -ربما كان ذلك صحيحا. والحدود البحرية هناك قريبة من الجانب الكويتي بصورة أكثر مما يحبذه الكويتيون. وفي النهاية كان وفد العراق يشعر بسعادة كبيرة، بينما كان وفد الكويت يتخذ موقف المدافع. وفي الواقع كاد الوفد الكويتي يثير شغبا في الاجتماع عند الاتفاق على الخط السياسي، وعندما تبينوا ما يعنيه هذا الخط. وفي النهاية اندفع أعضاء الوفد خارج غرفة الاجتماع إلى الطابق الثامن والثلاثين حيث يوجد مكتب الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة، وطالبوه بالتدخل. -وهل تدخل بالفعل؟ -تم استدعاء أعضاء اللجنة لمقابلة بعض كبار المسؤولين في الساعة 9.45 من صباح ذلك اليوم، ولكن مختار كوسوما - آتميدجا رئيس اللجنة أصر على موقفه وقال لهم أن اللجنة مستقلة وأنها تتبع المهمة المحددة لها. وفي أعقاب ذلك ازداد تقديرنا له بنسبة 100 في المئة. -يمر خط الحدود عند أم قصر في وسط القاعدة البحرية، ويعطي الكويت الثكنات العراقية هناك، كما يبدو أنه يمنح الكويت أيضا جزءا من حقل الرميلة للنفط. هل أخذتم ذلك في الاعتبار؟ -كلا، إذ لا توضح أي من الخرائط التي نعمل عليها مواقع حقول النفط، وباستثناء مركز الجمارك في صفوان، تجاهلنا أيضا أية منشآت قائمة هناك. إن الخرائط التي نعمل عليها لا توضح سوى التضاريس. ولو كان خط الحدود يمر بمنشآت الميناء نفسها، لربما بذلك بعض الجهود للوصول إلى حل وسط. ولكن هذا الخط لا يمر سوى بالثكنات. ولذلك التزمنا به. والنقطة الواقعة في البحر هي نفسها في الواقع النقطة الموجودة على الخرائط البريطانية. وقال رئيس الوفد العراقي وان خط الحدود في منطقة الباطن يمر عبر المزارع وبساتين الفاكهة هناك. وأضاف: "إذا كنتم تعتقدون أن وضع عمود يبين موقع الحدود داخل منزل مزارع عراقي سيؤدي إلي تعزيز السلام والأمن، يجب عليكم التفكير في الأمر مرة أخرى. وإذا كنتم تعتقدون أن تقسيم بستان للفواكه تملكه أسرة معينة منذ عدة أجيال، سيساعد في تحقيق الأمن والسلام، يجب عليكم التفكير مرة أخرى". -كيف قررتم خط الحدود في منطقة الباطن؟ -لقد استخدمنا الوديان الصحراوية. -ولكن الوادي الصحراوي لا يشبه حوض النهر أو قناة الملاحة البحرية، بل تتغير طبيعته باستمرار. -لحل هذه المشكلة استخدمنا معدات كومبيوترية للمسح الطبوغرافي، وحددت تلك المعدات أعمق النقاط في التضاريس ورسمت الخط على خريطة بمقياس خمسين سنتيمترا. ومع ذلك جاء الخط متعرجا تماما ولهذا جعلنا كل قسم منه مستقيما لمسافة كيلومترين على أساس ألا يخسر أي من الطرفين أو يكسب أي أرض من الطرف الآخر. -هل وافق العراقوالكويت على ذلك؟ -رفض العراق تماما المشاركة في الناحية الفنية من عمل اللجنة. -تتضمن مهمة اللجنة وضع علامات على الأرض تبين خط الحدود. كيف سيتم تعيين هذا الخط؟ -سيتم وضع أعمدة تبين موقع الحدود، وتفصل بين كل واحدة منها والآخر مسافة كيلومترين ولكن يتم نصب هذه الأعمدة إلا بعد انقضاء فصل الصيف، إذ لا يرغب أحد في العمل هناك مع الحرارة الشديدة. وستكون هذه الأعمدة قائمة على أساس من الخرسانة المسلحة، وسيبلغ طولها مترا ويتعين علينا تقليل مستوى مواصفات هذه الأعمدة لن العطاءات كانت عالية للغاية، من 300 ألف دولار إلى 1.5 مليون دولار. -ما هي الأعمال التي لا يزال عليكم القيام بها؟ -لا يزال يتعين علينا القيام بالمزيد من أعمال المسح عند الناحية الشمالية لمنطقة الباطن، وهناك أيضا مسألة الحدود البحرية. ويقول العراق والخبراء الفنيون أن هذه المسألة ليست داخلة في مهمتنا، ولكن الجانب الكويتي يرغب في أن نتولاها. وسيتعين على الكويتيين الحصول على موافقة مجلس الأمن على توسيع نطاق مهمة اللجنة. وإذا تمكنت الكويت بالفعل من الحصول على موافقة المجلس على هذه المسألة ستحتاج اللجنة إلى خبراء جدد. ان الخبرات الفنية المتوافرة لدينا قائمة كلها على أساس الحديد البرية، ويتطلب رسم الخرائط البحرية مهارات مختلفة تماما. ولا يزال يتعين علينا أيضا إعداد تقرير للأمين العام للأمم المتحدة. ولم نتمكن من إعداد التقرير هذه المرة لأن وزارة الخارجية الأميركية لم تسمح بدخول المندوب العراقي إلى الولاياتالمتحدة إلا لمدة يومين قبل الاجتماعات المقررة ويومين بعدها، ولذلك لم نتمكن من تمديد الاجتماع الأخير. -لم يقبل العراق خط الحدود الجديد. ألا يدفع ذلك أعضاء اللجنة إلى التفكير في أنهم ربما كانوا يرسمون على الرمال خط بدء الحرب المقبلة؟ -أعتقد أنهم يفكرون أحيانا في ذلك ولكن من الأمور الداعية إلى التفاؤل أن هذه هي المرة الأولى التي ترسم فيها مثل هذه الخرائط المفصلة للمنطقة، ومع تنفيذ عمليات القياس بالكومبيوتر، أصبحت هذه الخرائط دقيقة ولا تزيد نسبة الخطأ فيها عن سنتمترين. وهكذا ستكون هناك على الأقل خرائط مفصلة للمنطقة نتيجة لعمل هذه اللجنة. ولكننا نشعر أن هذه هي أكثر الطرق الممكنة عدالة لرسم الحدود بين الدولتين، إذا أخذنا في الاعتبار المعلومات المتوفرة لدينا. إن خسارة العراق من الأرض لن تتجاوز 770 مترا، كما أن الكويت ليست راضية أيضا.