«سلمان للإغاثة» يدشن مشروع توزيع مواد إيوائية في باكستان    مبعوث ترامب: أمريكا تريد من أوكرانيا إجراء انتخابات بعد وقف إطلاق النار    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    عبدالعزيز بن سعد يتوّج الراجحي بطلًا لرالي حائل تويوتا الدولي 2025    جامعة الملك عبدالعزيز تُتوج ببطولة تايكوندو الجامعات    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    وكالة "فيتش" : التصنيف الائتماني للمملكة عند A+    «السداسية العربي»: لا للتهجير وتقسيم غزة    موكب الشمس والصمود    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    "معرض المنتجات" بالكويت يناقش التحديات التصديرية    إنتاج العسل    أمير منطقة جازان يرعى حفل افتتاح "مهرجان عسل جازان" العاشر غدًا    البريطاني «بيدكوك» بطلًا لطواف العلا 2025    في الجولة 18 من دوري روشن.. الاتحاد يقلب الطاولة على الخلود.. والفتح يفرمل القادسية    سعد الشهري.. كلنا معك    الزي المدرسي.. ربط الأجيال بالأصالة    خلال شهر يناير 2025.. "نزاهة" تحقق مع 396 موظفاً في 8 وزارات بتهم فساد    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    طريقة عمل ارز بالبشاميل وفاهيتا الدجاج    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    أسرتا العلواني والمبارك تتلقيان التعازي في فقيدتهما    قطار الرياض وحقوق المشاة !    من ملامح السياسة الأمريكية المتوقعة..    المؤامرة على نظرية المؤامرة.. !    إعلاميات ل«عكاظ»: «موسم الرياض» يصنع التاريخ ب«UFC السعودية»    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    غالب كتبي والأهلي    عندما تتحول مقاعد الأفراح إلى «ساحة معركة» !    ضوء السينما براق    "نيوم" يعلن رحيل البرازيلي "رومارينهو"    السعودية والاستثمار البشري    تفسير الأحلام والمبشرات    كندا تبلغت بفرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 25% اعتبارا من الثلاثاء    نصيحة مجانية للفاسدين    حزين من الشتا    وزير التعليم يُتوّج طلاب عسير بلقب الفرسان    رحل أمير الخير والأخلاق    خالد البدر الصباح: وداعًا أمير المواقف الشجاعة    اتفاقية تعاون لتوفير بيئة علاجية لأطفال القصيم    ندوة عن تجربة المستضافين    القبض على (3) إثيوبيين في جازان لتهريبهم (54.6) كجم "حشيش"    الرويلي يفتتح المسابقة الدولية العاشرة في حفظ القرآن الكريم للعسكريين    3134 امرأة في قوائم مخالفي الأنظمة    غرامات مقترحة على «مطاعم التسمم».. 30,000 ريال عن كل متضرر    خيرية هيلة العبودي تدعم برنامج حلقات القرآن بالشيحية    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر على حلقات كتاب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق - إيلي سالم يتذكر : تفاصيل الحوار الصعب بين لبنان وسورية 5 قسم ثاني
نشر في الحياة يوم 22 - 02 - 1993

الأسد : اسرائيل تريد إقامة امبراطورية ولا مصلحة للبنان للاتفاق معها
خدام : اذا اتفق لبنان مع اسرائيل ولم يقدم تنازلات فستوافق سورية خلال نصف ساعة على الانسحاب
خدام : سورية تحب الجميل
على هامش اعمال قمة نيودلهي اجتمعت الى عبدالحليم خدام وزير الخارجية السوري. ووجدت خدام شخصاً ذكياً مرحاً معجباً بالتحليل التاريخي. كان واثقاً من مركزه ويحب النقاش، ويجد متعة بالغة في القاء النكتة المناسبة أو اعطاء التعليق الملائم. وكان فكره يبحث باستمرار عن ملاحظة ساخرة لوضع الشخص الآخر في موقع دفاعي. وإذا جابهته تجده يحب المجابهة ويشجعها لأنه لامع فيها ويسجل فيها النقاط. وعلى رغم انه كان منفتحاً، فقد كان كتوماً ايضاً.
قال لنا خدام انه يشعر بأن اسرائيل ستحاول، خلال المفاوضات، فرض شروط غير مقبولة علينا، وطلب منا رفضها. وهاجم "الجبهة اللبنانية" لتعاونها مع اسرائيل على أمل ان تحررهم من السوريين والفلسطينيين. وقال: "بحق الله سيركضون وراء رغيف الخبز ولن يوفره أحد لهم." ونصحنا بالتفاوض مع اسرائيل، ولكن بشكل غير مباشر، وأكد ان سورية تتمنى لنا النجاح، شرط ان لا تحقق اسرائيل أية مكاسب. وأضاف اننا نستطيع استعمال سورية كحجة لعدم اعطاء أية تنازلات. وتكلمت كثيراً، مثل خدام، مستشهداً بالتاريخ. وقلت له: "نحن لسنا مستعدين لاتخاذ موقف ايديولوجي مطلق يؤدي الى خسارتنا بلدنا. نحن لا نملك القدرة العسكرية لاخراج الجيش الاسرائيلي ونريد اخراجه بواسطة المفاوضات. نحن لا نريد خسارة لبنان". وأجاب خدام: "ونحن كذلك. نحن معكم ونريد المساعدة. ربما يجب عليكم التفكير بخيارات اخرى". وقلت: "انا جاهز لأية خيارات اخرى، اعطني احدها". وأجاب خدام: "الجامعة العربية". وقلت له ان ذلك ليس خياراً جدياً، وانه يعرف اكثر من أي شخص آخر تاريخ الفلسطينيين مع الجامعة العربية. وسألته اذا كان يريدنا ان نعاني القدر نفسه. وقال خدام الذي كان عبقرياً في تذكر كل حادثة أو رواية من ذاكرته العميقة: "يا أخي إيلي، تعلم من محمد علي كلاي. يجب عليكم التحرك في طريقة توفر لكم فرصاً جديدة. يجب ان تخرجوا من تلك المفاوضات من دون التنازل عن أي شيء لاسرائيل". وعدت الى الخيارات ولكنه اصر على الجامعة العربية. ولو لم يكن للجامعة سابقة في فشل المسألة الفلسطينية لكنت وافقت على اقتراحه. وقلت: "انا لست وزير خارجية ديبلوماسياً، وأنا لن اخدعك. الجامعة العربية ليست خياراً في اخراج اسرائيل من لبنان". ولم يظهر خدام متحمساً للدور العربي وقال: "وربما يكون خيار لبنان في جبهة داخلية قوية تقود النضال ضد اسرائيل". وقلت له ان ذلك شرطاً ضرورياً ولكن غير كاف، وشعرت اننا بدأنا ندخل في حديث فلسفي. وكان واضحاً ان سورية لم تكن مستعدة لدعم التفاوض مع اسرائيل بواسطة اميركا، ولكنها لم تكن سلبية بوضوح. وختمت اللقاء قائلاً لخدام: "ثقوا بالحكومة اللبنانية واعطوها دعمكم الكامل. لبنان معقد جداً واللبنانيون وحدهم يعرفون كيفية التعامل مع وضعهم المعقد. نحن سنحاول حل المشكلة بواسطة الديبلوماسية. وطريقتنا في فعل الاشياء تختلف عن طريقتكم، نحن نختلف معكم على الاسلوب ولكن لا يمكننا الخلاف على الاهداف. ونحن وأنتم نستعمل الكلام بطريقة مختلفة. أطلب منكم ان تتفهموا موقفنا. نحن نريد خروج اسرائيل ونرجو ان تقبلوا بالسياسة التي نتبعها لاخراجها. لبنان متصدع، ووجوده اصبح في خطر. اعطوا الحكومة اللبنانية الدعم الذي تحتاج اليه واحكموا عليها لاحقا". وقال خدام: "ليس هناك أي مشكلة، نحن ندعمكم. ومن بين نجلي الشيخ بيار احببنا أمين ولم نحب بشير. وأردنا أمين رئيساً، وان يكون قوياً، لأن رئيساً ضعيفاً سيسبب مشاكل لكم ولنا. وإذا اردتم التفاوض مع اسرائيل فهذه مشكلتكم".
وبعد اللقاء مع خدام تلقينا دعوة من الرئيس حافظ الاسد لتناول الغداء معه في شقته في الفندق. وكان الاسد احضر معه طباخه وطعامه ومرطباته. وهكذا تمتعنا بوجبة دمشقية في فندق أنيق غربي الطراز في مدينة نيودلهي. ووجدت الأسد مرحاً للغاية ومستعداً دائماً للضحك من اعماق قلبه. ورحب بنا بحرارة فائقة ونظر اليّ وقال: "نحن نعرف الكثير عنك من خلال اصدقائك في الجامعة الاميركية في بيروت". وأكمل كلامه قائلاً: "حسب علمنا انت عربي جيد، كيف تعمل مع الكتائب الانعزاليين؟". وضحك عالياً كي لا يسيء الرئيس الجميل فهمه لأنه كان يمزح، والرئيس الاسد يمرر رسائل بين الجد والمزاح، فقط. وأضاف: "نحن معجبون بتصريحاتك العلنية وديبلوماسيتك، ويبدو ان منطقة الكورة تنتج رجالاً عظماء. لا، ليس دائماً، اذ انتجت شارل مالك الذي كان فيلسوفاً جيداً لكنه كان سياسياً سيئاً. وأنطون سعادة ولكنه ليس من الكورة كان قائداً كبيراً له اتباع عديدون في سورية، لكنه لم يفهم القومية العربية حقاً". ولاحظت ان الرئيس الأسد يحب ان يتكلم ويتمتع بتغيير الحديث باستمرار. وكان يعطي اهتماماً للمواضيع الجانبية والاشياء العابرة والنوادر، وكأنه حسم في قرارة ذهنه موقفه من المسائل الكبرى ولا يود مناقشتها. وكان يفضل الرجوع الى التاريخ. وأدهشني بمعرفته تفاصيل السياسة اللبنانية، اذ كان يردد الاسماء والاحداث وكأنه يقرأ من كتاب كتبه بيده. وكان الاسد وخدام يمرران ملاحظات عدة تحت سيل من المرح والنكات. اذ ارادا معرفة ما يدور في المفاوضات مع اسرائيل ورغبا في اتفاق لا يهدد سيادة لبنان واستقلاله، وكانا متحمسين لمغادرة القوات السورية لبنان عند التوصل الى اتفاق مناسب. وتخلل كل هذه التصريحات اهتمام قوي بلبنان وبتوازن الاحزاب فيه. وكان مضيفنا الكريم لاعباً بارعاً يوزع اوراقه على اللاعبين كما يشاء.
وعند انتهاء مؤتمر قمة عدم الانحياز، وزعت امانة السر قراراً يختلف عن ذلك الذي وضعناه وصوتنا عليه. وعندما استفسرت عن الموضوع تظاهرت امانة السر بعدم معرفتها بما حدث، ولكنها وافقت، بعد الحاح مني وتأخير طويل، على توزيع القرار الصحيح. وشككت في ان احداً فعل شيئاً مؤذياً، ولذلك طلبت من جميع سفاراتنا في كل انحاء العالم توزيع القرار الصحيح. والتقينا خلال المؤتمر بمعظم الوفود العربية وبعديد من القادة غير العرب، وتلقينا دعماً قوياً لسياستنا في المفاوضات. وعبر البعض عن تحفظهم ومخاوفهم كما كنا نحن نعبر عن التحفظات والمخاوف في المحادثات مع الاسرائيليين. وزارنا الرائد جلود الذي كان يمثل ليبيا. وبدأ باتهام لرئيس الجمهورية بالخيانة لتفاوضه مع العدو وانتهى بالموافقة معنا بشكل كامل، على عكس موقفه السابق تماماً. واضافة الى ذلك، عرض مساعدته لتفسير موقف لبنان للدول العربية التي لم تكن تعي مخاطر وتعقيدات الازمة اللبنانية. ومن بين جميع السياسيين العرب، وجدت جلود متميزاً. فهو ذو مظهر قاس ومكتئب وغامض، ونظرته باردة ومظهره يبعث على الشك. ولكن ابتسامة وكلمة لطيفة تغير كل شيء فيه. وهو يضحك من اعماق قلبه ويتكلم بحرية، كالاطفال، عن كل شيء وكل احد، ويظهر خلف القناع شخصية دمثة ولطيفة.
أطلعنا منظمة التحرير على آخر المستجدات وطلبنا انسحاب قواتها الباقية في طرابلس والبقاع. وكانت سياستنا ازاء الفلسطينيين الاستمرار في عملية الانسحاب الفلسطيني بواسطة الوسائل الديبلوماسية ودعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين وحقهم في تقرير مصيرهم. وكنا نؤيد نضالهم لتحقيق اهدافهم، ولكن هذا النضال يجب الا يكون على حسابنا، اذ كنا مستعدين لحمل قسطنا من العبء وليس اكثر. وأردنا نقل مقر منظمة التحرير من لبنان وسحب جميع مقاتليها منه وعودة جميع الفلسطينيين الذين دخلوا لبنان بشكل غير شرعي الى الدول التي كانوا مسجلين فيها قانونياً. ولبنان يرحب بجميع الفلسطينيين المسجلين شرعياً على أرضه الذين يبلغ عددهم حسب سجلاتنا نحو 250 ألف شخص، ويعتبرهم ضيوفاً ذوي حقوق ومسؤوليات حتى حل المسألة الفلسطينية. وهم يملكون حق العمل والتعبير عن انفسهم والعيش بكرامة ضمن القانون، ويتحملون مسؤولية عدم الاشتراك في نشاطات تهدد أمن الدولة.
وأملنا في اقناع عرفات بسحب ألفي مقاتل فوراً من طرابلس والبقاع لاعطاء المفاوضات الثلاثية دفعاً أقوى. واختير اللواء قريطم الذي كان على اتصال واسع بمنظمة التحرير الفلسطينية للقيام بدور المفاوض اللبناني مع المنظمة. وطلبنا من جان عبيد الذي كان يتمتع بعلاقات شخصية وثيقة مع عرفات وقادة المنظمة الآخرين المشاركة في هذه الجهود كمبعوث خاص لرئيس الجمهورية. وأجرينا اتصالات تمهيدية مع السودان واليمن الشمالي والاردن لطلب مساعدة هذه البلدان في استضافة مقاتلي المنظمة الذين سيتم سحبهم. وكان علينا في الوقت نفسه الاخذ في الاعتبار مسائل عدة: من أين سينسحب المقاتلون؟ وما هي الاولويات المناطقية؟ أين سيلتقون؟ كيف سيتم نقلهم؟ ما هي الترتيبات الامنية الضرورية لتأمين رحيلهم بأمان؟ ومن سيمول العملية؟ وتطوع اصدقاء فلسطينيون عاشوا في لبنان قبل الحرب وتعاطفوا معه في محنته، وهم وليد الخالدي وحسيب صباغ وباسل عقل، للتوسط بيننا وبين عرفات. واتصل بي الخالدي، وهو استاذ كبير في جامعة هارفارد، وكان زميلي سابقاً في الجامعة الاميركية، كي يقول لي انه تحدث مع عرفات وطلب منه ان يكون متعاوناً. وعندما ذهبت مع الرئيس الوزان للاجتماع بعرفات في تونس، غضب الاسرائيليون بشدة. فهم كانوا يريدون اجراء محادثات معنا على مستوى عال، مثل مستوى المحادثات التي نجريها مع المنظمة. وقالوا للاميركيين، اذا كان الوزان وسالم يستطيعان لقاء "الارهابيين" فلماذا يرفضان لقاء القادة الاسرائيليين؟ واتكلنا على حبيب ودرايبر وغيرهما لتخفيف المخاوف الاسرائيلية وإزالة هذا الحاجز النفسي الجديد، والتقينا عرفات يوم الثلاثاء في الأول من شباط فبراير عام 1983. وبعدها بأيام قليلة التقى اللواء قريطم عرفات ايضاً. وبعد هذه المحادثات، يمكن تلخيص موقف منظمة التحرير من الانسحابات كالآتي: "ستنسحب منظمة التحرير الفلسطينية بشكل كامل من لبنان، ويكون جدول الانسحاب الفلسطيني جزءاً من جدول الانسحاب السوري. وسيرتبط الانسحاب الفلسطيني بالانسحاب السوري فقط وليس بالاسرائيلي. وعندما يتم الاتفاق على هذا الجدول تقوم لجنة فلسطينية - لبنانية عسكرية بوضع تفاصيل الانسحاب. ويجب على الحكومة اللبنانية تأمين ضمانات للسكان المدنيين الفلسطينيين الباقين". وهكذا لم تنجح محاولتنا لاجلاء نحو الفي مقاتل فلسطيني كبادرة حسن نية.
بعد توقيع اتفاق 17 ايار مايو 1983 اللبناني - الاسرائيلي - الاميركي واتخاذ سورية موقفاً معارضاً منه، عارض ياسر عرفات هذا الاتفاق علناً وندد بشدة به، ثم بعث الينا برسالة شخصية حملها لنا حسيب صباغ وفحواها "ان عرفات لا يعارض الاتفاق على رغم انه ندد به علناً". وأضافت الرسالة انه "يجب عدم اعتبار هذا التنديد موقفاً رسمياً، ولو كان عرفات فعلاً ضد الاتفاق لدعا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الى الانعقاد واتخذ القرار من خلالها". وذكر عرفات في رسالته الينا ان موقفه العلني هدفه التخفيف من ضغط القوى الفلسطينية المتشددة المعارضة فعلاً للاتفاق.
"ننسحب خلال نصف ساعة"
على رغم اننا تفاوضنا كدولة ذات سيادة مع اسرائيل، الا ان سيادتنا كان معرضة للخطر. وكان الشعور، بأن اشراك السوريين في شكل كامل وفي كل التفاصيل قبل احراز تقدم كبير في المناقشات يمكن ان يؤدي الى خلل. وفي الوقت نفسه كنا نعرف ان فرص نجاح الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي ستكون ضئيلة من دون موافقة سورية، لذلك كنا نفاوض اسرائيل ونبقى على اتصال مع دمشق، لأننا نريد اتفاقاً يمكن ان توافق عليه سورية، اضافة الى ذلك، فان النقاش مع دمشق كان ضرورياً، ليس فقط لابقاء السوريين على اطلاع، ولكن للتوصل الى اتفاق على كل القضايا التي برزت منذ اندلاع الحرب.
تخللت العلاقات بين لبنان وسورية فترات مد وجزر منذ نشوء الدولتين. وشهدت علاقات البلدين فترات قصيرة من التعاون، الا ان التوتر كان يسود العلاقات اللبنانية - السورية معظم الاوقات، وكان يغلب عليها الكثير من الشك وسوء التفاهم. ومنذ الحرب العالمية الثانية سار كل من لبنان وسورية في اتجاهين معاكسين. ففي حين اتخذ لبنان منحى ليبرالياً ديموقراطياً، اتخذت سورية منحاً ثورياً اشتراكياً.
ومع مجيء الرئيس حافظ الاسد الى الحكم عام 1970، اتجهت بلاده الى التركيز على التطورات في المنطقة التي تضم كلاً من سورية والاردن وفلسطين ولبنان، من دون تجاهل القضايا العربية الاخرى. لذلك كان الاسد يولي اهتماماً كبيراً للتطورات في لبنان، خصوصاً ان هذه التطورات تشمل، اضافة الى اللبنانيين، الفلسطينيين والاسرائيليين. ودخلت قواته الى لبنان لتأمين التوازن والاستقرار فيه، ولحماية النظام السوري، وتقوية الموقف السوري اقليمياً ودولياً.
في تشرين الثاني نوفمبر 1982، ترأس الرئيس أمين الجميل اجتماعاً ضم كلاً من اللواء عباس حمدان واللواء سامي الخطيب وغسان تويني وجان عبيد وأنا. كان اللواء الخطيب قائداً لقوات الردع العربية في لبنان وصديقاً مقرباً جداً من القيادة السورية. وكان عبيد، وهو صحافي لبناني بارز، صديقاً للأسد وللرجال المقربين منه، كما كان صديقاً للرئيس امين الجميل وواحداً من القلائل الذين كانوا يتجرأون على تحدي بشير الجميل وصادق أمين علناً في وقت كان فيه التقرب الى أمين خطراً.
وكان الرئيس الجميل يرغب بايفاد عبيد كمبعوث خاص الى سورية. وكان عبيد الاختيار الصحيح لهذه المهمة، وهو ضليع بالقضايا اللبنانية والسورية والعربية ويمتاز بروح نكتة عالية. وكان صديقاً لزعماء من اليمين ومن اليسار، ولكن كانت له آراؤه الشخصية الخاصة به في ما يتعلق بلبنان. وباختصار، كان لبنانياً جيداً من المنظور الماروني مع توجه عربي شمولي من المنظور "الوطني".
وفي ظل وجود كل من الخطيب وعبيد الى جانبه، كان الجميل يأمل ببدء حوار ايجابي مع الرئيس الاسد. وبعد هذا اللقاء المطول التقيت عبيد في منزلي وقررنا ان يسافر الى دمشق في الايام القليلة المقبلة لاطلاع الاسد على تفكيرنا ولاستكشاف الاجواء في دمشق، وغادر حاملاً معه عموميات ايجابية وعاد بعموميات ايجابية ايضاً. اذ لم يكن هناك، بعد، اي شيء للاختلاف عليه، ولم يكن لسورية اعتراض على الدور الاميركي وعلى عملية المفاوضات كما كنا نتوقع.
وفي 8 كانون الثاني يناير 1983، التقى رئيس الوزراء شفيق الوزان الرئيس الاسد وعرض له جهودنا لاخراج اسرائيل من لبنان بواسطة الولايات المتحدة، وركز على التوجه الاسرائيلي المتشدد ازاء قضايا معينة وعلى الاصرار اللبناني على عدم الخضوع لأية مطالب يمكن ان تؤدي الى التنازل عن موقفنا. وكان الرئيس الاسد مرتاحاً لهذه التأكيدات، وهنأ الوزان على المنحى الوطني الذي تتخذه الحكومة اللبنانية. وفي هذا الاجتماع، المح الاسد الى الانسحاب السوري من لبنان في حال انسحاب الاسرائيليين منه. ولم يثر الوزان هذه النقطة مفضلاً اجراء مناقشات خاصة في هذا الموضوع حين نقترب من التوصل الى اتفاق مع اسرائيل.
كان الاميركيون منقسمين على منهجية التعاطي مع سورية، فشولتز كان يشعر بأنه يجب ان نتوصل الى شيء ملموس مع اسرائيل وبعد ذلك يمكننا التحدث عن شيء محدد مع دمشق. وكان يرى السياسة السورية في لبنان من منظور دولي. اما فيليب حبيب فكان له رأي مختلف، وشعر ان علينا التحدث مع السوريين في شكل منتظم ومستمر. وفي 14 شباط فبراير 1983 قال حبيب لي: "ثمة احتمالات بأن تكون سورية متشددة، لذلك يجب ان تقوموا بفعل شيء ما مع السوريين الآن. وعليكم استكشاف مدى استعدادهم لتقبل نتائج المباحثات الثلاثية. ويجب ان تطلعوهم بما فيه الكفاية كي لا يقولوا لاحقاً انهم لم يكونوا على دراية بما تفعلون. وبصراحة انا لا اعرف الكثير عن سورية ولكني اعرف انكم لا تفعلون ما فيه الكفاية".
التقيت خدام في لندن في 19 آذار مارس 1983عندما كنت عائداً من واشنطن ووضعته في صورة المباحثات مع الاسرائيليين. كان الاميركيون واثقين بأن عملية المفاوضات ستثمر، في حين لم يتوقع الاسرائيليون الكثير منها. ولم يكن لدى الاسرائيليين ثقة بأن الجيش اللبناني يمكن ان يحافظ على الاستقرار في البلاد. وقلت للوزير خدام ان الموقف الاسرائيلي كان العقبة الرئيسية التي واجهتنا في واشنطن. واوصى خدام بإجراء مناقشات جدية ومفتوحة مع شولتز ووصفه بالرصين والجدي. وأضاف: "لكن مشكلة شولتز الوحيدة هي انه يصغي اكثر مما يتكلم". وقلت له ان هذه ليست مشكلة بالنسبة اليك، وضحكنا سوياً تدليلاً على موافقته على هذا الرأي. وحثني خدام على اطلاعه باستمرار، وكتابة، عن تطور المفاوضات. وقال "ان عبيد يخبرنا عما رفضتم وهذا جيد، ونريد ان نعرف ماذا قبلتم. وعبيد تحدث الينا باسم الرئيس عن عموميات، وانا اريد تفاصيل مكتوبة. نحن موجودون في لبنان لمساعدتكم، استخدمونا كورقة ضاغطة. وعندما تتوصلون الى اتفاق مع اسرائيل من دون تنازلات، تعالوا الى دمشق، وخلال نصف ساعة نوافق على سحب قواتنا من لبنان. الاميركيون يسألوننا باستمرار عن الانسحاب، وهم يجبروننا على ان نجعلهم يستمعون الى تسجيل "سننسحب، سننسحب، سننسحب...".
اطلعت خدام على الضمانات التي سنعطيها لاسرائيل عبر الاميركيين وكان خدام يريد ان يعرف اذا كنا وافقنا على تطبيع العلاقات مع اسرائيل. فأجبته بالنفي، وباننا لن نفتح حدودنا مع اسرائيل ونغلقها مع الدول العربية. وحاولت الحصول على تعهد بجدول زمني للانسحاب السوري من لبنان، لكنه اصر على ان ذلك قضية تقنية تقع خارج اختصاصه. وسألته عما اذا كانت سورية توافق على استقبال بعض المقاتلين التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، لاننا لا نرغب في وجودهم عندنا. فأجاب بالنفي.
وسألني خدام عما اذا كنا توصلنا فعلاً الى اتفاق مع اسرائيل كما ابلغه السفير الفرنسي في نيودلهي، فأجبت: "عندما نصل الى اتفاق سأحضر الى دمشق واسلمك نسخة منه، ولكني اريد التشديد الآن على ان القرار بشأن الاتفاق هو قرار لبناني ولم نورطكم فيه. وفي سبيل التوصل الى اتفاق مع اسرائيل نأخذ في الاعتبار مصالح لبنان الوطنية ومصالح سورية الوطنية. فنحن لا تغيب عنا المصالح الكبرى والمتداخلة بين بلدينا، وعلى رغم ذلك اود ان أؤكد ان مشكلتنا مع اسرائيل مختلفة الى حد كبير عن مشكلتكم معها. عندكم، اسرائيل هي في الجولان اما عندنا فهي في قلب العاصمة وخطرها عندنا اكبر من خطرها عندكم ولذلك نحتاج لاخراجها قبل ان تؤثر على التركيبة اللبنانية.
واكد خدام ان سورية ستعمل ما في وسعها للمساعدة في تحقيق هذا الهدف، وقال ان لبنان دولة مستقلة، ومن الطبيعي ان يفعل ما هو لمصلحته. وعلى رغم ذلك فإن سورية تنظر الى القضية من منظور الصراع العربي - الاسرائيلي، ونحن نؤيد جهودكم لكننا ملتزمون ايضاً بنظرتنا الى الصراع، وآمل ان لا تتناقض جهودكم مع رؤيتنا.
اللقاء مع الأسد
كان واضحاً من محادثاتنا مع السوريين، مباشرة او بشكل غير مباشر، ان هناك احتمالاً للخلاف، وعلى كل حال فسورية لم تكن مرتاحة للدور الاميركي في لبنان وفي المفاوضات. وكانت تنظر الى الدور الاميركي ايضاً من منظور علاقاتها الحميمة مع الاتحاد السوفياتي. فالسوفيات، في عهد اندروبوف، دعموا سورية وسلحوها.
بعد اجتماعي الى خدام التقيت الرئىس اللبناني السابق سليمان فرنجية الذي كان يعرف سورية جيداً لوضعه في اجواء المباحثات. وفرنجية معروف بكرهه لكيسنجر، اذ كان يحمله المسؤولية الكبرى لاندلاع الحرب اللبنانية ولمحاولته حل قضية الشرق الاوسط على حساب لبنان. وكان فرنجية مقتنعاً بأن كيسنجر يريد تجزئة لبنان وتوطين الفلسطينيين فيه لتخفيف الضغط عن الضفة الغربية وغزة، وتحويل لبنان الى دويلات طائفية عوضاً عن لبنان الموحد وهكذا يؤمن لاسرائيل التمويه السياسي الذي تبغيه. وبرأيه ان كيسنجر عميل الصهيونية العالمية وهدفه الرئيسي تحسين مكانة اسرائيل في الشرق الاوسط. وتمتعت بلقاءاتي مع الرئيس فرنجىة، اذ كان من شمال لبنان، وكانت قريتي قريبة من قريته، وكان اخي الدكتور انطوان سالم طبيبه الخاص. وفرنجية قائد محبوب ومضيف كريم يشعر ضيفه بالراحة حتى في حال الاختلاف في وجهات النظر. وكان دائماً صريحاً معي ومفيداً ومنتقداً بشدة لسياسة حكومتنا في الاعتماد على الولايات المتحدة لاخراج اسرائيل. وكان يفهم الرئيس الاسد جيداً، واخبرني ان الاسد لن يرضى بأي اتفاق بين لبنان واسرائيل، وان اي اتفاق مع العدو سيؤدي فوراً الى اغلاق سورية لحدودها معنا. وقال لي انه في حال تهديد الاتفاق العتيد لسيادة لبنان فسيقود هو بنفسه حركة مقاومة وطنية. وقلت للرئيس السابق ان الاسد ليس لديه مشكلة مع الاتفاق الا اذا كان ينتهك السيادة ويعطي تنازلات لاسرائيل. وقال فرنجية: "لا تضيع وقتك، الاتفاق يعني تنازلات وليس لدينا اي مسار آخر سوى المقاومة الوطنية. يجب أن نقاتل". ولم يكن من المفيد محاولة تغيير رأي الرئيس السابق حيال وجهات نظر مقتنع بها بالعمق ويعرف الجميع انها ليست عرضة للتغيير بواسطة الحوار.
وبدأ عبيد، المبعوث الرئاسي، يتذمر من عدم حصوله على جميع الحقائق كي يقدمها للرئيس الاسد، وان الرئيس السوري يبدو اكثر اطلاعاً عما يجري في المفاوضات من عبيد. واشار الى ان الاسد قال له مرة: "دع الجميل يقول لك ما يقوله الاميركيون لنا على الاقل". وربما كان الاسد محقاً لان الجميل كان مقرراً ان لا يدخل في التفاصيل قبل التوصل الى اتفاق. كذلك فالجميل بطبعه حذر في معاملاته مع الغير، وهو يقسم الاشياء الى اجزاء مستقلة، واراد ان يعرف عبيد بعض الاجزاء وليس كلها. كان هذا اسلوبه، وكان مقتنعاً بأنه سيعطي كل التفاصيل كاملة بنفسه في الوقت المناسب.
بعد اللقاءات المكثفة مع شولتز، كنا مستعدين في اوائل ايار مايو 1983 لاعطاء الاسد رواية مفصلة عن التقدم الذي احرزناه. ولذلك توجهت الى دمشق يوم الاثنين في 2 ايار مايو، برفقة المبعوث الرئاسي جان عبيد واللواء عباس حمدان. والتقينا الرئيس الاسد في منزله. وكان اللقاء ودياً على الصعيد الشخصي متصلباً على الصعيد الرسمي.
وقدمت للأسد عرضاً مفصلاً عن كل النقاط التي برزت أثناء المفاوضات وأخبرت الاسد عن المطالب الاسرائيلية التي رفضناها وعن النقاط التي توصلنا الى اتفاق عليها وتلك التي ما زالت قيد التداول. واخبرته ايضاً عن لقاءاتنا المطولة مع شولتز وان نصوص الاتفاق المقترحة هي قيد التحضير الآن ونحن ننتظر التوصل الى نص موحد خلال اسبوع او اسبوعين. وأصغى الاسد بانتباه، وكان يستوقفني ويسأل بدقة عن كل بند متعلق بالشؤون العسكرية والامنية، خصوصاً عن سلاح الجو. واستفسر عن الترتيبات الامنية القريبة من الحدود السورية، وكان قلقاً بوضوح من اية مكاسب عسكرية تحصل عليها اسرائيل نتيجة ذلك. وعندما قلت له ان الاتفاق المقترح سينهي حالة الحرب بين اسرائيل ولبنان، سألني اذا كان يتوجب على لبنان الانسحاب من ميثاق الدفاع العربي، واجبته بالنفي.
وبعدما استمع الاسد الى العرض الذي قدمته قال لي: "نحن نتعاطف مع موقف القادة اللبنانيين ونقدر الظروف الصعبة التي يجدون انفسهم فيها. لكن وجهة نظرنا مختلفة عن وجهة نظركم. قال لي الجميل في نيودلهي ان سورية تستطيع العيش من دون مرتفعات الجولان ومصر تستطيع العيش من دون سيناء، لكن لا يمكن للبنان العيش من دون العاصمة والمنطقة الواقعة شمالها. هذا ليس صحيحاً، وكل بلد له مشاكله الخاصة والناس يتمسكون ببعضهم البعض اثناء الحرب. لقد فعل اجدادنا ذلك وطردوا الاجنبي، وحققوا هذ النصر عندما كانوا فقراء وغير متعلمين. الآن نحن متعلمون ويمكن ان نكون اكثر فاعلية. انا لا اصدق ان اسرائيل تستطيع تقسيم لبنان وتحويله الى دويلات طائفية فالاعتبارات الاقليمية والدولية تجعل من المستحيل قيام مثل هذه الدويلات. ان فكرة تقسيم لبنان بحد ذاتها قد تؤدي الى حرب اقليمية ذات عواقب دولية خطرة. وانا قلق على لبنان كما انني قلق على سورية. وعندما يتوحد اللبنانيون يمكنهم اخراج اسرائيل، والنضال وحده يحرر الامم. لقد حررنا سورية من العثمانيين والفرنسيين من دون ان يكون لدينا جيش كبير. فالتحرير مهمة الشعب، وهذا يأخذ وقتاً ويتطلب تضحيات. واسرائيل عدو ذو مزايا خاصة، اذ ليس من المتوقع ان تقف حدودها عند نهري الزهراني والليطاني. واسرائيل تطمح الى امبراطورية. هذا الاتفاق اللبناني - الاسرائيلي يقوي قيادة بيغن، واسرائيل لا تستطيع البقاء في لبنان الى ما لا نهاية. فجيشها في لبنان مكلف واقتصادها على حافة الانهيار. ان انسحابنا من لبنان ليس مشكلة ولكنه غير مرتبط في اي شكل بالانسحاب الاسرائيلي، وقد عبرت عن هذا الموقف لفيليب حبيب ان المسألة بينكم وبين اسرائيل مسألة "عض على الاصابع"، ويجب عليكم تحمل الالم والعرب كلهم معكم. يجب علينا عدم التعامل مع اسرائيل. وحتى حسني مبارك لم يرض بزيارة اسرائيل، وهو رجل طيب وانا اعرفه جيداً. وهو ليس مسؤولاً عن كامب دايفيد".
وتساءل الاسد عن السبب الذي يدفعنا للتوصل الى اتفاق مع اسرائيل. وقال ان موقعنا جيد، ونتمتع بدعم وطني واسع ونحن محترمون في العالم العربي. وتساءل عن السبب الذي يدفعنا الى تهديد موقفنا من خلال الالتصاق بالعدو.
وأشار الى ان لبنان على رغم انه محتل فهو في "موقع اقوى من سورية واسرائيل". فلبنان لم يقاتل اسرائيل ولماذا يتوجب عليه دفع الثمن. ثم انتقد الاسد الولايات المتحدة لانها سمحت لاسرائيل بالاصرار على شروط جديدة، وقال ان الانسحاب يجب ان يكون ضمن اطار القرار الرقم 425 فقط. واكد ان الجيش السوري لن ينسحب في حال حصول اسرائيل على مكاسب. ولم يكن الاسد قلقاً من وجود الجيش الاسرائيلي في لبنان لان سورية قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها. واذا ارادت الولايات المتحدةپاخراج الاسرائيليين من لبنان فليكن الامر كذلك، ولكن يجب عدم الخوض في نقاش بأن رحيل الجيش الاسرائيلي سيخفف الضغط على سورية. واضاف الاسد ان ما نفعله مع اسرائيل اسوأ من كامب دايفيد، فإنهاء حال الحرب يعني السلام. وقال ان سورية قطعت العلاقات مع مصر لانها ابرمت معاهدة سلام مع اسرائيل، ولا يمكن قطع العلاقات مع مصر وعدم قطعها مع لبنان.
كان رد الرئيس الاسد بليغاً، وهو رد مبني على نظرته الى التاريخ وعلى دور النضال في تحرير الشعوب. وكنت اتوقع معارضة سورية للاتفاق اللبناني - الاسرائيلي ولذلك قلت للصحافيين في دمشق اننا لا نملك الخيار بين التفاوض او عدم التفاوض عندما يكون ثلث بلدنا محتلاً، بما فيه العاصمة. وأضفت "اننا نتفاوض ضمن أطر الاستقلال والوحدة والسيادة، ومسؤوليتنا الاولى هي تحرير بلدنا من القوات الاجنبية. وأكدت اننا نفاوض من موقع قوة معنوية، وجئنا الى دمشق كي نتشاور مع الرئيس الاسد وسنأخذ وجهات نظره في الاعتبار، ولكن يجب أن لا ننسى ان البلد المحتل هو لبنان، وهو البلد الذي يعاني ويواجه ما يهدد وجوده". واكدت ان المفاوضات "هي في الاساس مسؤوليتنا على رغم اننا نعترف بأن للآخرين مصالح في هذه العملية، وبالأخص الشقيقة سورية".
الاسبوع المقبل:
الحلقة السادسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.