مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل "ايران - غيت" يتكلم للمرة الاولى ويفتح ملفاته لپ"الوسط" . مكفرلين يكشف : قصة رحلتي السرية الى طهران وتفاصيل الحوار مع مستشار رفسنجاني 9
نشر في الحياة يوم 17 - 08 - 1992

- مبعوث ريغان : لا نريد تغيير الثورة الايرانية لكننا قلقون من الارهاب
- المبعوث الايراني : مستعدون للتقارب مع واشنطن خطوة خطوة
روبرت مكفرلين هو الرجل الذي اوفده الرئيس ريغان في ايار مايو 1986 الى طهران سراً لاجراء محادثات رسمية مع المسؤولين الايرانيين بهدف فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. وقد عرفت هذه الزيارة وما تبعها بقضية او فضيحة "ايران - غيت".
وللمرة الاولى منذ 1989 يكشف مكفرلين حقيقة ما جرى في طهران ومضمون المحادثات التي تمت بينه وبين المسؤولين الايرانيين وعلى رأسهم كبير مستشاري رئيس البرلمان الايراني آنذاك حجة الاسلام علي اكبر هاشمي رفسنجاني. هذا هو مضمون الحلقة التاسعة من ذكريات مكفرلين التي خص بها "الوسط". وسيتابع مكفرلين في حلقات اخرى كشف خفايا مهمته في ايران.
وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "ايران - غيت"، على ان يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الاولى منذ انكشاف امر الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية وزيارته السرية الى طهران عام 1986. واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على ان يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الادارة الاميركية او بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر اية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في اية مطبوعة اخرى في العالم، عربية كانت او اجنبية، غير "الوسط"، لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته هذه لاحقاً بعد صدورها في مجلتنا.
ولا بد من القول ان مكفرلين لم يكن، فقط بطل قضية "ايران - غيت" بل كان اكثر من ذلك، فقد لعب دوراً، الى جانب الدكتور هنري كيسنجر، خلال حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، وتجول في الشرق الاوسط كمبعوث خاص للرئيس ريغان، وقام بمهمات "خاصة وسرية" في عدد من دول المنطقة، وتولى معالجة الكثير من الملفات الحساسة والخطرة، كالملف اللبناني وملف الارهاب في الشرق الاوسط والملف الليبي، وقابل مجموعة كبيرة من الزعماء والمسؤولين في المنطقة العربية واسرائيل، وشارك في صياغة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط فترة من الزمان.
وفي تموز يوليو 1983 اختاره ريغان ليكون ممثله الشخصي في الشرق الاوسط ثم اصبح في تشرين الأول اكتوبر 1983 مستشار ريغان لشؤون الامن القومي، وبقي في منصبه هذا حتى كانون الثاني يناير 1986. وبعد ذلك تولى منصب المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ثم انشأ وترأس عام 1989 "مؤسسة مكفرلين"، وهو لا يزال على رأسها حتى اليوم. ومهمة هذه المؤسسة تقديم استشارات الى مسؤولين ورجال اعمال من دول عدة. وفي ما يأتي الحلقة التاسعة من ذكريات مكفرلين:
كانت رحلة مكفرلين الى طهران سرية للغاية، الى حد ان وليام كايسي مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية طلب من اعضاء الوفد الاميركي عدم ابلاغ زوجاتهم بانهم سيتوجهون الى ايران. وقد ضم الوفد المرافق لمكفرلين اوليفر نورث وجورج كاف وهو ضابط في المخابرات الاميركية عمل في ايران خلال عهد الشاه وهواري تايشر عضو مجلس الأمن القومي واميرام نير وهو مسؤول عن مكافحة الارهاب في الحكومة الاسرائيلية وقد رافق الوفد وهو يحمل جواز سفر اميركياً باسم ميلر. وصل الوفد الى طهران يوم الاحد 25 ايار مايو 1986 ونترك مكفرلين يروي ما جرى خلال هذه الزيارة السرية.
عند الشفق تزداد كثافة الضوء في طهران. وبعد ان وقفت هنيهة من الزمن على الشرفة خارج غرفتي ورأيت كيف يمتد ضباب المساء الرطب الحار نحو سلسلة جبال إبريز تخيلت ان المشهد امامي من مسرحية مكبث. وارتسمت على شفتيّ ابتسامة ثم اختفت. وتحت سفوح الجبال والأفق كنت ترى رافعات البناء التي يعلوها الصدأ، وقد برزت فوق الواحة النائمة التي هي مدينة طهران في شهر ايار مايو، 1986. وبين الحين والآخر كان صقر يترك احدى الرافعات ليحوم في الجو. وكنت ترى هنا وهناك بعض السيارات القديمة المبعثرة على جانبي الشارع الرئيسي الذي بناه الشاه، ودخان العادم المنبعث من بعض السيارات التي كانت تنطلق بسرعة رهيبة، تتغاير كلياً مع التراخي الذي تعيشه المدينة.
وعد غوربانيفار
كان في ذلك الصيف المتقد الحرارة ما يعبر عن مزاجي. اذ وصلت الى طهران ممثلاً لأقوى زعيم على وجه الأرض بعد ان كلفت باجراء محادثات مع الايرانيين على امل ان تؤدي الى استئناف العلاقات الطبيعية بين الولايات المتحدة وإيران مع مرور الزمن. الا انه اتضح لي بعد ثمان وأربعين ساعة ان هذا لن يحدث. ليس الآن على الاقل. وبدا لي من الناحية الظاهرية ان الوسيط الايراني مانوشير غوربانيفار خانني بتصرف غادر آخر. وتذكرت انني كنت اوصيت الرئيس ريغان قبل ان اغادر البيت الابيض في كانون الأول ديسمبر عام 1985 انه ينبغي علينا الا نرسل او نشجع احداً على ارسال اية اسلحة اخرى الى ايران.
كذلك أوصيت بقطع كل صلة لنا مع غوربانيفار. الا انني قلت ايضا انني سأكون مسروراً لتقديم المساعدة اذا ما اعرب الايرانيون عن اي اهتمام في فتح حوار سياسي بحت. وبناء على الاتصالات المتبادلة بين الممثلين الايرانيين والاميركيين خلال الاشهر الستة التي مضت على مغادرتي الحكومة، نشأ لدي اعتقاد بأن الايرانيين وافقوا في نهاية الامر على اطلاق سراح رهائننا في لبنان وفتح صفحة جديدة في العلاقات الاميركية - الايرانية. وبناء على هذا الاساس استدعاني خلفي الاميرال جون بويندكستر مستشار ريغان لشؤون الامن القومي في اواخر شهر نيسان ابريل 1986 ليسألني اذا كنت اريد الذهاب الى ايران. فقد قيل له انه سيتم اطلاق سراح الرهائن عقب وصول آخر شحنة من الاسلحة، وإننا سنبحث لدى وصولي طهران نقاط الخلاف السياسي بيننا. وقد كانت تلك مهمتي في هذه الرحلة.
وكعلامة اخرى على "حسن النية" الايرانية تم الاتفاق على انني سأجتمع الى واحد او اكثر من صناع القرارات في ايران، وهم: الرئيس علي خامنئي ورئيس الوزراء مير حسين موسوي او رئيس المجلس البرلمان حجة الاسلام هاشمي رفسنجاني. وقد وعدنا الوسيط الايراني غوربانيفار بذلك. وكنا، من جانبنا، نصر على الاجتماع بأحد هؤلاء الثلاثة على الاقل، من منطلق انهم يضعون القرارات باشراف آية الله الخميني بالطبع. فاذا لم يكن صانعو القرارات راغبين، لأي سبب كان، في الاجتماع اليك فان هذا يوضح لك بجلاء انهم غير آمنين في مناصبهم او انهم غير جادين في ما يقولون. وأياً كان السبب فان من غير المجدي المواصلة، فبعد ثمان وأربعين ساعة لم يظهر اي واحد من الثلاثة. والأسوأ من ذلك ان الاشخاص الذين كلفوا الحديث باسمهم اوضحوا انهم غير ملزمين إطلاقاً بالافراج عن الرهائن او بعقد اجتماعات على مستوى عالٍ. وهكذا بدا من الناحية الظاهرية اننا "خدعنا". او على الاقل كان هذا هو شعوري حين انحنيت على درابزين الشرفة ونظرت الى الشفق.
لقد اقنع غوربانيفار اوليفر نورث بوجود الالتزامين: الاجتماع بمسؤولين ايرانيين وعلى اعلى المستويات وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في لبنان. ولو كنت اعرف الحقيقة انذاك لما اثر ذلك في قراري رفض التفاوض على اطلاق سراح الرهائن في مجموعات من واحد او اثنين، مقابل الحصول على المزيد من الاسلحة. الا ان هذا كان سيؤثر في التقرير الذي رفعته لدى عودتي الى الرئيس ريغان. اذ اتضح ان الفرضية الاساسية لهذا التفكير، اي انه ينبغي وجود اناس متعقلين في ايران يريدون انهاء الحرب مع العراق والخروج من عزلتهم وإعادة قدر من العلاقات العادية مع الغرب، كانت صحيحة. فقد اعطت الجلسة الطويلة التي عقدتها هذا الصباح والجلسة الثانية التي انتهت قبل دقائق قليلة مع محمد هادي نجف ابادي كبير مستشاري رفسنجاني لشؤون السياسة الخارجية، دليلاً قوياً على انه وافتراضاً على الاقل رفسنجاني يدرك انه على رغم نجاح الثورة داخلياً فان هذا النجاح كان في مقابل ثمن باهظ. وكان يعرف انهم بحاجة الى الوقت لتعزيز الثورة وانه ليس من صالح ايران الترويج للارهاب او تشجيعه او مواصلة الحرب لأن هذين الامرين كانا يزيدان من عزلة ايران وسيقودان في نهاية الامر الى الدمار الاقتصادي.
ماذا قلت للايرانيين؟
ماذا جرى في هذين الاجتماعين اللذين يشكلان اول اتصال سياسي مباشر بين الادارة الاميركية والحكومة الايرانية منذ نحو 5 سنوات؟
كان هادي نجف ابادي رجلاً قصير القامة بشاربين وفي اواسط الاربعينات من عمره. درس في قُمْ ثم حصل على شهادة ماجستير من باكستان. وكان يتكلم الانكليزية بشكل ممتاز. وعلى عكس مندوب وزارة الخارجية الذي لم يكن لديه تعليمات وعمل على ابقائنا في مكاننا طوال الساعات الأربع والعشرين الأولى، كان هادي منبسط الاسارير ويتحدث بثقة نابعة من معرفته وعلاقته بأحد صناع القرارات وثقته فيه.
عقدنا اجتماعنا الأول في جناحي مما كان يعرف باسم فندق طهران هيلتون صباح الثلثاء 27 ايار مايو 1986، ثالث ايامنا في طهران. وبعد تبادل عبارات التحية المألوفة تحدثت لمدة حوالي أربعين دقيقة، وقلت انه بعد فترة طويلة من العداء سيكون معظم ما سنبحثه اموراً تثير الخلاف، ولكننا لا نكن اي عداء للشعب الايراني. ونحن في الولايات المتحدة نقبل الثورة داخل ايران ولا نسعى الى تغيير اتجاهها. الا ان ما يثير قلقنا هو مظاهرها الخارجية لا سيما الارهاب الذي ترعاه ايران في لبنان وأماكن اخرى. كذلك اوضحت ان مصالحنا تأثرت بالحرب ولهذا نريد ان نبحث سبل انهائها. وكان هدفي في هذه الجلسة الاولى تقديم شرح اساسي في خمسة مجالات: الاهداف والأولويات الاميركية على الصعيد العالمي من العلاقات بين الشرق والغرب الى تعزيز التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث الى محاربة تجارة المخدرات، والاهداف الاميركية في الشرق الاوسط، وبواعث القلق الاميركية من الاهداف السوفياتية العالمية وفي الشرق الاوسط، والاختلافات الاميركية مع السياسة الايرانية على الصعيد الثنائي وتجاه الآخرين تأييد الارهاب واستخدامه لزعزعة الحكومات الاخرى وطرد الوجود الغربي من الشرق الاوسط، وأخيراً رأينا في انتهاج طريق يمكن ان تؤدي في نهاية الامر الى الوفاق والمصالحة اذا ما تغلبنا على نقاط الخلاف تلك. ولكنني اختتمت كلمتي بالتذكير بأنه لا يمكن ان يكون هناك امل في احراز اي تقدم ما دام الارهابيون الذين ترعاهم ايران يحتجزون الاميركيين وغيرهم من الابرياء كرهائن في لبنان او في اي مكان آخر.
أهمية الخليج
كان هادي يسجل ملاحظاته باهتمام. عندما انتهيت من الحديث صمت لفترة طويلة ونظر الى الاسفل وهو يزن ما سمعه مني. وبعد ذلك رفع رأسه وحدّق في عينيّ من دون ان يقول شيئاً لمدة بدت لي كأنها الدهر.
ومع انني جلست سانداً ظهري الى الكرسي وقدماي على الأرض، في جهد متعمد لاظهار ثقتي بنفسي، فانني اذكر انني شعرت بقلق وأنا انتظر صدور الرد عنه.
وبينما كنت جالساً هنا، هذا الصباح، خطرت في بالي جميع التحليلات التي كنت اقوم بها قبل سنة والتي دفعتني الى ان اكون هنا هذا اليوم. ففي ذلك الوقت كنا توصلنا الى استنتاجين، وهما ان حرمان الاتحاد السوفياتي من النفوذ في ايران، سواء بطريقة غير مباشرة عبر العراق او بطريقة مباشرة، يعتبر مصلحة اميركية حيوية، وثانياً لا بد ان يكون في طهران في عام 1985 اناس مسؤولون يهتمون باقامة علاقة اكثر استقراراً مع الولايات المتحدة. اما الاستنتاج الأول فيكفي ان ننظر نظرة خاطفة الى الخريطة ليتضح لنا. فمنذ قرون والاتحاد السوفياتي - وروسيا قبله - يتودد لايران ويعتبرها ممراً استراتيجياً الى المحيط الهندي لسببين: التجارة وإثبات القوة العسكرية لجنوب آسيا وما وراءها. وفي العصر الحديث ازدادت اهمية ايران الاستراتيجية نظراً الى النفط الموجود في المنطقة، اي للوصول اليه من اجل الاستخدام السوفياتي وحرمان بقية العالم منه. اذ ان حوالي ثلث النفط الخام في العالم موجود في البلدان المطلة على الخليج. والسيطرة على الخليج، بالمفهوم المعاصر، تعني السيطرة على الاقتصاد العالمي وتركيعه اذا ما دعت الضرورة، او منع حدوث مثل هذه المصيبة. اما الاستنتاج الثاني - اي انه لا بد وان يكون هناك ايرانيون في السلطة مهتمين بتغيير السياسة الايرانية وإنهاء الحرب مع العراق والعزلة واستعادة قوة اقتصادهم - فهو جلي وواضح اذا ما وضعت نفسك مكان اي مسؤول في الحكومة الايرانية الراهنة. اذ كيف ستشعر اذا واجهت الظروف التالية: الى الغرب تواجه حرباً مع العراق هي في عامها الخامس آنذاك من دون ان يظهر في الأفق اي دليل على قرب انتهائها، مما بات يهدد بالتهام جيل كامل من شباب الامة. وإلى الشمال تواجه 26 فرقة سوفياتية عسكرية قامت للتو بمناورات تهدف الى اختبار الخطط اللازمة لحرب في ايران. وإلى الشرق رأيت بعينيك الدليل البيّن على القوة السوفياتية الممثلة في احتلال اكثر من مئة الف جندي افغانستان. وفي الداخل ها انت ترى آثار الحرب في السياسة المحلية. فهناك خسارة عائدات النفط نتيجة الدمار الذي اصاب المنشآت والمرافق النفطية بسبب الحرب، وما نجم عنه من فقدان الانتاج وتضاؤل القدرة على استيراد المواد الغذائية وغيرها من الضرورات. كذلك كان الفقر والجوع في ازدياد. ومع تصاعد أعداد الاصابات والضحايا اصبحت تواجه حقيقة مؤلمة وهي ان كل عائلة تقريباً فقدت ابناً او قريباً. والحماس الديني قوة رهيبة جبارة، ولكن من المؤكد ان السياسيين الايرانيين كانوا يدركون قوة الفجيعة والحزن.
مستشار رفسنجاني يتحدث
الا ان هذا كان التحليل الغربي للأمور. ولذا كان السؤال هو ما اذا وصلت الامور الى تلك الدرجة من السوء في اذهان القادة الايرانيين. فهل يمكن لتراكم آثار الحرب، من العزلة والانهيار الاقتصادي، ان تتغلب على حماسة التزامهم بالثورة؟ او بطريقة اخرى، هل ستهدد هذه العوامل المتعددة، في رأي الخميني، تفاني انصار الثورة والتزامهم بها الى الدرجة التي يتحتم معها تغيير الاتجاه؟ في صبيحة هذا اليوم الصافي الجو من ايار مايو كان هادي نجف أبادي على وشك شرح الامور لي. وبدأ حديثه قائلا: "كان عرضكم رائعاً. لقد تحدثت عن الاهداف الاميركية. ولذا سأتحدث عن الاهداف الايرانية. إننا نعتبر ثورتنا ثورة دينية نجحت بعد عناء طويل. ونحن الآن نقرر مصيرنا ونتمتع باستقلال تام في صنع قرارنا السياسي وهي اشارة الى الاعتقادات الايرانية السابقة بتبعية الشاه للرغبات الاميركية… لقد وجدنا روحاً جديدة… فنحن لسنا شرقاً ولسنا غرباً. نحن مصممون على انتهاج طريق مختلف. وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى سياسة اساسية ودستورنا يمنع ذلك. ونحن لا نسعى من حيث المبدأ الى اي دور لنا في الدول الاخرى، ولكن هذا لا يمنعنا من مساعدة المضطهدين في الدول الاخرى مثل افغانستان. لذا ايدنا المجاهدين وسنواصل تأييدهم. وأنتم تؤيدونهم ايضاً".
كان يتحدث من دون اي انفعال. وأذكر انني قلت لنفسي إنه يتحدث حتى الآن بشكل عام ولتسجيل موقفه. ثم مضى يقول: "لكن حين تأتي اسرائيل الى لبنان وهذه اشارة الى الغزو الاسرائيلي للبنان في حزيران يونيو عام 1982 فاننا لا نستطيع ان نقبل مثل تلك الجرائم، كالتي وقعت في صبرا وشاتيلا. ثم كيف يمكنكم ان تؤيدوا قصف بيروت لمدة ثمانين يوماً؟ حين نواجه هذا النمط من العنف فاننا نؤيد المسلمين. وفي هذا المجال فان السوفيات يؤيدوننا ايضاً، الى حد ما".
وطوال الدقائق العشر التي تحدث خلالها كان صوته على وتيرة واحدة وكأنه يسرد عن ظاهر قلب ما حفظه اكثر مما كان يسرد ما هو مقتنع به. اذ لم يكن هناك اية انفعالات او عواطف ثورية كتلك التي يتوقعها المرء من اللهجة العامة للخميني. ولكنه انحنى بعد ذلك الى الأمام وأراح كوعيه على ركبتيه وبدأ يؤشر بيديه لكي يؤكد ما هو أهم بالنسبة اليه طبعاً: "من الصعب التمييز، ولكننا بشكل عام لا نريد التدخل في اي مكان، باستثناء العراق. ففي العراق نواجه عدواناً دمر مناطق كثيرة ويجب ان نعاقب العدوان العراقي. وأنتم تفعلون الشيء نفسه. فعندما قتل القذافي الاميركيين في اوروبا حاولتم قتل القذافي. وعلى اي حال نحن نحترم استقلال كل دولة في الشرق الاوسط وسلامة اراضيها. خذ مثلاً علاقاتنا مع تركيا وباكستان. فقد كان اكثر من نصف مليون شخص في استقبال رئيس وزرائنا. ولنا مراكز ثقافية في باكستان. ونحن نؤيد باكستان في الأمم المتحدة وجميع المنظمات العالمية. والسبب هو ان باكستان لم يسبق لها اطلاقاً ان حرضت الناس ضدنا. وبالنسبة الى تركيا نجد ان حكومتها مختلفة تماماً. فهي علمانية. وعلى رغم ذلك فان التجارة معها اعلى بنسبة عشرة في المئة عما كانت عليه خلال ايام ما قبل الثورة 313 مليون دولار في العام الماضي. وتركيا عضو في منظمة حلف شمال الاطلسي وصديق لكم. ونحن نتفاوض على خلافاتنا معها، كما ان وزير خارجيتنا على علاقات جيدة بنظيره التركي. وتركيا محايدة في الحرب ولم تتدخل في شؤوننا. ولكن اذا ما حرض اي شخص على العنف ضدنا فاننا لن نقف مكتوفي الايدي. فنحن لا نقبل الفتنة ولا نخلقها. اما بالنسبة الى علاقاتنا مع الولايات المتحدة، فمع ان شعبنا اراد التغيير، فانكم ساندتم شهبور بختيار. وهكذا اصبح الشعب الايراني يعتبر الولايات المتحدة مماثلة للامبراطورية البريطانية".
التقارب خطوة خطوة
في هذه المرحلة، وعندما بدأ الحديث عن علاقاتنا انحنى الى الوراء وأسند ظهره الى الكرسي، وعاد الى ما يمكنني ان اصفه بالنص المعدّ: "نحن نعارض الارهاب، اذ ان الرئيس الايراني ورئيس الوزراء وعشرات غيرهم تعرضوا للارهاب. وفي ما يتعلق برحلة الطائرة الاميركية "تي.دبليو.ايه" الرقم 847 التي خطفت الى بيروت هل نتحمل نحن المسؤولية اذا ما ارتكب احد الشيعة خطأ؟ هل البابا مسؤول عن جميع الكاثوليك؟ وهل مفتي السنّة مسؤول عن اعمال جميع السنة؟ ان دورنا كان محاولة تسوية الوضع وإيجاد حل مشيراً الى تدخل رفسنجاني مع سورية للعمل على اطلاق سراح رهائن الطائرة الاميركية. اننا نعارض كل اشكال الارهاب. ونحن نعتقد انه يجب تسليم الخاطفين. فقد تعرضت طائرات كثيرة من طائراتنا للاختطاف. وسوف يتضح كل هذا في المستقبل. وسوف يوضح اولئك الذين قاموا بأعمال عنيفة انه ليس لنا اي علاقة بها". وصمت برهة ثم استطرد ليقول: "يجب ان نتحدث عن الارهاب لأننا لا نتفق على الحقائق". ومضى فقال: "بالنسبة الى الاتحاد السوفياتي، العراق قاعدة سوفياتية. فالعراق يهاجمنا بمعدات سوفياتية. وما لم نحل دون انتصار العراق فان الروس سيتشجعون في استراتيجيتهم في الجنوب التي ترمي الى السيطرة على الخليج واستغلال الفرص التي يؤمنها لهم ذلك من اجل ارسال قوات الى شبه القارة الهندية وما وراءها ولاستخدام النفط سلاحاً. ان لديهم آلاف المستشارين في العراق. وقد قررنا معاقبة العدوان العراقي، وهذا حق لنا. لكننا لا نريد ان نفرض حكومة كحكومتنا على العراق. ونحن على استعداد للجلوس مع السعودية وتركيا وبحث مستقبل علاقاتنا مع الحكومة العراقية. وإذا اراد العراقيون ان يختاروا ان يكونوا حلفاء لاميركا فليفعلوا ذلك. وعندها سيكون لديكم حليف آخر". وتابع حديثه: "من حيث المبدأ ليس لدينا اية مشكلة مع السعودية. فهي تساعد العراق لأنها تخشى انتصار ايران. ونحن مستعدون للتوقيع على اتفاق معها اذا ما توقفت عن دعم العراق. ولتدرس السعودية وتركيا نوع الاتفاق الجديد الذي ينبغي التوصل اليه مع العراق. اذ لا داعي لمحاكمة البعثيين لأنهم سيغادرون البلاد ببساطة".
وحين بدأ هادي الحديث عن الحرب مع العراق، وعرج على العلاقات مع تركيا وباكستان، كان يتحدث بنفحة من المناشدة العاطفية. اذ انه بذل قصارى جهده للتأكيد اولاً على اهم شيء بالنسبة اليه والى بلاده، اي الحرب مع العراق، وثانياً على تلك الجوانب والأوجه من السياسة الخارجية الايرانية التي ترقى الى المعايير المتحضرة المعتادة. وكان يسعى بلهفة الى اقناعنا بأن ايران تعرف كيف تتصرف وأن فيها اناساً متعقلين ومنطقيين. قال: "اننا نعرف انكم قلقون من احتمال الانتصار الايراني في الحرب لأنكم تعتقدون انه سيؤدي الى انتشار الاصولية الاسلامية. ولكننا نرجوكم ان تعيدوا تفحص المسألة وان تدركوا انه ليس لدينا اية مطامح في العراق او في اي مكان آخر. اذ اننا نريد علاقات مستقرة معكم، ولكن لا بد من ان يذوب جبل الجليد قبل ذلك. فهذه مسألة حساسة ويجب ان تكونوا البادئين لأنكم انتم الذين قطعتم العلاقات. ولكن الخطوات المبكرة لم تكن تبشر بالخير. ولكن ها نحن نبدأ المفاوضات في نهاية الأمر. اما بالنسبة الى رهائنكم فان الخاطفين من حزب الله طالبوا في الأصل بما يأتي: 1 - ان تنسحب اسرائيل من مرتفعات الجولان. 2 - ان تنسحب اسرائيل من جنوب لبنان. 3 - ان يعود انطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي الى بيروت الشرقية. 4 - إطلاق سراح سجناء الدعوة في الكويت. وقد قلنا إن هذه المطالب فيها إفراط ومبالغة. ولكنني اقول لكم الآن انه اذا ما تمت تلبية المطالب المتبقية فان الرهائن الاميركيين سيطلق سراحهم. ونحن نوافق على اقتراحكم بوجوب عقد اجتماعات اميركية - ايرانية للمتابعة. فمن حيث المبدأ يمكننا ان نتعاون في افغانستان، ونحن نقدم المساعدات الفعلية، كما اننا نصر على الانسحاب السوفياتي. بعدما غزا السوفيات افغانستان جاء السفير السوفياتي فينوغرادوف لمقابلة الخميني الذي شرح له مدى جسامة الخطأ السوفياتي وطلب اليه الانسحاب. وكان الخميني أول من يندد بالغزو. لكن السوفيات قالوا لنا اننا اذا اوقفنا مساعداتنا لأفغانستان فانهم على استعداد لإعطائنا أفضل اسلحتهم. لكن مبدأنا كان منذ البداية ولا يزال تأييد افغانستان".
وفي هذه اللحظة بدا لي وكأن هادي اخذ يفقد تسلسل افكاره. فبعد ان تنهد وصمت لفترة وأخذ يداعب لحيته، وكأنه يستذكر التعليمات التي صدرت اليه واصل الحديث: "بالنسبة الى لبنان، سياستنا واضحة. ان الشعب اللبناني هو الذي يجب ان يقرر مستقبله. ولكننا لا نريد تدمير اي اقلية. فاليهود والأرمن يعيشون في ايران في أمان كامل ومن دون اي تمييز ضدهم. اما في ما يتعلق بالمستقبل فنحن مستعدون للسير خطوة خطوة في العلاقات مع الولايات المتحدة ونحن نأمل في اطلاق سراح الرهائن".
الاسبوع المقبل:
الحلقة العاشرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.