فيصل بن فرحان يلتقي رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    بأعلى من 30 %.. المرأة السعودية تخطت مستهدفات «الرؤية»    بعثة المراقبة الدائمة لروسيا لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفل باليوم الوطني السعودي    ضربات إسرائيلية تستهدف حزب الله مع تبادل القصف    «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح» تؤكد العمل لإنهاء الأزمة في السودان    دعم خليجي للقضية الفلسطينية    رحلة صندوق التنمية السياحي في تمكين مستقبل الاستثمارات في قطاع السياحة    الوحدة يتأهل لدور ال16 في كأس الملك بعد تغلّبه على الفيصلي بركلات الترجيح    نحلم ونحقق.. 990 أمان لكم    34 موقعًا لاحتفالات يوم الوطن 94 في محافظات جنوب الرياض    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان تهاني القادة بمناسبة اليوم الوطني    أمير تبوك: اليوم الوطني مناسبة لاستحضار مسيرة البناء    بدر الفيصل: ذكرى ملحمة التوحيد    اليوم الوطني ملحمة التاريخ    المملكة واليمن شراكة ومواقف ثابتة    شارك في الحدث رفيع المستوى بقمة المستقبل.. الربيعة: 4 تحديات تواجه العمل الإنساني    قائد محور البقع ل«عكاظ»: اليوم الوطني.. احتفاء بمسيرة عريضة من الإنجازات    اليوم الوطني ال 94 تجسيد للفخر والانتماء الوطني    التميمي: توظيف تقنيات الفضاء لمعالجة التغير المناخي    «المونديال» في قلب السعودية    القيادة تهنئ رئيس مالي    في كأس الملك.. النصر لا يخشى الحزم    للمرة الأولى في المملكة .. "الدمام" تستضيف أول بطولة دولية في كرة الطاولة    الحرص على مواصلة تعميق العلاقات البحرينية السعودية التاريخية التي أرسى دعائمها الآباء    استدامة.. تطور وقفزات    «فلكية جدة»: دخول «الاعتدال الخريفي 2024».. فلكياً    فيصل بن بندر يرعى احتفاء «تعليم الرياض» باليوم الوطني ال94    مناهج عصرية في التعليم.. الهدف بناء الإنسان    الشعر والعرضة والأهازيج الشعبية تزين احتفالات «مكس اف ام» بيوم الوطن    موهوبو المملكة يهدون الوطن 107 جوائز عالمية.. و582 ألفاً يتنافسون داخلياً    العرضة.. فنٌّ تراثيٌّ فريدٌ    بخطى متسارعة.. «غير النفطي السعودي» يتجاوز %4.4    الداخلية تطلق فعالية "عز الوطن 3" احتفاءً باليوم الوطني ال (94)    اليوم الوطني السعودي94..أمجاد تتجدد    مستهدفات عالمية .. وإنجازات حضارية    الأول من الميزان    بقيادة الملك سلمان وسمو ولي العهد.. السعودية.. أيقونة الازدهار والابتكار    كأس الملك .. القادسية يتغلّب على العروبة برباعية    شمس الوطن لا تغيب    أروح لمين ينصفني منك؟    يمثل أحد أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري الكبير.. الحراك الثقافي في المملكة.. تحولات جذرية وانطلاقة عالمية    مسجلة في قائمة التراث العالمي في اليونسكو.. عجائب تراثية سعودية تبهر العالم    نحلم ونحقق.. اليوم الوطني السعودي 94    تأملات في الزمن والمسافة    الربيعة يتحدث عن التحديات والأزمات غير المسبوقة التي تعترض العمل الإنساني    اليوم.. أول أيام فصل الخريف فلكيا    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر فصولاً من كتاب أميركي جديد يكشف أسراراً مهمة عن الشرق الأوسط . أميركا زودت العراق بمعلومات استخبارية وشاركت في تخطيط هجماته ضد ايران الأخيرة
نشر في الحياة يوم 24 - 05 - 1993

تكشف هذه الحلقة العاشرة والاخيرة من كتاب المسؤول الاميركي السابق هاوارد تايشر أسراراً مهمة عن الدعم الاميركي للعراق والاتصالات السرية الاميركية - الايرانية والاجواء التي كان يعيش فيها الرئيس صدام حسين حين قرر غزو الكويت.
وهاوارد تايشر مسؤول اميركي سابق عمل في وزارة الخارجية الاميركية ومجلس الامن القومي الأميركي في عهدي الرئيسين جيمي كارتر ورونالد ريغان وساهم في التخطيط للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. وكان اول منصب تسلمه تايشر هو محلل لشؤون الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية في تموز يوليو 1977 في عهد كارتر، ثم تسلم بعد ذلك مناصب ومسؤوليات عدة ابرزها منصب مدير شؤون الشرق الادنى وجنوب آسيا ثم مدير الشؤون السياسية والعسكرية في مجلس الامن القومي في الفترة بين 1982 و1987. وقام تايشر بمهمات سرية وعلنية عدة في الشرق الاوسط، سواء في ايران او لبنان او مصر او سورية او اسرائيل او دول اخرى. ويرئس تايشر منذ 1989 شركة كومبيوتر، كما انه يعمل كمستشار لعدد من الشركات والدول في العالم. وقد ألف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "الركيزتان الاساسيتان لعاصفة الصحراء" بالتعاون مع زوجته غايلي وهي خبيرة في القضايا الدولية ومكافحة الارهاب. وقد حصلت "الوسط" على حق نشر أبرز فصول هذا الكتاب وهو عبارة عن مذكرات تايشر، قبل اسابيع من صدوره في الولايات المتحدة. وما يهمنا من نشر الكتاب هو كشف المعلومات الواردة فيه من دون ان يعني ذلك تأييد مضمونه.
وفي ما يأتي الحلقة العاشرة والاخيرة من هذا الكتاب:
في أواسط ايلول سبتمبر 1985 وقعت عيناي على خبر عادي في خدمة الرصد الاذاعية يقول ان طائرة في طريقها من اسبانيا الى ايران اضطرت للهبوط في اسرائيل. اثار هذا الخبر اهتمامي فبحثته مع الكولونيل اوليفر نورث وسألته عما اذا كانت الولايات المتحدة دخلت عملية مبادلة الرهائن بالأسلحة مع ايران، فقال لي انه اطلع على هذا الخبر وأمثاله ولكنه لا يستطيع ان يشرح لي اي شيء. ونظراً الى عدم اقتناعي باجابته اثرت المسألة مع ماكفرلين الذي نفى ايضاً وجود اي شيء من هذا القبيل.
وفي أواخر شباط فبراير 1986 اتصل بي توم تويتن مدير عمليات الشرق الاوسط في وكالة المخابرات المركزية الاميركية ليطلب مني الحضور الى مكتبه. وحين ذهبت وجدت بيتر رودمان وأوليفر نورث. وبدأ نورث يشرح الخطوط العامة لعملية سرية تجري منذ ستة اشهر وهي تنطوي على بيع الاسلحة الى ايران، واحتمال فتح حوار استراتيجي مع كبار المسؤولين في طهران، وبذل المساعي لاطلاق سراح الرهائن الاميركيين في لبنان. وشرح نورث كيف استطاع وسيط ايراني يعمل نيابة عن الحكومة الاسرائيلية الاتصال بهاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان الايراني آنذاك خلال فترة اختطاف طائرة تي. دبليو. ايه. من اجل المساعدة في انهاء المسألة، لا سيما اطلاق سراح اربعة رهائن يهود كان حزب الله احتجزهم كضمانة. ثم وصف نورث بشكل عام كيف بيعت مئات عدة من صواريخ "تو" المضادة للدبابات لايران لتسهيل المزيد من اطلاق سراح الرهائن. وقال ان ايران استخدمت نفوذها لضمان اطلاق الرهينة بنجامين واير في اواسط ايلول سبتمبر 1985. وقال فورتير ان اهم هدف من العملية كلها هو اقامة حوار استراتيجي مع العناصر الواقعية في الحكومة الايرانية يمكن ان يؤدي الى تحسين العلاقات الاميركية - الايرانية، وبالتالي حماية المصالح الاميركية الاقليمية من اي عدوان سوفياتي او تهديدات راديكالية محلية.
وعلمنا فيما بعد ان نورث كان بدأ حواراً مبدئياً مع مسؤولين ايرانيين. وكانت خطة الحوار تقضي باتخاذ اميركا وايران خطوات مستقلة ولكنها متوازية من اجل استهلال عملية تؤدي الى بناء الثقة المتبادلة بينهما. وفي هذا الاطار قرر الرئيس ريغان ارسال روبرت ماكفرلين الذي كان آنذاك رجل اعمال له مصالحه الخاصة كمبعوث له الى طهران للاجتماع الى بعض كبار المسؤولين الايرانيين. وقال نورث ان ماكفرلين سيصل مع فريقه الى طهران في الوقت الذي يستخدم فيه الايرانيون نفوذهم لدى حزب الله لضمان اطلاق سراح الرهائن الاميركيين في لبنان. وقال لي انني سأكون بين "المتطوعين" لمرافقة ماكفرلين الى طهران مع نورث نفسه وآخرين.
وفي آذار مارس اطلعت زوجتي على الخطوط العامة للمبادرة الايرانية ودوري فيها فغضبت، ولكنني طمأنتها وقلت لها ان نورث طمأنني بأن كل شيء سيكون على ما يرام حتى ولو احتجزنا الايرانيون. والواقع انني علمت فيما بعد ان الخطة الاحتياطية الوحيدة التي وضعت لنا في حالة احتجزنا كانت بحوزة نورث الذي احضر معه حبوباً مميتة ربما يقرر بعضنا ابتلاعها لتفادي الوقوع رهائن لدى الايرانيين.
محادثات طهران
أقلعت طائرتنا في الواحدة والنصف صباحاً ووصلنا الى مطار عسكري قرب مطار بن غوريون في الخامسة والنصف صباحاً. وبعد ذلك توجهنا الى فندق كارلتون استعداداً للسفر فيما بعد الى طهران. وباستثناء خلاف بسيط بيننا بسبب عدم حصول طائرتنا على إذن للهبوط في طهران من مركز المراقبة الجوي في بندر عباس لم يكن في الرحلة من اسرائيل الى ايران ما يثير الاهتمام. وفي الساعة السابعة والثلث من صباح الخامس والعشرين من ايار مايو 1986 وصلنا الى مطار مهراباد في طهران. وقبل الهبوط استلم نورث صندوق الكعكة وفتحه ووضع مفتاحاً نحاسياً في وسط الكعكة.
دهشنا حين وجدنا ان احداً لم يكن في استقبالنا، فجلسنا لنصف ساعة في الطائرة الى ان وصل احد موظفي مكتب رئيس الوزراء ورافقنا الى قاعة كبار الضيوف في المطار.
انتظرنا لمدة ثلاثة ارباع الساعة هناك قبل ان يصل اي شخص آخر، وفجأة وصل شخص قدمه لنا نورث على انه مانوشير غوربانيفار الوسيط الايراني بين طهران والاميركيين الذي اعتذر عن التأخير وعدم وجود استقبال رسمي. وبعد ساعة من الزمن وصل نائب لرئيس الوزراء اسمه كانغرلو فقدم له نورث الكعكة وقال: "هذا الصندوق فيه مفتاح العلاقات الاميركية - الايرانية في المستقبل". وانفجر كانغرلو ضاحكاً عندما فتح الصندوق ورأى المفتاح، ثم تقدم من نورث وعانقه وقبله على وجنتيه اربع مرات. اما الصناديق التي كانت تحتوي على قطع غيار هوك فقد ظلت على متن الطائرة بينما توجهنا نحن في رتل من سيارات المرسيدس عبر المدينة الى فندق الاستقلال فوصلناه حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً. وقال لنا غوربانيفار ان نائب رئيس الوزراء سيجتمع بنا في الساعة الخامسة مساء.
بعد تناول طعام الغداء استرحنا في غرفنا حتى الرابعة والربع استعداداً لاجتماع الساعة الخامسة.
وبمجرد بدء الاجتماع شرعت في تسجيل الملاحظات لضمان وجود سجل شامل لكل ما يقال فيه من اجل دراسته عند عودتنا الى واشنطن. والواقع ان ما سجلته من وقائع اصبح فيما بعد مصدراً للمعلومات بالنسبة الى جميع لجان التحقيق في قضية ايران غيت كما ان تلك الوقائع نشرت بكاملها فيما بعد.
بدأ ماكفرلين بالتركيز على رغبة واشنطن في ايجاد وسيلة لاستئناف العلاقات الطبيعية مع ايران، وكان الايرانيون في منتهى الصراحة بالنسبة الى ما يريدونه من الولايات المتحدة لا سيما الاسلحة، كما تساءلوا لماذا لم نحضر معنا سوى جزء من قطع غيار هوك اللازمة، بعد ان افرغوا الصناديق. ولم يحصل اي تقدم في مسألة الرهائن او مسألة الاسلحة لأنه سرعان ما اتضح للجانبين او غوربانيفار كان ضلل واشنطن وطهران حول توقعات كل منهما.
وخارج غرفة ماكفرلين توجه كانغرلو الى غوربانيفار وواجهه غاضباً وأبلغه ان الطرفين يدركان اللعبة التي يلعبها. وأخذ العرق يتصبب من وجه غوربانيفار وهو يحاول التبرير. لكن كانغرلو كان رجلاً صعباً. فقد ارتقى الى الصدارة اثناء الثورة عندما ألقى بنفسه القبض على الكثيرين من عملاء مخابرات السافاك وربطهم الى قارب ونسفه بهم. والواقع ان الايرانيين فوجئوا بمدى خداع غوربانيفار. وسرعان ما اتضح لنا اننا اذا لم نلتزم الصبر والبقاء في طهران لأيام ان لم يكن لأسابيع لكي نقايض مع الايرانيين على طريقتهم فإنه ليس هناك اي امل اطلاقاً في اطلاق سراح الرهائن او الاجتماع الى رفسنجاني او موسوي او خامنئي.
كان معنا اميرام نير وهو مسؤول اسرائيلي رافقنا الى طهران باسم مستعار هو آدم ميلر. ففي اليوم الثاني من المحادثات حيا نير نائب رئيس الوزراء كانغرلو على الطريقة الفارسية التقليدية مع أن نير كان أكمل مدة خدمته الاحتياطية في الجيش الاسرائيلي في صحراء النقب قبل ان يتوجه الى طهران. وكان وجه نير مليئاً بالبقع الناجمة عن حرارة شمس الصحراء. وبعد ان حياه جاء كانغرلو ليسألني مع نورث كيف حدثت تلك البقع الجلدية الكريهة لنير. وعلى الفور قال نورث: انه كان مصاباً بمرض الهيريبز! ونظراً الى ان كانغرلو لم يكن يعرف حتى كلمة هيربيز، فقد تركنا وذهب الى احد اعضاء الوفد جورج كيف وطلب اليه ان يترجم ما قاله نورث. وعندما شرح له طبيعة المرض رأينا وجه كانغرلو يمتقع، لوناً بعد لون، الى درجة انه امضى اليومين التاليين وهو يمسح فمه ووجنتيه للتخلص من آثار تلك التحية التقليدية التي عانقه فيها مير وقبل وجنتيه.
وعلى رغم اننا واصلنا الاجتماع الى الايرانيين لأيام وليالٍ عدة فقد ظل الرهائن الاميركيون في الأسر. وسرعان ما تطور جو من عدم الثقة في المحادثات. وفجأة قرر ماكفرلين انه من دون وعد من الايرانيين للاجتماع الى رفسنجاني وموسوي وخامنئي فانه لا جدوى من البقاء، ولهذا ابلغ الايرانيين اننا قررنا الرحيل.
وشعرنا بخيبة أمل شديدة، فغادرنا الفندق في صباح الثامن والعشرين من ايار مايو 1986 في الساعة الثامنة صباحاً ووصلنا الى المطار بعد حوالي اربعين دقيقة، وبعد ربع ساعة اقلعت الطائرة بنا عائدة الى تل أبيب حيث كانت في انتظارنا طائرة اخرى لنعود على متنها الى واشنطن.
كانت محطة توقفنا الاولى هي جنيف حيث تزودت الطائرة بالوقود واستبدلت الطاقم. وبعد وصولنا الى جنيف بفترة قصيرة وصل وفد من الكونغرس برئاسة السيناتور آل غور لمتابعة المفاوضات الاميركية - السوفياتية لنزع السلاح. ومع ان ماكفرلين وغور تبادلا التحية فإن غور ورفاقه لم يتساءلوا اطلاقاً عن سبب وجودنا في جنيف.
غادرت طائرتنا مطار جنيف مع مغيب الشمس متجهة الى ريكيافيك عاصمة أيسلندة. ومن هناك اقلعت باتجاه مطار ناء في كوبيك للتزود بالوقود للمرة الاخيرة قبل ان نصل الى مطار دالس في واشنطن حوالي الخامسة من صباح التاسع والعشرين من ايار مايو.
في التاسعة والنصف صباحاً رافقت ماكفرلين ونورث لاطلاع الرئيس ريغان في البيت الابيض على نتائج الرحلة. وقد اشترك في ذلك الاجتماع، اضافة الى ريغان، كل من نائبه بوش ومستشاره لشؤون الامن القومي بويندكستر وماكدانيال من موظفي مجلس الامن القومي. ولخص ماكفرلين الزيارة وأعرب عن رأيه بأن الايرانيين يمكن ان يواصلوا دعم عمليات اختطاف الرهائن كوسيلة لتأمين الحصول على الاسلحة وقطع الغيار من الولايات المتحدة. وأنصت ريغان وبوش باهتمام شديد، لكنهما لم يقولا شيئاً. وفي الساعة العاشرة صباحاً اجتمعنا ثانية في مكتب بويندكستر فأبلغنا ان الادارة لن تقوم بأي مبادرة اخرى، وان الأمر يعود الآن الى الايرانيين لكي يتصلوا بالولايات المتحدة.
في أواخر تموز يوليو 1986 طلب مني نورث ان انضم اليه في اطلاع نائب الرئيس بوش على ما وصلت اليه المبادرة الايرانية اذا ما اثيرت المسألة خلال زيارته المقبلة الى اسرائيل. وشرحت التطورات السياسية الاخيرة في كل من اسرائيل وايران وركزت على وجوب عدم بحث هذا الموضوع إلا مع بيريز او نير. وانتهى الاجتماع بعد ان شرح نورث ايضاً مسألة شحنات الاسلحة واحتمالات اطلاق المزيد من الرهائن، كما عرض بوش المساعدة بأية وسيلة ممكنة.
وهكذا انتهت علاقتي بمبادرة الرئيس ريغان الايرانية. ولم يكن لي اي دور او ضلع بأي شكل بعد ذلك اطلاقاً، الى ان تم كشف تفاصيل القصة ورحلتنا السرية الى طهران في ايار مايو. لكن الامر الذي لم يخطر على بالي طبعاً هو ان تصبح المبادرة الايرانية ومحاولة اطلاق سراح الرهائن الاميركيين مدار تحقيق جنائي في تحويل العائدات من الايرانيين الى الكونترا في نيكاراغوا.
الدعم الأميركي للعراق
في العام الذي شهد هذا التحرك الاميركي السري نحو طهران، قررت الولايات المتحدة زيادة دعمها للعراق في حربه مع ايران.
وفي اواسط ايلول سبتمبر 1986 طلبت الكويت من الولايات المتحدة تسجيل ناقلاتها النفطية على اساس انها سفن تحمل العلم الاميركي، على امل ان تردع هذه الخطوة القوات الايرانية عن مهاجمتها من جهة، وزيادة الضغط على واشنطن من جهة ثانية لكي تساعد على انهاء الحرب. كذلك طلبت الكويت من الاتحاد السوفياتي ان يسمح لها بفعل الشيء نفسه، لكي تضغط على واشنطن من أجل قبول الطلب الكويتي ولكي تقدم على اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية خطوط امدادات النفط.
ووافقت الولايات المتحدة على طلب الكويت متجاهلة بذلك علاقات الكويت السابقة مع الاتحاد السوفياتي بل وعداء الكويت السابق للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط.
بدأت عملية رفع الناقلات الكويتية العلم الاميركي في تموز يوليو 1987. إلا ان زرع الألغام الايرانية استمر، وأخذت هذه الألغام تهدد الملاحة الدولية. وفي ايار مايو اصاب صاروخ اكسوسيت عراقي الفرقاطة الاميركية ستارك مما ادى الى مقتل 37 بحاراً اميركياً. وعلى الفور استجابت الولايات المتحدة بإرسال ضباط عسكريين الى بغداد لاقامة علاقة من الاتصال مع القوات العراقية وضمان عدم ضرب العراق السفن الاميركية مرة اخرى.
وسواء كان العمل العراقي مقصوداً او عن طريق خطأ، فإن نتيجة الهجوم على ستارك كانت تقريب واشنطن اكثر من بغداد. واستناداً الى الارشادات التي كان وضعها ونسقها بوب اولكي الذي كان مسؤولاً عن شؤون الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي، سرعان ما تطورت العلاقات والاتصالات العسكرية العراقية - الاميركية، وأخذت الولايات المتحدة تزود العراق بالمعلومات الاستخبارية الحساسة والمهمة بالمعلومات الاستخبارية الحساسة والمهمة اضافة الى تقديم المساعدات في التخطيط للهجمات الجوية البعيدة المدى على ايران.
وأرسل وزير الدفاع الاميركي واينبرغر قوات خاصة مسلحة بعدد كبير من انظمة الاسلحة التي مكنتها من تعطيل عمليات زرع الالغام الايرانية. وقد فعل ذلك من دون ابلاغ الكونغرس. كما صدرت الاوامر الى القوات الاميركية لكي تكون في حالة تأهب قتالية اعلى في وجه الخطر الايراني واحتمال اعتراض الملاحة الدولية، ومهاجمة اي عرض او مظهر من النوايا العدوانية بدلاً من الانتظار حتى تتعرض للهجوم.
لكن الضغط الدولي الذي كان العراق يأمل في إحداثه، لا سيما بعد ان اصبحت الولايات المتحدة تقف الى جانبه، لم يفلح في إقناع ايران بالموافقة على وقف اطلاق النار تبعاً لما نص عليه قرار مجلس الامن الدولي. وهكذا صعّد صدام الحرب في آذار مارس 1988 وبدأ بشن هجمات بصواريخ سكود على المدن الايرانية الكبرى.
لكن ايران اشترت صواريخ سكود من ليبيا وانتقمت من العراق بشن هجمات صاروخية على المدن العراقية مما نقل الحرب الى مرحلة جديدة اصبحت تعرف باسم "حرب المدن".
وتسلقت الولايات المتحدة سلم التصعيد مرة اخرى عقب الانفجار الذي وقع في نيسان ابريل 1988 عندما اصاب لغم ايراني السفينة الاميركية صموئيل روبرتس. اذ ان الادميرال أيس ليونز طور خطة لاعادة "الايرانيين الى القرن الرابع" عندما ردت القوات الاميركية بعد اربعة ايام فأغرقت ست سفن حربية ايرانية ودمرت رصيفين للنفط. وفي الوقت نفسه شن الجيش العراقي هجوماً مفاجئاً لاستعادة شبه جزيرة الفاو من الايرانيين. وباستخدام المعلومات الاستخبارية الاميركية، وإدراكاً من العراقيين ان الهجمات الاميركية على الاهداف الايرانية ستبدأ في الثامن عشر من نيسان ابريل 1988، شن العراقيون هجومهم البري الناجح الوحيد قبل فترة قصيرة من تدمير الولايات المتحدة الاسطول الايراني.
وأثناء المعركة التي وقعت بين الحرس الثوري الايراني والاميركيين في اواسط عام 1988 اسقطت البارجة الاميركية فنسنت خطأ طائرة ركاب ايرانية مما ادى الى مقتل مئتين وتسعين من المدنيين الابرياء الذين كانوا على متنها. واعتبرت ايران هذا العمل دليلاً على تدخل الولايات المتحدة في الحرب الى جانب العراق. لكن طهران اعلنت بعد اسبوعين قبولها قرار مجلس الامن الدولي الرقم 598 مما أدى في الواقع الى انهاء الحرب العراقية - الايرانية في شهر آب اغسطس.
في اوائل عام 1988 تعاظم النفوذ الاميركي وزادادت حرية الحركة الاميركية الى درجة كبيرة عندما أعلنت موسكو عزمها على سحب القوات السوفياتية من افغانستان. اذ ان مزيجاً من الضغوط، لا سيما نجاح اميركا في دعم المجاهدين الافغان اضافة الى سياسة الانفتاح الجديدة التي اخذ ينتهجها الرئيس ميخائيل غورباتشوف، ساهمت في إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتي في افغانستان.
وعلى الفور ارسلت موسكو نائب وزير الخارجية الى طهران لكي يضمن تأييد ايران للسياسة السوفياتية الجدية في الشرق الاوسط ومواجهة انحياز واشنطن الى جانب العراق. ونظراً الى قرب موعد احتمال الانسحاب السوفياتي من افغانستان فقد كان رفسنجاني مستعداً للتعامل مع موسكو، وعرض التعاون معها علانية ضد اميركا في افغانستان.
ومع ان امكانات تحسن العلاقة الايرانية - السوفياتية كانت تبدو نوعاً من الحماقة لاناس مثل واينبرغر عام 1985 فإن هذه الامكانات لم تعد مجالاً للشك في ربيع عام 1988. وأدى تسارع التحسن في العلاقات السوفياتية - الايرانية الكبير عقب وفاة الخميني في حزيران يونيو 1989 الى زيارة رفسنجاني الاتحاد السوفياتي للاجتماع الى الرئيس غورباتشوف بعد ذلك بأقل من ثلاثة اسابيع. وأصدر الجانبان اعلاناً مشتركاً للمبادئ اكد استعداد موسكو للتعاون مع ايران في تعزيز قدراتها الدفاعية. وبعد ذلك مباشرة بدأ الاتحاد السوفياتي ببيع انظمة الاسلحة الحديثة الى ايران بما في ذلك الطائرات المتقدمة.
وهكذا وعلى رغم دور الاتحاد السوفياتي بصفته المورد الرئسي للسلاح الى العراق، فإنه استطاع ان يرسي لنفسه موطئ قدم في غاية الاهمية في ايران ايضاً، بينما بدأ بسحب قواته من افغانستان في الوقت نفسه.
كيف أخطأ صدام في حساباته؟
لم يكد المداد يجف عن اعلان ايران قبول وقف اطلاق النار حتى قصف صدام حسين القرى الكردية بالأسلحة الكيماوية مما ادى الى مقتل اعداد كبيرة من الرجال والنساء والاطفال. وبعدئذ جلس ليرقب كيف نجحت ادارة ريغان في إحباط مساعي الكونغرس لفرض عقوبات تجارية ومالية وتكنولوجية على العراق. ولم تتخذ الادارة اية خطوات لكبح جماح بغداد بل استمر تطور العلاقات السياسية والتجارية والعسكرية من دون اي عائق.
وفي العام 1988 تجاوز حجم التجارة بين العراق والولايات المتحدة حدود 2500 مليون دولار عندما استوردت الولايات المتحدة من العراق نصف مليون برميل من النفط يومياً وأخذت تصدر اليه الحبوب والقطن والصوف والسكر والتبغ والمواد الكيماوية والمعدات الصناعية، وأجهزة الكومبيوتر والطائرات والمنتجات التكنولوجية المتقدمة التي يمكن استخدامها في الاغراض العسكرية اضافة الى الاغراض المدنية، فقد كانت النظرة العامة هي ان اعادة إعمار العراق بعد ثماني سنوات ونصف سنة من الحرب المدمرة مع العراق تمثل فرصاً اضافية ممتازة للمصالح التجارية الاميركية.
في الخطاب الذي ألقاه الرئيس جورج بوش عند تنصيبه في كانون الثاني يناير 1989 مد غصن الزيتون الى ايران، على امل تطوير علاقة عادية بين الدولتين. لكن خشية واشنطن من احتمال تجدد الحرب والقتال الاقليمي مع رفض ايران تلك البادرة دفعا ادارة بوش الى زيادة الدعم الاميركي للعراق الى درجة كبيرة، على امل ان يؤدي ذلك، بشكل او بآخر، الى بدء اعتدال صدام حسين وبالتالي تغيره الى الافضل.
ونظراً الى غضب صدام من تعاظم العلاقة بين موسكو وطهران فقد ألمح علانية لإدارة بوش الى استعداده لحماية المصالح الاميركية الحيوية في المنطقة.
وبدأ صدام حسين يمارس ضغوطاً مختلفة على الكويت. ولما كان صدام واثقاً من قوة علاقاته مع الولايات المتحدة، ونظراً الى انه كان يرجح عدم تقديم الاتحاد السوفياتي المساعدة الى الكويت هذه المرة، فقد اعاد تأكيد "حق العراق التاريخي" في الكويت. وبدأ يمارس الضغط على الكويت لكي تؤجر العراق جزيرتي وربه وبوبيان، ويذكّرها بأن من الافضل لها ان تعتبر بدورس الحرب العراقية - الايرانية، مشيراً الى ان نزاعات الحدود التي ظلت من دون حل تمثل شوكة في جنوب العراق.
كان هذا المطلب العراقي مطابقاً تقريباً لاقتراح معاهدة عام 1973 التي كانت ستنقل في الواقع السيادة على الجزر الى العراق. ولا شك بأن أمير الكويت والآخرين تذكروا ان العراق استخدم القوة ضد الكويت في السابق عندما رفضت مطالب العراق. إلا ان الكويتيين وغيرهم لم يدركوا مدى اهمية تهديدات صدام إلا بعد ثمانية عشر شهراً عندما احتلت القوات العراقية الكويت.
كانت ادارة بوش تبنت في تشرين الاول اكتوبر 1989 دراسة استراتيجية دعت الى دعم العراق وتقويته لضمان بقائه قوة اقليمية تساعد على الاستقرار وردع العدوان السوفياتي والايراني.
ورأى صدام حسين ان الولايات المتحدة منهمكة بانهيار الاتحاد السوفياتي والتغييرات السياسية التي اخذت تكتسح اوروبا الشرقية، كما انه شعر بالثقة لأن موسكو لم يعد لديها القوة او الارادة لاستخدام القوة خارج نطاق حدودها التي تصدعت، فازداد جرأة وشجاعة لاعتقاده انه يستطيع التصرف في المنطقة من دون اي عقاب.
في هذه الاثناء كانت الادارة الاميركية وخبراؤها يعتقدون ان قوة العلاقات مع العراق لن تدفعه الى ان يكرر مع الكويت ما فعله ضد ايران. وببساطة رفضوا ان يفهموا صدام على حقيقته. ومثلما رفض اولئك الخبراء تصديق التقارير التي تحدثت عن تطوير العراق قدرات نووية خلال السبعينات فانهم رفضوا ان يصدقوا تهديدات صدام في ربيع عام 1990.
لم يكن هناك من الاسباب لدى صدام ما يدعوه الى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة او اية دولة غربية اخرى ستقاوم بالقوة غزوه الكويت عام 1990. بل على العكس من ذلك، كان في سلوك الغرب ما أعطاه الانطباع بعدم الاكتراث وما غذى اطماعه. وهكذا قام بغزو الكويت وأصر على رفض الانسحاب منها. وبقية القصة معروفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.