سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بطل "ايران - غيت" يروي ذكرياته لپ"الوسط" مكفرلين يفتح ملفاته السرية : خفايا دور اسرائيل في الاتصالات الاميركية - الايرانية "أحد أهداف المبادرة تجاه ايران التمهيد لإسقاط نظام الخميني" 11
يكشف روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الاميركي السابق ريغان لشؤون الأمن القومي، في هذه الحلقة الحادية عشرة من ذكرياته التي خص بها "الوسط"، خفايا الدور الاسرائيلي في عملية الاتصالات السرية بين الولاياتالمتحدة وإيران، ويؤكد ان احد اهداف هذه الاتصالات هو تمهيد الطريق لإسقاط نظام الخميني والمجيء بحكومة توافق على تطبيع العلاقات مع الولاياتالمتحدة والغرب. وتكمن اهمية شهادة مكفرلين انه هو الذي أوفده ريغان الى طهران في ايار مايو 1986 على رأس وفد ضم: اوليفر نورث وجورج كاف وهو ضابط في المخابرات الاميركية عمل في ايران خلال عهد الشاه وهوارد تايشر عضو مجلس الامن القومي واميرام نير وهو مسؤول عن مكافحة الارهاب في الحكومة الاسرائيلية وقد رافق الوفد وهو يحمل جواز سفر اميركياً باسم ميلر. وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "ايران غيت"، على ان يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الاولى منذ انكشاف امر الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية وزيارته السرية الى طهران عام 1986. واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على ان يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الادارة الاميركية او بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر اية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في اية مطبوعة اخرى في العالم، عربية كانت او اجنبية، غير "الوسط"، لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته هذه لاحقاً بعد صدورها في مجلتنا. وفي ما يأتي الحلقة الحادية عشرة من ذكريات مكفرلين: اقلعت طائرتنا من مطار طهران في نهاية ايار مايو 1986 بعدما فشلت جهودنا لتأمين الافراج عن الرهائن الاميركيين المحتجزين في لبنان. وآخر ما قلته للمسؤول الايراني الذي رافقنا الى المطار: "قل لرؤسائك ان هذه هي المرة الرابعة التي لا يحترم فيها المسؤولون الايرانيون الاتفاقات التي عقدوها مع الاميركيين. لذا سيظل انعدام الثقة بيننا وبينكم قائماً لفترة طويلة. لقد ضاعت فرصة ثمينة نتيجة عدم توصلنا الى اي تفاهم خلال هذه الزيارة". وعندما أقلعت الطائرة بنا نظرت الى طهران التي خلفناها وراءنا. ولم اكن متأكداً آنذاك الى اي مدى كان الفشل نتيجة ازدواجية مانوشير غوربانيفار الوسيط الايراني وإلى اي مدى كان نتيجة الصراع السياسي الضروس داخل الحكومة الايرانية. الا ان هذا لم يكن مهما بالنسبة الى السياسة الاميركية، اذ كانت الحقائق واضحة: فمع أنه كان هناك ولا يزال، ايرانيون ذوو عقل راجح على استعداد لانهاء الحرب مع العراق وتطبيع العلاقات تدريجياً مع الولاياتالمتحدة فانهم لم يكونوا على الدرجة الكافية من القوة عام 1986، للتأثير في سير الامور وتحقيق التغيير في ايران. اما بالنسبة الى صفقات الاسلحة الاميركية فلم استطع من خلال زيارتنا ان اعرف الجهة الايرانية التي كانت تحصل عليها. وعندما بدأت الطائرة تحلّق على ارتفاع شاهق بدأت في دراسة وجه كل عضو من اعضاء الفريق المرافق لي. كانت مشاعر خيبة الأمل بادية بوضوح عليهم. اذ كانوا يأملون في ان تسير الامور بشكل افضل. وشعر كل منهم انه كان ينبغي التحضير برحلة تمهيدية، لأن مثل هذه الرحلة كانت ستسهل الامور. وهذا صحيح، فمثل هذه الرحلة التمهيدية كانت ستكشف ازدواجية غوربانيفار، مما قد يدفع الايرانيين الى البدء من جديد في اتصالات اخرى معنا. ولكن القضية الاساسية على الجانب الايراني كانت ستظل نفسها، وهي الانقسام الشديد بين الذين ينظرون الى الولاياتالمتحدة بعداء شديد ويسعون الى استغلالها للحصول على السلاح، وبين اولئك الذين ينظرون الى المسائل نظرة بعيدة المدى ويتطلعون الينا للحصول على مساعدتنا في انهاء الحرب مع العراق والخروج من عزلتهم وإعادة اقتصادهم الى وضع يقف فيه على قدميه. اما نحن في البيت الابيض فليس من شأننا ان نحاول التأثير في الاحداث في مثل هذا الجو. ولكن كان من الصواب ان نكتشف ما يجري وأن نبلغهم اين نقف نحن. خيل اليّ ان الرحلة من طهران الى واشنطن كانت اطول من الساعات الأربع والعشرين التي استغرقتها. وكانت محطة التوقف الأولى تل ابيب. وبينما كنا هناك حاول اوليفر نورث التخفيف عني، فقال انه ينبغي الا أعتبر الزيارة جهداً مهدوراً وخسارة كاملة لأننا "نستخدم على الأقل بعض اموال الخميني في اميركا الوسطى". وسارع الى الاتصال بشخص في قبرص لبحث موضوع منفصل كان باشر فيه من اجل اطلاق سراح الرهائن. ووقفت مذهولا لوهلة من الزمن. وفي تلك اللحظة سلمني عامل اللاسلكي السماعة وقال ان مستشار الرئيس ريغان لشؤون الامن القومي جون بويندكستر على الخط. وأبلغت جون ان مخاوفي تأكدت، وأنني اعتقد بوجوب التوقف عن ارسال الاسلحة الى الايرانيين ما لم يلبوا طلباتنا حسب الاتفاق السابق. وطلبت منه ان يبلغ الرئيس ريغان اسفي وقلت انني على استعداد لرفع تقريري في اليوم التالي. تقرير الى ريغان وفي صباح اليوم التالي، قدمت الى الرئيس ريغان تقريراً كاملاً عن زيارة طهران وأوضحت له ان في الحكومة الايرانية عناصر تكرس نفسها للتغيير ولكنها لم تكن على درجة من القوة تسمح لها بالتصرف. وأوصيت بأن نظل على استعداد للاستماع الى اي طلبات ايرانية اخرى لعقد اجتماعات تهدف الى حل المشكلات بيننا ولكن يجب علينا الا نواصل شحن اية اسلحة الى ايران. وهذا هو تقريباً ما قلته قبل ستة اشهر عندما تركت الحكومة. ولكن بعد شهر واحد من مغادرتي في كانون الثاني يناير عام 1986 قرر الرئيس ريغان الاستمرار في الامر بما في ذلك شحن الاسلحة. ومن المؤكد ايضا ان الرئيس صادق بعد شهر من تقريري اليه عقب رحلتي الى طهران، على استئناف شحنات الاسلحة. ولما كنت مهتماً بالأمر فانني اعرف السبب: كان الرئيس ريغان متأثراً الى اقصى درجة بمحنة الرهائن، الى درجة انه كان سيؤيد اية فكرة قد تقود الى اطلاق سراحهم، مهما كانت المجازفات التي تنطوي عليها. ولم يكن في وسع احد، باستثناء المعارضة القوية من جميع مستشاريه، اقناعه بانهاء العملية. وكان وزيرا الخارجية والدفاع شولتز وواينبرغر ضدها منذ البداية، كما انني اوصيته مرتين بوقفها، مع انني لم انخرط فيها الا بعد أربعة اشهر من بدايتها. لكنه استمر ولم يصغ الينا. ولو ان الذين ظلوا في الحكومة بعد ان تركتها، واصلوا معارضتها بشدة لكان الرئيس وافق في اعتقادي على التخلي عنها. اذ ان معارضة جورج شولتز للاقتراح الذي قدمه البيت الابيض حول استخدام جهاز لتحري الكذب كانت كافية لاقناع الرئيس بعدم استخدامه. كما ان معارضة واينبرغر لمبادرة الدفاع الاستراتيجية عامي 81 و82 أوقفت تلك المبادرة. اذ ان الرئيس كان يحترم آراء اولئك الذين يقفون بحزم في معارضتهم. ولكن الذي حصل هو ان شولتز وواينبرغر وجدا انه من غير المناسب مواصلة الاعتراض بعد ان أسمعا الرئيس رأيهما في مناسبات عدة من دون جدوى. وقد دأب أحد الوزيرين او كلاهما على القول، بعد ان تركت الحكومة، انهما لم يكونا على علم باستمرار العملية. لكن من الصعب عليّ ان افهم ذلك. ففي حالة واينبرغر كان مكتبه المباشر مشتركاً في تزويد الاسلحة كما انه تلقى تقارير عن اعتراض مكالمات غوربانيفار الهاتفية بعد بدء العملية عام 1985. ولذا لا بد انه كان يعرف بالأمر. كما ان الادميرال بويندكستر بحث الأصول المرجعية لجدول الأعمال السياسي الذي كنت سأغطيه في طهران، مع جورج شولتز في شباط فبراير عام 1986. وقبل ان اوافق على الذهاب في الرحلة في شهر ايار مايو 86 سألت بويندكستر اذا كان جورج شولتز على علم فقال نعم. إذن كان على علم بأن التخطيط كان مستمراً في تلك المرحلة، ولو كانت لديه اية شكوك لاستطاع توجيه السؤال الى الرئيس. ولكن، للانصاف، لا بد من القول ان الاشخاص الذين كان يراهم بصورة منتظمة، ريغان رئيس الموظفين في البيت الابيض والأدميرال بويندكستر وإلى درجة اقل مدير وكالة المخبارات المركزية الاميركية وليام كيسي، كانوا جميعاً من مؤيدي العملية باستثناء نائب الرئيس بوش الذي أعرب عن شكوك خطيرة تجاه هذه العملية عندما اطلعته على الأمر في كانون الأول ديسمبر 1985. ولكن من المنطقي ايضا ان نسأل لماذا لم يعترض المعارضون بصورة اقوى وبشكل مستمر. فالقول انهم لم يشعروا بوجوب معارضة العملية بتلك الدرجة من القوة، يتناقض، على ما يبدو، مع ما قالوه في شهاداتهم العلنية بعد انكشاف الأمر. إنني لا أعرف الجواب ولكن من الصعب ان اتخيل السبب. ان من الصعب عليك ان تقول للرئيس انه مخطئ. اذ انك كوزير في الحكومة لا تستطيع ان تقول ذلك له مرتين، لأنك تقول لنفسك: انه يعرف ماذا يدور في خلدي فلماذا ألح عليه؟ انه رئيس منتخب بينما انا معيّن. ولا بد لي من القول ايضا ان شولتز وواينبرغر كانا مخلصين جدا للرئيس ريغان، مما يعني انه كان بوسعهما ان يفعلا اي شيء له ضمن اطار القانون، وكانا يريدان له ان ينجح وأن يساعداه على تحقيق ذلك النجاح، ومشاطرته فيه. وهكذا فان هذه العملية لم تكن الأمر الذي يكفي لدفعهما على الاستقالة. ولكنني متأكد من انه لو طلب وزير الخارجية الاستقالة بسببها لأدى ذلك الى دفع الرئيس الى وقف المبادرة الايرانية. لكن اذا ما اخذت كل هذه الامور في الاعتبار فان المسؤولية الأساسية للشروع فيها تقع على كاهلي أنا، وليس على كاهل احد آخر، ولو انني بقيت في الحكومة لاستطعت انهاءها من خلال تنظيم المعارضة الدائمة للوزيرين. لذا فالخطأ بالدرجة الأولى مني. اسقاط الخميني في تشرين الثاني نوفمبر عام 1986، اي بعد خمسة اشهر من الرحلة، سربت عناصر راديكالية في ايران نبأ الرحلة مما اثار ضجة هائلة وقد نشر النبأ في مجلة لبنانية محدودة الانتشار، لكن وكالات الانباء العالمية تناقلته بسرعة. وصدرت انتقادات كثيرة ضد رحلتنا السرية الى طهران ربما كان اقواها مشاعر السخط التي اعرب عنها اولئك الذين اعتقدوا اننا خنّا اصدقاءنا. فمن جهة اشاروا الى حلفائنا في اوروبا وغيرها من الدول الصناعية الذين طلبنا منهم عدم بيع الاسلحة الى ايران لمحاولة عزلها. ومع انني قد اكون مخطئاً الا انني لا اتذكر صدور اي نقد علني عن اية حكومة من هذه الحكومات. كما ان صمتها لم يكن نابعاً من مجرد نبل مواقفها، اذ ان التفسير الأرجح هو ان كل دولة من تلك الدول تقريباً كان فيها صناع اسلحة يحاولون بيع الاسلحة الى مختلف الوسطاء والسماسرة الايرانيين، وبمعرفة اجهزة مخابرات حكوماتهم، وبدافع اقل سموا من دوافعنا، ألا وهو الجشع، اما في حالتنا نحن فيمكن القول انه كانت هناك فكرة منطقية معقولة وهي محاولة تشجيع عناصر معتدلة للحلول محل الخميني. لكن معظم اصدقائنا الأوروبيين كانوا يفهمون منطق العملية. ومن الأمور التي تبعث على الارتياح ان تسمع الكثيرين منهم يقولون انه على رغم صواب العملية فانهم، كسياسيين ما كانوا ليقدموا على فعلها. والواقع انني لا اعني بذلك انهم أيّدوا العملية وإنما كانوا يقولون ان المجازفات كانت كبيرة جداً. وهم محقّون. وقال آخرون اننا خذلنا اصدقاءنا العرب "بتعاملنا مع عدوهم". والنقطة الأولى التي يجب ذكرها في معرض دحض هذا الاتهام هي ان اكرر ان املنا كان الوصول الى الاناس الذين يعارضون الحرب وسياسات الخميني. الا ان الانتقاد نفسه فيه نفاق، فالحقيقة هي ان دولاً وجهات عربية عدة كانت في حوار "سري" مع جهات مختلفة في الحكومة الايرانية منذ سنوات. اما نحن فقد كنا نحاول على الأقل العثور على طريقة لايجاد حكومة افضل في ايران تحل محل حكومة الخميني. دور اسرائيل وهناك انتقاد آخر لرحلة الوفد الاميركي السرية الى طهران، وهو اننا تعاونا مع اسرائيل واستمعنا الى نصائح الاسرائيليين الذين شجعونا على الاتصال بأشخاص معينين في طهران. لكن الواقع هو ان اسرائيل اوضحت لنا المخاطر والمجازفات وتركت الخيار لنا. ولم يكن هناك اي اصرار اذ كانت الرسالة الاسرائيلية واضحة وهي: "هذه هي افضل امكانية نراها للافراج عن رهائنكم وهي ليست من دون مشاكل. ان مصالحنا مختلفة عن مصالحكم. الامر يعود اليكم، وإذا ما قررتم متابعتها فاننا على استعداد لمساعدتكم". الا ان هناك الكثير من الانتقادات السليمة للمبادرة الاميركية تجاه ايران. اولاً، كما أشرت ما كان ينبغي لنا ان نفكر اطلاقاً في إرسال اسلحة الى اية جهة داخل دولة راديكالية نعرف انها تدعم الارهاب واحتجاز الرهائن، قبل ان نتحقق من اصالة الناس المعنيين، وصدقهم، وبشكل خاص انهم يعارضون سياسات الحكومة وهم في مكانة تؤهلهم لاتخاذ اجراء ضدها. فمنذ البداية كان ينبغي علينا حين ورد الاقتراح من اسرائيل، ان نحقق في غوربانيفار الذي ادعى انه يمثلهم. اذ لم يسبق ان اثار كيسي، ولا أي شخص آخر، او طرح اي شيء مضاد عن غوربانيفار خلال اي اجتماع من الاجتماعات مع الرئيس ريغان ووزيري الدفاع والخارجية وكبار المستشارين الآخرين حين اتخذت القرارات في تموز يوليو وآب اغسطس عام 1985. ولكن اتضح فيما بعد ان له تاريخاً طويلاً من عدم الصدق والخداع في ملفات السي.آي.ايه. ووزارة الخارجية. فلماذا لم يذكر المسؤولون شيئاً عن ذلك؟ الا ان عدم ذكرهم شيئاً عنها لا يعفيني لأنه كان ينبغي عليّ ان اصل اليها. وهناك انتقاد ثانٍ سليم يتصل بدور البيت الابيض. فاذا ما اخذنا في الاعتبار افتقارنا الى المعلومات الحديثة المباشرة عن الوضع في ايران والقدر الكبير من الشك في شرعية الايرانيين المعنيين، كان من الحماقة الكبيرة اشراك الرئاسة بما لها من هيبة ومكانة. اذ ان الطريقة المألوفة التي يجب انتهاجها حين تتلقى بلادنا اقتراحاً مثل الذي تلقيناه من الاسرائيليين في تموز يوليو عام 1985 هو احالته على السي.آي.ايه. لكي تستقصي الأمر وتشرك المحترفين في العمليات السرية لتفادي تعريض الرئاسة لأية مجازفة او مخاطرة. وقد كان هذا ما ملت اليه عندما قدم دايفيد كيمحي الاقتراح الاصلي. لكنه طلب عدم اشراك السي.آي.ايه. وقال ان المخابرات الاسرائيلية الموساد ليس لها اي دور في المسألة، وإنه اذا ما اشتركت السي.آي.ايه فان الموساد ستكتشف ذلك في نهاية الامر وستثير المشاكل داخل الحكومة الاسرائيلية. وقال ان رئيس الوزراء شيمون بيريز يفضل تشكيل خلية خارج الحكومة للتعامل مع المسألة. الا انه قال ايضا ان وزير الخارجية اسحق شامير طلب اشراك وزير خارجيتنا شولتز، وطمأنته بأنني سأفعل ذلك. وهذا ما فعلته. في مثل هذا الوضع اعتقد انني لو احلت الامر الى السي.آي.ايه. فان المحترفين فيها ما كانوا ليوصوا بالسير قدماً في العملية. وإدراكاً من بيل كيسي ان من غير المحتمل ان يكون هناك احد في السي.آي.ايه. لديه الرغبة في القيام بمثل هذه العملية في ايران، حتى ولو توفر لها افضل المفاوضين والمحاورين، فقد وافق، بل وألح، على ان يقوم بها البيت الابيض. ولكن هذا ليس عذراً. إذ لم يكن في البيت الابيض احد مؤهل او لديه الوقت للتعامل مع مثل هذه المبادرة بشكل صحيح. ويجب الا يكون هناك احد ايضاً. إلا ان هناك اوقاتاً يجب ان ينهمك فيها البيت الابيض في الديبلوماسية الحساسة والحرجة، لا سيما عندما تريد دولة مهمة ليس لنا معها علاقات، ان تعرف ما اذا كان لدينا اي اهتمام بمحاولة تجديد الاتصالات والحوار معها. فقد كان الأمر كذلك حين جددنا روابطنا مع الصين. وهناك سببان لانهماك البيت الأبيض في الأمر. الأول ينطوي على أمن الأشخاص المعنيين على الطرف الآخر. فالمسؤولون في معظم الدول الاستبدادية يتعاملون مع شعوب اعتادت على اعتبار الولاياتالمتحدة عدواً لها. ولهذا فان اي تغيير في تلك السياسة يحتاج الى وقت والى اسباب وجيهة لاقناع شعوب تلك الدول. وهذا امر ينطوي على المخاطرة مثلما رأينا في الصين في اوائل السبعينات. اذ ان معظم الحكام المستبدين الذين يهتمون بمصلحتهم في الدرجة الاولى، يعرفون ان من العبث تبني تغيير في السياسة لأن هذا يعني المخاطرة ببقائهم في السلطة اذا لم نُبدِ نحن اهتماماً بذلك التغيير لأي سبب كان. ولكن الذهاب الى وزارة الخارجية يعني المجازفة بحدوث تسريبات قد تجهض المحاولة برمتها. ولهذا فهم يأتون الى البيت الابيض كمصدر مأمون للمعلومات. وثانياً، من الطبيعي ان الدولة المعنية تريد دائماً ان تعرف ان المواقف التي تتلقاها صحيحة وصادرة عن اصحاب السلطة وليس عن مجرد وزارة او مسؤول باسم صانع القرارات. فالدول الاستبدادية تتوقع ان تكون السلطة الحقيقية في يد الحاكم، وفي حالتنا في ايدي البيت الابيض، اذ ان هذا هو الحال في تلك الدول. ولكن، حتى في هذه الحالات التي يجب ان يمسك فيها البيت الابيض بزمام المبادرة، من المهم ان يكون وزير الخارجية على علم بما يجري وأن يوافق على الخطوات التي يتم اتخاذها من اجل تفادي اتخاذ خطوات خاطئة في الجوانب الديبلوماسية الاخرى التي يشرف عليها. الا ان هناك انتقاداً آخر، وهو اقوى الانتقادات في رأيي، يتعلق بالواقع الاميركي نفسه، وهو انه لا يمكن اليوم الشروع في اي مبادرة في السياسة الخارجية إذا لم تنل هذه المبادرة تأييد الشعب الاميركي. اذ ان تعامل اسرائيل مع اناس مثل غوربانيفار وبيعها الاسلحة لايران شيء مفهوم لأن هذه هي طبيعة الامور في الشرق الاوسط. ولكن هذا لا يتفق مع طبيعتنا وتقاليدنا. فالديبلوماسية الحساسة والحرجة لا يمكن ان تظل سراً هذه الأيام. وما كان للشعب الاميركي ان يؤيد المبادرة الايرانية اطلاقاً. ولكنه ما كان ليؤيد ايضا الديبلوماسية التي أدت الى الانفتاح على الصين في فترة 1969 - 1971، لو سئل في ذلك. وحين انكشفت القصة الايرانية على الملأ، شعر الاميركيون باشمئزاز من فكرة ارسال الاسلحة الاميركية الى ايران. ومن أسباب هذا الشعور ان الحكومة لم تقدم اي تفسير. فقد تبنى البيت الابيض موقف الصمت او النفي على امل اطلاق سراح المزيد من الرهائن. وحين صدر القرار بالكشف عن التفصيلات لم يكن احد ممن لهم ضلع في الامر مؤهلاً لشرح الاطار الأوسع لأنه لم يكن لأي منهم في الواقع اي هدف اكبر. فالمسألة كانت بالنسبة اليهم مقايضة الاسلحة بالرهائن. لكن مسؤولي البيت الابيض اصدروا بيانات غير دقيقة او غير كاملة لحوالي اسبوعين، وتركوا وسائل الاعلام من دون اي شيء تركز عليه، مما يعني انهم تركوا لها الحبل على الغارب لكي تستنتج من صمت البيت الابيض ان الروايات الغريبة التي صدرت عن مصادر لا علم لها بحقائق الامور كانت تمثل الحقيقة وتقول القصة الكاملة. لقد كرّست معظم حياتي البالغة للتدرب على التحليل المدروس والمنهجي والدقيق والعمل الجماعي. وكنت لسنوات تحت امرة هنري كيسنجر، اذ كنت مسؤولاً عن ضمان التنسيق الكامل لأي اقتراح يتعلق بالأمن القومي. وتعاملت مع عشرات الآلاف من المقترحات من كل دائرة وزاوية حكومية. وكان التعاون مع الكونغرس اشبه بغريزة ذاتية عندي. لماذا حدث هذا إذن؟ الجواب الاساسي هو انني اظهرت خطأ جسيماً في اصدار الحكم. ليس هناك شك في ذلك. ولكن ربما كان من المفيد ايضاً ان نفهم الاطار الانساني والاداري الذي اتخذت فيه تلك القرارات. ففي رأيي ان هذا الفهم يساعد، الى درجة كبيرة، على توضيح القصة الايرانية، مع انه لا يبررها بالطبع. لكن الأهم من ذلك، هو ان فهم ذلك الاطار يعني مواجهة بعض الاسئلة المثيرة للقلق عن قدرة الحكومة الاميركية على الترويج لمصالحها والدفاع عن هذه المصالح في مختلف أرجاء العالم لأجيال مقبلة. الاسبوع المقبل: الحلقة الثانية عشرة