وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زعيم الفظائع في البوسنة "الوسط" تروي القصة الحقيقية للرئيس الصربي ميلوسيفيتش وتسجل آراء علماء النفس في الرجل الذي اعتبره الاميركيون "مجرم حرب"
نشر في الحياة يوم 24 - 05 - 1993

الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش يجسد، في شخصه ومواقفه السياسية واجراءاته، فظائع الحرب في البوسنة والهرسك، هذه الحرب التوسعية - العنصرية - الشرسة القائمة على اساس قرار بانشاء جمهورية "صربيا الكبرى" على حساب جمهورية البوسنة المستقلة وشعبها المسلم بأغلبيته. ميلوسيفيتش هو رمز التوسع الصربي - بل البربرية الصربية، على حد قول بعض الديبلوماسيين الغربيين، ومحرك فكرة "صربيا الكبرى"، والداعم بلا شروط للصرب في البوسنة ولكل ما يقومون به. وهو في نظر المجموعة الدولية ومجلس الامن المسؤول عن استمرار الحرب في البوسنة وعن فظائعها، الى درجة ان وزير الخارجية الاميركي السابق لورنس ايغلبرغر وضع اسمه على لائحة مجرمي الحرب وبحيث أصبح لقبه "النازي الصغير". ولأنه اعتبر مسؤولاً عن الحرب وعن تصرفات زعيم صرب البوسنة رادوفان كاراجيتش، فقد فرض مجلس الامن، منذ الصيف الماضي، عقوبات اقتصادية على صربيا والجبل الاسود ثم أصدر القرار 820 الذي يضعهما في عزلة اقتصادية تامة. ميلوسيفيتش مناور بارع: لقد أدرك خطر المواجهة مع مجلس الامن خصوصاً بعد تصاعد التهديدات بالقيام بعمليات عسكرية ضد الصرب، ولذلك اعلن قبل ايام تغيير موقفه، وطلب من كاراجيتش زعيم صرب البوسنة قبول خطة فانس - اوين للسلام ووقف اطلاق النار. ووقّع كاراجيتش على هذه الخطة لكن برلمان الصرب رفضها.
حينذاك اعلن ميلوسيفيتش انه سيمارس الضغط على صرب البوسنة عن طريق حرمانهم من الامدادات العسكرية وتقييد حرية حركتهم. لكن الواقع ان هذا الوعد هو مجرد مناورة سياسية يقوم بها ميلوسيفيتش بهدف تخفيف الضغوط الدولية عليه وعلى الصرب وابعاد "خطر" التدخل العسكري الاجنبي. لكن ميلوسيفيتش لم يغير اطلاقاً هدفه الاساسي وهو "القضاء" على جمهورية البوسنة والهرسك وتشريد سكانها المسلمين وانشاء صربيا الكبرى فوق أنقاضها.
من هو سلوبودان ميلوسيفيتش؟ ما هي قصة هذا "النازي الصغير" رمز الفظائع في البوسنة والهرسك؟ اسعد طه مندوب "الوسط" في زغرب يروي في هذا التحقيق قصة ميلوسيفيتش.
ولد الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في مدينة بوجاريفاتس الواقعة شرق بلغراد في العشرين من آب اغسطس 1941 من والدين يعود اصلهما الى الجبل الاسود.
كان والده رجل دين متخرجاً من كلية العلوم الدينية في بلغراد، غير انه كان يعمل مدرساً للغة الروسية والصربية، وكانت أمه كذلك مدرسة عرفت عنها شيوعيتها المتشددة حتى انها كانت تقضي معظم وقتها في العمل الحزبي. ويقول الذين عرفوها انها كانت حادة المزاج وسريعة الغضب، وهكذا نشأ ميلوسيفيتش في عائلة مصابة بالانفصام الشخصي أبوه رجل دين وامه شيوعية وهي الحالة العائلية التي يطلق عليها في علم النفس "الطلاق العاطفي".
الا ان هذه الحالة العائلية لم تستمر طويلاً، فسرعان ما ترك والده الاسرة عام 1946 ليعود الى مسقط رأسه في الجبل الاسود مصطحباً معه شقيق سلوبودان الاكبر بوريسلاف الذي كان يفتخر دائماً بأنه من ابناء الجبل الاسود، واشتغل الأب بتدريس اللغة الروسية لينتحر بعدها بثلاثة اعوام، اي عام 1949 ويعود ابنه بوريسلاف الى امه ليصبح في المستقبل سفيراً ليوغوسلافيا في الجزائر.
صدم سلوبودان وهو يستهل عامه التاسع بانتحار ابيه، لكن سرعان ما اصبح الانتحار سمة في العائلة، فقد انتحرت امه هي الاخرى عام 1974، وتردد أن عمه وزوجته انتحرا ايضاً، كما تردد ان ابنة ميلوسيفيتش حاولت الانتحار عام 1991 بعد ان ابتلعت كمية كبيرة من الحبوب المنومة وانقذها الاطباء في آخر لحظة بعد ان تركها خطيبها سعد فتاحاغيتس القادم من ساراييفو.
واصل التلميذ سلوبودان ميلوسيفيتش حياته الدراسية بنشاط كبير حيث عرف عنه انه كان طالباً مجتهداً، يجلس في الصفوف الدراسية الامامية منطوياً على نفسه، لا يميل الى مشاركة اقرانه اللعب ولا الرحلات المدرسية، ويقول زملاؤه انه كان ضعيف الجسم عاجزاً عن انجاز ما كان زملاؤه ينجزونه اثناء حصص الالعاب الرياضية.
واكتفى ميلوسيفيتش التلميذ بزميلته ميريانا ماركوفيتش صديقة له ليتزوجها فيما بعد، وهي السياسية النشطة والشيوعية المتشددة التي اصبحت استاذة علم الاجتماع، وحيث كان لها وما يزال نفوذ كبير على زوجها حتى انه يطلق عليها احياناً اسم ايلينا تلميحاً الى زوجة الرئيس الروماني الراحل تشاوشيسكو. اما ابن ميلوسيفتش الكسندر البالغ من العمر اليوم 18 عاماً فقد عاش لفترة في احدى المستوطنات الاسرائيلية قبل ان يسافر الى اميركا.
وبعد ان انهى ميلوسيفيتش دراسته الثانوية التحق بكلية حقوق بلغراد، وعن هذه الفترة يقول ل "الوسط" زميله في الكلية الصحافي الكرواتي المشهور جوران ميليتفي الذي اسس اول قناة تلفزيونية مستقلة اسمها "يوتل" كانت تبث من ساراييفو: "لقد كان جاداً طوال فترة الجامعة، لا يشارك اقرانه اللعب واللهو واشتهر بيننا كعضو نشيط في اللجان الحزبية الجامعية. كنا نراه دائماً مقطباً وجهه لا يميل الى الضحك، مجداً في دراسته لا يغادر الترتيب الاول او الثاني على اقرانه في الامتحانات الدراسية، ولم نكن نعرف عنه علاقات نسائية متعددة كالتي كان يتورط فيها بعض الشباب. كانت له طموحات عالية في فترة الجامعة الا انه لم يتمكن من تحقيقها".
عام 1964 تخرج سلوبودان ميلوسيفيتش من الجامعة وعمل اعتباراً من عام 1966 مستشاراً لرئيس مجلس مدينة بلغراد للشؤون الاقتصادية، ثم التحق بشركة انتاج الغاز عام 1969 ليتدرج في الوظائف حتى يصبح مديراً عاماً لها. ثم عمل في الفترة من 1978 الى نهاىة 1983مديراً لبنك بلغراد وزار خلال هذه الفترة الولايات المتحدة مرات عدة بحكم عمله والى جانب نجاحاته الوظيفية تدرج في مناصبه الحزبية، وبرز اسمه بصورة واضحة على المسرح السياسي عندما اصبح عام 1984 رئيساً لشيوعيي بلغراد ثم رئيساً للجنة المركزية لشيوعيي صربيا في ايار مايو 1986 ثم رئيساً منتخباً لصربيا في ايار مايو عام 1989.
"الجميع متعصبون"
عقب وفاة الرئيس اليوغوسلافي تيتو بدأ الشعب الصربي يضع مشاريعه السياسية المستقبلية التي بدا ان الشيوعيين ومعارضيهم وحتى رجال الكنيسة الارثوذكسية اتفقوا عليها. وصبت هذه المشاريع كلها في فكرة توحيد الصرب وانشاء صربيا الكبرى. وبدا ان هذا المشروع التوسعي يحتاج الى الزعيم كعامل رئيسي لتنفيذه. في هذه الاثناء كان سلوبودان ميلوسيفيتش بدأ يتبنى الاشتراكية القومية تدريجياً كبديل لأيديولوجية الشيوعية اليوغوسلافية، وتمكنت منه الافكار الخاصة بتعرض الصرب للخطر، واستولت عليه اسطورة ان الشعب الصربي "يكسب في الحرب ويخسر في السلام"، على حد قوله. وتملكته افكار "حق جميع الصرب ليعيشوا في دولة واحدة" وكذلك كراهية الشعوب الاخرى و"فساد السلوفينيين وميل الكروات للابادة وخبث الألبان". وفي هذه الاجواء كانت الدعاية الصربية تتحدث زوراً وكذباً استعداداً للمرحلة التوسعية، عن الظلم الذي تتعرض له الاقلية الصربية في كوسوفو على ايدي الالبان الاغلبية. وانتهز ميلوسيفيتش هذه الظروف مجتمعة ليرفع شعاره الشهير "محظور ان يعتدي عليكم احد" وذلك في نيسان ابريل عام 1987 حيث اتفق الجميع على ان الولادة السياسية الحقيقية لميلوسيفيتش كانت في كوسوفو في ذلك العام.
وبدأ هذا الرجل صاحب الرأس المربع والوجه المستدير والعينين الصغيرتين سيرته الحقيقية نحو الزعامة، فيما لم يكن احد يتوقع قبل خمس سنوات ان هذا الموظف السيىء المزاج بوسعه ان يصبح بطلاً شعبياً.
وأدرك الزعيم الجديد ان اللعب على الاوتار القومية والدينية سيجلب له شعبية لم يكن يحلم بها، وان الشعب الصربي يحمل بين جنبيه روحاً تعصبية عالية ستكسب ميلوسيفيتش كثيراً اذا ما فجرها خصوصاً ضد الالبان المسلمين. وهكذا بدأ يلعب على اوتار المشاعر القومية والدينية وهو الشيوعي القديم.
ويقول الاديب الصربي الهارب الى زغرب ميركو كوفاتش: "بالنسبة لي شخصياً ليس من المهم من هو في السلطة في صربيا. فيمكن ان يحكم صربيا الشيوعي ميلوسيفيتش أو الفاشي شيشل او العسكر. لكن السياسة الصربية التوسعية لا تتبدل. فماذا يمكن ان نقول عندما يصرح بانيتش الديموقراطي رئيس الحكومة اليوغوسلافية للتلفزيون الاميركي بأنه سيفاوض المسلمين الذين هم صرب اصلاً حيث يعتقد الصرب ان اصول المسلمين تعود الى اصولهم الصربية غير انهم دخلوا الاسلام ايام الحكم العثماني". ويضيف كوفاتش في حديثه الى "الوسط": "ان التعصب القومي هو اساس السياسة الصربية وجميع السياسيين الصرب لديهم هذه المشاعر، سواء كانوا في الحكم او المعارضة".
والمعارضة القوية التي تواجه ميلوسيفيتش بين الحين والآخر تريد اسقاطه، لكنها لا تريد اسقاط سياسته معه، "حيث يعتقد المعارضون انهم سيكونون اكثر مهارة منه في الكذب وفي تنفيذ الافكار نفسها" حسب ما قال أحد المعلقين السياسيين.
سيطرة الديكتاتور
بعد خطابه في كوسوفو في نيسان ابريل 1987 بدأ ميلوسيفيتش ينظم اجتماعات جماهيرية في كل صربيا بحجة دعم الاقلية الصربية في كوسوفو واستخدم ذلك بطريقة جيدة لاسقاط جميع زعماء الحزب الشيوعي الذين كانوا يعارضون طموحاته المتطرفة قومياً لحل مشاكل صربيا. وبلغت قوته ذروتها في شهر تشرين الثاني نوفمبر 1988 عندما اجتمع 500 الف صربي في بلغراد وهم يطالبون بالقاء القبض على عظيم فلاسي الزعيم الشيوعي لالبان كوسوفو، واستجاب لهم ميلوسيفيتش وحقق طلبهم في اليوم التالي. واستغل الزعيم الصاعد حماس الجماهير ليقضي على كل من يعارضه في اللجان الفرعية والمحلية، وزاد رصيده الجماهيري عندما اعلن في آذار مارس 1989 بصفته رئيساً لشيوعيي صربيا الغاء الحكم الذاتي لكوسوفو وفويفودينا معلناً اعادة توحيد صربيا. وكان من الطبيعي ان ينتخب في ايار مايو من العام نفسه رئيساً لصربيا. وراح ميلوسيفيتش يحكم قبضته على كل اجهزة الدولة بدءاً من بلغراد وانتهاء بأصغر قرية صربية، واعتمد في ذلك - فضلاً عن الشرطة - على الاعلام الذي هيمن عليه وحوله الى جوقة غنائية تعزف وتراً قومياً متطرفاً يبث الكراهية ضد الالبان والكروات والسلوفينيين والاسلام والغرب وكل ما هو غير صربي. ويقبل المواطنون الصرب هذه الاكاذيب ويصدقونها. بل انهم يتلقون كل ما يقوله بانبهار واعجاب شديدين.
ويقول يوغدان يوغدانوفيتش الذي كان رئيس بلدية بلغراد في الثمانينات "لا تكمن القوة الساحرة للديكتاتوريين في كونهم اذكياء، بل انهم في معظم الاحوال محدودو الامكانات العقلية، واعتقد ان مميلوسيفيتش هو الآخر محدود العقل، ولكن تكمن القوة الساحرة لأمثال هؤلاء في قدرتهم على ادخال الكثير من الناس في دائرة افكارهم وأحياناً يدخلون شعوباً بكاملها، وأعتقد ان الشعب الصربي مسحور بجنون ميلوسيفيتش".
وفي 28 حزيران يونيو 1989 وصلت روح التعصب القومي الصربية الى أوجها على يد ميلوسيفيتش عبر الاحتفال الذي عقده لمناسبة مرور ستة قرون على معركة كوسوفو الشهيرة التي هزم فيها اجداده في مواجهة الاتراك العثمانيين ليدخل الاسلام بعدها الى هذه المنطقة وينتشر في معظم الاراضي اليوغوسلافية، بما فيها بلغراد، وحملت خطبة ميلوسيفيتش التي ألهبت حماس شعبه رسالة خطيرة الى أوروبا كلها مفادها: "أنا خط الدفاع الاول عن المسيحية ضد الاصولية الاسلامية". ورفع الناس صور ميلوسيفيتش وكانت هذه هي المرة الاولى في تاريخ يوغوسلافيا الاشتراكية التي يجلس فيها كبار رجال الكنيسة جنباً الى جنب مع القادة السياسيين على منصة واحدة.
ولم تكن بعد ذلك مفاجأة ان يفوز ميلوسيفيتش في اول انتخابات حرة في كانون الاول ديسمبر عام 1990 وان يحصل حزبه على ثلاثة ارباع مقاعد البرلمان.
وعلى رغم ذلك فان الامر لم يخل من معارضة - ضد شخصه وليس سياسته - قام بها الطلبة وما كان منه في التاسع من آذار مارس عام 1991 الا ان ارسل القوات الخاصة المزودة بالغازات المسيلة للدموع والعربات المدرعة اليهم، ودعا الجيش للدخول الى بلغراد حيث قتل شخصان واصيب عشرات آخرون.
ولم ينتبه أحد وقتها الى انه قصد بشعاره "محظور ان يعتدي عليكم أحد" الا يفعل أحد ذلك سواه.
رأي علماء النفس
ما هو رأي علماء النفس في شخصية سلوبودان ميلوسيفيتش؟
يقول الدكتور مرادف كولينوفيتش مسلم مدير مستشفى الامراض النفسية في زغرب ل "الوسط": "يمكن القول ان الشعب الصربي بريء، فلا يمكن ان يخرج من صفوفه امثال ميلوسيفيتش من دون ان يكون الشعب في حاجة اليه، فيحقق الزعيم رغبات الشعب ولذلك صوت معظم هذا الشعب لصالح ميلوسيفيتش".
ويتابع الدكتور مرادف قائلاً: "بعد انتحار والديه بحث ميلوسيفيتش عن فكرة بديلة تملأ حياته، تماماً مثل هتلر وموسوليني، وكانت الفكرة جاهزة وهي صربيا الكبرى"، ويصف العالم النفسي ميلوسيفيتش فيقول "انه يتميز بالحب المفرط لنفسه، ويكفي ان تنظر الى حركاته وطريقة مشيه لتتأكد من ذلك، ويتميز ايضاً بطبيعة عدوانية شديدة وبكراهية لكل ما هو غير صربي بتطلعه الشديد الى السلطة والقوة".
اما عن كراهية ميلوسيفيتش للمسلمين بالذات فيعتقد الدكتور مرادف انها تعود الى ما بذره ابوه في نفسه، ويستدل على ذلك بحادثة ذات دلالة. ففي المدرسة التي كان والده يعمل فيها مدرساً كان يشتغل ايضاً مدرس مسلم للتاريخ، ولوحظ انه كلما دخل هذا المسلم الحجرة الخاصة بالاساتذة خرج منها على الفور ميلوسيفيتش الاب ولاحظ الآخرون ذلك، وعندما سألوه اجاب "لا اطيق ان ارى او اسمع تركياً يدرس التاريخ الصربي".
اما عالم النفس الصربي ستيفان بيتروفيتش فيقول ل "الوسط" ان سلوبودان ميلوسيفيتش سيىء المزاج دائماً ومتوتر نفسياً ومتعصب ويحاول اخفاء ذلك بالموقف المتكبر والمتعجرف من الاحداث، ويشتد تكبره اذا ما حاور احد معارضته، ولا ينظر ميلوسيفيتش في عيون الناس وهو يتحدث اليهم ونادراً مايبتسم، وحتى ذلك يكون بصورة اصطناعية".
اما عن خطبه فيقول بيتروفيتشي ان ميلوسيفيتش "يواجه الناس بما ينوي ان يقوله بغض النظر عن الاسئلة التي توجه اليه او الأجواء السائدة في هذا الاجتماع، وهو ما يشير الى فقدان الاحساس بما هو واقعي. وهذا يشبه تماماً خطب المسؤولين الشيوعيين الذين لا يكترثون بمن يستمع اليهم". ويتابع عالم النفس وصفه للزعيم الصربي فيقول "ان شخصيته تتميز بالبرودة العاطفية وحبه الكبير لنفسه وصلته الضعيفة بالواقع وعجزه عن اقامة اتصالات اجتماعية الى الحد الذي تبلغ فيه احياناً حدود العزل التام عن الناس، وهو يفتقد مشاعر الاحساس بالخجل او الندم او تأنيب الضمير".
ويقول محلل سياسي كرواتي عن ميلوسيفيتش "بالنسبة الى ميلوسيفيتش فان صربيا الكبرى معناها ميلوسيفيتش الاكبر وصربيا في مفهومه كلمة مرادفة ليوغوسلافيا لأن الصرب هم الشعب المختار".
ويتفق علماء النفس الذين حللوا شخصية ميلوسيفيتش على ان الانتحارات المتعددة التي شهدتها عائلته تركت لديه أثاراً سلبية تدخلت في تكوين شخصيته وتفكيره، خصوصاً ان اول حادثة انتحار في عائلته قام بها والده وهو في مستهل عامه التاسع.
هذا هو ميلوسيفيتش زعيم صربيا الكبرى الذي يلخص بشخصه وسياسته ومواقفه الحرب العدوانية العنصرية الشرسة على مسلمي البوسنة والهرسك وعلى هذه الجمهورية المستقلة التي يريد ازالتها من الوجود ليقيم على أنقاضها صربيا الكبرى.
ماذا يقولون عن ميلوسيفيتش؟
ماذا يقولون عن الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش؟
- رئيس بلدية بلغراد السابق يوغدان يوغدانوفيتش: "ليس هناك سر في القول ان النمط السيكولوجي لميلوسيفيتش هو نمط تدمير النفس والانتحار، على انه ينقل رغبته الجنونية هذه في الانتحار الى شعبه كله، ولن يختفي ميلوسيفيتش عن المسرح اذا اختفى من الوجود".
ممثل الطلبة المعارضين للزعيم الصربي: "حالما تجلس الى ميلوسيفيتش تفهم ان امامك رجل مجنون. اما عند انصرافك والقيام بمصافحته والامساك بيده اللينة فإنك تدرك: انه ليس مجنوناً فحسب، وانما هو نتن ايضاً".
ميركو كوفاتشي الاديب الصربي المعارض الذي يعيش حالياً في زغرب: "ان ميليوسيفيتش هو عقوبة حقيقية للشعب الصربي بعد ان بلغ المجتمع الصربي ادنى مستوى له، اما نحن الذين فهمنا وعرفنا ان هناك شراً، فلا نحس الآن برضى لصحة وجهة نظرنا، وانما نحس بوجوم. لقد كنا ندرك ان ظاهرة مثل ميلوسيفيتش يمكن ان تخرج من الظلام. ولكننا لم نكن نصدق انه يمكن ان يحصل على هذا العدد الكبير من الاتباع، انه يفهم الحرب كنوع من النظام الاجتماعي للصرب الذين يخسرون في السلام ويكسبون في الحرب على حد قوله".
المعلق السياسي ماتي درينفيتش: "ان ميلوسيفيتش يبدو حتى الآن ناجحاً. صحيح ان امثال ميلوسيفيتش يأتون الى شعوبهم بالحزن والدماء فقط، ولكن على مستوى تحقيق الاهداف السياسية يتم قياس درجة النجاح بالفاعلية، اي بدرجة تحقيق تلك الاهداف، ويبدو ان ميلوسيفيتش ناجح في تحقيق اهداف صربيا الكبرى".
رئيس سلوفينيا ميلان كوتشان: "ميلوسيفيتش لا يقوم ابداً بتقديم تنازلات ما. انه يصر بطريقة مطلقة على ان يقبل الآخرون بحججه. وفي سبيل ذلك لا مانع من استخدام التهديد بكل الوسائل".
ايفيتسا راتشان الرئيس السابق لشيوعيي كرواتيا: "لم يحدث ابداً ان رأيت الكراهية في عينيه الا اذا اعتبرني خطراً عليه. انه رجل مرتبط بإيجاد الحل النهائي للقضية الصربية القومية التي تنادي بكل الصرب في دولة واحدة. انه يرغب ان يخصص لنفسه مكاناً في التاريخ كالرجل الذي حسم تلك القضية، وهو يرى الفرق واضحاً بين الناس الذين يمكنهم ان يساعدوه واولئك الذين يقفون في طريقه".
عالم النفس يوسيب بريكو درافاتس: "يمكن تشبيه تصرفات ميلوسيفيتش بتصرفات ستالين في اعوامه الاخيرة حيث كان يحيط به حراسه الشخصيون فقط. الا ان هناك فرقاً بينهما، فستالين كان يستمتع بالأكل ويقيم الولائم فيما حرم ميولوسيفيتش نفسه من كل انواع المتعة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.