بعد محادثات استمرت يومين 19 و20 كانون الثاني - يناير - الماضي ونصف مع رئيس الحكومة التركية سليمان ديميريل نجحت سورية في الحصول على تعهد تركي بالتوصل الى اتفاق ثلاثي تتقاسم مياه نهر الفرات بين سورية وتركياوالعراق. وكان من الواضح ان هذا الاتفاق أتى بعد مفاوضات معمقة وفي الساعات الاخيرة لزيارة ديميريل الذي صرح بعد يوم من المحادثات انه "لا يوجد اي اتفاق في شأن المياه". لكن ديميريل أجرى بعد ذلك جولتين من المحادثات مع الرئيس حافظ الأسد وجولة موسعة مع رئيس الحكومة السورية محمود الزعبي وأركان حكومته كان نتيجتها المبدئية الاتفاق على ضرورة ارساء القواعد الفنية للاتفاق الثلاثي خلال العام 1993 بما يفسح المجال امام تقاسم الحصص بعد ذلك، حسب ما قاله وزير الخارجية التركي عصمت شيتين. لكن بعد مزيد من المباحثات التي شارك فيها الفنيون المتخصصون في شؤون المياه تم التوصل الى بيان مشترك جاء فيه ان "الجانبين اتفقا على التوصل الى حل نهائي قبل نهاية عام 1993 يحدد حصص الاطراف من مياه الفرات وذلك استكمالاً ولاحقاً للبروتوكول الموقع بين الحكومتين عام 1987. وتم تكليف وزيري الخارجية بمتابعة الموضوع". ومن المعلوم ان بروتوكول 1987 ينص على ان تسمح تركيا بمرور 500 متر مكعب من مياه الفرات لسورية التي تسمح بمرور 58 في المئة من هذه الكمية للعراق حسب اتفاق ثنائي وقّع عام 1990. المصادر السورية أعربت عن ارتياحها للاتفاق الجديد "لأننا نملك الآن موعداً محدداً لا يمكن تجاوزه بدلاً من الوضع السابق مما يسمح لنا بالسعي للحصول على حصص عادلة ومناسبة لجميع الاطراف تسمح للدول الثلاث بالتخطيط الواقعي لمشاريع الري والشرب والطاقة الكهربائية لديها". ومن المعلوم ان دمشقوبغداد تطالبان بحصة اكثر من كمية 500 متر مكعب الحالية والتي تشكل نصف تدفق النهر، وتعتبران ان حقهما في النهر يساوي ثلثي تدفقه أي نحو 660 متر مكعب في الثانية. الجانب التركي كان اشار الى ان تركيا "ستحتاج بعد امتلاء خزان سد اتاتورك الى كل قطرة مياه متوفرة بدلاً من ان تهدر في شط العرب". وستعكف اللجنة الثلاثية الفنية السورية - العراقية - التركية على بلورة الاتفاق الثلاثي بعد ان تأجل اجتماعها الاخير الذي كان مقرراً عقده في بغداد الى اجل غير مسمى بسبب الاوضاع بين العراق ودول التحالف الثلاث. وتعكس موافقة تركيا على تحديد موعد اقصى لتقاسم مياه الفرات التحول الملموس في العلاقات السورية - التركية والاتفاق الذي ساد بين الجانبين في شأن جملة من القضايا الاقليمية ودور كل منهما في المنطقة. كما انه يعكس اساساً توافقاً كبيراً في شأن القضايا الثنائية الاخرى مثل قضية أمن الحدود بعد تأكيدات الرئيس الاسد الواضحة بأن سورية "لا يمكن ان تكون وراء أي عمل ارهابي يهدد أمن تركيا"، وتأكيد ديميريل ان تركيا "لا يمكن أبداً أن تؤذي جارتها". كما انها تعكس، حسب مصادر تركية رفيعة المستوى، التحول في السياسة الخارجية التركية من التركيز على أوروبا والغرب الى التركيز على الشرق الاوسط كمجال حيوي طبيعي بعد رفض أوروبا لتركيا وغياب الدور التركي الاستراتيجي في حلف الاطلسي زمن الحرب الباردة. وتشير المصادر الى ان سورية هي "مفتاح مهم من مفاتيح السياسة الشرق اوسطية لا يمكن لتركيا العبور الى قلب المنطقة سياسياً واقتصادياً من دون المرور به". اما بالنسبة الى سورية فهي تعتبر ان قيام علاقات جيدة ومتطورة مع دول الجوار مثل ايرانوتركيا أمر ضروري للأمن القومي العربي وان نجاح سورية في تجاوز الخلافات والتوترات السابقة مع تركيا مثال ممتاز على امكانية تجاوز اي خلاف بين دولة عربية او اكثر مع اي دولة من دول الجوار. كما ان الجانبين تجمعهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على العراق من التقسيم وقيام دويلات اقليات فيه، وان كانت المصادر السورية تشدد على ان حرص سورية على وحدة العراقينبع من نظرة قومية وليس من الخوف من انعكاس أية نتائج لانقسامه على سورية. اما بالنسبة الى نهر دجلة فان المصادر السورية قالت انه يمكن تأجيل البحث التفصيلي في هذا الموضوع الى ما بعد التوصل الى الاتفاق الثلاثي في شأن الفرات. فهذا الاتفاق سيخلق السابقة التي يمكن على اساسها تقاسم مياه دجلة بسهولة اكبر. كذلك فان موضوع الفرات اكثر اضطرارية لأن هناك مشاريع اقيمت فعلاً على الفرات للري والشرب والطاقة لا تستطيع سورية الاستفادة منها بسبب نقص الكمية المتوفرة حالياً وعدم التأكد من الكميات التي ستحصل عليها في المستقبل. اما بالنسبة الى دجلة فان سورية، على رغم انها وضعت خططاً تفصيلية للاستفادة من حصتها فيه، الا ان تنفيذ هذه المشاريع لن يبدأ قبل النصف الثاني من التسعينات لأن مساحة الأراضي المخطط ريها في مشروع دجلة والتي تصل الى 150 ألف هكتار تدخل في اطار مخطط الامن الغذائي السوري حتى عام 2015. وتقدر حصة سورية من مجمل تدفق نهر دجلة عند الحدود السورية - العراقية - التركية بپ125 متراً مكعباً في الثانية من أصل 600 متر هي اجمالي التدفق. وما عدا موضوع الفرات والوضع في العراق فان البيان المشترك لم ينص على اتفاقات محددة في المجالات الاقتصادية لكنه وضع الاطار العام للاتفاقات المستقبلية للتعاون في جميع المجالات الاقتصادية بما يؤكد ان صدور البيان المشترك كان للتدليل على اهمية التغير الكبير في الاجواء بين البلدين.