خلصت الدراسات التي اجرتها مؤسسات التمويل الدولية لتجارب الكثير من الدول النامية الى ان نجاح هذه التجارب يعتمد اساساً على مدى كفاءة الموارد المستخدمة وليس حجمها او كميتها. ولذلك طالبت هذه الدراسات الدول التي تخوض غمار الاصلاحات الهيكلية بايجاد الآليات والأجهزة التي تؤمن لها كفاءة اعلى في استثمار الموارد المتاحة. وتجمعت لدى دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الثلاثة الماضية موارد مالية كبيرة. واذا كانت الحكومات استخدمت هذه الموارد للنهوض بأعباء النفقات الجارية ومشاريع البنية الأساسية، فان القطاع الخاص - الذي يملك ودائع كبيرة في مصارف وصناديق خارجية - لا يزال مطالبا بزيادة استثماراته المحلية وتوسيع دوره في تسيير عجلة التنمية المحلية. وهنا يبرز دور بورصات الأوراق المالية كأحد اجهزة الادخار والاستثمار المهمة. وعندما تكون سوق الاوراق المالية منظمة والتعامل فيها واسعا فهي تتسم بالمرونة، ويسهل تحويل الاموال المدخرة حديثا الى اموال مستثمرة في مشاريع قائمة او في دور التكوين، وكذلك تسهل تحويل الاستثمارات الطويلة الاجل الى اصول سائلة عند الحاجة. وسعياً وراء تنفيذ هذه الوظائف والمهمات شهدت بورصة البحرين للأوراق المالية خلال العامين الماضيين اعادة هيكلة واسعة سعياً وراء تحديث اجهزتها وزيادة كفاءتها وفتح الاستثمار فيها امام المستثمرين الخليجيين والعرب والأجانب. وأسهمت هذه الجهود في تحقيق اداء افضل للسوق السنة الجارية. ففي حين انخفض مؤشر اسعار السوق بنسبة 5.5 في المئة عام 1998، عاود التحسن مطلع السنة الجارية بشكل ملحوظ على رغم تراجعه بشكل طفيف اخيرا بعد سحب الأرباح من الاسعار السوقية. وأدى ذلك الى تحسن القيمة السوقية للأسهم المتداولة لتبلغ 2.55 بليون دينار 6.8 بليون دولار نهاية اذار مارس الماضي. ولا تزال بورصة البحرين صغيرة الحجم نسبيا اذ يبلغ عدد الشركات المدرجة فيها 42، ويقتصر التداول فيها بشكل رئيسي في الأسهم، ويبلغ متوسط التداول اليومي نحو 2.5 مليون دولار. ولا تتجاوز نسبة الاسهم المتداولة من اجمالي الاسهم الصادرة تسعة في المئة. وتدار السوق من خلال مجلس ادارة يترأسه وزير التجارة ويضم في عضويته ممثلين عن مختلف الدوائر والأجهزة المعنية. وتشهد هذه السوق منذ تأسيسها نمواً متسارعاً بلغ معدله السنوي 83 في المئة بين 1990 و1998. كما تدل نسب مشاركة مواطني دول المجلس من اجمالي قيمة التداول 14 في المئة والأجانب ثلاثة في المئة الى الاتجاه نحو فتح السوق. وترتفع هاتان النسبتان الى 47 في المئة و11 في المئة على التوالي في حالة الحصص من اجمالي ملكية الأسهم المدرجة. وتحوز قطاعات مصارف الأوفشور والمصارف التجارية والخدمات على حصة الأسد من التداول في السوق. ففي قطاع مصارف الأوفشور تحظى اسهم "انفستكورب" و"بنك البحرين الدولي" و"بنك البحرين والشرق الاوسط" و"شركة التسهيلات البحرين" باقبال كبير من المساهمين المحليين والأجانب. وفي قطاع المصارف، تشهد اسهم معظم المصارف التجارية اقبالا كبيرا نتيجة امكان تحقيق مكاسب رأس مالية سريعة. اما في قطاع الخدمات فان اسهم "شركة البحرين للاتصالات" تفوز عادة بحصص مهمة من التداول. وتشير الأرقام الى ان الاستثمار في الاسهم البحرينية امر مغر في العادة، اذ بلغ معدل العائد النقدي للاستثمار في الاسهم خمسة في المئة العام الماضي وفي الربع الاول من السنة الجارية، وهي نسبة اعلى من معدلات الفائدة السائدة على الودائع المصرفية. اما معدل السعر الى نصيب السهم من الارباح فقد بلغ 10 اضعاف وهو معدل منخفض مقارنة بالمعايير العالمية. وتبقى السمة الأساسية للجهود التي تبذلها السوق حاليا هي استكمال البنية التشريعية للسوق خصوصا تلك المتعلقة بفتح السوق على الاستثمار الخليجي والاجنبي. وحول هذه الجهود يقول وزير التجارة رئيس مجلس ادارة بورصة البحرين علي صالح الصالح ان هناك تشريعات عدة تم اصدارها اهمها مشروع قانون الشركات التجارية الجديد الذي استهدف تطوير البيئة التشريعية المحلية لتكون مؤهلة لمواكبة المنافسة على اجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتمويل انشطة وقطاعات الاقتصاد الوطني عموما، والتركيز على قطاع الشركات المساهمة العامة تحديدا، وذلك من خلال الاهتداء بالأنماط والمعايير المنصوص عليها في التشريعات العالمية المتقدمة. وفي ما يتعلق بالتشريعات الخاصة بالاستثمار الأجنبي الذي اخذ حيزا كبيرا من الاهتمام والتركيز نتيجة للتطورات الهائلة التي شهدتها التشريعات الوطنية في غالبية الاقتصاديات العالمية، تم اصدار المرسوم بالقانون رقم 10 لسنة 1999. وأشار الصالح الى ان هذا القانون ساوى الاستثمار الأجنبي لجهة التملك او التداول مع الاستثمار المحلي من دون اي تمييز في الحقوق او الالتزامات باستثناء تحديد نسبة اولية تصل الى 49 في المئة من رؤوس اموال الشركات المساهمة العامة بالنسبة لتملك وتداول اسهم هذه الشركات من قبل المستثمرين الاجانب غير الخليجيين الذين سمح لهم هذا القانون بتملك وتداول نسبة تصل الى 100 في المئة من اسهم الشركات المذكورة. وأعطى هذا القانون الصلاحية لوزير التجارة في رفع حجم الاستثمار الأجنبي غير الخليجي الى مستوى يتجاوز نسبة 49 في المئة اذا رأى في ذلك مصلحة للاقتصاد الطني. وأعرب عن اعتقاده بأن صدور هذا القانون يمثل نقلة نوعية متميزة في البنية التشريعية والقانونية المتعلقة بالبيئة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد عموماً في قطاع رأس المال تحديدا الذي اصبح الآن مهيئاً لأن يشهد هو الآخر نقلة نوعية متميزة. ويرى الصالح ان فتح بورصة البحرين امام الاستثمار الاجنبي يعني القاء اعباء جديدة على السوق ما يتطلب تهيئتها جيدا لمثل هذه الخطوة، ويقول: "اننا في البحرين، كما في الدول التي تمثل مراكز مال وأعمال اقليمية ودولية، لم ولن نفكر في وضع معايير للاشراف والرقابة خارج اطار معايير الافصاح ومتطلبات تنظيم وضمان تدفق المعلومات حول الاستثمار في الاوراق والأدوات والمشتقات المالية المصادرة او المتداولة في البحرين". وتحدث الصالح عن التوجهات الاستراتيجية المستقبلية للسوق، وقال: "تم التأكيد ضمن الخطة الاستراتيجية للسوق على ضرورة الالتزام في كافة اوجه عمل واختصاصات السوق وقطاع رأس المال في البحرين عموما، بالمعايير والمتطلبات الدولية. وتم التأكيد بصورة استثنائية على ضرورة الالتزام بهذه المعايير ضمن البيئة الداخلية للسوق وقطاع رأس المال". وأعرب عن ثقته بالمستقبل "خصوصاً بعد الاهتمام الذي ابدته المنظمات الدولية المعنية بتطوير بيئة الاستثمار العالمي كمؤسسة التمويل الدولية التي ادخلت السوق اخيرا ضمن قاعدة بياناتها الموحدة والمؤشرات الصادرة عنها، ما يعطي السوق المزيد من الصدقية والبعد الدولي ويوفر الثقة والطمأنينة لدى هؤلاء المستثمرين".