في خلال السنوات الخمس الاخيرة وعلى رغم التطورات التي شهدتها منطقة الخليج منذ بداية الثمانينات، مع اندلاع الحرب الايرانية - العراقية، ثم حرب تحرير الكويت مطلع التسعينات، نجحت البحرين في التحول الى احد المراكز المالية الدولية الخمسة الاولى في العالم، ومن المتوقع ان تتحول بورصة البحرين الى بورصة دولية في خلال العامين المقبلين، وتقوم حكومة المنامة حالياً بالاعداد لهذه الخطوة، سواء على الصعيد القانوني، أو على الصعيد الاجرائي، تمهيداً لاطلاقها في موعد قد لا يتجاوز نهاية العام 1995 على أبعد تقدير. وتخطط البحرين في الوقت الحاضر للتحول الى مركز جذب للاستثمارات الصناعية الدولية، وإدخال التكنولوجيا المتقدمة الى البلاد. وتقوم وفود بحرينية مشتركة، من القطاعين العام والخاص، بزيارات ترويجية في الخارج، خصوصاً في الدول التي يمكنها ان تصدّر الاستثمارات الصناعية، وقد بدأت هذه الزيارات ببريطانيا، وهي من المقرر ان تشمل دولاً اخرى مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا والمانيا واليابان بهدف تعريف رجال الاعمال والمستثمرين على الفرص الاستثمارية المتوافرة في البحرين والاجراءات القانونية التي أقرتها الحكومة لتشجيع الاستثمارات الاجنبية وتوفير الحوافز الكافية لها. وللمرة الاولى تضع حكومة البحرين قانوناً للاستثمارات الاجنبية يسمح للاجانب بتملك مشاريع صناعية وخدمية بالكامل، من دون الحاجة الى شريك محلي، كما هو الوضع في معظم دول الخليج العربي الاخرى، والافادة من الاعفاءات الضريبية الاخرى، وحرية التحويل من والى البلاد من دون اية قيود. كما أقرت الحكومة قانوناً آخر يعطي المشاريع المشتركة تخفيضات في اسعار الطاقة وايجار الاراضي تصل الى 50 في المئة، الى جانب برامج تشغيل العمالة الوطنية، وإعطاء الشركات التي تلتزم بنسبة معينة اعفاءات ضريبية واسعة، وتحويل برامج التأهيل والتدريب التي تقوم بها هذه الشركات لعمالها ومستخدميها البحرينيين. وتحدد مفهوم المشاريع المشتركة بأنها المشاريع التي تقل فيها المساهمة الاجنبية عن 50 في المئة من ملكيتها في مقابل 51 في المئة لرأسمالها الوطني، على ان تستفيد هذه الشركات من فرص تصدير منتجاتها الى دول مجلس التعاون الخليجي اذا ما حققت قيمة مضافة في السلع التي تنتجها بنسبة 40 في المئة، طبقاً لما تنص عليه الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحدة التي اقرتها دول مجلس التعاون. وتستفيد المشاريع المشتركة، كما المشاريع التي يملكها الاجانب بالكامل، من التسهيلات الممنوحة للمشاريع والشركات الوطنية في البحرين. ويقول علي فخرو رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين ان بلاده تسعى الى التحول الى منطقة جذب للاستثمارات الصناعية، خصوصاً الاستثمارات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، في اشارة واضحة الى ان الخطط الاقتصادية التي اقرتها حكومة المنامة تحاول التركيز على مشاريع تواجهها منافسة في الدول الخليجية الاخرى، كما هي حال المشاريع النفطية والبتروكيماوية. وتخطط البحرين حالياً لانشاء مجموعة مشاريع عملاقة في مجال الخدمات الاساسية، من بينها اقامة محطة جديدة للكهرباء بكلفة تبلغ 200 مليون دولار، اضافة الى بناء ميناء جديد بكلفة يمكن ان تصل الى 300 مليون دولار، الى جانب مصنع للحديد بكلفة تقديرية تبلغ 600 مليون دولار. وثمة هدفان بحرينيان معلنان للتحول الى منطقة جذب للاستثمارات الصناعية، اذ يتمثل الهدف الأول في زيادة المداخيل الاقتصادية للبلاد، من خلال زيادة وتيرة النشاط الاقتصادي، والافادة من الاجواء الاقتصادية والمالية التي تتميز بها البلاد، الى جانب أجواء الحرية المتوافرة، وهي اجواء حولت هذا البلد الى مركز سياحي حيث لكل مواطن 3 سياح، والى مركز مالي دولي نظراً الى كفاءة نظام الخدمات الذي يوفره للاستثمارات الاجنبية. أما الهدف الثاني، وهو هدف بعيد المدى، فيتمثل في السعي لتوفير فرص عمل كافية للعمالة البحرينية في المستقبل، على رغم ان هذه المشكلة لا تزال غير مطروحة في البحرين، ويشتمل نظام الاعفاءات الذي اقرته حكومة البحرين اخيراً على منح المشاريع التي تبلغ فيها نسبة العمالة الوطنية 30 في المئة حسومات تصل الى 50 في المئة من كلفة استئجار الارض، الى جانب 50 في المئة من كلفة الطاقة. وتركز الخطط البحرينية على اجتذاب الاستثمارات الاوروبية والاميركية واليابانية بالدرجة الاولى، على اعتبار ان هذه الاستثمارات يمكن ان تحمل معها تكنولوجيا متقدمة غير متوافرة في المنطقة، او في مناطق اخرى من العالم. ويقول علي فخرو ان التركيز على اوروبا يستهدف، بالدرجة الأولى، الوصول الى مرحلة المزاوجة بين "التكنولوجيا الاوروبية المتقدمة والرساميل البحرينية والخليجية الوافرة". ويعترف المسؤولون البحرينيون بأن المركز المالي القوي لبلادهم وعشرات مصارف "الاوفشور" المتمركزة في المنامة، ستساعد الى حد كبير في تدعيم موقعهم الجديد كمركز للاستثمار الصناعي في المنطقة. وفي الواقع، تسعى المنامة لتسويق موقعها كمركز للاستثمارات الصناعية، في ظل منافسة قوية تخوضها مراكز تجارية وصناعية لا تقل اهمية عنها في المنطقة، مثل دبي التي تشكل اكبر مركز تجاري في الشرق الاوسط والخليج، وأبو ظبي وسلطنة عمان اللتين تسعيان الى الافادة من الثقل التجاري والاقتصادي الذي تتمتعان به حالياً للتحول الى مركز جذب كبير للاستثمارات الصناعية. وتتكل الحكومة البحرينية للترويج لخططها الجديدة على النجاحات التي حققتها في خلال السنوات العشر الماضية في المجال المالي والمصرفي، اذ اصبحت مركزاً اقليمياً لعشرات المصارف وشركات الخدمات. ويبلغ عدد المصارف العاملة في البلاد حالياً 120 مصرفاً، اضافة الى اكثر من 45 شركة تأمين الى جانب عشرات شركات الطيران العالمية التي تتعامل مع البحرين. كما تتكل الخطط الجديدة على توافر الكفاءات البشرية المحلية، وهو عنصر يشجع الشركات الاجنبية على التوظيف في البحرين، بسبب عدم توافره بشكل كاف في دول خليجية اخرى وحاجتها الى الاتكال على العمالة المستوردة من الخارج، الامر الذي يزيد من معدلات الكلفة للمشاريع التي تنوي اقامتها. ويقول خبراء اقتصاديون في المنامة ان الحوافز والتسهيلات التي اقرتها الدولة في الفترة الاخيرة ليست سوى وجه واحد للخطة الاقتصادية الطويلة الامد، والتي تتمثل في مجموعة قوانين وتشريعات ستعمد الحكومة الى اطلاقها. وطبقاً لمعلومات خاصة، فان الخطوة الاولى التي قد تنفذها حكومة المنامة تتمثل في اطلاق حرية تملك الاسهم للمواطنين الخليجيين في الشركات الخليجية، وتقرر القوانين الحالية معدل 25 في المئة حداً اقصى لملكية مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في الشركات البحرينية، الا انه مع اطلاق حرية التملك، ستتحول السوق المالية الى سوق عملاقة بمليارات الدولارات نظراً الى ضخامة الشركات التي سيتم التداول بأسهمها، خصوصاً الشركات السعودية العملاقة، وهي شركات تجاوزت في مستوياتها المستوى الاقليمي لتصبح من النوع العالمي. وفي الواقع، فقد انجز البنك الدولي للانشاء والتعمير اخيراً دراسة حول تحويل بورصة الاسهم في البحرين الى بورصة عالمية، ومن المقرر ان يصار الى وضع دراسات اخرى حول الموضوع نفسه لاستكمال ملف الاجراءات التي يجب تنفيذها وان كانت الخطوة الاولى المتوقعة هي السماح بتداول اسهم الشركات الخليجية، ورفع القيود الموضوعة حالياً على حقوق التملك فيها. ويتوقع مسؤولون بحرينيون ان تساهم مصارف "الاوفشور" العاملة حالياً في توفير السيولة الكافية لتمويل الاستثمارات الجديدة. وينظر الى الدور الجديد لهذا النوع من المصارف على انه يخالف المهمة التي كانت تقوم بها في السابق في توفير الرساميل الكافية لتمويل الاستثمارات في الخارج، اذ سيتحول دورها الى قناة لجذب الرساميل من الخارج الى البحرين ومنطقة الخليج على ضوء تراجع مستويات السيولة في المنطقة، وضخامة المشاريع المرشحة للتنفيذ في السنوات الخمس المقبلة والتي تصل كلفتها، وفقاً لتقديرات متطابقة، الى ما يزيد عن 80 مليار دولار، خصوصاً في مجال الصناعة النفطية في دول مثل السعودية 35 مليار دولار والامارات 12 مليار دولار، والكويت وقطر وسلطنة عمان بنسب اقل.