المطالب الاميركية وبحلول اواسط آب اغسطس 1988 بحثت وزارة الخارجية هذه المبادرة، كما استعرضت مسودات البيانات التي يمكن ان تصدرها المنظمة والرد الاميركي عليها. وكان الموقف الاميركي من المبادرة، الذي يجب ابلاغه الى المنظمة كما يأتي: * ليس هناك اي تغيير في الشروط التي يجب توافرها لكي توافق الولاياتالمتحدة على التعامل مع المنظمة. * كادت الولاياتالمتحدة والمنظمة ان تتوصلا الى اتفاق في الماضي ولكن الفرص كانت تضيع. ولهذا، اذا كان يجب بذل جهد حقيقي الآن، فينبغي ان يكون هناك وضوح تام عند الطرفين لأن الغموض والالتباس سيعودان بنتائج عكسية، لا سيما على ضوء اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية. * اذا ما اصدرت المنظمة ذلك البيان الذي تريده الولاياتالمتحدة فانه يمكن بدء المحادثات بينهما على لافور. ولأسباب سياسية ربما كان من الاسهل بدؤه بعد الانتخابات الاميركية ولكن ليس هناك ضرورة للانتظار. * ان الولاياتالمتحدة لن تقبل اي شرط مرافق لقبول المنظمة القرار 242. فمهما كانت الشروط التي ترغب المنظمة في ايرادها فانها يجب ان ترد في فقرة منفصلة. فالولاياتالمتحدة تريد قبولاً واضحاً "نظيفاً" للقرار 242. * يبدو ان البيان الاميركي المقترح قريب جداً مما تستعد الولاياتالمتحدة لاعلانه. ولكن يجب ان يراجعه وزير الخارجية الاميركي شولتز شخصياً في الوقت المناسب. * ان هذه المبادرة تستحق المتابعة اذا كانت المنظمة جادة فعلاً. وستتولى مجموعة صغيرة جداً متابعة المبادرة من الجانب الاميركي، وهي متوافرة طوال الوقت. ولكن ليس هناك اي قناة اخرى لمتابعة هذه العملية. وقد ابلغت محمد ربيع بهذه النقاط نيابة عن وزارة الخارجية الاميركية في الثالث عشر من آب اغسطس 1988 بعد ان قيل لي ان مكتب شولتز وافق عليها. لكنني لم اتعامل مباشرة مع شولتز اطلاقاً. أما نص البيان الذي يمكن ان تصدره المنظمة، مثلما تم ابلاغه الى وزارة الخارجية الاميركية في الثاني عشر من آب اغسطس 1988 فهو كما يأتي "مساهمة منها في البحث عن سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط، اجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقررت اصدار البيان الرسمي الآتي: 1- انها مستعدة للتفاوض على تسوية سلمية شاملة للصراع العربي - الاسرائيلي على اساس قراري الاممالمتحدة الرقم 242 و388. 2- تعتبر اللجنة التنفيذية عقد مؤتمر دولي تحت اشراف الأممالمتحدة اطاراً ملائماً للتفاوض على تسوية سياسية وفي نهاية المطاف تحقيق السلام في الشرق الاوسط. 3- تسعى المنظمة الى انشاء دولة فلسطينية ديموقراطية في الضفة الغربية وقطاع غزة والعيش بسلام مع جيرانها واحترام حقهم في العيش بسلام. 4- تندد المنظمة بالارهاب بجميع اشكاله، وهي مستعدة لتعليق جميع اشكال العنف على اساس متبادل بمجرد بدء المفاوضات تحت رعاية مؤتمر دولي. ان هذه النقاط منبثقة عن التزام المنظمة بالمبادئ الآتية: جميع دول المنطقة - بما فيها اسرائيل والدولة الفلسطينية - لها الحق في العيش بسلام ضمن حدود آمنة معترف بها دولياً، كما ان جميع شعوب المنطقة - بمن فيهم الاسرائيليون والفلسطينيون - يجب ان يتمتعوا بحق تقرير المصير، كما يجب ألا تنتهك اية دولة حقوق الآخرين او تستحوذ على الارض بالقوة، او تقرر مستقبلها بالقسر والاكراه. ان قبول اسرائيل لهذه المبادئ نفسها هو شرط مسبق لبدء مفاوضات ذات معنى". وبعد الحديث باسهاب مع ربيع اجرت المنظمة تعديلات قليلة طفيفة اهمها اضافة فكرة "يجب ان تشترك جميع اطراف الصراع بما فيها منظمة التحرير، في المؤتمر الدولي على قدم المساواة". حق تقرير المصير بعد ذلك بفترة قصيرة توجه ربيع الى تونس حيث قدم الوثائق وفكرة المبادرة الى ياسر عرفات وغيره من كبار قادة المنظمة. وبعد محادثات مطولة عاد الى واشنطن في اوائل ايلول سبتمبر 1988 حاملاً موافقة المنظمة على صيغة معدلة بشكل طفيف، ومشروطة باصدار الولاياتالمتحدة بياناً قريباً من النموذج الذي تم وضعه، ولكنه لم ينل موافقة واشنطن النهائية. وعلى الفور تم ابلاغ وزارة الخارجية بالمعلومات فاستقبلتها باهتمام. وشعر شولتز انه يمكن ان يساعد الادارة المقبلة ببدء الحوار مع منظمة التحرير ولكنه لم يكن على استعداد للموافقة على حق تقرير المصير الفلسطيني لأنه رأى في ذلك اصطلاحاً آخر للدولة الفلسطينية. اما البيان الذي ارادت المنظمة من الولاياتالمتحدة ان تصدره فهو: "ترحب الحكومة الاميركية بمبادرة المنظمة الجديدة وتود ان تبين ما يأتي: 1- تعتبر الحكومة الاميركية بيان المنظمة التزاماً بالسعي الى تسوية سياسية للصراع العربي - الاسرائيلي بالطرق السلمية. 2- اعترافاً بحق جميع الشعوب في تقرير المصير مثلما ينص على ذلك ميثاق الاممالمتحدة، تؤمن الولاياتالمتحدة بأن الشعب الفلسطيني له حق تقرير المصير، ويجب ان يتم تمكينه من ممارسة ذلك من خلال المفاوضات التي تؤدي الى تسوية سلمية شاملة. 3- تؤمن الولاياتالمتحدة ان القرارين 242 و338 يجسدان المبدأ الاساسي الذي يمكن ان تُبنى عليه تسوية سياسية للصراع العربي - الاسرائيلي. 4- تعتبر الولاياتالمتحدة ان موافقة المنظمة على قراري مجلس الامن 242 و338، وتنديدها بالارهاب، والتزامها بالتسوية السياسية من خلال الطرق السلمية ازالت العقبات التي كانت تمنع الولاياتالمتحدة في الماضي من اجراء اتصالات رسمية مع المنظمة. نتيجة لذلك فان الحكومة الاميركية مستعدة للالتقاء مع ممثلين معينين من منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بمجرد ان تعلن اللجنة التنفيذية اسماء ممثليها. وأخيراً تدعو الولاياتالمتحدة جميع الاطراف الى اغتنام الفرصة لتجديد البحث عن السلام من دون تأخير". وهكذا نشأت بالنسبة الى ادارة ريغان قضية وهي ماذا ستقول في مقابل قبول المنظمة القرار 242 واعترافها بحق اسرائيل في الوجود ونبذها الارهاب. وخلال الاسابيع التالية وردت انباء من تونس تتحدث عن نفاد صبر الفلسطينيين ورغبتهم في الاستماع الى الموقف الاميركي الرسمي. وفي اواسط ايلول سبتمبر 1988 ابلغت المنظمة السوفيات بالمبادرة فأيدوها. في السادس عشر من ايلول سبتمبر 1988 القى شولتز خطاباً رئيسياً في مجموعة مؤيدة لاسرائيل في ميريلاند، وشرح لماذا لن تؤيد الولاياتالمتحدة فكرة تقرير المصير الفلسطيني اذا كان ذلك سيعتبر بصورة تلقائية حق الفلسطينيين في دولة. لكنه اضاف ان الفلسطينيين في المفاوضات "احرار في المحاججة من اجل الاستقلال". لكن المفاوضات هي الاساس. وكان شولتز شعر بخيبة الامل من خطاب عرفات الذي ألقاه في ستراسبورغ في الثالث عشر من ايلول سبتمبر على رغم ان المنظمة كانت المحت الى ان خطاب عرفات لن يشتمل على موقف المنظمة الجديد. ومع ازدياد مشاعر الاحباط لدى الطرفين اصدر شولتز تعليماته بنقل رسالة شفوية الى ربيع ليوصلها الى عرفات في الثالث والعشرين من ايلول سبتمبر. وورد فيها: "نرحب باستلام المبادرة التي نعترف بأنها جهد حقيقي وجدي. وقد نالت هذه القضية دراسة دقيقة وستظل تنال البحث الجدي. ونحن نتوقع ان نقدم رد فعلنا خلال ستة اسابيع او حوالي ذلك". باختصار سيرسل الرد الاميركي على بيان المنظمة المقترح بعد الانتخابات الاميركية والاسرائيلية. ولكن كان في وسع المرء ان يتحرى ان ادارة ريغان لم تكن تنتظر من دون ان تبذل اي جهد، امتثال المنظمة. اذ انها كانت ترسل اشارة على موقفها الايجابي، وكانت تجدد التأكيد على ان المحادثات ستبدأ بمجرد تلبية الشروط المعروفة جيداً. وكانت السياسة الاميركية السابقة المعلنة هي انه لا يمكن بدء اية محادثات الا اذا قبلت المنظمة الشروط الاميركية، بل وحتى قبول المنظمة هذه الشروط لن يعني بالضرورة بدء حوار رسمي. اما الآن فقد ورد صراحة ان المحادثات ستعقب قبول المنظمة الشروط الاميركية على الفور. وفي محاولة من المنظمة لكي لا تتلاشى المبادرة خلال الاسابيع اللاحقة قدمت لمحات عن خططها. ففي التاسع عشر من تشرين الاول اكتوبر 1988 ابلغت المنظمة عن الموقف الذي تعتزم اتخاذه في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني. اذ انها ستقبل مبدأ حل الدولتين للصراع، وترسي قبولها على قرار الاممالمتحدة رقم 181 الصادر عام 1947 الذي دعا الى تقسيم فلسطين الى دولتين ورفضه العرب آنذاك. وإضافة الى ذلك ستقبل المنظمة القرارين 242 و338، كأساس لمؤتمر دولي، مع الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره. كذلك ستندد المنظمة بالارهاب. وبعد تبني هذه المواقف رسمياً ستصدر المنظمة البيان الذي تريده الولاياتالمتحدة وبعدئذ يجب على الولاياتالمتحدة ان تستجيب. استناداً الى هذه المعلومات كان في الوسع تقوع ظهور مشكلات عدة. اذ ان المنظمة لا تزال تصر على ما يبدو على قبول اميركا حق تقرير المصير الفلسطيني ثمناً لقبولها القرار 242. ومع ان المنظمة تندد بالارهاب فانها ليست على استعداد لنبذ استخدامه. كذلك لم يرد ذكر واضح لحق اسرائيل في الوجود. وبعد ان تلقت الادارة الاميركية هذه الرسالة بفترة قصيرة، ابلغها الاردنيون ان عرفات لم يعد يصر على الاعتراف بحق تقرير المصير الفلسطيني. فاذا كان يمكن تحقيق الانسحاب الاسرائيلي، وبعد تنازل الاردنيين عن مطالبتهم القانونية بالأراضي المحتلة فان الفلسطينيين سيصبحون السلطة الحاكمة في اي ارض تنسحب منها اسرائيل. ومع ان الموقف الاردني كان منطقياً فانه لم يكن يعتبر بصفة تلقائية انعكاساً دقيقاً لموقف المنظمة. الدور السويدي ومع تحديد موعد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في تشرين الثاني نوفمبر 1988 اعرب عرفات عن بعض مشاعر عدم الارتياح من مدى الاعتماد على القناة المستخدمة للاتصال بين واشنطن والمنظمة. والارجح ان امله كان خاب مما سمعه، اذ ان شولتز لم يكن مستعداً للبدء في شيء الا بعد اجتماع المجلس الوطني. مع اقتراب موعد انعقاد المجلس بدأت نتائج الانتخابات الاسرائيلية والاميركية تتوارد، اذ ادت الانتخابات الاسرائيلية مرة اخرى الى حالة من الاستعصاء بين الليكود والعمل مما أدى فيما بعد الى ائتلاف ليكودي مع العمل، ولكن من دون تناوب على رئاسة الحكومة. وتولى موشي آرينز وزارة الخارجية بدلاً من بيريز الذي انتقل الى وزارة المالية. اما رابين فقد ظل وزيراً للدفاع مما يعني ان حزب العمل ظل يشغل مناصب مهمة في مجلس الوزراء. لكن السياسة الخارجية اصبحت منذ تلك اللحظة تحت سيطرة شامير المحكمة. اما الانتخابات الاميركية فكانت اكثر حسماً. فقد فاز نائب الرئيس جورج بوش على المرشح الديموقراطي مايكل دوكاكيس فوزاً ساحقاً. وهكذا ظل هناك باب صغير يمكن من خلاله التوصل الى اتفاق بين المنظمة والولاياتالمتحدة قبل ان يغادر ريغان البيت الابيض. وكان بوش حريصاً على ان يتم ذلك قبل ان يؤدي اليمين الدستورية، لكنه لم يقم بدور مهم في القرارات المتعلقة بالمنظمة. وحين اجتمع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر بين الثاني عشر والخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر نجح عرفات في دفع برنامجه السياسي واعلان قيام الدولة الفلسطينية برئاسته. وبدا ان المنظمة قبلت القرار 242 ولكن ليس من دون شروط. كما ان بعض اللغة التي وردت في الوثيقة السياسية كانت تعرب عن الشعارات القديمة. ولم يعجب هذا شولتز. في تلك الاثناء بدأت المبادرة السويدية تعطي بعض الثمار. اذ عقد اجتماع تمهيدي بين ممثلي المنظمة وزعماء اليهود الاميركيين في اواخر تشرين الثاني نوفمبر 1988 وتوصل المجتمعون الى الاتفاق على بيان سياسي عام اخذ شكل تفسير مُتفق عليه لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني الاخيرة. وكانت ذروة هذا الجهد ان يعقد اجتماع علني بين الزعماء اليهود الاميركيين وعرفات في ستوكهولم ويصدر فيه البيان الجديد. وقبل الاجتماع اتصل اندرسون بشولتز ليسأله اذا كان يريد منه ابلاغ عرفات بأي شيء مهم. ومع ان شولتز كان رفض قبل ذلك بفترة بسيطة طلب عرفات الحصول على تأشيرة دخول لزيارة الاممالمتحدة بدعوى ان المنظمة "جماعة ارهابية"، فانه قرر الاستجابة لطلب اندرسون. وفعلاً وضع شولتز بياناً وجاء السفير السويدي الى منزل شولتز لينقله الى اندرسون، وحده من دون غيره. في رسالة مؤرخة في الثالث من كانون الاول ديسمبر 1988 ابلغ شولتز الرد الاميركي الذي طالما انتظره الفلسطينيون مع نص بما يجب على عرفات ان يقوله بالضبط لتلبية الشروط الاميركية. وأوضح شولتز في رسالته انه لن يساوم على اللغة. كما لاحظ ان المنظمة يمكنها ان تضيف نقاطاً اخرى الى البيان الاساسي ولكنها يجب الا تجعل قبولها للشروط الاميركية مشروطاً بهذه النقاط، ويجب الا تناقض هذه النقاط هذا القبول. وأخيراً اضاف شولتز القول انه يجب الا يؤخذ اي شيء في رسالته على انه تلميح لاستعداد الولاياتالمتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. كان البيان الذي اقترح شولتز ان تصدره المنظمة مثلما نقله اندرسون الى عرفات كما يلي: "ترغب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كمساهمة منها في البحث عن سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط ان تصدر البيان الرسمي الآتي: 1- انها مستعدة للتفاوض مع اسرائيل على تسوية سلمية شاملة للصراع العربي - الاسرائيلي على اساس قراري الاممالمتحدة الرقم 242 و338. 2- تتعهد بالعيش بسلام مع اسرائيل وجيرانها الآخرين واحترام حقوقهم في الوجود بسلام ضمن حدود آمنة معترف بها دولياً، مثلما ستفعل الدولة الديموقراطية الفلسطينية التي تسعى الى اقامتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. 3- انها تندد بالارهاب الفردي والجماعي وارهاب الدولة بجميع اشكاله ولن تلجأ اليه. 4- انها مستعدة لتعليق جميع اشكال العنف على اساس متبادل بمجرد بدء المفاوضات". كان هذا البيان قريباً جداً من المسودة التي عاد بها محمد ربيع من تونس في ايلول سبتمبر بموافقة المنظمة، مع اضافة كلمات اساسية عدة تشير الى عدم الانهماك في الارهاب في المستقبل. ولأسباب غير واضحة اعترضت المنظمة على النقطة الرابعة بعد ان كانت قبلتها في شهر ايلول سبتمبر السابق، وقبل شولتز هذا الحذف. كذلك تم الاتفاق على السويديين بما في ذلك اضافة وجوب اجراء المفاوضات "في اطار مؤتمر دولي" الى النطقة الاولى. ومقابل ذلك وعد شولتز بأن تعلن الولاياتالمتحدة انها مستعدة لبدء محادثات جدية مع المنظمة. وستعترف الولاياتالمتحدة بأن ممثلي المنظمة سيكون لهم الحق اثناء المفاوضات باثارة جميع المواضيع التي تهمهم. وبعدئذ، كما قال شولتز، سيجيب مسؤول اميركي عن سؤال "مزروع" اي متفق على اثارته عما اذا كان الفلسطينيون يستطيعون طرح موقفهم من مسألة الدولة، وسيكون جواب المسؤول هو: "نعم للفلسطينيين في رأينا الحق في متابعة الدولة المستقلة من خلال المفاوضات". وقد كان هذا الرد هو اكثر ما يمكن ان يقترب شولتز به من قول: ان للفلسطينيين حق تقرير المصير. كذلك وافق شولتز، استجابة لطلب من المنظمة بالرد على سؤال عن المؤتمر الدولي كما يأتي: "لطالما اوضحت الولاياتالمتحدة منذ مدة طويلة تأييدها للمفاوضات المباشرة، ولكننا لا نزال على استعداد للنظر في اي اقتراح قد يؤدي الى مفاوضات مباشرة نحو سلام شامل. وقد دعت المبادرة التي اقترحها الوزير شولتز في بداية العام الى مؤتمر دولي لبدء المفاوضات المباشرة. ويجب تنظيم اي مؤتمر من هذا القبيل بشكل لا يجعل منه بديلاً للمفاوضات المباشرة". ورد عرفات على رسالة شولتز بطريقتين. اذ ابلغ اندرسون انه يوافق شخصياً على اللغة التي يقترحها شولتز بل ووقع على النص المقترح. لكنه اضاف انه لا بد له من الحصول على موافقة الاعضاء الآخرين في اللجنة التنفيذية. ثم اصدر عرفات البيان الذي كان توصل اليه ممثلوه مع زعماء اليهود الاميركيين في الحادي والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر. وكانت صياغته قريبة جداً من تلبية شروط شولتز لكنها لم تلبها كلياً. اذ بدلاً من قبول القرارين 242 و338 اساساً للمفاوضات مع اسرائيل اضاف عرفات حق الفلسطينيين في تقرير المصير كأساس آخر للمؤتمر مما يوحي بأنه يجب قبول هذا الشرط مسبقاً من قبل المشاركين الآخرين، وهو ما لم تكن الولاياتالمتحدة او اسرائيل على استعداد لقبوله، يضاف الى ذلك ان عرفات على رغم "رفضه وشجبه" الارهاب بجميع اشكاله، فانه لم ينبذه ولم يتعهد بعدم استخدامه في المستقبل. ومع هذا ربما كان اهم شيء هو ان عرفات اعلن صراحة ان المنظمة "تقبل وجود اسرائيل كدولة في المنطقة" وهي صيغة لم يسبق له ان استخدمها من قبل. بدء الحوار الرسمي اما الخطوة التالية في محاولة لفظ عرفات تلك الكلمات السحرية فقد جاءت اثناء ظهوره في جلسة خاصة للأمم المتحدة عقدت في جنيف في الثالث عشر من كانون الاول ديسمبر 1988. اذ ان عرفات واجه بعض المعارضة داخل اللجنة التنفيذية للمنظمة لفكرة استخدام الصياغة اللغوية نفسها التي قدمها شولتز الى اندرسون. وكان نايف حواتمة اشد المعارضين. وهكذا ابلغ عرفات السويديين انه سيستخدم صيغة شولتز في خطابه ولكنها ستكون موزعة على اجزاء الخطاب المختلفة. والذي حدث هو ان السويديين لم ينقلوا رسالة عرفات بوضوح الى الاميركيين الذين كانوا يتوقعون الاستماع الى الكلمات نفسها التي تم الاتفاق عليها. وبينما كان عرفات ينتقل من فقرة الى اخرى في خطابه تطرق الى نقطة "رفض" و "شجب" الارهاب بكل اشكاله لكنه لم "ينبذه". ومع اقترابه من نهاية الخطاب عالج مسألة القرار 242 وحق اسرائيل في الوجود. وكان كلامه معقداً بالعربية، ولكن بعد ترجمته الى الانكليزية شعر بعض مسؤولي وزارة الخارجية الذين استمعوا اليه ان عرفات لم يذكر بشكل محدد المفاوضات مع اسرائيل او حق اسرائيل في الوجود ولم ينبذ الارهاب. وهكذا كان رد فعل شولتز ومساعده شارلس هيل سلبياً. اذ كانا يتوقعان التزاماً حرفياً بالنص، وشعرا ان الخطاب كان دليلاً آخر على انه لا يمكن الثقة بعرفات. واعترف السويديون ان الخطاب لم يلب الشروط الاميركية ولكنهم شعروا انه يكاد يكون فعل ذلك. ولهذا اصر شولتز على ان يعيد عرفات الكرة. خلال يوم الرابع عشر من كانون الاول ديسمبر ضغط كثيرون على عرفات، وبينهم الرئيس حسني مبارك والمسؤولون السويديون وعدد من الاميركيين كأفراد، لمحاولة اقناعه بنطق الكلمات المحددة التي يصر عليها شولتز. وأخيراً وفي حضور عدد من رجال الاعمال الفلسطينيين الاثرياء الذين كانوا على اتصال هاتفي مع وزارة الخارجية للتحقق من الكلمات المقبولة، وافق عرفات على عقد مؤتمر صحافي قال فيه في نهاية الامر بالانكليزية: "أمس... أشرت ايضاً الى قبولنا القرارين 242 و338 كأساس للمفاوضات مع اسرائيل في اطار المؤتمر الدولي... وفي خطابي يوم امس ايضاً كان واضحاً اننا نعني... حق جميع الاطراف المعنية بصراع الشرق الاوسط في الوجود بسلام وأمن، وكما قلت، بما في ذلك دولة فلسطين واسرائيل والجيران الآخرون تبعاً للقرارين 242، و338. اما بالنسبة الى الارهاب فقد نبذته يوم امس بوضوح ليس فيه اي لبس. ومع هذا فها انا اكرر رسمياً اننا ننبذ كلياً وبصورة مطلقة كل اشكال الارهاب، بما في ذلك الارهاب الذي يقوم به الافراد والجماعات وارهاب الدولة". وفي نهاية الامر وافق شولتز على ان عرفات لبّى الشروط الاميركية، وابلغ كولن باول مستشار الامن القومي الذي طلب من الرئيس الموافقة على الاعلان ان الولاياتالمتحدة والمنظمة يمكن ان تباشرا المحادثات على مستوى السفير الاميركي في تونس. وقد وافق ريغان على ذلك من دون مشقة. وهكذا وفي الرابع عشر من كانون الاول ديسمبر 1988 رفعت الولاياتالمتحدة في آخر المطاف الحظر الذي كان مفروضاً على التعامل مع المنظمة وبدأ الحوار الرسمي بين الجانبين وهو حوار استمر الى ربيع 1990. * مستشار الرئيس السابق كارتر وخبير اميركي بارز في شؤون الشرق الاوسط.